أوراق و دراساتسياسية

مآلات الحرب الروسية الأوكرانية على القارة الإفريقية

تُشكل الحرب الروسية على أوكرانيا متغيرًا مهمًا في السياق الدولي له انعكاساته في كل أنحاء العالم، ولعل التداعيات الأوسع والأكثر تأثيرًا من المتوقع أن تكون في القارة الإفريقية، في ضوء استمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، على الرغم من أنها تمثل في الوقت نفسه فرصة للدول الأفريقية لتحقيق مكاسب اقتصادية في ضوء ارتفاع أسعار النفط والغاز، وتحول دول أوروبا إلى القارة الأفريقية لتصبح بديلًا جيوستراتيجياً للغاز الروسي، حيث بدأت كثير من القوى الدولية والإقليمية الفاعلة في العمل على إعادة تموضعها من أجل تحقيق مصالحها وتأمين أمنها القومي، عبر إنشاء قواعد عسكرية ومنصات لتبادل المعلومات الاستخباراتية مع دول القارة، ما يرجح احتمالية عودتها للتحول إلى إحدى جبهات الحرب الباردة المستقبلية.

ومع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، أشارت العديد من التقارير إلى سحب موسكو لعدد من عناصر قوات “فاجنر” من أفريقيا للحاق بالعملية العسكرية في أوكرانيا، وسط تكهنات حول مدى تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية على دور “فاجنر” في القارة الأفريقية. وتزامن مع هذه الخطوة الروسية تباين المواقف الأفريقية تجاه الأزمة الروسية- الأوكرانية في الأمم المتحدة بين الإدانة والصمت الحذر، وهو ما يكشف عن مدى تشابك المصالح الاقتصادية والأمنية بين موسكو وبعض الدول الأفريقية بفضل التحركات الروسية خلال السنوات الأخيرة، مما يثير المزيد من القلق بالنسبة للقوى الدولية الفاعلة في القارة مثل الولايات المتحدة وفرنسا في ضوء الصعود الروسي المتنامي على الساحة الأفريقية.

لذا، تحاول الدراسة الإجابة على سؤال رئيسي مفاده ما هي تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على دور “موسكو” في القارة الإفريقية في ظل مآلاتها على دول القارة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا؟

المحور الأول: العلاقات الروسية – الإفريقية.. مسارات متعددة   

في 2 مارس 2022، عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسة استثنائية لمناقشة تطورات الحرب الأوكرانية، وأسفرت تلك الجلسة عن تبنى قرار يطالب بإنهاء “العدوان الروسي” على أوكرانيا بشكل فوري وكامل وغير مشروط، وانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية، واحترام الحدود المعترف بها دوليا، ويؤكد استقلال وسيادة الأراضي الأوكرانية.

وبالنظر إلى السلوك التصويتي للدول الأعضاء بالجمعية العامة بشكل عام، نجد أن القرار حظي بتأييد أغلبية الدول الأعضاء، والتي بلغ عددها نحو 141 دولة، أي بما يعادل 73 %من إجمالي عدد الدول الأعضاء بالجمعية العامة لألمم المتحدة (193 دولة)، فيما عارض القرار 5 دول فقط؛ وهي: روسيا، وبيلاروسيا، وإريتريا، وسوريا، وكوريا الشمالية، وامتنعت نحو 35 دولة عن التصويت([1]).

اولا، السلوك التصويتي للدول الإفريقية تجاه الحرب الروسية الأوكرانية :

فيما يتعلق بالسلوك التصويتي الإفريقي إزاء قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بشأن إدانة روسيا، فقد تباينت مواقف الدول الأفريقية، ولكن أبرز ما ميزها كان الصمت الجماعي لأغلبية دول القارة، ويرجح ذلك انتظارا لحسم الموقف في وقت وجيز وبناء التوجهات والمواقف على ذلك:

– منظمة الاتحاد الأفريقي: عبرت قيادته ممثلة في رئيسها ماكي سال (رئيس السنغال) ومفوض الاتحاد موسى فكي عن قلقها البالغ إزاء الأوضاع الخطيرة في أوكرانيا، ودعت إلى احترام القانون الدولي والسلامة الإقليمية والوطنية واحترام سيادة أوكرانيا، وحثت الطرفين على الوقف الفوري لإطلاق النار وفتح قنوات المفاوضات السياسية دون تأخير تحت رعاية الأمم المتحدة.

– مجموعة الإيكواس: أدانت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا حرب روسيا على أوكرانيا، ودعت الأطراف المتقاتلة إلى حل الخلافات بالحوار، وطالبت بضمان سلامة كل مواطني “الإيكواس” الذين يعيشون في أوكرانيا([2]).

– أيد القرار نحو 28 دولة إفريقية (من إجمالي 54 دولة إفريقية عضو بالجمعية العامة للأمم المتحدة) أي ما يعادل 51% من الدول الإفريقية الأعضاء، فيما بلغ عدد الدول التي امتنعت أو تغيبت نحو (25) دولة أي ما يعادل 46%، حيث امتنعت (17) دولة أفريقية عن التصويت لصالح القرار الأممي وهي أفريقيا الوسطى ومالي والسودان وجنوب السودان وموزمبيق وتنزانيا ومدغشقر وناميبيا وأوغندا وزيمبابوي، فيما تغيبت (8) دول إفريقية عن التصويت من بينها إثيوبيا والمغرب والكاميرون، وعارضت دولة إفريقية واحدة فقط القرار وهي إريتريا([3]). حتى إن عددا من الدول الإفريقية التي أيدت القرار أو امتنعت عن التصويت أو تغيبت عنه أصدرت بيانات اتسمت بدبلوماسية شديدة، وقدرا كبيرا من الحرص على توضيح أن هذا السلوك التصويتي نابع من رغبتها في إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتجنيب البلاد مزيدا من الضحايا واللاجئين وإفساح الطريق أمام بدء المفاوضات، والتوصل إلى تسوية سلمية تضع حدا لتلك الحرب.

ويوضح السلوك التصويتي الإفريقي، كيف استطاعت روسيا على مدار السنوات الماضية أن تكون فاعلا رئيسا بالمشهد الإفريقي، وارتكنت في ذلك إلى الذاكرة التاريخية للشعوب الإفريقية، والتي لم تنس الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفيتي للعديد من حركات التحرر الإفريقية إبان ذروة الحرب الباردة في الخمسينيات ومطلع الستينيات. هذا، ولم تسعى الدول الإفريقية في اللحظة الآنية للاختيار لآي من الكتلتين الغربية أو الشرقية وإنما الحفاظ بحرص على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، وتجنب التضحية خصوصا الشريك الروسي، حيث استطاعت منذ عودة انخراطه في دول القارة أن يكسب ثقة قادتها وكذا الشعوب بما يتجاوز فكرة توطيد النفوذ على الساحة الإفريقية إلى تقويض النفوذ التقليدي، الذي ترسخ على مدار عقود لقوى أخرى، مثل فرنسا.

ثانيا، مسارات العلاقات الروسية -الإفريقية:

تقدم روسيا نفسها لدول القارة الإفريقية وخاصة منطقة القرن الإفريقي على أنها شريك لا يمكن الاستغناء عنه، ومن هنا، تمثل التحركات الروسية في المنطقة تحديًا بالنسبة لإعادة صياغة النفوذ الجيوسياسي في منطقة البحر الأحمر؛ حيث ترتبط تحركاتها في المنطقة بسعيها الحثيث إلى خلق نظام دولي متعدِّد القُطبية، يهدف إلى مواجهة تأثير القوى الدولية في مناطق الصراع على النفوذ، ومنها إفريقيا، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما يدفع الروس إلى محاولة احتضان عددٍ من دول المنطقة مثل السودان وإريتريا، باعتبارهما مدخلاً مهمًّا إلى إفريقيا، وللتواجد بشكل مكثف في القرن الإفريقي.

فهناك نشاط روسي متنامٍ باتجاه عودة العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع قارة إفريقيا، لا سيما القرن الإفريقي، واتخذت العلاقات الروسية – الإفريقية العديد من المسارات؛ في الآتي:

(أ) الزيارات والعلاقات الدبلوماسية المتبادلة:

أفضى تزايد الاهتمام الدولي بالقارة الأفريقية، إلى أن تصبح العلاقات بين الروس والأفارقة أکثر ديناميكية، لتسهيل الوصول الآمن إلى الموارد الطبيعية واحتياطيات الطاقة، فضلاً عن الزيارات الرسمية التي قام بها القادة الأفارقة إلى موسكو، إذ زار 12 قائداً أفريقياً موسكو منذ عام 2015، وشهد عام 2018 ست زيارات.

وينظر إلى القمة التي عقدت بين روسيا ودول أفريقيا في مدينة سوتشي المطلة على البحر الأسود في 23 أكتوبر 2019 – خاصة في ظل تأكيد فلاديمير بوتين بأنه لن نشارك في عملية إعادة تقسيم الثروة في القارة؛ وبدلاً من ذلك، نحن مستعدون للدخول في منافسة للتعاون مع أفريقيا، لدينا الكثير لنقدمه لأصدقائنا الأفارقة – بوصفها منطلقاً لتعزيز العلاقات بين الجانبين، إذ تم تحديد المجالات ذات الأولوية للتعاون الاقتصادي وعلى رأسها الطاقة، بما في ذلك مصادر الطاقة المتجددة؛ وتطوير البنية التحتية، وخاصة بناء السكك الحديدية والمساكن؛ والتعدين ومعالجة المعادن؛ الزراعة والتقنيات الرقمية، والطب والعلوم والتعليم([4]).

(ب) توطيد العلاقات الاقتصادي:

بلغ حجم التبادل التجاري السنوي بين روسيا والدول الأفريقية 14.5 مليار دولار في عام 2020، كما استوردت الدول الأفريقية من روسيا منتجات زراعية بقيمة 4 مليارات دولار في عام 2020، حوالي 90% منها عبارة عن قمح، و 6% زيت دوار الشمس([5]). وقد وقعت روسيا والدول الافريقية اتفاقيات ومذكرات تفاهم بنحو 12,5 مليار دولار، وقامت بإلغاء ديون بقيمة 20 مليار دولار في عام 2012.

تتركز الاستثمارات الروسية في إفريقيا بشكل كبير في قطاعات النفط والغاز والتعدين والطاقة النووية، وتقدم روسيا مساعدات لإفريقيا بحوالي 400 مليون دولار سنويًا، يتم توزيع نحو 60% منها عبر منظماتٍ دولية، مثل: برنامج الغذاء العالمي، ووكالة الأمم المتحدة للاجئين.

ويعد مشروع المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أحد أهم المشاريع الروسية خارج أراضيها، بلغ حجم رؤوس الأموال الروسية فى مشروعات البنية التحتية للمشروع نحو 190 مليون دولار. فهناك 30 شركة روسية تعمل في مناطق وقطاعات مختلفة في إثيوبيا، كما أبدت الشركات الروسية اهتمامها بمجال التعدين في إريتريا، فضلاً عن الإمكانات الاقتصادية في الصومال وجيبوتي([6]).

(ج) التعاون في مجال الطاقة النووية:

حظي التعاون النووي الروسي-الأفريقي بمساحة واسعة عندما أعلنت شركة روساتوم الروسية عن توقيعها اتفاقية مع نيجيريا لبناء محطة للطاقة النووية وتشغيلها، وتأسيس مركز أبحاث في أكبر اقتصاد في أفريقيا. كما وقع الروس خلال قمة سوتشي 2019، اتفاقيات تعاون مختلفة في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مع 18 دولة، بما في ذلك مذكرة تفاهم مع إثيوبيا للتعاون في مجال الطاقة النووية للاستخدامات السلمية. واشتملت الصفقة أيضاً إنشاء مركز للعلوم والتكنولوجيا النووية في إثيوبيا، وبناء محطة نووية عالية الطاقة، إضافة إلى التعاون في مجال مراقبة المواد النووية المشعة، وإنتاج النظائر لاستخدامها في الصناعة والطب والزراعة([7]).

(د) التعاون الأمني والعسكري:

تمكنت روسيا من أن تصبح أكبر مصدِّر للأسلحة إلى إفريقيا لتمثل نحو 49% من إجمالي صادراتها إلى القارة السمراء، وذلك بناء على قاعدة البيانات في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، كما تمثل حصتها نحو 37.6% من حصة سوق السلاح الإفريقية، تليها الولايات المتحدة 16%، وفرنسا 14% والصين 9%. فقد بلغ 1,7 مليار دولار خلال عام 2020 ومطلع 2021 فقط.

نشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الإفريقية؛ فوقَّعت منذ عام 2015 نحو (21) اتفاقية عسكرية مع دول، من بينها: أنغولا، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وتشاد، وإثيوبيا، وغينيا، ومدغشقر، ونيجيريا، والنيجر، وسيراليون، وتنزانيا، وزيمبابوي. وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات متعددة، منها: التدريب الأمني والعسكري، وتبادل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب([8]).

كما تقدم موسكو تدريبا عسكريا لنحو 500 عنصر إفريقي بالأجهزة الأمنية والقوات المسلحة سنويا، ورغم ضآلة هذا الرقم لكن التدريب يضطلع بدور حيوي في إعادة هيكلة العلاقات المدنية العسكرية في القارة الإفريقية، وتشير التقارير إلى أن عددا من الضباط الذين نظموا الانقلابين العسكريين في مالي في عام 2020 و2021 تلقوا تدريبهم في روسيا، ومن ثم لم يجدوا غضاضة في التصعيد مع فرنسا حتى انسحبت عسكريا بشكل نهائي من مالي، ما أفضى إلى تحول جذري في الاستراتيجية الفرنسية إزاء إفريقيا([9]).

هذا، وشهدت الأعوام الأخيرة حضورًا متناميًا لمجموعات عسكرية روسية غير رسمية في إفريقيا، تأتي على رأسها مجموعة “فاجنر”، التي تحظى بقدرٍ كبيرٍ من الترحيب الأفريقي على المستويين الرسمي والشعبي في بعض الدول الأفريقية مثل مالي وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، خاصة في ظل الإخفاق الأوروبي لا سيما الفرنسي في مواجهة التنظيمات الإرهابية في الساحل وغرب أفريقيا، وهو ما ترتب عليه المطالبة بطرد القوات الفرنسية والاستعانة بالدور الروسي لمواجهة الإرهاب، في محاولة للهيمنة على بعض الملفات المهمة مثل ملف الإرهاب والهجرة غير الشرعية واللاجئين، مما أثار المخاوف الدولية من تنامي ملحوظ للدور الروسي على حساب المصالح الغربية في أفريقيا.

وتنتشر مجموعة “فاجنر” في العديد من الدول الأفريقية، حيث توجد لديها مكاتب في 23 دولة أفريقية. وتنخرط قواتها بشكل أكبر في بعض مناطق الصراعات، إذ تشير التقديرات إلى انتشار نحو 160 مقاتلا في موزمبيق عام 2019 في منطقة كابو ديلجادو الغنية بالغاز وذات الأغلبية المسلمة، ونحو 2000 عنصر من “فاجنر” في أفريقيا الوسطى منذ عام 2018، بينما ينتشر حاليًّا في مالي 800 عنصر في مناطق سيكاسو وموبتي في وسط البلاد وتمبكتو في شمال البلاد، وذلك وفقًا لاتفاق أمني بين الطرفين بموجبه ينتشر نحو 1000 عنصر في البلاد([10])، وهو ما يعزز دور “فاجنر” في القارة الأفريقية بما يخدم النفوذ الروسي في المناطق الاستراتيجية بأفريقيا مثل الساحل وغرب أفريقيا لا سيما أنها تمتلك العديد من الثروات والموارد الطبيعية التي تتهافت عليها جميع القوى الدولية.

تتعدى أنشطة مجموعة فاجنر المجال العسكري الأمني المرتبط بالمشاركة في القتال وتدريب القوات وحماية المسؤولين، إلى الاقتصادي، حيث تقوم في جمهورية إفريقيا الوسطى على سبيل المثال بحماية مناجم الذهب والماس في البلاد، مقابل نسبة من الإيرادات، وتقع معظم هذه المناجم بالقرب من مدينة بامباري في المناطق الشمالية الشرقية من البلاد. وحصلت شركة (Lobaye Invest) الروسية على ترخيص للبحث عن الذهب والماس واستخراجهما بعد أشهر قليلة من إرسال موسكو معدات عسكرية إلى العاصمة بانغي، في عام 2018.

برز ظهور “فاجنر” في السودان بعد التوقيع عام 2017، على اتفاقية اقتصادية متعلقة بمجال التعدين بين وزارة الثروة المعدنية السودانية وشركة م-إنفيست (M-Invest) ذات الصلة بممول مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين. على إثر ذلك، تدفق المتعاقدون العسكريون الروس على السودان لحماية المصالح التجارية الروسية، ونشطت المجموعة في مدن سودانية مختلفة منها الخرطوم وبورتسودان، ودربت قوات الدعم السريع وعناصر عسكرية وأمنية سودانية([11]).

وأخيرا، هناك موجة من التوجس لدى الدوائر الغربية من المساعي الروسية للعودة إلى منطقة القرن الإفريقي؛ لعدة أسباب: تتمثل أبرزها في التخوف من تكتل روسي صيني في المنطقة، وما يمكن أن يترتب عليه من إقامة شراكة بين روسيا والصين على حساب المصالح الغربية في القارة الإفريقية؛ بحيث يكمّل بعضهما البعض، سواء في إطار بريكس أو الاتفاقيات الثنائية الروسية الصينية، وهو ما برزت بعض بوادره في عرض الصين على روسيا السماح لحاملة الطائرات الروسية Admiral Kuznetsov بالهبوط في القاعدة الصينية بميناء جيبوتي، بعد فشل التوصل إلى اتفاق مشترك بين الروس وجيبوتي بشأن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على أراضيها.

المحور الثاني: تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية في القارة الإفريقية: وتصاعد “موسكو”

شرعت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية بمجرد اندلاع الحرب الروسية في فرض المزيد من العقوبات على روسيا بهدف إجبارها على إنهاء العملية العسكرية في أوكرانيا، ويمكن أستعراض بعض التأثيرات المحتملة للحرب الروسية- الأوكرانية على دور موسكو في أفريقيا، فضلا عن التداعيات الاقتصادية والسياسية المحتملة لتلك الحرب على أفريقيا، ويُمكن استعراضها مع تحليل المكاسب المحتملة من جراء ارتفاع أسعار مصادر الطاقة والمعادن.

أولا، تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على القارة الإفريقية:

لا شك في أن ثمة أزمة ستشهدها الدول الأفريقية جراء الحرب الروسية الأوكرانية، إذ إن مستقبل علاقاتها بموسكو سيتأثر مع تصاعد التوترات بين روسيا والغربي، وذلك على النحو التالي: 

(أ) التداعيات الاقتصادية:

1- تراجع النمو الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية المباشرة: فمن المتوقع تأجيل بعض الاستثمارات الأجنبية، حيث إن هناك نحو 92 صفقة بين روسيا ودول أفريقية بقيمة إجمالية 13.95 مليار دولار تم إبرامها في السنوات الأخيرة، كما أن حالة عدم اليقين والاضطرابات التي تسببت فيها الحرب ستؤدي إلى رفع أسعار الفائدة وتقليل فرص الحصول على الائتمان في أفريقيا، الأمر الذي يؤثر بدوره على تنفيذ أهداف السياسة النقدية بدول القارة وسط أعباء إضافية لجائحة كورونا([12]).  وبالفعل وارتفعت مديونية الدول الأفريقية إلى 70% من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة من 2014 الى 2021، وأصبحت 23 دولة افريقية تعاني من مخاطر عالية فيما يتعلق بالمديونية، فضلا عن انخفاض سعر صرف العملات الوطنية في معظم الدول الافريقية.

2- تفاقم أزمة الجوع وتهديد الأمن الغذائي: وقد حذرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا من تفاقم أزمة الغذاء فى أفريقيا نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، والتي أدت إلى معاناة نحو 278 مليون شخص في أفريقيا خلال عام 2022 من انعدام الأمن الغذائي (أن 22 مليون شخص على الأقل في منطقة القرن الأفريقي)،  ويتوقع أن يصل إلى 310 مليون عام 2030، ويبلغ حجم استيراد افريقيا من الغذاء 100 مليون طن، ونحو 75 مليار دولار فاتورة استيراد القارة من الأغذية، 36 مليار دولار نسبة الاحتياجات السنوية للقضاء علي الجوع، 65% نسبة الأراضي الصالحة للزراعة([13])، فقد بلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي 62% في إفريقيا الوسطى، 52% في الكونغو، 51% في مالاوي، 43% في الصومال، 41% في موزمبيق([14]).

وذلك بسبب التضخم والزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والزيوت بصورة خاصة في أعقاب اضطراب سلاسل الإمدادات، حيث تستورد دول القارة 30% من هاتين الدولتين. إذ بلغت قيمة واردات إفريقيا من المنتجات الزراعية من روسيا في عام 2020، حوالي 4 مليارات دولار، 90٪ منها قمح، بينما بلغت الصادرات الأوكرانية من المنتجات الزراعية لإفريقيا ما قيمته 2,9 مليار دولار، كان حوالي 48٪ منها قمحًا، و31٪ ذرة. وخلال الموسم الزراعي 2020-2021 اتجه 36% من إجمالي صادرات أوكرانيا من القمح إلى إفريقيا([15]).

3- ارتفاع معدلات التضخم: وأوضحت اللجنة تجاوز التضخم في بعض البلدان الأفريقية مثل أثيوبيا وغانا وأنجولا نسبة ال20%، نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء واضطراب سلاسل الامدادات وزيادة التنافس في الأسواق العالمية من أجل الحصول على المنتجات الغذائية، وهو الأمر الذي يزيد من خاطر سوء التغذية وأزمات الغذاء في أفريقيا وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية وخاصة الزيوت والخضروات والفواكه والسلع الأساسية في أفريقيا بنسب تتراوح من 10% في دول مثل المغرب، إلى 50% في دول مثل كينيا، وتراجع القوة الشرائية للأسر بنحو 40%، مما يحد من قدرة الفقراء على تحمل أي زيادة مستقبلية في الأسعار([16]).

وأنه من أجل حماية أفريقيا، يتعين تحقيق المزيد من التكامل فيما بين دول القارة وتحسين سلاسل الامداد في أفريقيا ولهذا أنشأت اللجنة الاقتصادية لافريقيا منصة ATEX لتسهيل التبادل التجاري الأفريقي والاستجابة للأزمة الغذائية الحالية مثلما حدث أثناء جائحة كوفيد-19 من خلال وضع آليات للعرض والطلب والشراء فيما بين الدول الافريقية بما يضمن صمود القطاع الغذائي في أفريقيا. 

والجدير بالذكر، إن سوق الأسمدة يعد أمرا حيويا لزيادة الإنتاج المحلي من المحاصيل الزراعية في أفريقيا، وأن مصر والمغرب وأنجولا تُصدر أسمدة بقيمة 7.45 مليار دولار، ومن المهم توجيه هذه الصادرات من الأسمدة إلى البلدان الأفريقية الأخرى لسد الفجوة في الإنتاج الزراعي في أفريقيا نتيجة الأزمة الأوكرانية. 

4- اضطراب سلاسل توريد الأغذية: دعت المسئولة باللجنة الاقتصادية لافريقيا دول القارة إلى العمل على تنويع صادراتها وتقليل الاعتماد على تصدير المواد الأولية، حيث أن 60% من صادرات أفريقيا هي من المواد الأولية الخام. كما دعت الدول الافريقية إلى العمل على زيادة الصادرات الصناعية والاندماج في سلاسل الإمدادات وسلاسل القيمة المضافة، لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة الأزمات الحالية والمستقبلية([17]).

(ب) التداعيات السياسية:

1- تراجع القارة الإفريقية في بؤرة اهتمام الجهات المانحة الدولية: نجد أن الأولوية لدى الجهات الدولية المانحة في التوقيت الحالي توجيه المساعدات الإنسانية لضحايا الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يأتي على حساب المساعدات المُوجهة لدول القارة. ونجد أن برنامج الأغذية العالمي، ووكالات المعونة الأخرى تعاني من تحدي الارتفاع الكبير في الأسعار؛ إذ لم تعد ميزانياتهم تغطي ما كانت تغطيه من قبل من نفقات، وبالتالي لا يستطيعون تقديم مساعدات إنسانية سوى لعدد أقل بكثير من المحتاجين، وهو ما يعني تزايد أعداد الذين يموتون جوعًا في منطقة القرن الإفريقي.

2- تزايد فرص اندلاع الصراعات: من المُحتمل أن تشهد دول القارة المزيد من الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، وذلك في ضوء أن تدهور الأمن الغذائي مُحفز قوي لاندلاع الصراعات التي قد تمتد إلى نشوب حرب أهلية، حيث يتنافس الناس على الحصول على المياه والأراضي الصالحة للزراعة([18]).

– التداعيات الاجتماعية: تتسبب تفاقم الأزمة الغذائية في إرغام ملايين العائلات المُقيمة في المناطق الريفية في كينيا والصومال وإثيوبيا على ترك منازلهم، ونجد أن هناك انعكاسات سلبية تحدث عند النزوح للبحث عن سبل العيش؛ إذ إن هناك تهديدات تواجه النساء في القرن الإفريقي عند النزوح من مكان لآخر، تتمثل في تزايد احتمال تعرضهن للخطف والتحرش. 

ثانيا، تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على دور “موسكو” في القارة الإفريقية:

يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنجح في عزل روسيا عبر التقارب مع دول القارة الأفريقية، إذ استطاعت موسكو المحافظة على النجاح النسبي الذي تحقق في إفريقيا خلال العقدين الماضيين وضمان استدامته في ظروف إقليمية ودولية سريعة التغير وبالغة التعقيد. وذلك على النحو التالي:

(أ) توسيع وزيادة النفوذ الروسي في القارة الإفريقية:

عكست زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الأخيرة في 6 فبراير 2023، والتي شملت السودان مالي وموريتانيا تصاعد النفوذ الروسي في القارة الإفريقية، في محاولة لتصوير روسيا كشريك في تنمية أفريقيا، خاصة في قطاع الأمن والطاقة. كما أعلن في جنوب أفريقيا عن مناورة بحرية مشتركة متعددة الأطراف بين جنوب أفريقيا وروسيا والصين، والتي أطلق عليها اسم “عملية موزي” في الفترة من 17 إلى 27 فبراير 2023 قبالة ميناء ديربان، وفي لواندا عن اتفاقية محتملة لمساعدة أنجولا في تطوير برنامجها للطاقة النووية([19]).

يكمن الهدف الرئيس لزيارة السودان – بالإضافة إلى تناول المباحثات القضايا الثنائية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وآليات رفع ميزان التبادل التجاري والاستثمارات الروسية في البلاد، خصوصاً تلك المتعلقة بالبنية التحتية([20]) – رغبة روسيا في وفاء الخرطوم بالتزاماتها والسماح بإقامة القاعدة البحرية والمركز اللوجستي وتنفيذ الاتفاقية المصدق عليها من بوتين في 16 فبراير 2020، وتضمنت إقامة إنشاءات على الأرض المحاذية لساحل القاعدة بنحو 50 كيلومترًا إلى الداخل السوداني، تُنصب فيها هوائيات وأجهزة تنصت، وتُستخدم في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد طواقم السفن الروسية، وتحدد الاتفاقية إمكانية بقاء 4 سفن حربية حدًّا أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ السودان ومطاراته أسلحة وذخائر ومعدات ضرورية لتشغيل تلك القاعدة.

وبالرغم من أصدار الحكومة السودانية قراراً بتجميد الاتفاقية في أبريل 2021، فإن الاتصالات بين روسيا والسودان لم تتوقف، وشهدت العديد من الزيارات التي قام بها بعض المسؤولين السودانيين إلى روسيا، منهم زيارة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بين 23 فبراير – 3 مارس 2022، في بدايات الهجوم الروسي على أوكرانيا، وتم خلالها تقديم تعهدات إلى الجانب الروسي بخصوص السير قدمًا في تنفيذ بنود الاتفاقية، في محاولة للمناورة بالورقة الروسية في مواجهة الغرب حتى يتجاوزوا أزماتهم الاقتصادية والسياسية([21]).

ويبدو أن السودان سيكون محطة تنافس جديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، حيث تتزامن زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للخرطوم، مع وصول 6 مبعوثين من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، ما يعد مؤشراً على مستوى التنافس المتصاعد بين الكرملين وخصومه الغربيين داخل القارة الإفريقية، كما أكد الناطق باسم الجيش السوداني إن فريقاً من خفر السواحل الأميركي وصل إلى ميناء مدينة بورتسودان شرقي البلاد، في زيارة تستمر 5 أيام، لبحث سلامة وأمن السفن والمرافق البحرية.

وفي إطار تكريس التنافس الدولي في إفريقيا، جاءت جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 26 يناير 2023 والتي تضمنت جنوب إفريقيا وأنغولا ومملكة إسواتيني وإريتريا، وذلك في إطار التحضير للقمة الإفريقية الروسية التي تستعد موسكو لاستضافتها نهاية يوليو 2023 في مدينة سان بطرسبرج، واستقطاب الدول الإفريقية للبريكس، ذلك للرد على التحركات الأمريكية الراهنة المتعلقة بطرح فكرة انضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة دول العشرين، في محاولة لدحض الادعاءات الغربية بتراجع النفوذ الروسي، والتأكيد على فشل مساعي فرض العزلة على موسكو([22]).

وقبلها زيارته في نهاية يوليو 2022، والتي شملت (الكونغو وأوغندا ومصر وإثيوبيا)، وكانت الأولى منذ بداية الأزمة الأوكرانية نهاية فبراير 2022، محاولة تعزيز الشراكة وتوسيع التعاون مع دول القارة من خلال القوة الناعمة، كما أن علاقات روسيا مع دول شمال إفريقيا، كالجزائر ومصر، تمثل مرتكزا دائما اقتصاديا وتسليحيا. وقد تزامنت هذه الزيارات مع الجولة الإفريقية الأولي للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أيضا في فترة ولايته الثانية([23]).

(ب) تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على دور “فاجنر” في إفريقيا

ومع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، أشارت العديد من التقارير إلى سحب موسكو نحو 400 من عناصر قوات “فاجنر” التي تتمركز في عدد من الدول الأفريقية مثل أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، للحاق بالعملية العسكرية في أوكرانيا، الأمر الذي قد يدفع البعض للتنبؤ بتراجع الدور الروسي في أفريقيا خلال الفترة المقبلة. وللحرب الروسية – الأوكرانية تأثير مزدوج على دور “فاجنر” في القارة:

 1- مضاعفة العقوبات الأوروبية والأمريكية على “فاجنر”: والتي قد تستهدف منها القوى الدولية مثل فرنسا والولايات المتحدة وكذلك من حلفائهما تخفيض الاستعانة بقوات “فاجنر” من أجل تحجيم الدور الروسي، في ضوء استمرار العقوبات المفروضة عليها بالأساس بسبب تورطها في بعض مناطق التوتر الأفريقية. ومع ذلك ربما لا تتأثر “فاجنر” بتلك العقوبات بخصوص دورها المتنامي في القارة الأفريقية لا سيما أنها أضحت أداة رئيسية للسياسة الخارجية الروسية تجاه أفريقيا في السنوات الأخيرة، بالرغم من الانتقادات الغربية لها والتي تصفها بأنها مجموعات من المرتزقة الروس الخارجين عن القانون نتيجة التورط في انتهاكات حقوق الإنسان في مناطق النزاع بأفريقيا. ففي أكتوبر 2022، اتهمت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد مجموعة فاجنر الروسية باستغلال الموارد الطبيعية في أفريقيا واستخدامها المكاسب غير المشروعة من الموارد لتمويل آلة الحرب الروسية في أفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا([24]).

كما وجهت الولايات المتحدة انتقادات حادة لفاجنر الروسية خلال اجتماع مجلس الأمن الدولي، في 11 يناير 2023، حيث وجه نائب السفير الأمريكي، ريتشارد ميلز، انتقادات لدور شركة فاجنر في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وفشلها في التصدي للتهديدات الارهابية المتزايدة، فضلاً عن اتهام الشركة الروسية بسرقة موارد الدول الأفريقية وارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، والاتهامات ذاتها كررها ممثلي فرنسا وبريطانيا بمجلس الأمن، مما عكس تخوفات غربية متزايدة بشأن تزايد دور مجموعة فاجنر الروسية في القارة الأفريقية. ومع اتجاه غانا إلى طلب مزيد من الدعم الامريكي رداً على اتجاه واجادوجو للاستعانة بفاجنر الروسية، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة تصاعداً في وتيرة التنافس الروسي – الغربي في غرب أفريقيا([25]).

2- تعزيز دور “فاجنر” في أفريقيا: قد تستهدف موسكو من الاستعانة بقوات فاجنر في بعض الدول الإفريقية، عبر ذلك تحقيق هدفين: أولهما، الاستعداد لجولة جديدة من التنافس مع القوى الدولية لا سيما فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الأفريقية خاصة أن تلك القوى ستحاول الضغط على الدول الأفريقية لمقاطعة موسكو من أجل تطويقها وتضييق الخناق عليها لإجبارها على الرضوخ لشروطها واستنزاف اقتصادها في ضوء العقوبات المفروضة عليها وغلق الأسواق الأفريقية أمامها. وثانيهما، توسيع دائرة التأييد الأفريقية لروسيا وقضاياها في المحافل الدولية (الأمم المتحدة) في مواجهة النفوذ الأمريكي والأوروبي هناك. كما ستوظف موسكو “فاجنر” لمواجهة تشويه الآلة الإعلامية الغربية والأمريكية لروسيا في الأوساط الأفريقية في محاولة غربية لشيطنتها مما قد يهدد مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا.

ويرجع ذلك لزيادة ثقة قطاعات واسعة من الرأي العام الأفريقي وبعض النخب الحاكمة في منطقة الساحل في الدور الروسي في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما أن “فاجنر” قد حققت نتائج طيبة في هذا المجال في السودان دعماّ لحكم الرئيس السابق عمر البشير قبل الإطاحة به في إبريل 2019، بالإضافة إلى مهام حماية مناجم الذهب واليورانيوم والماس والموارد الطبيعية الأخرى، كخطوة لتهيئة الظروف للشركات الروسية. وجمهورية أفريقيا الوسطى وهو ما يعزز موقفها كأداة فاعلة في القضاء على خطر التهديدات الأمنية والتنظيمات الإرهابية التي تنشط في بعض دول الساحل مثل مالي وبوركينا فاسو وغيرها، خاصة بعدما أخفقت فرنسا في احتواء التنظيمات الإرهابية منذ انخراطها في الساحل على مدار السنوات التسع الماضية([26]).

فقد صعدت روسيا من تحركاتها لتعزيز انخراطها في بوركينا فاسو، لا سيما بعد انقلاب النقيب إبراهيم تراوري في سبتمبر 2022، حيث أشارت تقارير فرنسية إلى وصول 12 شخصاً من شركة فاجنر الروسية إلى القاعدة الجوية 511 المتاخمة لمطار واجادوجو في 24 ديسمبر 2022، وذلك لإتمام المفاوضات الجارية مع السلطات الانتقالية في جهود مكافحة الجماعات الإرهابية، كما قامت بالأتفاق مع فاجنر على تخصيص منجم ذهب في جنوب بوركينا فاسو مقابل الخدمات الأمنية التي ستقدمها.

وتأتي هذه التحركات بعد تنامي التوترات بين بوركينا فاسو وباريس، وبلغت حدتها في ديسمبر 2022 على خلفية طلب واجادوجو استبدال السفير الفرنسي لديها، لوك هالادي، وهو ما رفضته باريس، وسط مباحثات سرية بشأن انسحاب القوات الخاصة الفرنسية الموجودة في بوركينا فاسو، وهو ما قد يعيد تكرار سيناريو مالي مرة أخرى، وخاصة بعد زيادة حدة الغضب الشعبي في الداخل البوركينابي من الوجود الفرنسي، حيث لا تزال باريس تحتفظ بنحو 400 جندي من القوات الخاصة الفرنسية في إطار عملية “صابر” (Sabre)، وتظاهر المحتجون أمام السفارة الفرنسية في واجادوجو ومراكزها الثقاقية والقاعدة العسكرية التي تضم جنوداً فرنسيين، مما يكشف عن استمرار تراجع الدور الفرنسي في المنطقة([27]).

على الرغم من التوترات المتزايدة بين دول الساحل والغرب الإفريقي وباريس، فإن الأخيرة تبدو غير مستعدة للتخلي بسهولة عن نفوذها، حيث شدد الرئيس الفرنسي ماكرون خلال جولته لدول أفريقية (الجابون وأنجولا وجمهورية الكونغو “برازافيل” والكونغو الديمقراطية) في 1-5 مارس 2023 على إقامة علاقة تقوم على الشراكة مع أفريقيا، مؤكدا أن إعادة تنظيم تموضع القوات الفرنسية في القارة لا تشكل “لا انسحابا ولا فك ارتباط” بل هي عملية تكييف عبر إعادة تحديد احتياجات الدول الشريكة وتقديم مزيد من التعاون والتدريب([28]).

وأخيرا، أن انخراط قوات “فاجنر” الروسية في دول القارة في ظل التفاعلات الدولية مع الحرب الروسية- الأوكرانية، سيؤدي إلى تصاعد التنافس الروسي – الغربي حول الساحل وغرب أفريقيا في بوركينا فاسو ومالي، خاصة بعد زيارة أبولنيير كايليم تامبيلا رئيس وزراء مالى لموسكو مطلع ديسمبر 2022، الأمر الذي يعني تشكيل تكتل إقليمي موالٍ لموسكو، يضم مالي وبوركينا فاسو، مع عدم استبعاد انضمام المزيد من الدول مستقبلاً، لاسيما غينيا، والتي بدأت بوركينا فاسو خلال ال أيام الأخيرة في التفاوض معها بشأن الحصول على تسهيلات لاستخدام ميناء كوناكري.

فقد استطاعت قوات “فاجنر” استكمال هياكلها على الأرض لحماية الانقلابيين في مالي، خصوصا بعد تصاعد المطالبات الشعبية باتخاذ إفريقيا الوسطى مثالاً يجدر الاحتذاء به، نتيجة النجاحات الأمنية الروسية هناك، لذا، من غير المرجح أن تنجح فرنسا في ظل الوضع الراهن في مالي حيث تعارض الحكومة الانتقالية الرافضة للهيمنة الفرنسية، وهو ما دفع مابكو مطلع مايو 2022 إلى إلغاء كل الاتفاقات الدفاعية مع فرنسا وكل شركائها الأوروبيين والتي تم إبرامها عام ٢٠١٤.

المحور الثالث: الموقف الإفريقي من الحرب الروسية – الأوكرانية: وكيفية الاستفادة

من الصعب الحديث حاليا عن “التكالب الاستعماري الجديد” أو “علاقات التبعية” كما طرحها الزعيم الغاني الراحل كوامى نكروما. بل يمكن التأكيد أن ما يجمع القارة الإفريقية بالقوى التقليدية والصاعدة هى علاقات انتفاع متبادلة، واستطاعت نخب محددة في دول القارة أن تتعاون مع هذه القوى لتحقيق مصالحها.

أولا، الموقف الإفريقي من الحرب الروسية الأوكرانية:

على الرغم من الأزمات التى تعاني منها العديد من هذه الدول والحاجة الماسة لديها للحصول على الدعم الخارجى سواء فيما يتعلق بالجوانب الأمنية أو الاقتصادية والإنسانية، إلا أن المواقف الأفريقية بدت (حتى اليوم) متوازنة ومؤكدة على الرفض الأفريقى الجماعى للزج بدول القارة ضمن الصراع الدولى، وخاصة فى ظل تفضيل الكثير من دولها للتعددية القطبية المنضبطة. ويمكن توضيح السمات التى تميزت بها المواقف الأفريقية من التدافع الدولي عليها، في التالي:

(أ) محاولة التزام الحياد: فبرزت إفريقيا كفاعل ومفعول به في آن واحد؛ إذ حضرت فاعلًا، حيث كان حضوره وسلوكه التصويتي في المنظمات – وهو ما تبين في التصويت على قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا في حربها على أوكرانيا كما سبق التوضيح – وهو ما يكشف عن مدى تشابك المصالح الاقتصادية والأمنية بين موسكو وبعض الدول الأفريقية. كما انتقدت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ازدواجية التعامل الغربى والأمريكى، خاصة مع فلسطين وأوكرانيا، والسودان وأوغندا. إلا أن هشاشة الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية، وضعف التنمية واستمرار اعتمادها على الشركاء الاستراتيجيين في تمويل التنمية؛ جعلها عرضة لهزات الاقتصاد العالمي، وحاجتها المستمرة للمساعدة والدعم.

(ب) رفض الوصاية الدولية: انتقدت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا ناليدي باندور، مشروع قانون أمريكي وصفته ب “التشريع العدواني” – ما يسمى بقانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة في أفريقيا الذي صدر فى أبريل 2022.

كما أن هناك تزايد للرأي العام الإفريقي بأن النظام العالمي طالما وقف ضد إفريقيا والأفارقة، وأن الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا، قد تجاهلتهم مرة أخرى في استجاباتهم لكوفيد-19، بينما وفَّرت الصين وروسيا لبعض القادة الأفارقة ما طلبوه لبلادهم منهما: الاستثمارات والأمن وبدون مشروطيات مسبقة، وتواجه فرنسا تحديدًا نقدًا لاذعًا في غرب إفريقيا على خلفية حملاتها لمواجهة الإرهاب، وتوجد اتهامات ذائعة لها هناك بأنها استعمار جديد أكثر من كونها قوة داعمة للحكومات الإفريقية في حربها على الإرهاب.

وهو ما يؤهل دول القارة للقيام بالأدوار التى تتولاها القوى الخارجية وخاصة فى مجالات تسوية ومنع الصراع وحفظ السلام والتنمية، وذلك في ظل اتجاه الاتحاد الإفريقي وكذلك المنظمات الإقليمية الفرعية لتطوير هياكلها الأمنية والسياسية والاقتصادية، إلا أن نقص الموارد المالية واللوجيستية يمثل عقبة رئيسية أمام إحلال المنظمات الأفريقية محل القوى الخارجية.

وفي محاولة لزيادة دور مجلس السلم والأمن الإفريقي “المحدود” لمواجهة التحديات والمشاكل التي واجهت بعض الدول الأفريقية خاصة فيما يتعلق بانعدام الأمن داخل القارة الأفريقية على مدى السنوات الماضية. تأتي مطالبة مصر بتعديل التشكيل الحالي لمجلس السلم والأمن ‏الإفريقي، ليكون أكثر تمثيلاً لإقليم الشمال الإفريقي، في خطوة ربما تعكس استياء مصرياً من عدم تقديم المجلس أي دعم لها في أزمتها مع إثيوبيا في أزمة سد النهضة الإثيوبي، فيما يبدو أن القاهرة ترى في تشكيل المجلس الحالي، الذي ينحاز لدول جنوب وشرق إفريقيا، سبباً في انحياز المجلس لمصلحة إثيوبيا، وعدم أخذ المخاوف المصرية بجدية.

حيث يعد التمثيل العادل داخل المجلس أحد مرتكزات مطالب لدول شمال أفريقيا وقفا للخبرة التراكمية التى تميزها نسبياً مقارنة بغيرها دول القارة، خاصة فى مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية، التدريب المهني وتطوير أسواق العمل في تعزيز احتياجات دول القارة الإفريقية. كما تتمتع دول شمال القارة بحضور دبلوماسي قاري ودولي مكثف، فعلى سبيل المثال تمتلك مصر وحدها حوالي 40 بعثة دبلوماسية في أفريقيا جنوب الصحراء، تقدم من خلال دور مهم فى ترسيخ مفهوم الدبلوماسية المصرية، كما تعتبر ثالث أكبر اقتصاد فى القارة بعد كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا.

ثانيًا: فرص الدول الإفريقية من الحرب الروسية الأوكرانية:

طالت تأثيرات هذه الحرب معظم الدول الأفريقية التي لن تتجاوزها في المدى القريب حال تفاقمها في ضوء استمرار تداعيات جائحة كوفيد-19، على الرغم من أنها تمثل في الوقت نفسه فرصة للدول الأفريقية لتحقيق مكاسب اقتصادية، منها:

 (أ) يمكن أن يؤدي الارتفاع الراهن في الأسعار إلى تحقيق مكتسبات اقتصادية بالنسبة للدول الإفريقية المنتجة للنفط أو الغاز، خاصة أن الدول الأوروبية ربما تعمل على إيجاد بديل سريع للغاز الروسي. ويأتي ذلك في ظل تحركات أفريقية لإنتاج وتصدير الغاز، فعلى سبيل المثال صرحت رئيسة تنزانيا – في مقابلة على هامش قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في منتصف فبراير 2022- بأن التوترات في أوكرانيا تولد اهتمامًا متزايدًا باحتياطيات الغاز في البلاد باعتبارها سادس أكبر دولة منتجة للغاز في أفريقيا، ومن هذا المنطلق جددت المفاوضات مع شركات الطاقة على أمل جذب 30 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية لإحياء بناء مشروعات الغاز الطبيعي المسال البحرية في عام 2023.

ويؤدي ارتفاع أسعار النفط متجاوزة 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ 2014، إلى زيادة الإيرادات النفطية للدول الأفريقية المعتمدة عليه كمصدر للايرادات العامة، منها على سبيل المثال: نيجيريا وهي من أكبر منتجي النفط الخام في عام 2021، وبلغ متوسط إنتاج نيجيريا الخام اليومي 1.27 مليون برميل. وليبيا التي أنتجت ما معدله 1.21 مليون برميل من النفط الخام يوميًا في عام 2021. كذلك أنجولا التي أنتجت ما معدله اليومي 1.11 مليون برميل من النفط الخام، يضاف إلى ذلك جمهورية الكونغو والجابون وغانا وغينيا الاستوائية وتشاد([29]).

ولكن على الرغم من أن إفريقيا تمثل أحد البدائل الأكثر موثوقية، فإن الجزء الأكبر من العائدات النفطية تذهب لصالح الشركات متعددة الجنسيات، مع نسبة أقل لصالح الدول الإفريقية. فضلًا عن كون دولة مثل نيجيريا التي تعد أكبر منتج للنفط الخام في إفريقيا قد لا تكون مؤهلة لتحقيق الاستفادة المرجوة، نتيجة عدم قدرتها على تكرير النفط محليًا واعتمادها على الواردات من النفط المكرر لتغطية احتياجاتها المحلية واستيرادها بأسعار أعلى من تلك المحققة من صادراتها من النفط الخام.

فعلى الرغم من تسجيل مصر لأكبر نموًا للصادرات من الغاز فى عام 2022 الذي بلغ 4.86 مليون طن فى الربع الثالث من عام  2022، وفقا لتقرير تطورات الغاز الطبيعى المسال والهيدروجين الصادر عن منظمة “أوابك”([30]).فأنها غير مرتبطة بشبكة أنابيب للتصدير إلى أوروبا حتى تاريخه، كما أن الصين قد قدمت عروض طويلة الأمد لإمداد الغاز بشروط جيدة بالنسبة لمصر، ولذلك فمن المنطقي أن تحافظ مصر على موردًا موثقا فيه، وأن تحافظ على حصتها من السوق الصينية، وهو ذات الأمر المتعلق بليبيا ونتيجة لعدم الاستقرار السياسي وضعف البنية التحتية الليبية غير الكافية لتعزيز الصادرات الليبية لتكن بديلة عن الغاز الروسي إلى أوروبا([31]).

(ب) إنعاش صادرات الوقود والموارد المعدنية الإفريقية لأوروبا، حيث تعد جنوب إفريقيا ثاني أكبر منتج للبلاديوم في العالم، وهو عنصر مهم في صناعة السيارات والإلكترونيات، وذلك بعد روسيا، وبالتالي قد تواجه طلبًا متزايدًا على البلاديوم الذي أرتفع بنحو 6% في ظل العقوبات على روسيا. وبالمثل، ستشهد معادن أخرى مثل الذهب والبلاتين والنيكل، وغيرها من المعادن الثمينة، زيادة في الطلب العالمي، ومن ثم زيادة في الأسعار تمثل فائدة مؤقتة لاقتصادات الدول الإفريقية المصدرة لها.

(ت) أتجاه سلوك المنتجين الأوروبيين لمزيد من الترشيد للطاقة، مما يفتح آفاقًا واسعة أمام السلع الزراعية الإفريقية المختلفة وإمكانية تصديرها للأسواق الأوروبية بأسعار مرتفعة. فقد انتعشت صادرات كينيا من الزهور والفواكه لأوروبا خلال عامي 2020 و2021، ورغم القيود المفروضة على الشحن بسبب أزمة كوفيد، فإن الصادرات الكينية من الزهور والفواكه سجلت 1.4 مليار دولار لعام 2020، وهو ما يمثل حوالي ربع الواردات الأوروبية من الزهور([32]).

فضلا عن تعزيز فرص الاستثمار في مشاريع استزراع القمح والحبوب في الدول الإفريقية لتغطية جزء من الاحتياجات الأوروبية والعربية، ويُذكر أن مصر في ظل احتياجاتها المطردة من القمح والمنتجات الزراعية، لتلبية الطلب المحلي، كانت قد بدأت بالفعل في انتهاج استراتيجية المزارع المصرية في إفريقيا لتلبية جزء من هذه الاحتياجات، وكذلك لنقل الخبرة الزراعية إلى دول القارة، بما في ذلك 9 مزارع تم إنشاؤها بالفعل مع مخطط لإنشاء 21 مزرعة مشتركة.

(ث) جاء انعقاد قمة الاتحاد الإفريقي ال 36 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على مدى يومي 18-19 فبراير 2023، وسط التنافس الدولي الغير مسبوق لاستقطاب دول القارة السمراء في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى تعقد تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية، خصوصاً أزمة الغذاء، وسط آثار موجات الجفاف والفيضانات هي الأعنف منذ سنوات، والتي أدت – بالإضافة إلى النزاعات المسلحة – إلى نزوح المزيد من سكان القارة من ديارهم، إذ ارتفع عدد نازحي جنوب الصحراء الكبرى بأكثر من 15% خلال العام 2022، وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة.

لذا، يتوقع أن يتبنى الزعماء الأفارقة لمواجهة هذه التحديات في ضوء أهداف الأجندة القارية 2063، مجموعة من الإجراءات لتسريع وتيرة تنفيذ كامل لمنطقة اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية AfCFTA، التي دخلت خيز التنفيذ عام 2021. وهو ما سينعكس بالإيجاب على مجمل العلاقات الأفريقية إقتصاديا وإجتماعيا وثقافيا، وأيضا علاقات دول القارة بالمؤسسات والتكتلات الدولية الأخرى، إذ تستهدف تعزيز التجارة بين الدول الأفريقية بنسبة 60% بحلول عام 2034، عبر إلغاء جميع الرسوم وإنشاء كتلة اقتصادية لمليار و300 مليون شخص مع إجمالي ناتج محلي قدره 3.4 تريليون دولار([33]). وتبلغ نسبة التجارة بين الدول الأفريقية حالياً 15% من السلع والخدمات، مقارنة بأكثر من 65% مع دول أوروبية.

ولا نغفل مشاركة ومساهمة القطاع الخاص المصري بكل قطاعاته عاملاً رئيسياً في نجاح تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث شارك البنك الأهلي المصري في الاكتتاب في زيادة رأس مال البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد وذلك بمبلغ 326.6 مليون دولار، مع سداد نسبة ال40% المطلوبة حاليا بقيمة 130.6 مليون دولار([34]).

فضلا عن توقيع مصر عدة اتفاقيات تجارية تعمق أشكال التعاون بينها وبين دول القارة، منها: اتفاقية أغادير لإنشاء منطقة تجارة حرة لتجارة الحرة بين مصر والأردن والمغرب وتونس. وقد جرى التأكيد على تفعيلها في منتدى الأعمال المصري التونسي المشترك المنعقد في مايو 2022.

كما يتوقع اتخاذ الدول الإفريقية حزمة من التدابير العاجلة والفعالة بالتنسيق مع الشركاء الدوليين والمجتمع الدولي لدعم الدول الأفريقية في احتواء أزمة الغذاء وذلك من خلال تنويع مصادر الغذاء وتأمين سلاسل الإمداد لدول القارة، إضافة إلى اتخاذ إجراءات مستدامة للحفاظ على الأمن الغذائي من خلال إتاحة التكنولوجيا المتطورة في مجال الزراعة للدول الأفريقية، فضلاً عن تكثيف جهودنا من أجل زيادة إنتاجنا من المحاصيل الزراعية سعياً للوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي([35]).

خاتمة

أكدت الحرب الروسية الاوكرانية التي انقضى عامها الأول أن القوى الخارجية لم تتراجع عن سياستها تجاه القارة، حيث تبادر هذه القوى باستدعاء حرب باردة جديدة ستكون أراضى القارة ساحة لها، وساحة لتصفية حسابات القوى الكبرى المنخرطة في أزمة شرق أوروبا، لا سيما روسيا والدول الغربية إلى جانب الصين، فى الوقت الذي تسعى دول القارة بكل وسائلها للنأى بنفسها عن هذه الحرب.

حيث أن المنافسة الآن في القارة الأفريقية بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين أصبحت أكثر وضوحاً بكثير وأكثر أهمية بكثير مما كانت عليه قبل عقد أو نحو ذلك. فبالنسبة لروسيا، فإن التحدي جيوسياسي وأمني، في حين أن التحدي بالنسبة للصين اقتصادي موجه نحو التجارة.

وتمثل الحرب الروسية – الأوكرانية لحظة فارقة فى مسار العلاقات الدولية يمكن استثمارها فى تأكيد مواقف الدول من التغيرات التى يشهدها النظام الدولى، وبالرغم من التهديدات التي تواجه إفريقيا، إلا أن الأزمة ذاتها قد تحمل من وجهها الآخر فرصًا وفوائد محتملة للعديد من دول القارة السمراء، وربما تكون أفريقيا بصدد إعادة تشكيل وصياغة دورها على المستوى الدولي خلال المرحلة المقبلة في ضوء تنامي الاهتمام الدولي بالحصول على الثروات النفطية الأفريقية، مما قد يعزز نفوذ القارة في النظام الدولي مستقبلاً.

ولكن، على الرغم من محاولات غالبية الدول الأفريقية النأى بنفسها عن الصراع الدولى وحالة الاستقطاب ورفضها الانخراط فى “حرب باردة جديدة” بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن حالة التراجع وضعف القدرة على الاستجابة للأزمات (عدم قدرة المنظمات الإقليمية وفى مقدمتها الاتحاد الأفريقى، على القيام بالأدوار التى تتولاها القوى الخارجية وخاصة فى مجالات تسوية ومنع الصراع وحفظ السلام والتنمية – صعوبات التوافق حول الأهداف القارية) التى تعانى منها غالبية دول القارة سمحت للقوى الخارجية بتعزيز نفوذها لتكون القارة مسرحاً للتنافس والمعارك بين القوى المختلفة.

الهوامش والمصادر


([1])  “General Assembly resolution demands end to Russian offensive in Ukraine”, UN News, 2 March 2022.

https://news.un.org/en/story/2022/03/1113152

([2]) أحمد طاهر، “أفريقيا وتداعيات الأزمة الأوكرانية… مخاطر متزايدة أم مكاسب مؤجلة؟”، المجلة، 14 مارس 2022.

https://2u.pw/PuIffe

([3])  “UN General Assembly Vote Shows Africa’s Divisions on Ukraine War”, All Africa, 2 March 2022.

https://allafrica.com/view/group/main/main/id/00081366.html

([4]) “عودة الدب الروسي: روسيا وإفريقيا واقترابات القوة البديلة”، المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 30 أغسطس 2021.

https://2u.pw/3RSgQl

([5]) Chrispin Mwakideu, ” Ukraine crisis: What’s at stake for Africa?”, DW , 25 Feb 2022, 

https://www.dw.com/en/ukraine-crisis-whats-at-stake-for-africa/a-60916646

([6]) “رئيس اقتصادية قناة السويس: الخطوات التنفيذية لبدء عمل المنطقة الروسية بداية 2022″، الهيئة العامة للاستعلامات، 30 أغسطس 2021.

https://2u.pw/OBjH1I

([7]) هدى النعيمي، “مآلات متعددة: تأثير الحرب الأوكرانية في العلاقات الروسية – الإفريقية”، تريندز للبحوث والاستشارات، 6 مايو 2022.

([8]) رحمة حسن، “الناتو وروسيا: أفريقيا.. ساحة جديدة للتنافس”، المرصد المصري، 11 يونيو 2021.

([9]) جهاد الخطيب، “الحرب الروسية الأوكرانية والحسابات الإفريقية”، آفاق استراتيجية، ع 5، (القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، مارس 2022)، ص ص 104 – 106.

([10]) محمد خيال، “مرتزقة فاجنر.. كيف تعيد روسيا وضع أقدامهت في إفريقيا؟”، مصر 360، 23 أكتوبر 2022.

https://2u.pw/bD0Xyn

وأنظر أيضا: عبد الرحمن شلقم، “الحرب الروسية على أوكرانيا.. أفريقيا الجبهة الخلفية”، جريدة الشرق الأوسط، 4/12/2022.

([11]) عبد القادر محمد، “الحضور العسكري الروسي في افريقيا ودلالاته”، مركز الجزيرة للدراسات، 19 مايو 2021.

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5001

وأيضا: منى عبد الفتاح، “هل نجحت التحركات الروسية في ترسيخ العلاقة مع أفريقيا؟”، اندبندنت عربية، 13 فبراير 2023.

https://2u.pw/4AbRFc

([12]) جيهان عبد السلام، “انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على اقتصادات إفريقيا”، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، 3 مارس 2022.

https://pharostudies.com/?p=9501

([13]) تقرير بنك التنمية الافريقي 2022.

([14]) منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) 2022

https://www.fao.org/home/en

([15]) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) 2022.

https://unctad.org/programme/covid-19-response-and-recovery

([16]) “The Impact of Russia’s Invasion of Ukraine in the Middle East and North Africa”, International crisis group, 14 April 2022.

https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/impact-russias-invasion-ukraine-middle-east-and-north-africa

([17]) “الأمم المتحدة تحذر من تفاقم أزمة الغذاء فى أفريقيا بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية”، جريدة اليوم السابع، 21 يوليو 2022.

([18]) محمد السبيطلي، “التداعيات الاقتصادية والسياسية للحرب الروسية الأوكرانية في إفريقيا”، تعليقات، (الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، مارس 2022)، ص ص 2-3.

https://kfcris.com/ar/view/post/376

 ([19]) أميرة عبد الحليم، “التنافس الدولي على أفريقيا بعد مرور عام على الحرب الروسية – الأوكرانية”، في محمد عباس ناجي (محرر)، عام على الحرب الروسية – الأوكرانية: تحولات ومسارات، ملفات، (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فبراير 2023)، ص ص 37-38.

([20]) أحمد يونس، “نذر تنافس غربي روسي على السودان”، جريدة الشرق الأوسط، 5 فبراير 2023.

([21]) عصام عبد الشافي، ” السودان.. القاعدة الروسية وحدود مناورة العسكر”، الجزيرة، 19 فبراير 2023.

https://2u.pw/rSePUO

([22]) “مقاومة العزلة: سعي موسكو لمواجهة السياسات الأمريكية أثناء جولة لافروف الإفريقية”، المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 2 فبراير 2023.

https://2u.pw/747nJu

 ([23]) Lucia Ragazzi, After Ukraine, Russia is Looking for Friends in Africa (Again), The Italian Institute for International Political Studies, 22 December 2022.

 ([24])Michelle Nichols, U.S. accuses Russia of exploiting Africa resources to fund Ukraine war, Reuters, October 7, 2022,

https://www.reuters.com/world/us-accuses-russia-exploiting-africa-resources-fund-ukraine-war-2022-10-06/

([25]) “سيناريو محتمل: هل تتجه فرنسا للانسحاب من بوركينا فاسو مع وصول “فاجنر”؟”، المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة، 18 يناير 2023.

https://2u.pw/evRkf5

([26]) أحمد عسكر، “هل تؤثر الحرب الروسية – الأوكرانية على دور “فاجنر” في إفريقيا”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 3 مارس 2022.

https://acpss.ahram.org.eg/News/17424.aspx

([27]) “فرنسا تعلن سحب القوات العسكرية من بوركينا فاسو خلال شهر”، بوابة فيتو، 25 يناير 2023.

https://www.vetogate.com/4798747?utm_campaign=nabdapp.com&utm_medium=referral&utm_source=nabdapp.com&ocid=Nabd_App

([28]) “ماكرون في جولة أفريقية يستهلها من الجابون “لتعميق” علاقات فرنسا مع القارة السمراء”، فرنسا 24، 1 مارس 2023.

https://2u.pw/UpVOMY

([29]) Emmanuel Abara Benson , ”10 African countries with the largest crude oil production output” , Business Insider Africa , 5 May 2022, 

https://africa.businessinsider.com/local/markets/10-african-countries-with-the-largest-crude-oil-production-output/qbj8bj3

([30])  “Gas Market Report, Q1-2023”, International Energy Agency, Feb. 2023.

https://iea.blob.core.windows.net/assets/c6ca64dc-240d-4a7c-b327-e1799201b98f/GasMarketReportQ12023.pdf

([31]) محمد فؤاد رشوان، “تداعيات الحرب الأوكرانية على القارة الإفريقية”، مركز رع للدراسات الاستراتيجية، 27 مارس 2022.

([32]) “الآثار الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية على الدول الإفريقية: التهديدات والفرص”، المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية، 18 سبتمبر 2022.

https://2u.pw/rv6u5V

([33]) جيهان عبد السلام عباس، “منطقة التجارة الحرة القارية ومستقبل التكامل الإقليمي في إفريقيا”، متابعات إفريقية، ع 13، (الرياض: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، مايو 2021)، ص ص 33-35.

([34]) “الرئيس السيسي يشهد انطلاق الاجتماعات السنوية للبنك الإفريقي للتصدير والاستيراد”، الهيئة العامة للاستعلامات، 16 يونيو 2022.

https://2u.pw/t3uCw

 ([35]) للمزيد راجع في هذا الشأن: نجلاء مرعي، الأمن المائي العربي.. التهديدات وآليات المواجهة، (القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2021)، 172-177.

د. نجلاء مرعي

أستاذ مساعد العلوم السياسية وخبيرة الشئون الإفريقية، حاصلة على الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية لتشجيع البحث العلمي لعام 2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى