الانتخابات التشريعية البريطانية: حزب العمال وإعادة ترتيب الأولويات
د/ صباح أحمد فرج
باحث ممتاز بالهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة
مقدمة
شكّل الانتصار الساحق الذي حققه حزب العمال البريطاني في الانتخابات التشريعية التي أُعلنت نتائجها يوم الخميس الموافق 4 يوليو 2024، نقطة تحول حاسمة في المشهد الأوروبي، الذي يشهد تحولات كبيرة في عدة دول أوروبية أخرى شهدت انتخابات مماثلة. وقد أدت هذه الانتخابات بمجملها إلى صعود ملحوظ لليمين، مما يثير العديد من التساؤلات حول ما قد تحمله هذه النتائج من تغييرات في أجندات تلك الدول وأولوياتها في الفترة المقبلة، لا سيما في ظل التحديات الجسيمة التي تنتظر المشرعين والقادة الأوروبيين خلال هذه المرحلة.
وقد أنهت نتائج الانتخابات التشريعية البريطانية بفوز حزب العمال، أكثر من 14 عاماً من حكم المحافظين المتواصل، مما يترتب عليه تولي زعيم الحزب” كير ستارمر”، منصب رئاسة الوزراء. وبذلك، يواجه ستارمر وحزبه اختباراً مهماً لتحقيق الوعود الإصلاحية التي تضمنها برنامجهم الانتخابي، والتي تركز بشكل رئيسي على مجالات الصحة العامة، والاقتصاد، والتعليم، والدفاع، والهجرة، وغيرها من القضايا ذات الصلة.
-ما هي أبرز إخفاقات حكومة المحافظين؟
-ما هي ملامح البرنامج الانتخابي لحزب العمال البريطاني؟
– أي من قضايا الداخل والخارج يفرض نفسه بشكل أكبر على السياسة البريطانية؟
-ما هو تأثير قضايا الشرق الأوسط على السياسة الخارجية لبريطانيا في ظل وجود حزب العمال البريطاني في الحكم؟
تقدم الدراسة قراءة لنتائج الانتخابات البريطانية وما أسفرت عنه من تغييرات كبيرة، وذلك في سياق الأوضاع التي مرت بها بريطانيا خلال السنوات الأخيرة، ولا سيما منذ جائحة كورونا، بالإضافة إلى إخفاقات المحافظين في التعامل مع حجم وطبيعة الملفات التي تولوا مسؤوليتها خلال تلك الفترة، وذلك مقابل البرنامج الذي قدمه حزب العمال وتعهداته خلال حملته الانتخابية، والتي تهدف إلى التعامل مع تلك الملفات بطريقة مختلفة تسهم في تحقيق النجاح المنشود. كما تفتح الدراسة المجال لمناقشة الملفات الإقليمية والدولية المرتبطة بسياسة بريطانيا الخارجية ورؤيتها لتلك القضايا، وتحاول استشراف ما قد تشهده السياسة الخارجية لبريطانيا من تغييرات في ظل هذه التطورات.
تتناول الورقة البحثية مجموعة من النقاط الرئيسية على النحو التالي:
– إخفاقات المحافظين المتتالية كسبب لخسارة الانتخابات
– البرنامج الانتخابي لحزب العمال: الثوابت والمتغيرات
– السياسة الخارجية البريطانية واستقرارها النسبي تجاه القضايا الإقليمية والدولية
– التوصيات الختامية
1-إخفاقات المحافظين المتتالية كسبب لخسارة الانتخابات
شهد مجلس العموم البريطاني، الذي يتألف من 650 مقعداً، فوز حزب العمال بـ410 مقاعد مقابل 131 مقعداً لحزب المحافظين. كما حصل الديمقراطيون الليبراليون على 61 مقعداً، وحزب الإصلاح البريطاني على 13 مقعداً، بينما نال حزب الخضر مقعدين فقط.
شكلت تلك الإخفاقات سبباً رئيسياً لتغيير توجهات الناخبين في صناديق الاقتراع. ومع تزايد حجم وأهمية الملفات المطروحة، يتضح أن حجم الإخفاقات كان كبيراً أيضاً. من بين أبرز الملفات التي فشل المحافظون في إدارتها، والتي منحت حزب العمال فرصة لتقديم بدائل تلبي تطلعات المواطنين، يمكن الإشارة إلى:
أولاً -الملف الاقتصادي
-ترك المحافظون الحكم بينما كانت معدلات التضخم عند مستويات قياسية، ومعدلات النمو الاقتصادي عند أدنى مستوياتها. فقد سجل الاقتصاد البريطاني في عام 2023 أضعف أداء له منذ عام 2009، ولم يتمكن من استعادة الزخم الذي كان عليه قبل جائحة كورونا في عام 2020، وما تلاها من أزمات، أبرزها الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها على ملف الطاقة في أوروبا بشكل عام. على الرغم من ارتفاع معدلات النمو خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024، فإنها لا تزال دون المستويات المرجوة والمستهدفة[1].
-تزايدت معاناة المواطنين إلى مستويات غير مسبوقة، حيث عانى المواطن البريطاني على مدار السنوات الماضية من ضغوط واسعة نتيجة مجموعة من العوامل، أبرزها ارتفاع تكلفة المعيشة. وقد أثر زيادة أسعار الوقود والغذاء والإسكان بشكل كبير على القدرة الشرائية للأفراد والأسر. في الوقت نفسه، لم تتمكن الحكومة من تقديم حلول فعالة للتخفيف من هذه المعاناة، مما أدى إلى تراجع الثقة في الحكومة بسبب عدم قدرتها على التعامل مع الأزمات بفعالية.
ثانياً-ملف الهجرة والعمالة
– أثار ملف الهجرة العديد من التحفظات بشأن إدارة المحافظين له، خاصة مع تكرار الإخفاقات في التعامل مع هذا الملف الحيوي. وعلى الرغم من أن البرنامج الانتخابي للمحافظين في الانتخابات السابقة تضمن وعوداً بتقديم حلول جذرية لهذه القضية، إلا أن الواقع شهد تزايداً في أعداد المهاجرين، التي وصلت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة.
أعلن المحافظون عن خطة لتخفيض عدد المهاجرين بنحو 300 ألف مهاجر من خلال رفع الحد الأدنى للأجور للعمال الأجانب، مع استثناء العاملين في المجالين الصحي والاجتماعي، ومنع هؤلاء العمال من إحضار أسرهم، ورفع الحد الأدنى المطلوب للحصول على التأشيرات. كما تضمنت الخطة زيادة الرسوم المدفوعة مقابل الحصول على الخدمات الصحية، ووضع إجراءات لترحيل المهاجرين الذين يصلون إلى البلاد بشكل غير قانوني. لم تقتصر هذه الإجراءات على فرض قيود على المهاجرين فحسب، بل أثرت أيضاً على أصحاب الأعمال الذين يعانون من نقص العمالة في سوق العمل[2].
استكمالاً لتلك الإخفاقات، وافق البرلمان البريطاني على قانون مثير للجدل يتيح إرسال عدد من طالبي اللجوء في بريطانيا إلى رواندا، حيث ستتم مراجعة طلبات اللجوء هناك. كانت الحكومة البريطانية تعتزم تطبيق هذه السياسة في شهر يوليو 2024، بحيث تقلع الطائرات التي ستنقل طالبي اللجوء إلى رواندا. وفقاً للاتفاقية بين بريطانيا ورواندا، التي تمتد لخمس سنوات، يمكن للمهاجرين البقاء في رواندا إذا ما وافقت السلطات هناك على طلباتهم للجوء. أما في حال الرفض، فإن المهاجرين يمكنهم تقديم طلبات لجوء جديدة في رواندا على أساس مختلف أو اللجوء إلى بلدان أخرى، لكن لن يُسمح لطالبي اللجوء الذين تم ترحيلهم إلى رواندا بالعودة إلى بريطانيا[3].
وقد كانت تلك الاتفاقية وفقا للمعايير الاقتصادية عالية التكلفة مقارنة بعائدتها المتوقعة، إلا أن عدم تطبيقها جاء نتيجة لمشكلات قانونية أدت الى وقف تطبيقها بصدور احكام تمنع التنفيذ.
2-البرنامج الانتخابي لحزب العمال: الثوابت والمتغيرات
ويتوقع أن يتسلم العمال السلطة في بريطانيا ويحملون على كاهلهم مجموعة من الملفات الداخلية والخارجية، الثقيلة، والتي تحتاج الى إجراءات عاجلة وخطط واضحة للتعامل معها، حيث شكلت الإخفاقات التي لحقت بالمحافظين على الجانب الآخر فرصاً للعمال في التعلم من أخطاء الاخرين والبحث عن بدائل ناجزة للتعامل مع تلك الملفات الشائكة وأبرزها:
أولاً-الملفات الاقتصادية (النمو – التضخم – الضرائب)
يتولى حزب العمال السلطة في بريطانيا في ظل أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد، تعاني منها البلاد منذ جائحة كورونا، وما سبقها من تداعيات اقتصادية نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. لا يزال الاقتصاد البريطاني يواجه أعباءً ثقيلة تحول دون تعافيه الكامل واستعادة زخمه السابق.
النمو الاقتصادي: يعاني الاقتصاد البريطاني من الإخفاق في تحقيق معدلات النمو المستهدفة، حيث فشل حتى نهاية عام 2022 وبداية عام 2023 في الانتقال من دائرة الانكماش إلى دائرة النمو الإيجابي. وأظهرت النشرة الصادرة عن صندوق النقد الدولي استمرار معاناة الاقتصاد البريطاني خلال عام 2023، حيث شهد تراجعاً في النمو الاقتصادي وانكماشاً بنسبة تصل إلى 0.6%. كما أشار تقرير الصندوق حول آفاق الاقتصاد العالمي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة المتحدة انكمش بنسبة 0.1% عام 2023، مع توقعات متواضعة بأن النمو الاقتصادي لن يتجاوز 0.5% عام 2024، وأنه قد يرتفع إلى 1.5% عام 2025 [4].
التضخم: يعاني الاقتصاد البريطاني من معدلات تضخم غير مسبوقة، حيث فشلت الجهود المبذولة في السيطرة عليه، على عكس ما نجحت فيه بعض الدول الأوروبية الأخرى. ورغم أن بنك إنجلترا كان من أوائل البنوك المركزية الكبرى التي تحركت لرفع أسعار الفائدة للحد من ارتفاع الأسعار، فقد قام برفع الفائدة إحدى عشرة مرة بين ديسمبر 2021 ونهاية مارس 2023 لتصل إلى 4.25%، وهي النسبة الأعلى منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008. ومع ذلك، لم ينجح في كبح جماح التضخم الذي يقترب من 10%، وهي أعلى نسبة بين دول غرب أوروبا. يمكن القول إن الوضع في بريطانيا كان ولا يزال أسوأ مما هو عليه في دول أوروبية أخرى، مما جعل الجهود المبذولة غير كافية لتحقيق النتائج المرجوة [5].
تشير التوقعات الرسمية إلى أن الاقتصاد البريطاني سيستمر في المعاناة لفترة قادمة، مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة. ويعزى ذلك إلى اعتماد بريطانيا على الخارج لتلبية احتياجاتها من الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع فواتير استهلاك الطاقة، وهو ما أثقل كاهل المواطنين لأكثر من ثلاثة أعوام.
يضاف إلى ذلك ارتفاع تكاليف الحصول على القروض نتيجة زيادة أسعار الفائدة، التي لم تنجح في خفض مستويات التضخم إلى معدلات مقبولة، إذ لا تزال هذه المستويات مرتفعة وتبلغ أعلى معدلاتها منذ أربعة عقود. كما يواصل الاقتصاد البريطاني معاناته من نقص في العمالة، مما يزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي.
وفيما يتعلق بموقف حزب العمال من الأوضاع الاقتصادية، فقد أعلن الحزب عن خطة لخلق الثروة وتحقيق النمو الاقتصادي، تتضمن إنشاء صندوق للثروة الوطنية بقيمة 7.3 مليار جنيه إسترليني. يهدف هذا الصندوق إلى الاستثمار في الصناعات والطاقة النظيفة، مع التعهد بالاستثمار المستمر في الجهود الرامية إلى تحقيق اقتصاد منخفض الكربون سنوياً حتى عام 2030.
يمكن القول أن المشكلات الهيكلية المتفاقمة التي يعاني منها الاقتصاد البريطاني تجعل تعهد زعيم حزب العمال، كير ستارمر، برفع معدل النمو في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوى بين دول مجموعة السبع بشكل مستدام بحلول نهاية الولاية الأولى للحزب، تعهداً طموحاً للغاية قد يصعب تحقيقه. ذلك يأتي في ظل استمرار العوامل التي تقلل من فرص النمو وتزيد من معدلات التضخم، خصوصاً في غياب تغيرات حقيقية قد تسهم في تمكين حزب العمال من تحقيق تلك الأهداف.
إن تحقيق النمو الاقتصادي المستهدف لبريطانيا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعدد من الملفات الفرعية التي تؤثر عليه. من بين هذه الملفات، استمرار أسعار الطاقة، لاسيما الغاز، عند مستويات مرتفعة نتيجة استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا. كما تسهم معدلات الفائدة العالمية المرتفعة، التي بلغت مستويات قياسية غير مسبوقة، في تشكيل ضغوط اقتصادية ليس على بريطانيا فحسب، بل على باقي الدول الأوروبية أيضاً، مع تفاوت التأثير تبعاً لقدرة كل دولة على تقليص الضغوط التضخمية والتعامل معها بطرق مختلفة.
ومن ثم فإن حزب العمال يجد نفسه أمام أولويات تفرض نفسها على أجندة الحكومة خلال الفترة القادمة، لا سيما في العامين الأولين من توليه السلطة. تبدأ هذه الأولويات بإعادة الاستقرار للاقتصاد، وما يتضمنه ذلك من استعادة الثقة في الاقتصاد البريطاني، ومنها:
- القيام بإصلاح ضريبي وهو ما ينتظر الجميع الإعلان عنه في أول موازنة يعتمدها الحزب، والحاجة الملحة لأن تتضمن تلك الموازنة رفع الإنفاق العام خصوصاً في مجال البنية التحتية، وتوفير الاعتمادات المالية للقطاعات التي تعاني منذ أعوام في مقدمتها الصحة والرعاية الاجتماعية.
- التحكم في حجم الاقتراض والدين العمومي، في وقت لا تزال فيه فاتورة الطاقة مرتفعة مع تراجع حجم الاستثمارات والايرادات الناتجة عن تراجع حجم الصادرات لدول الاتحاد الأوروبي بعد الخروج من البريكسيت.
- الحفاظ على معدل التضخم في حدود 2.2% بعد أن بلغ خلال العامين الماضيين أعلى مستوى له منذ الحرب العالمية الثانية، والخروج من نفق الزيادة المستمرة في أسعار الفائدة التي لم تنجح بشكل كبير في الحد من معدلات التضخم والسيطرة عليها على غرار ما حدث في دول أخرى.
الضرائب: قبل إجراء الانتخابات التشريعية في بريطانيا، أظهرت تقارير دولية صادرة عن صندوق النقد الدولي أن البلاد لا تزال تواجه مشاكل اقتصادية جسيمة تتطلب إجراءات صارمة. تشير التقارير إلى ضرورة تقليص النفقات وإيجاد آليات لتعظيم الإيرادات، إما من خلال زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق. يتعين على بريطانيا تحقيق متوسط تقليص يبلغ نحو نقطة مئوية واحدة من الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يقرب من 30 مليار جنيه إسترليني (38 مليار دولار) سنوياً، لتحقيق الاستقرار في الديون بحلول نهاية العقد[6].
حيث يتعين على بريطانيا أن تفكر في اتخاذ تدابير جديدة لزيادة الإيرادات، مثل زيادة الضرائب على الكربون واستخدام الطرق، وتوسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة وضريبة الميراث، وإصلاح أرباح رأس المال والضرائب العقارية.
وتضمن البرنامج الانتخابي لحزب العمال عدد من النقاط الرئيسية المرتبطة بالضرائب والتي تتجه في مجملها إلى عدم زيادة الضرائب، بداية بالالتزام بعدم زيادة الضرائب المتعقلة بالأفراد مثل الضريبة على الدخل وكذلك الضريبة على القيمة المضافة، مع وضع سقف للضرائب على الشركات في حدود 25%. وزيادة المداخيل الضريبة بأكثر من 8 مليارات جنيه إسترليني (10.23 مليارات دولار)، ويعول الحزب على زيادة الضرائب من خلال مجموعة من الإجراءات الأخرى غير فرض ضرائب جديدة، من خلال التشديد أكثر على الحد من التهرب الضريبي وإغلاق الثغرات الموجودة في القانون الضريبي لغير المقيمين في البلاد ما من شأنه زيادة الإيرادات الضريبية بنحو مليار جنيه إسترليني[7].
ثانياً -ملف الرعاية الصحية الاجتماعية
يعاني قطاع الصحة في بريطانيا من أزمة حقيقية تفاقمت مع مرور الوقت، وظهرت ملامحها بوضوح منذ جائحة كورونا، وأصبحت الأوضاع في هذا القطاع الحيوي تتفاقم بوتيرة متسارعة تنذر بهزات عنيفة مع تزايد الإضرابات المنفذة من قبل الكوادر الصحية والتمريضية وعجز المستشفيات والمراكز المختصة عن استيعاب الحالات المرضية المتزايدة. وتتمثل أبرز ملامح الأزمة في قطاع الصحة البريطاني[8]:
-زيادة الطلب على الرعاية بعد تخفيف قيود مكافحة جائحة كورونا، وما ترتب عليه من وجود طفرة في الإنفلونزا والفيروسات الشتوية الأخرى، بعد مرور ثلاثة أعوام على الجائحة.
-نقص كبير في العمالة في المقابل سواء من البريطانيين أو العمالة الأوروبية لاسيما بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتفاقم وضع العمالة في القطاع مع التضييق على الوافدين من مختلف أنحاء العالم إلى بريطانيا.
-عدم قدرة القطاع على توفير احتياجاته المالية بعد أن تم استنزاف موارده خلال فترة الجائحة وما بعدها، ما زاد من قوائم الانتظار وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب أعداد المرضى وتقديم الخدمات لهم.
-تزايد معاناة العاملين: يعاني العاملون في القطاع من تزايد مستويات المعيشة وعدم قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الشخصية في ظل تزايد أعباء العمل ونقص العمالة، مما يجعل القطاع طارداً للعمالة.
- تفاقم التركيبة السكانية من معاناة القطاع مع زيادة معدلات الشيخوخة، وزيادة عدد السكان الذين يحتاجون الى رعاية صحية لفترات طويلة.
– زيادة الطلب على الرعاية الصحية: بعد تخفيف قيود مكافحة جائحة كورونا، نشأت طفرة في حالات الإنفلونزا والفيروسات الشتوية الأخرى، مما زاد من الطلب على الرعاية الصحية بعد مرور ثلاث سنوات على الجائحة.
– نقص كبير في العمالة: يعاني القطاع من نقص كبير في العمالة، سواء من البريطانيين أو العمالة الأوروبية، خاصة بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد تفاقم وضع العمالة مع التضييق على الوافدين من مختلف أنحاء العالم إلى بريطانيا.
– الافتقار إلى التمويل: يواجه القطاع صعوبات في توفير احتياجاته المالية بعد استنزاف موارده خلال فترة الجائحة وما بعدها، مما أدى إلى زيادة قوائم الانتظار وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب أعداد المرضى وتقديم الخدمات اللازمة لهم.
ويستهدف حزب العمال وفقا لتصريحات وزير الصحة إلى تحويل الإنفاق الصحي من الرعاية الحادة في المستشفيات إلى الرعاية المجتمعية والوقائية. وإعطاء الأولية لمعالجة مشكلة طول قوائم الانتظار للعلاج الطبي كأولوية فورية، حسب برنامج الحزب، من خلال إضافة مليوني عملية ومسح ضوئي وموعد إضافي يحصل عليها المستفيدون من الرعاية الصحية، وذلك في السنة الأولى من حكم الحزب، ويتم تحقيق ذلك من خلال دفع مزيد من رواتب موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية للعمل الإضافي وزيادة توافر الخدمة الصحية خلال عطلات نهاية الأسبوع.
كما تعهدكير ستارمر بإجراء 40 ألف تعيين إضافي في هيئة الخدمات الصحية الوطنية أسبوعيًا “بدءاً من الفور”، وأضاف أن الوزراء يبحثون في كيفية تمكين المستشفيات في جميع أنحاء البلاد، بزيادة المواعيد بالفعل بمحض إرادتهم من خلال وضع مخططات يتم بموجبها منح الموظفين حوافز للعمل في وقت لاحق من المساء وفي عطلات نهاية الأسبوع.
أما بالنسبة لقدرة حكومة العمال على تحقيق هذه الأهداف، فإن الشكوك لا تزال قائمة حول قدرتها على توفير التمويل اللازم لتنفيذ برنامجها وتعهداتها في مجال الصحة العامة . تظل التكلفة هي المحدد الرئيسي لتوفير أي خدمة، وبالتالي فإن قدرة الحكومة على تحمل تلك التكلفة وتوفير التمويل اللازم تشكل تحدياً كبيراً. علاوة على ذلك، تشير الخبرة التاريخية لحزب العمال إلى أنه سبق وأن قدم مقترحات عديدة لم يتمكن الحزب من تحقيق توافق مجتمعي حولها، مما يثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق هذه التعهدات بنجاجها[9].
أما عن الرعاية الاجتماعية فإنها ليست مجانية بل يتم اختبارها من قبل السلطات المحلية التي تدفع ثمنها وتضع قواعد الأهلية.
ثالثاً-ملف التعليم وتمويل الجامعات
امتدت أزمة التضخم التي يعانيها منها الاقتصاد البريطاني إلى قطاعات أخرى قد يرى البعض أنها أبعد ما تكون عن تلك الأزمة، منها قطاع التعليم الذي يعانيه هو الآخر من ارتفاع الرسوم الدراسية في وقت تآكلت فيه دخول المواطنين مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، ما يهدد بتخلي الكثير من الطلاب عن خططهم عن الدراسة الجامعية، إذ تقدر نسبة التراجع في عدد الملتحقين بالجامعات بـ 11% خلال عام 2022/2023، مقارنة بعام 2020/ 2021، حيث يتوقع أن يغير الكثير من الطلاب توجهاتهم بالعمل مباشرة بعد المدرسة الثانوية[10]. يضاف إلى ذلك معاناة العديد من الجامعات البريطانية من أزمة تمويلية خانقة تهدد بقاءها، بعد أن حذرت هيئة تنظيم التعليم العالي البريطانية من احتمال إغلاق ما يصل إلى 40% من مؤسسات التعليم العالي في إنجلترا خلال السنوات القليلة المقبلة إذا لم تتخذ إجراءات جذرية لخفض التكاليف وإعادة هيكلة نماذج تمويلها.
وفي وقت تعتمد فيه الجامعات البريطانية بشكل كبير على الطلاب الدوليين لتعويض النقص في إيرادات الرسوم الدراسية المحلية، تفرض الحكومة قيود على نظام تأشيرات الطلاب الأجانب، الذين يدفعون عادة نحو ضعف الرسوم التي يدفعها المواطنون، ويعدون المصدر الأساسي للدخل الإضافي الذي يمكن جامعات كثيرة من تغطية نفقاتها. تمثل رسوم الطلاب الأجانب 20% تقريبا من دخل الجامعات، وشهدت الطلبات الدولية انخفاضاً كبيراً، حيث أشارت إحدى الدراسات الاستقصائية إلى انخفاض بنسبة 27% في طلبات الحصول على دورات الدراسات العليا التي سيتم تدريسها عام 2025، مع زيادة احتمالات إغلاق المؤسسات أو اندماجها[11].
وتعهّد حزب العمال في برنامجه المعلن عنه بزيادة الاهتمام بقطاع التعليم بتوظيف 6500 مدرس جديد في المواد الرئيسية لإعداد الأطفال للحياة والعمل والمستقبل، ويتم تمويل ذلك من خلال إنهاء الإعفاءات الضريبية للمدارس الخاصة. ولدعم الطلاب الأكبر سناً، كما يعتزم الحزب تدريب أكثر من 1000 مستشار مهني جديد، وتوفير أسبوعين من الخبرة العملية لكل شاب في المدرسة الثانوية أو الكلية.
كما تضمن برنامج الحزب فرض ضريبة عالية على المدارس الخاصة لحل أزمة تمويل حادة في قطاع التعليم الحكومي، مع العلم أن أكثر من 60 ألف طالب أجنبي يدرسون في مدارس بريطانيا الخاصة، ويمثلون أكثر من 11% من إجمالي الطلاب في القطاع الخاص[12].
رابعاً-الهجرة
هيمنت المستويات المرتفعة للهجرة القانونية على المشهد السياسي في بريطانيا لأكثر من عقد، وكانت عاملا رئيسيا في التصويت عام 2016 لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي. على صعيد الهجرة النظامية والهجرة غير الشرعية، تعهّد رئيس حزب العمال بإنشاء قيادة جديدة لأمن الحدود تضم مئات المحققين المتخصصين الجدد، واستخدام سلطات مكافحة الإرهاب لسحق عصابات القوارب الإجرامية. ويستند هذا التعهد إلى خطة الحزب لمعالجة أزمة القوارب الصغيرة، والقضاء على عصابات تهريب البشر، والحد من تراكم طلبات اللجوء.
ويعتزم الحزب التعاون مع فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي لوقف قوارب المهاجرين التي تنطلق من شمال فرنسا باتجاه بريطانيا. من خلال إنشاء وحدة شرطة جديدة عبر الحدود القائمين على تهريب المهاجرين في المنبع. ويرى الحزب أن الاقتصاد البريطاني يعتمد بشكل مفرط على العمال من الخارج ومن ثم فإن التزاماً منه بخفض معدل الهجرة إلى بريطانيا، يتطلب في المقابل حل مشكلة نقص العمالة في الأسواق.
وتقوم خطة حزب العمال على تقليل الاعتماد على العمال الأجانب في الكثير من الأنشطة الاقتصادية من خلال إدخال خطط تدريب للعمالة المحلية في مجالات الصحة، والرعاية الاجتماعية، والبناء.
وفي ومحاولة للتعامل مع بعض الإجراءات التي اتخذها المحافظون من قبل تجاه ملف الهجرة، يعتزم المهاجرون اجراء مفاوضات حول اتفاقات إعادة المهاجرين مع الدول التي يتحدرون منها بصورة منفردة ومع الاتحاد الأوروبي لخلق آلية للتعامل مع تلك الحالات. كما ينوي إنشاء وحدة جديدة لعمليات الترحيل تضم 1000 موظف إضافي، لتسريع عمليات نقل الأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم.
أما عن أول قرار اتخذه رئيس الوزراء كير ستارمر بعد تعيينه مباشرة فقد ألغى ما يسمى بقانون رواندا، الذي كان يقوم على إعادة اللاجئين الأفارقة إلى رواندا[13].
3-السياسة الخارجية البريطانية واستقرارها النسبي تجاه القضايا الإقليمية والدولية:
أثار فوز حرب العمال البريطاني الكثير من التساؤلات حول السياسة الخارجية لبريطانيا تجاه العديد من القضايا التي تفرض نفسها على الساحتين الإقليمية والدولية، والتي تؤثر بعضها بشكل أو بآخر على الداخل البريطاني، أبرزها علاقة بريطانيا بالدول الأوروبية، وموقفها من الحرب على أوكرانيا، ودورها في حلف الناتو وطبيعة علاقاتها بشركائها مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين حاليا، وأخيراً الوضع في الشرق الأوسط والحرب على غزة والقضايا التي أوجدتها الحرب مثل اتساع نطاقها بامتداد الحرب لتشمل دولا أخرى في المنطقة مثل لبنان وايران ، وكذا التصعيد في البحر الأحمر.
-الحرب الروسية على أوكرانيا (ملف الدفاع – الناتو):
تشير المؤشرات الأولية إلى أن سياسة بريطانيا الخارجية تجاه الحرب على أوكرانيا ومن ثم تجاه حلف الناتو لن تشهد تغيرا يذكر، فليس من المتوقع أن يختلف موقف حزب العمال عن سلفه من قضية الحرب على أوكرانيا، حيث أعلن رئيس الوزراء الجديد ستارمر عن دعمه المطلق لأوكرانيا في حربها ضد روسيا ويأتي ذلك في ضوء استمرار دور بريطانيا كعضو فاعل في حلف الشمال الأطلسي، حيث أكد على دعم أوكرانيا مع استمرار دعمها كأحد أهم أولويات السياسة الخارجية لحكومة ستارمر[14].
يرتبط ملف الدفاع والانفاق الأمني في بريطانيا بشكل أو بآخر بمجريات الأمور على الساحة الإقليمية والدولية، وتحديدا بمسار الحرب الروسية على أوكرانيا والتزامات بريطانيا تجاه حلف الناتو من ناحية وتجاه شركاءها الاستراتيجيين من ناحية أخرى.
وعلى صعيد الدفاع، تعهد حزب العمال في حال فوزه بزيادة عدد القوات المسلحة بعد مراجعة الدفاع التي ستُعقد في السنة الأولى للحزب في الحكومة، إلا أن الحزب لم يقدّم أي التزامات محددة في هذا الشأن.
حيث أعلن الحزب عن نيته زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يتوافق مع هدف الحكومة الحالي، لكنه لم يقدم إطاراً زمنياً، على عكس هدف حزب المحافظين لزيادة الإنفاق الدفاعي بحلول العام 2030.
وصرّح حزب العمال ببيانه الانتخابي، بأن لديه التزاماً لا يتزعزع تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحفاظ على الرادع النووي البريطاني.
-الحرب الإسرائيلية على غزة:
بإلقاء نظره فاحصة على واقع الحال على أبرز القضايا التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط نجد أن تلك القضايا ترتبط بطريقة أو بأخرى بالسياسة الخارجية البريطانية وربما يرتبط بعضها بملفات أخرى داخلية تأتي على قائمة أولويات الحكومة البريطانية.
فقد شكلت الحرب على غزة خلال الحملة الانتخابية محدداً رئيسياً لأصوات الناخبين خاصة المسلمين منهم والداعمين للقضية الفلسطينية، ونظرا لأن تاريخ حزب العمال لم يكن داعما للقضية، كما أن الحزب كان ولا يزال أبعد ما يكون خلال حملتها الانتخابية عن الحديث عن الحرب على غزة والدعوة لوقف فوري للحرب، فقد واجه المرشحون عن حزب العمال في الدوائر ذات الأغلبية المسلمة صعوبة كبيرة في الحصول على دعم الناخبين وفقد بعضهم فرصته في الفوز في وقت كان يحصل على الأغلبية في الدوائر المرشحين بها، ورغم فوز مرشحي حزب العمال فقد تأثرت نتائج الانتخابات ونتائج بعض الدوائر بموقف الحزب ومرشحيه من الحرب على غزة والقضية الفلسطينية بصفة عامة[15].
ولا يتوقع أن يتغير الموقف الرسمي لحزب العمال من الحرب على غزة كثيراً عن موقف سابقيه، والذي يرتكز على أسس ثلاث[16]:
-دعم موقف إسرائيل في حقها في الدفاع عن نفسها، وإدانة هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.
-ادانة القتل غير المبرر للمدنيين من النساء والأطفال والرجال.
-الدعوة إلى وقف إطلاق النار مع التوصل لحل الدولتين.
ورغم ذلك يظل موقف رئيس الوزراء البريطاني السابق أو الحالي من الحرب على غزة له أهميته في ضوء تضاعف حجم الهجمات المعادية للسامية في بريطانيا 3 مرات منذ بدء الحرب على غزة ما ترتب عليه، إعادة النظر في التعريف السالف للتطرف، الذي جرى تقديمه في عام 2011 في إطار استراتيجية الوقاية[17].
ويمكن القول أن الهدف الرئيسي وراء إعادة النظر في تعريف الإرهاب ما هو إلا محاولة لتقييد حركة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين التي اجتاحت غالبية الدول الأوروبية منذ اندلاع الحرب حيث يثير المخاوف بشأن استخدامه للتضييق على الإسلاميين دون غيرهم[18].
ويرتبط بملف الحرب على غزة ملفات أخرى ذات صلة أبرزها المخاوف من توسيع نطاق الحرب والتصعيد تجاه حزب الله في لبنان، والتصعيد في مياه البحر الأحمر، وموقف بريطانيا من الاستمرار في التحالف الغربي مع الولايات المتحدة للرد على التصعيد الذي يقوم به الحوثيون في مياه البحر الأحمر.
ومنذ اندلاع الحرب على غزة أدَّت الهجمات العسكرية المتصاعدة لجماعة الحوثي لممرات الملاحة الدولية في منطقة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إلى تأجيج المخاوف من خروج الأوضاع هناك عن السيطرة، في ظل تزايد احتمالية استمرار سلسلة الفعل ورد الفعل التي باتت تحكم توجهات أطراف النزاع هناك لا سيما وأن التحالف الدولي الذي تعد بريطانيا أحد أعضائه الفاعلين لم ينجح حتى الآن في وقف هذا التصعيد أو الحد منه.
حيث لا يزال تشبُّث الحوثيين بنهجهم التصعيدي يثير الكثير من المخاوف مع الربط بين عملياتهم ودعاوى نصرة الفلسطينيين في قطاع غزة، ومواصلة الولايات المتحدة وشركائها الغربيين، في المقابل، حشد أصولهم العسكرية في مياه البحر الأحمر، بهدف مُعلَن هو تعزيز قوة الردع للحوثيين وإيران على حدٍّ سواء[19].
وتُلقي تلك الأحداث في مجملها بظلالٍ ثقيلة على سلاسل الإمداد العالمية التي بات تأثرها بالأحداث في تلك المنطقة المهمة من العالم واضحاً على عدة مستويات؛ مع تزايد مخاطر العسكرة والتدويل مع احتمالات استدامه في حال استمرار الحرب واتساع نطاقها.
ولا يتوقع أن تشهد سياسة بريطانيا تجاه التحالف الغربي في البحر الأحمر والهجمات العسكرية ضد الحوثي أية تغيير في ضوء استمرار الحال على ما هو عليه.
توصيات ختامية:
-أثار الفوز الساحق الذي حققه حزب العمال الكثير من التساؤلات حول قدرة الحزب على تحقيق نجاحات في الملفات الكثيرة التي أخفق المحافظون في ادارتها، ومن ثم قدرته على تنفيذ وعوده، ما يجعل المواطنين البريطانيين يشعرون بتغير في أوضاعهم التي شهدت تردي كبير على مستويات عدة، ومن ثم فإن انظار البريطانيين جميعا على اختلاف توجهاتهم سوف تتجه نحو سياسات حزب العمال لتقييم قدرته على انتشالهم من دائرة الأزمات المغلقة التي يدورون داخلها لسنوات.
-غالبية الملفات التي أصبح حزب العمال البريطاني ملزما بالتعامل مع بمجرد توليه السلطة وصلت الآن إلى نقطة الأزمة، حيث أصبح التحرك مطلوباً على وجه السرعة. ونظرا لكون تلك التحديات صعبة فإن الحلول سوف تتطلب التزاماً طويل الأمد بالموارد، وسوف تكون هناك تكاليف سياسية فضلاً عن الفوائد المترتبة على معالجتها، كما أن حل هذه التحديات أمر حيوي لتحقيق أهداف النمو والإصلاح التي يتبناها حزب العمال والتي تعد الهدف الأكبر.
-الخيارات المتاحة أمام الحكومة للتعامل مع ملف التعليم لا توفر حلا ناجزا بقدر ما تثير من مخاوف فأمام الحزب بدائل عدة، منها: رفع الرسوم الدراسية التي تم تجميدها منذ عام 2017، والذي يمكن أن يكون أسرع وسيلة لتوفير التمويل اللازم للجامعات، إلا ان ذلك يهدد بزيادة ديون القروض الطلابية ويثبط عزيمة الطلاب على التقدم بطلباتهم. وقد يشهد مقاومة شعبية.
والبديل الآخر يتمثل في زيادة المنح الحكومية المباشرة للجامعات ويتوقع ألا يكون مقبولاً شعبياً كما سيحمل الحكومة أعباء مالية إضافية، ويتطلب تحديد المعايير التي على أساسها سيتم منح الدعم لجامعات دون أخرى، ومدى الاستقلال الذي سوف تتمتع به الجامعات في ضوء ذلك.
-يبقى التحدي الأهم والأكبر أمام حزب العمال هو توفير الأموال اللازمة لتمويل سياساته وبرامجه المعلن عنها وتعهداته دون فرض المزيد من الضرائب، وهي معادلة صعبة للغاية على صانع السياسة في دولة تعاني من أزمات متلاحقة منذ اعوام، لاسيما وأن هناك قناعة لدى الناخب البريطاني أن حزب العمال يهتم أكثر بفرض ضرائب مما يتم انفاقه على الملفات الاقتصادية.
-تشير القراءة التاريخية إلى أن حزب العمال لا يعمد إلى إحداث تغييرات جذرية في سياسة بريطانيا الخارجية. وتميل الحكومات العمّالية تاريخيا إلى أن تكون محافظة أكثر من كونها ثورية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وأظهرت التجارب التاريخية سعي الحكومات العمالية إلى تعزيز تحالفات بريطانيا القائمة، ولا سيما التحالف مع الولاياتِ المتحدة، وان كانت علاقات بريطانيا مع الدول الاوربية بحاجة إلى دفعة قوية تعيدها الى مسارها الصحيح، يضاف إلى ذلك العلاقات البريطانية الصينية.
-تشير التجارب التاريخية إلى أن القضايا الدولية ليس لها من الأولوية ما يغير سياسات حزب العمال وغير من الأحزاب، حيث يتحمل حزب العمال من لحظة توليه السلطة تركة مثقلة بالملفات الداخلية التي تحتاج إلى تعامل حاسم وسريع معها ما قد يبعد الأنظار كثيرا ولو في البداية عن القضايا الخارجية التي قد تأتي في المرتبة الثانية وربما الثالثة، فلم تشمل الحملة الانتخابية تركيزا على القضايا الإقليمية والدولية بقدر ما اهتمت بالقضايا الداخلية التي شكلت هي الأخرى محركا رئيسيا لأصوات الناخبين في صناديق الاقتراع، ورغم ذلك فمن المتوقع ان يكون حزب العمال اكثر انفتاحا ولو بعض الشيء عن المحافظين تجاه عدد من القضايا الخارجية والتي قد يكون لها تأثير من قريب او بعيد على الداخل البريطاني.
-إن تركز اهتمام حزب العمال بعض الشيء على المضي قدما على خطى سلفه فيما يتعلق بالموقف من الحرب أوكرانيا، ودعمه للموقف الدولي الغربي من روسيا، فإن ملامح سياسته تجاه قضايا الشرق الأوسط وفي مقدمتها الحرب الإسرائيلية على غزة ليست واضحة بالقدر الذي يمكن البعض من قراءتها بشكل واضح وتوقع اتجاهاتها المستقبلية.
[1] – الاقتصاد البريطاني يدخل رسميا في حالة ركود، العربية، 28/3/2024 :
[2] – بريطانيا تعلن عن خطط لتقليص أعداد المهاجرين، سكاي نيوز، 5/12/2024، تاريخ الزيارة (5/7/2024)، على الرابط التالي:
[3] – أرون أكنيامي، ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟، 24/4/2024، تاريخ الزيارة (11/7/2024)، على الرابط التالي:
https://www.bbc.com/arabic/articles/c3gqdnk717go
[4] – تقرير افاق الاقتصاد العالمي “تعاف مطرد لكنه بطيء: القدرة على الصمود في ظل التباعد”، ابريل 2024، صندوق النقد الدولي، ص 35.
[5] – لماذا يسير التضخم في بريطانيا عكس التيار العالمي؟، سكاي نيوز، بتاريخ 9 مايو 2023، تاريخ الزيارة (7/7/2024):
[6] – صندوق النقد يحذر بريطانيا من عدم تحقيق هدف الدين ويرفض تخفيض الضرائب، 21 مايو 2024، الشرق الأوسط:
[7] – الاقتصاد البريطاني يعاني.. هل يصلح العمال ما أفسده المحافظون؟، الجزيرة، 8/7/2024، تاريخ الزيارة (6/7/2024):
https://www.ajnet.me/ebusiness
[8] – بريطانيا “عليلة”.. القطاع الصحي يئن والضحايا بالمئات أسبوعيا، سكاي نيوز العربية، 8/1/2024، تاريخ الزيارة (8/7/2024):
[9] – فقد سبق وأن تقدم حزب العمال بعدد من المقترحات منها، في عام 2010 مقترح بفرض “ضريبة الوفاة” ، تلاه تقديم تيريزا ماي في عام 2017 مقترحا بفرض “ضريبة الخرف”، ومنها اقتراح آخر بوضع حد أقصى للمبلغ الذي ينبغي لشخص ما أن ينفقه على رعايته، وقد تعثرت جميعها مع ما واجهته من مقاومة سياسية شرسة.
[10] – البريطانيون يحجمون عن التعليم العالي بسبب الأزمة الاقتصادية، (RT) 3/11/2022، تاريخ الزيارة (9/7/2024):
[11] – بريطانيا.. نقص التمويل يهدد بإغلاق العديد من الجامعات، ١٨/٠٥/٢٠٢٤، الوفاق
[12] – حزب العمال البريطاني يعد بفرض ضريبة على المدارس الخاصة لتحسين “الحكومية”، العربية، 13 يونيو، 2024، تاريخ الزيارة (11/7/2024):
[13] – بريطانيا: فوز حزب العمال في الانتخابات ووعود بإلغاء خطة الترحيل إلى رواندا، 5/7/2024،
[14] – “ماذا يعني فوز حزب العمال في السياسة الخارجية البريطانية؟”، BBC ، 10/7/2024، تاريخ الزيارة (11/7/2024):
[15] – مرشحون في موقف حرج.. كيف تؤثر حرب غزة على انتخابات بريطانيا؟، سكاي نيوز، 3/7/2024، تاريخ الزيارة(11/7/2024):
[16] – غزة وأوكرانيا.. كيف سيتعامل ستارمر مع أكبر أزمتين في العالم؟ سكاي نيوز، 5/7/2024، تاريخ الزيارة (10/7/2024):
[17] – وصف التطرف بأنه “معارضة صريحة أو نشطة للقيم البريطانية الأساسية، ومنها الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة”
[18] – سام فرانسيس، بسبب حرب غزة.. تعريف جديد للتطرف في بريطانيا، 14/3/2024، تاريخ الزيارة (11/7/2024):
[19] – ابتسام الكنبي، ديناميات خطِرة في البحر الأحمر: الانعكاسات على الأمن الإقليمي، مركز الامارات للسياسات، 7/1/2024: