السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية

أ.د محمد علـي عـز الـــدين
أستاذ العلوم السياسية بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا
أ. فـــرج علـي بن ســليم
ماجستير دراسات إقليمية ودولية، وباحث دكتوراه بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا.
الملخص:
يدرس هذا البحث تطور الموقف الأوروبي تجاه الأزمة الليبية، مبرزاً أهمية ليبيا في مجالات الأمن والاستقرار الإقليمي، والهجرة، والطاقة، والتأثير السياسي والاقتصادي. يستعرض البحث السياسات الأوروبية في المراحل الأولى للأزمة (2011-2014) التي سعت لإدارة الوضع، مع التركيز على تزايد الدور الأوروبي في محاولات التسوية السياسية للأزمة الليبية خلال الفترة (2015-2023)، من خلال استخدام الدبلوماسية، والوساطة، والدعم الاقتصادي والإنساني، والبعثات العسكرية والأمنية، والتعاون لمكافحة الإرهاب. كما يسعى البحث إلى تقييم فعالية السياسات الأوروبية وآفاقها المستقبلية، واستنباط السيناريوهات المحتملة لتلك السياسات. فالسياسات الأوروبية قبل صعود التيارات اليمينية كانت تستهدف تثبيت الوضع في ليبيا، أما المستقبل فقد يشهد استمرارية تلك السياسات أو تغييرات كبيرة تبعاً للمشهد السياسي.
الكلمات المفتاحية: الأزمة الليبية، السياسات الأوروبية، التيارات اليمينية المتطرفة، الهجرة غير الشرعية، المصالح الأوروبية.
مقدمة :
تُعتبر الأزمة الليبية واحدة من أبرز التحديات السياسية والأمنية التي واجهت الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، فمنذ الإطاحة بنظام القذافي في عام 2011، دخلت ليبيا في دوامة من الصراعات المسلحة والانقسامات السياسية، مما انعكس سلباً على الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
في السياق الأوروبي، كان الموقف من الأزمة الليبية محل جدل واختلاف بين الدول الأعضاء، خاصة بعد صعود التيارات السياسية اليمينية في العديد من الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تلقي نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي لسنة 2024 بظلالها على السياسات الأوروبية، حيث ظهرت توجهات أكثر تشدداً وعزلة في التعامل مع الأزمات الإقليمية، بما في ذلك الأزمة الليبية.
تهدف هذه الورقة إلى تحليل وتقييم السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية، من خلال البحث في التطورات السياسية والأمنية في ليبيا بعد عام 2011 وتداعياتها على المصالح الأوروبية. كما تتناول موقف الحكومات اليمينية الجديدة في أوروبا من الأزمة الليبية وانعكاساته على السياسات الأوروبية، وآليات وأدوات السياسة الأوروبية تجاه الأزمة الليبية في ظل هذه التحولات السياسية. وتقيّم الورقة فعالية السياسات الأوروبية بعد انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2024 وتأثيرها على تطورات الأوضاع في ليبيا.
فمن خلال هذا التحليل ستُسهم هذه الدراسة في إثراء النقاش حول كيفية تكييف السياسات الأوروبية مع التغيرات السياسية الداخلية وانعكاساتها على الصعيد الإقليمي.
-إشكالية البحث:
تكمن الإشكالية في ماهية طبيعة السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية؟، وينبثق من هذا التساؤل مجموعة من التساؤلات الفرعية وهي كالتالي:
- ماهي طبيعة السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية المتطرفة؟
-فرضية البحث :
تنطلق فرضية الدراسة من أنالسياسة الخارجية الأوروبية تجاه الأزمة الليبية تغيرت بعد صعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا. وبناء على ذلك تتعامل هذه الفرضية مع السياسة الخارجية الأوربية كمتغير تابع يتأثر بصعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا كمتغير مستقل .
– أهــداف البحث :
- التعريف بأهمية ليبيا في السياق الجيو سياسي الأوروبي.
- التعرف على السياسات الخارجية الأوروبية تجاه الأزمة الليبية وفق تطور مراحل هذه الأزمة.
- تقييم فعالية السياسات الأوروبية وآفاق المستقبل
- توضيح الدور الأوروبي في محاولات التسوية السياسية للأزمة الليبية.
- محاولة تحليل أشكال التغير والتنافس الأوروبي – الأوروبي في السياسات الخارجية الأوروبية تجاه ليبيا قبل صعود التيارات اليمينية.
- توضيح وإبراز الآليات المستخدمة في السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية.
- استنباط الدروس المستفادة من السياسات الأوروبية السابقة، ومحاولة التنبؤ بشكل السياسات الأوروبية المستقبلية الجديدة وسيناريوهاتها المحتملة.
-أهمية البحث:
تكمن أهمية هذا البحث كونه يمثل أحد الجهود العلمية المتواضعة والتي ترصد أهــم السياسات الأوروبية تجاه الازمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية.
– منهج البحث:
استخدم الباحثين المنهج الوصفي التحليلي بغية وصف وتحليل السياسات الأوربية تجاه الأزمة الليبية قبل تنامي ظاهرة صعود التيارات اليمينية المتطرفة، كــما يستعين الباحث بالمدخل التاريخي لتتبع آلية وشكل تلك السياسات والمراحل الزمنية التي مرت بها.
المبحث الأول : تطور الموقف الأوروبي من الأزمة الليبية
المطلب الأول: أهمية ليبيا في السياق الجيو سياسي الأوروبي
تقع ليبيا على الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، مما يجعلها نقطة عبور استراتيجية بين أوروبا وافريقيا والشرق الأوسط، فهي تشرف على ممر البحر الأبيض المتوسط وموارد الطاقة الهامة، مما يجعلها محط اهتمام الدول الأوروبية، بالإضافة إلى أن ليبيا لديها احتياطيات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، مما يجعلها مصدراً مهماً للطاقة لدول أوروبا وخاصة بعدما تباينت الارتدادات الأمنية و الطاقوية للأزمة الروسية الأوكرانية على الحياة اليومية للمواطن الأوروبي.
كما أن ليبيا تعتبر ممر رئيسي لطرق الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، مما يجعلها محط اهتمام دول الاتحاد الأوروبي لمحاولة السيطرة على هذه الظاهرة، ولذا فإن التعاون الأمني مع ليبيا يعد أمراً حيوياً.
ومن جهة أخرى فإن الاستقرار السياسي في ليبيا له تأثير كبير على الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط وعلى مصالح الدول الأوروبية، وبناءً على ذلك فإن ليبيا تشكل أهمية جيوسياسية كبيرة بالنسبة لأوروبا، وتحظى باهتمام وتداخل سياسي واقتصادي من الدول الأوروبية.
إن الأزمة السياسية في ليبيا أثرت بشكل كبير على المصالح الأوروبية في المنطقة، وذلك من عدة جوانب أهما التالي[1]:
-الأمن والاستقرار الإقليمي:
إن الصراعات والفوضى السياسية في ليبيا تؤدي إلى تدهور الأمن وانتشار الجماعات الإرهابية، مما يهدد أمن المنطقة ككل بما في ذلك دول أوروبا، ولذا فإن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا يؤثر سلباً على الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
-الهجرة غير الشرعية:
تُعتبر ليبيا ممراً رئيسياً لطرق الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، ولذلك فإن تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين القادمين من ليبيا يشكل تحدياً كبيراً للدول الأوروبية. هذا الأمر أدى إلى ظهور ظواهر جديدة أثرت على مؤسسات الاتحاد الأوروبي وتكامله. فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزيادة وتنامي ظاهرة التيارات اليمينية المتطرفة هما دليل واضح على ذلك. على سبيل المثال، تعتبر إيطاليا من أكثر الدول الأوروبية تضرراً من ظاهرة الهجرة غير القانونية، حيث يتدفق المهاجرون إلى إيطاليا من إفريقيا عبر الأراضي الليبية بنسبة 80%.
-الطاقــــة والموارد:
تعد ليبيا مصدراً مهماً للنفط والغاز الطبيعي لأوروبا، حيث تزود ألمانيا بنسبة 9% من احتياجاتها النفطية، في حين تستورد إيطاليا 80% من احتياجاتها من الطاقة منها، بما في ذلك حوالي 12% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. ومن ثم، فإن الأزمة السياسية الليبية وحالة عدم الاستقرار السياسي فيها تؤدي إلى انقطاعات في إمدادات الطاقة واضطراب أسواق الطاقة الأوروبية.
-التأثير السياسي والاقتصادي:
يؤثر عدم الاستقرار السياسي في ليبيا سلباً على المصالح السياسية والاقتصادية للدول الأوروبية في المنطقة؛ فالصراعات المسلحة والفوضى في ليبيا تعرقل المشاريع الاستثمارية والتجارية الأوروبية، ولذلك تسعى الدول الأوروبية ظاهرياً إلى المساهمة في إيجاد حلول سياسية للأزمة الليبية من أجل حماية مصالحها الأمنية والاقتصادية في ليبيا والمنطقة الأور ومتوسطية.
المطلب الثاني: السياسات الأوروبية في المراحل الأولى من الأزمة الليبية (2011 – 2014)
شكلت الأزمة الليبية منعرجاً خطيراً في منطقة حوض شمال وجنوب المتوسط، مما استوجبت تحولاً بالمواقف الأوروبية؛ فقد حافظت السياسة الأوروبية على مسافة واحدة من الأطراف، وموقف الحذر والترقب اتجاه تطور الأوضاع بعد ما سمي بأحداث الربيع العربي، خاصة في تونس ومصر. ومع ذلك سارعت “كاترين اشتون” مسئولة السياسة الخارجية للاتحاد لإصدار إعلان بخصوص الثورة الليبية في 20 فبراير2011، يؤكد أن الاتحاد قلق جداً من الأحداث المتصاعدة في ليبيا، ويعبر عن استيائه من استخدام السلطات الليبية للعنف”[2]، بعد ذلك، بدأت معالم التغيير الأوروبية اتجاه الأزمة معلنة عن تحول في مواقفها للانخراط بشكل أكثر فعالية في الشؤون الليبية.
وفي هذا السياق وأمام استمرار تداعيات الأزمة وإصرار القذافي على الاستمرار في السلطة وتواصل النزاعات الداخلية، اتضحت في السياق الأوروبي معالم الاتجاه لبلورة موقف موحد حول الأزمة، وخصوصية موقف أعضائه المتحمسة لإنهاء نظام القذافي، فسارعت فرنسا لتعزيز جهودها الدبلوماسية لإقناع الرأي العام الأوروبي بضرورة التدخل في ليبيا لدواع إنسانية، كما ساهمت القوى الأوروبية في التحركات الأممية بمجلس الأمن من أجل المسارعة لإنهاء نظام القذافي، وتوّجت جهودها بقرار مجلس الأمن 1973 مارس 2011 القاضي بفرض منطقة حظر للطيران بهدف عرقلة الطيران الحربي التابع له من قصف المعارضة الليبية، وإقراره تدخل حلف الشمال الأطلسي بتنفيذ ضربات عسكرية على ليبيا، تواصلت إلى غاية الإعلان عن مقتل القذافي ما بين مارس 2011- 31 أكتوبر2011 وبدأ المرحلة الانتقالية بتحدياتها وتعقيداتها[3].
شكل الاتفاق السياسي الليبي إطاراً لمقاربة تحديات الأزمة الليبية، بعد سلسلة من الحوارات بين الفرقاء الليبيين برعاية أممية تحت إشراف مبعوث الأمين العام السابق، مارتن كوبلر، وبحضور ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر الوطني. وقد توجت جولاته بتوقيع الاتفاق السياسي المعروف باتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015. وكان هذا الاتفاق يُعتبر محطة محورية لإنهاء الحرب والصراع في ليبيا، إلا أن تحقيق هذا الهدف لم يتحقق بشكل كامل.
وفي هذا السياق شهدت ليبيا انقسامات داخلية واستقطابات خارجية، مما تطلب جهوداً دولية وإقليمية لتجاوز هذه الأزمة. برز الدور الأوروبي كطرف محوري في هذا الإطار، حيث تولي المؤسسات الأوروبية اهتماماً بالإدارة غير العسكرية للأزمات الدولية والإقليمية من خلال تعزيز آليات الوقاية وإدارة الأزمات[4]، سعت الدبلوماسية الوقائية للاتحاد الأوروبي إلى تقريب وجهات نظر الأطراف الليبية، فبادرت بعقد لقاءات دولية للوصول إلى حل للأزمة الليبية. قدمت المؤسسات الأوروبية تصورات لأعضاء الاتحاد لإنهاء الانقسام الداخلي الليبي ووقف الحرب الأهلية، وشاركت في المشاورات السياسية والدبلوماسية الإقليمية عبر جولات ممتدة شملت مؤتمرات في باليرمو وباريس وبرلين[5].
خلاصة القول: إن تقاطع التدخلات الأوروبية المساهمة بإيجاد حل نهائي للأزمة الليبية، مع محاولات إقليمية ودولية داعمة لجهود الأمم المتحدة لدعم العملية السياسية بليبيا، كان يمكن أن يشكل عاملا لإنهاء الأزمة، غير أنها تصطدم بتحديات متعددة تعرقل تحركاتها؛ بالاستقطاب الخارجي لأطراف الأزمة وحجم التنافس الدولي بليبيا، والمأزق الذي تتخبط فيه المنطقة منذ نهاية نظام القذافي، ومن ثم عجز الاتحاد عن تكوين مجال إقليمي متوسطي آمــن.
المطلب الثالث: الدور الأوروبي في محاولات التسوية السياسية (2015- 2023)
تراوحت الأزمة الليبية بين المقاربتين السياسية والعسكرية، وساهم التدخل الدولي في تعقيد مساراتها. كما عزز الانقسام الداخلي واستمرار الحرب الأهلية من تأزيم الأوضاع. بدأت المحاولات الأوروبية للانخراط في معالجة الأزمة بعد الثورة على نظام القذافي، حيث تراوحت مقاربتها الدبلوماسية بين الاتفاق والتعاون والتنافس. وقد حكمت التحديات التي واجهتها على جهودها بالمحدودية، مما أثر على فاعليتها في حل الأزمة. وعلى الرغم من محاولات الاتحاد الأوروبي ايجاد حلول وتسوية سلمية لما بعد مرحلة نظام القذافي، فقد كشفت التنافسات الأوروبية عن اختلافات جوهرية في توجهات أعضاء الاتحاد تجاه العمق الليبي ودورهم بعد الأزمة الليبية سنة 2011، تجلى ذلك بشكل خاص في التنافس الفرنسي الإيطالي على المشهد الليبي، حيث انحازت كل من فرنسا وايطاليا إلى إحدى أطراف النزاع الليبي الداخلي وقدم كل منهما دعماً سياسياً وعسكرياً لطرف معين.
فبينما كانت ليبيا تُصنف حصراً كساحة اقتصادية لبعض الدول الأوروبية مثل إيطاليا خلال فترة نظام القذافي، اعتبرت دول أخرى، مثل فرنسا، أن نهاية نظام القذافي تشكل فرصة لتوسيع حضورها في البلاد. فرنسا، التي ساهمت في تسريع التخلص من القذافي، سعت إلى تعزيز دورها المتنامي في ليبيا. وقد أدى هذا التغيير في الخريطة الجيوسياسية إلى تقاطع الأهداف والمصالح بين الدولتين، حيث تعتبر روما الحضور الفرنسي تهديداً لمصالحها ومنطقة نفوذها التاريخية[6]، بينما تحاول باريس جني ثمار إنهاء عهد القذافي. شكلت هذه المعضلة بين البلدين ملامح التنافس والصراع الأوروبي-الأوروبي على الساحة الليبية، وستظهر ملامحها في الدفع نحو مقاربات منحازة لأحد أطراف النزاع.
وهكذا برز للواجهة انقسام داخلي أوروبي حول مقاربة الملف الليبي نتيجة لاختلاف المصالح بينهما، وصلت حدته لتبادل الاتهامات بين إيطاليا وفرنسا حول دعم الإليزيه لقوات حفتر في المنطقة الشرقية[7]؛ وتطور لحرب كلامية بعد اتهام نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، فرنسا بأنها ” تسلب خيرات افريقيا ” ويضيف أن ” لا مصلحة لها – فرنسا- في استقرار ليبيا، لأن لديها مصالح نفطية تتناقض مع المصالح الإيطالية[8]، وتوّجت هذه الخطابات بأزمة دبلوماسية بين البلدين لاستدعاء السفراء وبذلك تعكس التصريحات الكلامية والاتهامات المتبادلة حجم التنافس على النفوذ في ليبيا، ومستوى الاختلافات بين البلدين في مقاربة الأزمة الليبية.
ينعكس هذا الانقسام الأوروبي والاختلافات بين البلدين بمبرر حماية مصالحهما وتكريس مناطق نفوذها بالمنطقة على المقاربة الأوروبية المشتركة للأزمة الليبية، ورغم الاتفاق الأوروبي على رؤية موحدة مساندة لجهود الأمم المتحدة في أفق تسوية نهائية للملف الليبي، إلا أن الانحياز لأطراف النزاع الداخلي يحول دون التوصل لتسوية سياسية للأزمة، ويؤكد محدودية السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية.
تشهد ليبيا منذ عام 2023 عودة قوية للدبلوماسية الإيطالية، تجسدت بشكل خاص في الزيارات المكثفة لمسؤولين إيطاليين رفيعي المستوى إلى البلاد، في مقدمتهم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني – وهي رئيسة حزب يميني متطرف في إيطاليا – التي زارت طرابلس في يناير 2023، ومن ثم عادت إلى ليبيا مرة أخرى.
وخلال زيارتها الأولى وقعت ميلوني اتفاقية غاز ضخمة مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما التقت في زيارتها الأخيرة أيضا بالدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قبل أن تتوجه إلى الشرق للقاء قائد ما يعرف بـ”الجيش الوطني الليبي”، المشير خليفة حفتر.
ويُنظر إلى الدور الإيطالي في الآونة الأخيرة على أنه يتأرجح بين كونه عامل استقرار وداعم لعملية السلام من خلال مؤتمرات دولية مثل “باليرمو” عام 2018، وبين كونه عاملاً مُؤججاً للاستقطاب الدولي، إذ يشير بعض المحللين إلى أن لقاء ميلوني مع حفتر يأتي “في إطار صراع دولي على النفوذ في ليبيا، خاصة مع تنامي الوجود الروسي في البلاد”.
وفي هذا السياق يري بعض المحللين أن إيطاليا “تسعى جاهدة للحفاظ على استقرار نسبي” في ليبيا، لكن يوجد “عيباً في نهجها”، حيث “تضع إيطاليا مصالحها الاقتصادية فوق كل شيء”، ويشير هؤلاء المحللون إلى أنها “تركز على ضمان تدفق النفط والغاز، دون الاهتمام بشكل كافٍ بالمصالح الليبية على المدى البعيد”.
فإيطاليا تحت رئاسة ميلوني “تدرك أهمية الاستقرار السياسي طويل الأمد لتحقيق مصالحها الاقتصادية، لأن هشاشة الوضع السياسي الحالي يشكل تهديداً لهذه المصالح”، ولهذا تأتي زيارة ميلوني الأخيرة إلى ليبيا بـ”مساعيها لتقديم دعم يساهم في تعزيز التوافق بين الأطراف الليبية، بهدف التوجه نحو عملية سياسية ناجحة تعيد الشرعية، وتحقق مصالح جميع الأطراف.
وعلى الرغم من أن إيطاليا لها علاقاتها الوثيقة مع مختلف الجهات الفاعلة في ليبيا، إلا أنها تدرك أن حل الأزمة يتطلب جهداً دولياً منسقاً؛ لذلك ترغب في توسيع جهودها لتشمل التعاون مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة تلك المشاركة في مؤتمر برلين.
ومن وجهة نظر أخرى، فإن فترة الاستعمار الإيطالي لليبيا (1911-1943) كانت ولا زالت عاملاً مؤثراً في العلاقات الراهنة بين البلدين، حيث تركت “إرثاً من المشاعر المعقدة بين الشعبين الليبي والإيطالي”، الأمر الذي يلقي بظلاله على التعاون الحالي. كذلك، فإن السياسة الخارجية الإيطالية، التي تنبثق غالباً عن الحكومات الائتلافية، تكون ضعيفة وخاصة تجاه الأزمة الليبية، مما يجعلها غير فعالة في كثير من الأحيان[9].
المبحث الثاني: آليات السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية
تتباين آليات السياسة الأوروبية تجاه الأزمة الليبية في وسيلة الدبلوماسية والوساطة السياسية، والدعم الاقتصادي الإنساني، والبعثات العسكرية والأمنية والتعاون الأمني ومكافحة الإرهاب.
المطلب الأول: الدبلوماسية والوساطة السياسية
بدأت معالم محدودية التحركات الدبلوماسية الأوروبية تجاه الأزمة الليبية بعد تراجع حجم اهتمامها به، فمقارنة بالتحرك الفرنسي والحماس الأوروبي الملحوظ لإنهاء نظام القذافي، تراجع زخم التحركات الأوروبية لإنجاح الانتقال الديمقراطي في ليبيا، إذ ساهم التنافس الأوروبي- الأوروبي على المكاسب في رسم معالم التخبط الأوروبي لمقاربة الأزمة الليبية، غير أن التحولات المتتالية في مسار الملف الليبي بتكريس الانقسام الداخلي المهدد للوحدة الترابية لليبيا، وتزايد التدخلات الخارجية ساهمت في إعادة النقاش حول محدودية الدور الأوروبي في إدارة الأزمات الدولية، وتبعاً لذلك “ظهرت تحديات وعوائق رافقت مسار التطوير المؤسساتي والعملياتي للاتحاد الأوروبي في مجال إدارة الأزمات الدولية، إذ أظهرت تجاربه للوقاية وإدارة الأزمات ثلاث مستويات وتحديات أمام فاعلية مقارباته، مستوى التجانس والاستقلالية ومرجعية التفويض، لتنعكس على مخرجات إقرار سياسة خارجية وأمنية مشتركة”[10]؛ فلبلورة موقف محدد حول أزمة محددة يتوقف على مدى قدرة الاتحاد على إلزام أعضائه بقرار موحدة، ليظل مفتقراً لهذه الإرادة المشتركة ويحكمه العجز عن العمل بصورة مستقلة وتضارب المصالح.
وعطفاً على الأزمة الليبية يحاول الاتحاد الأوروبي تجاوز الانقسامات الأوروبية والتوافق على قرار أوروبي موحد، ليحافظ الاتحاد بمستوى المؤسسات على روح المساندة والدعم الدبلوماسي لجهود الأمم المتحدة، من أجل وقف العنف واستكمال العملية السياسية والحوار بين الأطراف الداخلية المتنازعة، لتتأطر المقاربة الأوروبية في الخطاب الدبلوماسي المشترك للاتحاد بمنطق مساندته لجهود الأمم المتحدة لحل سلمي للأزمة، لكن على الجانب الميداني، يظهر الانقسام الأوروبي الواضح بدعم وانحياز بعض الدول الأوروبية لأطراف النزاع الداخلي، مما يوضح محدودية دورها لوضع نهاية للأزمة[11].
إجمالاً يمكن القول: بأن التجاذبات والانقسامات الإقليمية والدولية ساهمت في تعقيد الأزمة الليبية، وفي تعزيز الاستقطاب الخارجي واستمرار الانقسام الداخلي، مما يعقد مسارات إنهاء الأزمة الليبية ويطرح إشكالات عن آفاقها المستقبلية.
المطلب الثاني: الدعم الاقتصادي والإنساني
يعتبر الاتحاد الأوروبي من أكبر مقدمي الدّعم في ليبيا بعد بروز الأزمة الليبية سنة 2011، إذ تهدف مشاريع الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز المجتمع المدني، وحقوق الإنسان، والإعلام الحر، والحكم الديمقراطي، والخدمات الصحية، وريادة الأعمال، وتمكين الشباب، والمساواة بين الجنسين، هذه أوجه التعاون التي يقدمها الاتحاد، إلا أنه تظل أبرز مجالات الدعم التي يركز عليها الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا في إدارة الهجرة غير القانونية ولما لها من تأثير على الجوانب الأمنية والديمغرافية لأوروبا، وكذلك دعم المناطق الليبية التي تستضيف عدداً كبيراً من المهاجرين واللاجئين.
في إطار تركيز الاتحاد الأوروبي على قضية الهجرة، يدعم الاتحاد برامج تسهّل الوصول إلى الخدمات الأساسية، ويعزز المجتمعات المضيفة من خلال توفير فرص العمل للسكان المحليين والمهاجرين على حد سواء. كما يقدم المساعدة والحماية للمهاجرين المستضعفين. تهدف هذه المساعدة إلى تحسين ظروف المهاجرين واللاجئين في نقاط النزول ومراكز الاحتجاز، وتوفير المساعدة في العودة الطوعية للمهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، ودعم إجلاء المحتاجين للحماية الدولية.
عموماً بلغت مساعدات الاتحاد الأوروبي لليبيا حوالي 700 مليون يورو خلال السنوات الماضية، وحيث أنه يعد الشريك التجاري الأكبر لليبيا بنسبة 51٪ من إجمالي تجارة البلاد في عام 2020[12]، إلا أن العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا تأثّرت بالأزمة التي امتدّت لفترة طويلة مسببة عدم الاستقرار في البلاد، إذ تعتبر ليبيا الشريك الوحيد بين دول الجوار الجنوبي (الجزائر ومصر وإسرائيل والأردن ولبنان وليبيا والمغرب وفلسطين وسوريا وتونس) الذي لم يبرم اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي حتى الآن؛ فالعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وليبيا تجري حتى الآن خارج الإطار القانوني الثنائي الذي ينظّم العلاقات الثنائية.
وفي الجانب الإنساني خصص الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2011 حوالي 75.3 مليون يورو كمساعدات إنسانية للاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحاً في ليبيا، إذ تركز مساعدات الاتحاد الأوروبي على علاج جرحى الحرب ودعم السكان المشردين قسراً والمجتمعات المضيفة، فضلاً عن التنسيق والدعم اللوجستي للاستجابة الإنسانية.
نظراً لأهمية السياسات والبرامج الأوروبية، وخاصة تلك المتعلقة بالهجرة، تم تأسيس بعثتين بموجب السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة. الأولى هي بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية (إيوبام)، التي أنشئت في مايو 2013 كمهمة متكاملة لإدارة الحدود. وبعد إجراء التعديلات، صار هدفها الحالي يتمثل في مهمة مدنية لبناء القدرات، وتقديم المساعدة، وإدارة الأزمات في ميدان إصلاح قطاع الأمن، مع التركيز على الشرطة، والعدالة الجنائية، وأمن الحدود، والهجرة.
أما الثانية فهي عملية القوات البحرية للاتحاد الأوروبي في البحر المتوسط – عملية إيريني. تتعلق صلاحياتها أيضاً بشؤون الهجرة، حيث تم إطلاق عملية إيريني (تعني “السلام” باليونانية) في 31 مارس 2020. وتتمثل مهمتها الأساسية في دعم تنفيذ حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا ودعم نظام النفط الذي أرسته الأمم المتحدة لليبيا بهدف الحفاظ على هذا المورد لجميع الليبيين. كجزء من مهمتها الثانوية، تساهم عملية إيريني أيضاً في عرقلة نموذج أعمال شبكات تهريب البشر والاتجار بهم من خلال جمع المعلومات والقيام بدوريات بالطائرات[13].
المطلب الثالث: البعثات العسكرية والأمنية التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب
قبل عام 2011، تأسست الشراكة المتوسطية بين دول شمال وجنوب المتوسط على ثلاثة محاور رئيسية: السياسية، والاقتصادية، والأمنية. ورغم أهمية الجانب الاقتصادي في إطار الشراكة والتعاون، إلا أن الجانب الأمني أصبح يتصدر مساراتها. يتمحور الهدف الرئيسي من الشراكة في السياق الأمني حول تحقيق السلام والاستقرار والأمن، ويعتبر هذا المحور أساسياً للتعاون والجوار الأوروبي. ورغم أن هذا الهدف ينطلق من رؤية أوروبية لأمنها الجماعي، إلا أنه يشكل إطاراً للتعاون الأمني المشترك، سواء كان ثنائياً أو جماعياً، لمقاربة التهديدات والتحديات في منطقة المتوسط على قاعدة التعاون من أجل فضاء مشترك للسلم والأمن[14].
وبعد سنة 2011، وبروز الأزمة الليبية ” انعكست سياسة الجوار الأوروبية في إطار يتأسس على مبادرة أحادية الجانب لتعكس رؤية ممركزة أوروبية، إذ تبرز هذه الرؤية ومعاييرها لعلاقات الجوار وتتوقف على الهواجس الأمنية الأوروبية فقط؛ فمن جهة تتحدد مبادرات الاتحاد على أنها طريقة لبناء علاقته “بالآخر” في الجنوب والشرق ولكن التعامل معها تبدو كامتداد للأنا الأوروبية، لتحكم على دول الجنوب بتبني سياسات تقررت ببروكسيل دون أن تساهم في مقاربتها، مما يوضح أنها سياسة صيغت استناداً للرؤية الأوروبية لتحقيق الاستقرار بالمنطقة الجنوبية المحاذية لأوروبا وحوض المتوسط حفاظاً على الأمن الأوروبي فقط“[15].
كما ساهمت التحديات الأمنية في إقرار سياسة جديدة للجوار الأوروبي، لتجاوز الإكراهات الأمنية التي خلفتها أحداث 11 سبتمبر 2001 والإكراهات الجيوسياسية لتوسيع الاتحاد، فاستدعت مقاربتها بمبادرة جديدة للمتوسط تنطلق من محددات محورية، واضعة هدفها إقامة فضاء مشترك للسلم والأمن، عبر تحقيق الأمن المشترك للتصدي للمخاطر الأمنية وفق الرؤية الأوروبية؛ (كالتأثيرات البيئية وانتشار الأسلحة النووية والهجرة غير القانونية والتهريب والجريمة غير المنظمة والإرهاب…إلخ)، بهدف جعل المتوسط منطقة حوار وتعاون متبادل للسلم والاستقرار “كثروة مشتركة يجب تعزيزها بكل الوسائل“[16].
ولقد تطور مفهوم الجوار وفق التصورات الأمنية الأوروبية في اطار “الاستراتيجية الأوروبية للأمن” 2003 التي تطالب من الجوار المباشر للاتحاد إطلاق “تجمع بلدان الحكم الرشيد”، إلا أن انخراط الجيران في النزاعات العنيفة والدول الضعيفة حيث تنتشر الجريمة المنظمة والمجتمعات الفاشلة، مما سبب في انفجار النمو الديموغرافي على حدودها يخلق لها مشاكل، لتؤكد هذه الرؤية على التوجه الأوروبي للتأسيس لجوار آمن حفاظاً على أمن حدودها ورؤيته للتهديدات الأمنية التي يواجهها كفضاء أوروبي مشترك، لتحدد معالم البعد الأمني في سياساته للجوار “[17].
وفي هذا الاطار باشر الاتحاد عمليات ومنتديات للتعاون المشترك مع الضفة الجنوبية، لمواجهة التنافس الأمريكي، ولتعزيز علاقات متينة مع دول الجوار، ومن منطلق أهمية التعاون والحوار في المجال السياسي والأمني، إذ تعددت التصورات والتوجهات والمبادرات لإرساء تصور واضح وهيكلة للتعاون كان أبرزها منتدى 5+5 للتعاون والحوار[18].
على الرغم من تنوع آليات ومجالات التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب برؤية مشركة بالفضاء الأطلسي إلا أنها تعتبر مجرد أداة لتحقيق المصالح الأوروبية، فرغم تنويع وتعديل عمليات التعاون والشراكة بالمتوسط، إلا أنها مبادرات لم تتجاوز النظرة إليها كآليات للهيمنة الأوروبية، واتضحت معالمها في المقاربة الأوروبية للازمة الليبية، وتحولاتها من الحياد إلى الانخراط في التنافس على المكاسب.
وقد شكلت الأزمة الليبية تحدياً كبيراً للشراكة الأمنية والعسكرية الأوروبية. فالانقسام الداخلي في ليبيا، والدعم الخارجي، والتدخلات الدولية التي تساند الأطراف الليبية حسب المصالح الآنية، تساهم في تعقيد مسارات الملف الليبي وتؤجل نجاح المبادرات المتعددة – بما في ذلك الأوروبية – لوقف أعمال العنف في البلاد. كما تساهم هذه العوامل في تعقيد الوضعية الأمنية الإقليمية، مما يؤدي إلى تداخل التحديات الأمنية في منطقة المتوسط، والتي تسعى الدول الأوروبية لمقاربتها وفق نهج الشراكة والحوار في المتوسط.
رغم تعدد الآليات والبرامج المعتمدة في كافة الميادين، لازمت إشكالية عدم التكافؤ الإطار العام لهذه المقاربة الأوروبية على الجانب الأمني، ساهمت الشراكة المعتمدة في تعزيز الحوار والتعاون كإطار لها، إلا أنها تتخبط في تعقيدات أخرى، إذ تعد الأزمة الليبية إطاراً معبر عنها؛ فالمحاولات للانخراط بالملف بدأت مبكراً، غير أنها تراوحت بين الحماسة في إنهاء عهد القذافي، والانتظارية لمائلات الأوضاع في ظل الانقسام السياسي الداخلي.
توج هذا الوضع بانقسام أوروبي-أوروبي حول المصالح والمكاسب، ودعم الأطراف المتنازعة في ظل الانقسام الداخلي. نتيجة لذلك، أصبحت المبادرات الأوروبية تعتمد على دعم جهود الأمم المتحدة في ليبيا بدلاً من قيادة الجهود الإقليمية لإنهاء الأزمة.
المبحث الثالث: تقييم فاعلية السياسات الأوروبية قبل صعود التيارات اليمينية
عند الحديث عن تقييم فاعلية السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية بعدما تباين مؤخراً صعود التيارات اليمينية المتطرفة على مستوى الساحة السياسية يتباذر في أذهاننا أن هذه السياسات ستتخذ نفس نهج السياسات الأوروبية السابقة أم أنها ستتخذ منحى ومنعرج جديد آخــر؟، ولهذا لا بد من فهم وتوضيح أن التيارات اليمينية المتطرفة تنادي بالعودة للهوية والدين ، وتتمسك وتتشبث بالقومية والعرقية وبذلك تكون تنتهج نهج المعادي لسياسات الاتحاد الأوروبي التكاملية وكذلك سياساته الخارجية ، وفي اطار سياسات الاتحاد الأمنية والعسكرية والانسانية والدبلوماسية والاقتصادية التي يسعى من خلالها الاتحاد إلى تكوين فضاء أورو متوسطي يؤمنه بالدرجة الأولى وفق رؤية يفرضها على دول جنوب حوض المتوسط وخاصة بعدما تعالى ناقوس الهجرة وتداعياتها بسبب ما سمي بثورات الربيع العربي وما سببه ذلك من قلاقل لدول شمال وجنوب المتوسط على حدٍ سواء؛ ولتوضيح اختلاف تلك السياسات من عدمه سنتناول المواقف الأوروبية التالية:
المطلب الأول : السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية
لتحديد السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية لا يمكن إغفال العوامل الاقتصادية والعوامل الجيوسياسية التي تتشاركها الدول الأوروبية مع دول المنطقة العربية وخاصة ليبيا ، ولعل الإدراك الأوروبي المتزايد للكثير من الاعتبارات الأمنية المتعلقة باحتياجات الدول الأوروبية للطاقة، والحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وتفاعلات الدول الكبرى مع الاتحاد الأوروبي قد مثلت عاملاً مؤثراً في سياساته تجاه الأزمة الليبية.
بعد بروز الأزمة الليبية، اتبعت السياسات الأوروبية نهجا تنافسياً ملحوظاً، خاصة بين كل من فرنسا وإيطاليا وألمانيا، التي عارضت التدخل العسكري في ليبيا ، ومع ذلك، ساهمت هذه السياسات في بدايتها بشكلٍ ملحوظ في حالة التشظي التي تعيشها ليبيا اليوم، بل وزيادة بؤر التوتر والصراع فيها، الأمــر الذي أنتج واقع جديد وظواهر اجتماعية جديدة في ليبيا وخاصة تزايد ظاهرة الهجرة غير القانونية. حيث أصبحت ليبيا دولة عبور للمهاجرين إلى أوروبا، مما ترتب عليه من تداعيات مجتمعية في أوروبا، حيث ألقت هذه الهجرة بضلالها على معيشة المواطنين الأوروبيين، وارتفاع معدلات الجريمة وتناقص فرص العمل للأوروبيين.
الأخطر من ذلك هو التحول الديموغرافي الذي أصبح واقعاً ملموساً نتيجة الهجرة غير القانونية، حيث يأتي المهاجرون بعقولهم وأفكارهم ومعتقداتهم الدينية والسلوكية. هذا الأمر زاد من حدة معاداة المهاجرين في أوروبا ورفع وتيرة الشطحات الشعبوية والتيارات اليمينية المتطرفة المعادية لمؤسسات الاتحاد الأوروبي وسياساته التكاملية، والمنادية بالعودة إلى القوميات الأوروبية، على غرار ما كان يتبناه ديغول في فرنسا.
لذلك نلاحظ تغيير كبير في السياسات الأوروبية قبل صعود التيارات اليمينية وبعد صعودها مؤخراً ووصول بعض منها إلى مصافي سدة الحكم وحصولها على مقاعد في الانتخابات البرلمانية للدول وفي البرلمان الأوروبي.
ففي بداية عملية التحول السياسي في ليبيا تباينت السياسات الأوروبية لدول الاتحاد كل على حدى، فظهرت وجهات نظر ومواقف مختلفة من عملية التدخل العسكري من أجل حماية المدنيين كما يصاغ في ليبيا لدول الاتحاد” فكان موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة الليبية على طرفي نقيض ، حيث مثلت الثورة الليبية نقطة فارقة في مجال العمل الجماعي للاتحاد الأوروبي من خلال الانكشاف الذي تعرض له الاتحاد من خلال بروز أوجه القوة والضعف للاتحاد في نظرته تجاه الأحداث في ليبيا منذ سنة 2011″[19].
فمثلاً وفي اطار التنافس الأوروبي رفضت ألمانيا الموقف الفرنسي الذي كان يدعو التدخل العسكري المباشر، كما أمتنعت ألمانيا عن التصويت لصالح القرار 1973، حيث كان موقفها يسعى للحوار ولحلول أخرى في العلاقات الدولية بعيداً عن التدخل المباشر في الشئون الداخلية للدول .
يعود هذا الموقف إلى عدم رغبة ألمانيا في الانصياع لرغبة فرنسا وبريطانيا الجامحة من جهة، ومن جهة أخرى تقديرها للبعد الداخلي المتمثل في الرأي العام الألماني ، وعدم رغبة الأحزاب السياسية واليمينية اللجوء للحلول العسكرية.
تفاوتت هذه المواقف الحزبية واليمينية المتطرفة، فقد انتقد حزب الخضر الحكومة بشدة بسبب امتناعها عن التصويت، في حين ظهرت تمايزات في موقف المسيحيين اللذين دعا بعضهم إلى إعادة النظر ولو جزئياً في موقف الحكومة ، ورأى بعض الاشتراكيين أن التصويت إلى جانب قرار الخضر لا يعني المشاركة في العمليات العسكرية بصورة آلية، وأن موقف الحكومة ووزير الخارجية اتخذ لأسباب داخلية وانتخابية ، أما حزب اليسار فأيد بشدة موقف الحكومة.
أما ايطاليا، على الرغم من تحسن علاقاتها بشكل ملحوظ في عهد القذافي و برلوسكوني إلا أن الموقف الايطالي تغير مع تفاقم الوضع في ليبيا بعدما صرح برلوسكوني في البداية أن بلاده لا تنوي التدخل في الشأن الداخلي الليبي.
ايطاليا التي تعتبر الدولة الأكثر تميزاً في دول الاتحاد الأوروبي مع ليبيا إلا أن موقفها اتسم بداية بالتردد فيما يخص عملية الحظر الجوي حتى مؤتمر باريس، ويعزي البعض ذلك إلى شركة إيني الإيطالية التي تعتبر من أكبر الشركات العاملة في ليبيا في مجال النفط والغاز.
أما فيما يتعلق بفرنسا فقد تزعمت المواقف الدولية تجاه ليبيا من إدانة القمع المتصاعد ضد المحتجين، حيث تصدر الموقف الفرنسي طليعة المواقف الدولية، فعلى الرغم من تحالفها السابق مع نظام القذافي الذي عقد الكثير من الصفقات العسكرية مع النظام الفرنسي، إلا أن فرنسا كانت أو الدول التي تدخل طائراتها الأجواء الليبية وتقصف القوات العسكرية الليبية المتجه نحو بنغازي وعلى مشارفها بشكل فردي وقبل صدور قرار مجلس الأمن لحماية المدنيين، وبدون قرار من مفوضية الاتحاد الأوروبي، متجاهلة قواعد القانون الدولي الذي يحرم ويجرم اعتداء دولة على دولة أخرى وخاصة أن ليبيا دولة عضو في الأمم المتحدة؛ ويرجع بعض المحللين ذلك إلى الوعود التي تحصلت عليها فرنسا من المجلس الانتقالي وبعدما كانت أول الدول التي تعترف به كممثل وحيد وشرعي للشعب الليبي، ليكون لها نصيب الأسد في الاستثمارات النفطية داخل ليبيا ؛ إلا أن ذلك واجهه الموقف الإيطالي الذي يعتبر ليبيا جزء لا يتجزآ من استراتيجياته وخاصة في مجال الطاقة بعد حقبته الاستعمارية لليبيا، وكذلك لأن فرنسا تنظر إلى أنها الدولة الأقل استفادة من بين الدول الكبرى فيما يتعلق بالتعاقدات النفطية ؛ ومن جانب آخر لنفي ما تم تداوله من دعم القذافي المالي لحملة سركوزي الانتخابية الأخيرة، بيد أن البعض يراها ردة فعل ضد نظام القذافي لتحديه فرانسا وإعاقة نفوذها في أفريقيا.
فضلاً عن الموقف المالطي المعارض للتدخل العسكري في ليبيا خوفاً من احتمالية تدفق المهاجرين واللاجئين إليها، كما قادت بولندا العديد من دول شرق أوروبا بإعلان أن الأزمة الليبية شأن داخلي، فتفضل دول شرق أوروبا أن يدعم الاتحاد الأوروبي جيرانه المباشرين مثل أوكرانيا وجورجيا بدلاً من دول بعيدة عن مصالحهم.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الموقف الأوروبي في سياساته تجاه الأزمة الليبية واختلاف رؤى دوله كما لاحظناه في الحقيقة متأثر في نهاية الأمر ومكملاً للدور الأمريكي المهيمن إقليمياً في المنطقة، ولذلك فإن السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية المتطرفة لا تتعامل مع القضايا السياسية المتنوعة بمنطق واحـــد، كون أن الاتحاد يجمع في عضويته عدد من الدول التي كانت بالأساس سابقاً متعادية ومتقاتلة، وهي في الحقيه اليوم متنافسة حتى بعد اتحادها سياسياً بعد معاهدة ماسترخت، واقتصاديا بعد مشروع مارشال في اطار الاتحاد الأوروبي وفي اطار العلاقات الدولية.
إن هذه التفاعلات الداخلية والعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد، بالإضافة إلى المصالح الفردية كلها قد مثلث عــاملاً مؤثراً في السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينية؛ وحري بنا عند الحديث عن الموقف الأوروبي وسياساته الفردية تجاه الأزمة الليبية العودة للحقبة التنافسية الاستعمارية القديمة بين كل من ألمانيا النازية قديماً وفرنسا التي تسعى للنجومية وقيادة أوروبا وإقامة جيش أوروبي موحد أيام ديغول بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، فأوروبا اليوم تخشى ألمانيا النازية، وليس الهيمنة الأميركية، ومن هذا يتضح لنا أن تدخل فرسا العسكري المباشر في الأزمة الليبية كان من أجل أن تتخذ لنفسها موقعاً إقليمياً لقيادة أوروبا فيما بعد لرسم سياسات أوروبية تنطلق من التطلعات الفرنسية نحو قيادة أوروبا، وفي اطار تبنيها سابقاً الشراكة الأورومتوسطية والاتحاد من أجل المتوسط.
وخلاصة القول: أن الانقسام في الموقف الأوروبي هو نتاج أن القيادة في الاتحاد كانت لدول أوروبية معينة، مما نتج عنه شبه غياب للاتحاد الأوروبي، ولذا انتقد البرلمان الأوروبي على خلفية ذلك الانقسام الحاصل في الاتحاد إزاء الأزمة الليبية حيث أكدت كارتين أشتون محدودية الدور الذي يستطيع القيام به بحجة أن الدول الأعضاء في الاتحاد اصحاب سيادة يؤمنون بحقهم في تحديد ما سيقومون به خاصة في مجال الدفاع ، ولذا تبنوا وجهات نظر مختلفة، وبذلك يتضح أن الموقف الأوروبي كان متضارباً ومتقاطع تجاه الأزمة الليبية وتطورات الوضع فيها، الأمـــر الذي يعد دليلاً قاطعاً على عدم تطور استراتيجية جماعية في السياسة الخارجية وعجزه عن ذلك فعلاً.
وعلى أية حال فإن السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية قبل صعود التيارات اليمينة المتطرفة قد تميزت أو يمكن وصفها بأنها انتهازية مترنحة في بداية الأزمة حتى أنها تلقي بثقلها في كفة الثوار عندما بان لها طريق النصر واضح للمحتجين ، واتسمت كذلك بازدواجية المعايير حسب المصالح والمنافع والآنا الأعلى.
المطلب الثاني: الرؤية المستقبلية للسياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية
إن الرؤية المستقبلية للسياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية في اعتقادنا لا بد أن تنطلق من قاعدة تطوير روح الشراكة المتوسطية، غير أن تفعيل هذا المسار يتوقف على عدة سيناريوهات، يتباين اضعفها في سيناريو توقف مسار المساهمة الأوروبية في مقاربة الأزمة الليبية، إذ أن التكهنات تُرجح الانشغال الأوروبي بالأزمة الليبية لتجاوز إكراهات محدودية التأثير، وحتمية المساهمة للحفاظ على مصالحه بالمنطقة، لتتأرجح سيناريوهات حضورها بين استمرارية نفس التوجهات السابقة وبين محاولات لإعادة تجديد الرؤية الأوروبية لمحاور الشراكة، وبناء مقاربة جديدة للأزمات بالمنطقة المتوسطية[20]، وفي هذا السياق نستعرض تخمين للرؤية المستقبلية للسياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية ، وهي كالتالي:-
1ـ سيناريوهات الاستمرارية:
يعتبر استمرار التنافس الأوروبي وغياب دور حقيقي للاتحاد الأوروبي حيال الأزمة الليبية أكبر تهديد للشراكة الأمنية ولمقاربته للأزمة الليبية، غير أنه محكوم بحتمية الحضور، إذ يؤطره اعتبار أن مسار الشراكة مستمر وممتد، وقد ساهمت الخطوات الأوروبية في إعادة هيكلته – أكثر من مرة- لمقاربة التحديات التي تعترضه والتغيرات الدولية، وستتواصل المقاربة الأوروبية للملف الليبي على عدة اعتبارات؛ أولها: أنها معنية بتغيرات وتهديدات وانعكاسات الملف على دول الجوار وعلى سواحلها، وثانيها: انسجاما مع الأدوار المتصاعدة لبعض الدول بالمنطقة كفرنسا، وتالثها: أن الاتحاد ملزم بمقاربة الملف باعتباره شريكاً محورياً بالفضاء المتوسطي.
ولأن الشراكة الأورو- متوسطية تتأسس على عقيدة الحوار والدبلوماسية الوقائية للتصدي للتهديدات الأمنية، رغم تحدي التنافس الأوروبي حول النفوذ بالمنطقة، وانعكاسات التدخلات الدولية المساهمة باستمرار الأزمة، ففي كل الأحوال سيحافظ الاتحاد على استمرار جهوده لحلحة الملف الليبي، لتتقاطع مع رهان الأمم المتحدة على الحل السياسي على قاعدة اتفاق الصخيرات، ورغم ذلك تساءل هذه الاستمرارية على المدى البعيد عن فاعلية الدور الأوروبي، وتحتم عليه ضرورة التغيير وإعادة الهيكلة.
2ـ سيناريوهات التغيير:
تحتم عدة اعتبارات إعادة بناء المقاربة الأوروبية على أسس حقيقية؛ تتجاوز حدة التنافس الأوروبي- الأوروبي على ليبيا، وتتحرك خارج حسابات الإكراهات والتحديات التي تعترض إقرار سياسة خارجية موحدة، وعبرها رؤية أوروبية موحدة لإدارة الأزمات، وفي مقدمته الأزمة الليبية، ورغم إنها حافظت على اهتمامها بمقاربة الأزمة، ومحاولاتها حلحلة الملف بمبادرات دبلوماسية للوساطة، ورهانها على مؤتمرات إقليمية، فإنه على المدى المتوسط، يمكن استثمار المكتسبات التي حققتها الأمم المتحدة والتي تحظى بتوافق أوروبي، ودعمها من أجل حل نهائي للملف الليبي، غير أنها مدعوة على المدى البعيد الى إعادة مقاربة توجهات وآليات الشراكة في الجانب الأمني، إذ أظهرت التحولات الإقليمية محدودية دورها، وتظهر ملامحه في تقارير مؤسساته لمراجعة سياسة الجوار، وتتوقف – بالجانب الأمني- على تعزيز التعاون في مجال إصلاح قطاع الأمن ومعالجة الإرهاب والحد من التطرف ومنع الجريمة المنظمة، على أن يركز التعاون في مجال السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة على التعاون وبناء القدرات وإدارة الأزمات والاستجابة لها[21].
وفي الختام فإن تغيير مسارات السياسات المستقبلة الأوروبية تجاه الأزمة الليبية هو السيناريو الأقرب إلى التحقق مستقبلا، نظراً لعدة اعتبارات منها أن الدور الأوروبي محوري للتصدي للتهديدات المشتركة بالمتوسط، ولأن الفاعل المتوسطي يراهن على إنجاح مسلسل المحاولات الإقليمية، كما الحاجة الأممية لمبادرات خارجية تحظى بتوافق أطراف النزاع في الشأن الليبي.
الخاتمة والنتائج :
سعى هذا البحث إلى التعريف بأهمية ليبيا في السياق الجيو سياسي الأوروبي، وتحليل السياسات الأوروبية في المراحل الأولى للأزمة الليبية، وفي محاولات التسوية السياسية، وكذلك توضيح وإبراز آليات السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية، والدروس المستفادة وسبل تطوير السياسات المستقبلية وخاصة بعد صعود التيارات اليمينية ووصولها للانتخابات البرلمانية 2024م؛ حيث توصل الباحث إلى النتائج التالية:
- اهتمام الدول الاوربية بالقضية الليبية تكاد تكون المسبب للانقسامات والتنافس الاوروبي للأهمية الجيوسياسية للدولة الليبية.
- أظهرت الدراسة أن هناك اختلاف في المواقف والسياسات بين الدول الاوروبية تجاه الازمة الليبية.
- ركزت الجهود الأوروبية على ايجاد حل سياسي للصراع الليبي من خلال ربطها بمصالحها.
- الاهتمام بإدارة التأثيرات الأمنية والإنسانية للأزمة لاسيما فيما يتلق بقضايا تدفق الهجرة عبر المتوسط من ليبيا.
- أظهرت الدراسه أن السياسات الأوروبية تجاه الأزمة الليبية متأثرة بعدة عوامل منها اقتصادية وجيو سياسية والتواجد الأميركي في المنطقة.
ونعتقد أنه يمكن تعزيز دور أوروبي فاعل في الأزمة الليبية على قاعدة الشراكة الأورو متوسطية وفق الاعتبارات التالية:
1ـ تجاوز التنافس الأوروبي- الأوروبي بالساحة الليبية، حيث أن الملف يقارب وفق مقاربة تعزيز المصالح الضيقة لبعض الأطراف الأوروبية، أو محاولاتها تحقيق مكاسب بالساحة الليبية، إذ تعرقل المنافسة الداخلية إقرار رؤية أوروبية منسجمة، فتجاوز التنافس الأوروبي كفيل بإقرار رؤية موحدة للاتحاد.
2ـ تعزيز الدور الأوروبي في الأزمة الليبية وفق مقاربة تعاونية لحل سياسي للأزمة الليبية، فرغم المساهمة الدبلوماسية الأوروبية بمحاولات لحلحلة الأزمة، إلا أنها تظل رهينة غياب توافقات داخلية، رغم أنها تتوافق على المستوى الرسمي على رؤية دعم جهود الأمم المتحدة والرهان على الحل السياسي للملف الليبي.
3ـ تفعيل الشراكة الأورو- متوسطية بالجانب الأمني وفق التعاون المشترك وعلى قاعدة الدعم والتنسيق والحوار، وتجاوز تحتكم السياسة الأوروبية على رؤية تعزيز الأمن الأوروبي من تهديدات دول الجوار، فتحقيق حلم الاستقرار بالمنطقة يتطلب مساهمة الطرف الجنوبي لتعزيز رؤية مشتركة للتحديات، عبر إقرار رؤية أوروبية- مغاربية موحدة ومشتركة حول الملف الليبي، ستُشكل دعما دبلوماسيا لإقرار نهاية للأزمة.
4 ـ إعادة بناء الشراكة الأورو- متوسطية وفق مقاربة تستجيب للتحولات الإقليمية، وعلى رؤية تعزيز التعاون الأمني المشترك لتجاوز إكراهات اعتبارها رؤية أوروبية لأمنها، بإعادة الاعتبار للشراكة وفق أسس تشاركية للطرف الجنوبي، واستدراك محاولات اعتبارها مجرد آلية لتعزيز المصالح الأوروبية الآنية.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)
- كشان رضا، التّدخل الأجنبي في الشّؤون العربية الداخلية وتداعياته على الأمن القومي العربي : دراسة حالة ليبيا، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية،المجلد07 العـــدد:02/2020، ص06-31، تاريخ النشر:20/12/2020.
[2]– عربي بومدين، الاستمرار والتغير في العلاقات الأورو- مغاربية بعد الحراك العربي، المستقبل العربي، عدد 472، يونيو 2018، ص111.
[3] – المرجع نفسه، ص 111،113.
[4] – مسعود شوية، مقاربات الاتحاد الأوروبي لإدارة الأزمات الدولية، مجلة المفكر، عدد6، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة، ص417.
[5] – كريستوفرس. شيفيس، جيفري مارتيني، ليبيا بعد القذافي عبر وتداعيات للمستقبل، مؤسسة راند، 2014، ص35.
[6] – محمد عبد الحفظ الشيخ، التنافس الفرنسي-الإيطالي وتداعياته على ليبيا، المستقبل العربي، عدد 484، مركز دراسات الوحدة العربية، يونيو 2019، ص135-136.
[7] – اﻟﺼﺮاع اﻟﺨﻔﻲ ﻳﺘﻮاﺻﻞ .. إﻳﻄﺎﻟيا ﺗﺘﻬﻢ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺑﺰﻋﺰﻋﺔ اﻻﺳﺘﻘﺮار ﻓﻲ ﻟﻴﺒﻴﺎ ، ﺳﺒﻮﺗﻨﻴﻚ ﻋﺮﺑﻲ، 8 مارس 2019.
[8] – محمد عبد الحفظ الشيخ، التنافس الفرنسي- الإيطالي وتداعياته على ليبيا، مرجع سبق ذكره، ص145.
[9] – الدور- الإيطالي- في- ليبيا- يحقق- الاستقرار- أم- يفاقم- الاستقطاب – الدولي www.alhurra.com تاريخ الزيارة الأحد 30/06/، الساعة 9:23 AM.
[10] – مسعود شوية، المرجع السابق الذكر، ص420.
[11] – بعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، www.eeas.europa.eu/libya/alathad-alawrwby-wlybya 5 تاريخ الزيارة السبت 29/06/2024 ، الساعة 11:22 AM.
[12] – المرجع نفسه.
[13]– المرجع نفسه.
[14]– جويدة حمزاوي، سياسة الجوار الأوروبية: نحو التأسيس للمتوسط كجماعة أمنية، مجلة المستقبل العربي، العدد471، ص124.
[15] – محمد رشيد، البعد السياسي والأمني للشراكة الأورو-متوسطة، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية، سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 35، عدد 2، 2013، ص58.
[16] – نفس المرجع، نفس الصفحة.
[17] – مهدي بوكعومة، واقع سياسة الجوار الأوروبية من سياسات الأورو-متوسطية، مجلة معالم للدراسات القانونية والسياسية، العدد 04، 2018، ص 322.
[18] – بن حداد هشام، التعاون الأمني الجزائري الأوروبي في إطار منتدى 5+5 للدفاع، مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية، عدد2، المركز الديمقراطي العربي، دجنبر 2018، ص 78-79.
[19] – خالد إبراهيم أبو رقيقته، موقف الاتحاد الأوروبي من الثورة الليبية 17 فبرايرم، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، تصدر عن جامعة السويس، المجلد السابع، ملحق العدد الثالث 2016 .
[20] – هشام عبد الكريم، خيرة بن عبد العزيز، أهمية التعاون الإقليمي في إطار الشراكة الأورومتوسطیة، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، العدد السابع، 2014،ص157.
[21] – أحمد صلحي، المقاربة الأوروبية للأزمة الليبية: محدودية الشراكة الأمنية الأورو- متوسطية، مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية https://mediterraneancss.uk، تاريخ النشر فبراير 25, 2023آخر تحديث: يونيو 9, 2023، تاريخ الزيارة 27/06/2024، الساعة 8:34 AM.