سياسية

إعادة تعريف الوطن: المهجر المصري وسياسات الاحتواء والتوظيف

ملخص:

شهد العقد الأخير تحولًا ملحوظاً في طبيعة المهجر المصري من حيث الحجم والكم، فقد زاد عدد المصريين المقيمين بالخارج من نحو 6 مليون نسمة في عام 2013، ليصل إلى نحو 14 مليون، وفقاً تقديرات وزيرة الهجرة في أواخر عام 2023، كما شهد هذا العقد تحولاً نوعياً يتمثل في موجة من “الخروج السياسي” التي تضمنت آلاف الناشطين السياسيين والإعلاميين والحقوقيين وذويهم، مما صاحبه زيادة في النشاط السياسي المعارض في الخارج.

وفي مواجهة هذه التطورات، عمل النظام المصري على تطوير أدواته لتعزيز التواصل مع المصريين في المهجر وتفعيل دورهم بما يحقق مصالحه السياسية والاقتصادية، وفي الوقت ذاته تحييد المخاطر الناشئة عن ظهور معارضة سياسية في الخارج.

في ضوء هذه الديناميات الجديدة، تسعى هذه الدراسة إلى استعراض نشأة وتطور المهجر المصري، والبنى السياسية والتشريعات والسياسات التي يتبناها النظام لاحتوائه وتوظيفه. كما تهدف الدراسة إلى تحليل محددات العلاقة بين الدولة والمصريين بالخارج، ومدى تأثير التحولات التي شهدها المهجر المصري على توازنات هذه العلاقة.

الكلمات المفتاحية: سياسات المهجر، القمع العابر للحدود. النظام السياسي المصري.

“يشتهر المصريون بأنهم يفضلون أرضهم، قليلون منهم هم الذين يغادرون للدراسة أو السفر، لكنهم يعودون دائما … المصريون لا يهاجرون.”

Wendell Cleland, The Population Problem in Egypt: A Study of Population Trends and Conditions in Modern Egypt (1936).

– متى سيسمح للمصريين بالسفر إلى الخارج بحرية؟

 – عندما يكون لدينا فائض من العملات الأجنبية، يمكننا إنفاقه على الترف، وعلى إجازات الصيف في أوروبا وأمريكا.”

                                      جمال عبد الناصر (مقابلة مع إذاعة كولومبيا في 7 أبريل 1958).[1]

في مؤتمر حول قضايا التنمية، عُقد في سبتمبر 2023، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تنظيم الهجرة الشرعية إلى الدول الأوروبية التي تعاني من نقص في عدد السكان وفي الأيدي العاملة. هذه الدعوة تأتي كجزء من رؤيته لمعالجة مشكلة الزيادة السكانية في مصر، والتي يرى أنها تُلقي بآثار سلبية على الاقتصاد الوطني وتضغط على الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة، مثل الصحة والتعليم والمرافق العامة. وقد عقّبت وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج على هذه الدعوة بأن الوزارة بدأت بالفعل مبادرات لتدريب المصريين وتأهيلهم بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل الأوروبية[2].

علاوة على ذلك، يتوقع أن تستمر ظاهرة تنامي المهجر المصري خلال المدى المنظور، إذا أخذنا في الاعتبار  نتائج  استبان  أجرته مؤسسة “جالوب Gallup” بين عامي( 2010 – 2018). أظهر الاستبيان  أن 77% من الجيل الأول للمهاجرين المصريين  يعتزمون مواصلة العيش في بلد إقامتهم الحالي إذا استطاعوا، بينما ذكر  14% منهم أنهم يخططون للانتقال إلى بلد آخر، في المقابل لم تتجاوز نسبة من يريدون  مصر 9%[5].

هذه الظاهرة، دفعت الدولة المصرية  إلى تطوير تشريعاتها ومؤسساتها واستراتيجياتها للتعامل مع المصريين في الخارج بما يتناسب مع تحديات الواقع الجديد، خصوصاً وأن الهجرة خلال العقد الأخير تضمنت “منفى سياسي” لعشرات آلاف من الناشطين والسياسيين والإعلاميين والحقوقيين، وأسرهم، وذلك في أعقاب انقلاب يوليو 2013، وقد تسبب موجة النزوح السياسي هذه زيادة ملحوظة للنشاط المعارض في المهجر.

في ضوء ذلك، تبحث هذه الورقة تطور المهجر المصري خلال العقد الأخير، وفي سياسات النظام الهادفة إلى تنظيمه وتوظيفه بما يحقق مصالحه السياسية والاقتصادية، وكيف أثرت الأحداث العنيفة التي واكبت وتلت انقلاب يوليو 2013 على طبيعة المهجر المصري وسلوكه، ومن ثم على سياسات النظام المصري إزائه. ولتحقيق ذلك، تبدأ الورقة بتتبع ظاهرة الهجرة في التاريخ المعاصر للمجتمع المصري، وكيف تعاملت معها الحكومات المصرية المتوالية، وكذلك في خصائص المهجر المصري، وكيف أثرت هذه الخصائص على سياسات الحكومة المصرية، وصولاً إلى الحقبة الراهنة. لكن، يجدر بنا أولا البدء بتقديم إطار مفاهيمي لمصطلح “المهجر”، وتحديد سماته الأساسية، وكذلك، تقديم تأطير نظري لظاهرة النشاط السياسي لمجتمعات المهجر، والسياسات التي تنتهجها الحكومات في البلد الأم لكسب ولاء هذا المهجر، وتجنيده، وتحييد المخاطر المحتملة من نشاطاته السياسية.

المبحث الأول: الإطار النظري والمفاهيمي للمهجر:

يعرّف المهجر Diaspora عادة أنه “أي شعب أو مجموعة سكانية عرقية تترك أوطانها التقليدية، وتنتشر في أجزاء أخرى من العالم”[6].  وقد عرفته المنظمة الدولية للهجرة أنه: “مجتمع المهاجرين أو أحفاد المهاجرين الذين تشكلت هويتهم وشعورهم بالانتماء، سواء بشكل حقيقي أو رمزي، من خلال تجربة الهجرة وخلفياتهم الوطنية، وهم يحافظون على روابط مع أوطانهم الأم، ومع بعضهم البعض، بناءً على إحساس مشترك بالتاريخ أو الهوية أو التجارب المتبادلة في بلد الاستقرار”[7].

كما يمكن تعريفه أيضاً أنه :”تكوين اجتماعي وسياسي، تم إنشاؤه نتيجة للهجرة الطوعية أو القسرية، ويعتبر أعضاؤه أنفسهم من نفس الأصل العرقي/القومي، ويقيمون بشكل دائم كأقليات في واحد أو أكثر من البلدان المضيفة، ويحافظ أعضاء هذه الكيانات على اتصالات منتظمة أو عرضية مع ما يعتبرونه وطنهم الأم، ومع الأفراد والجماعات من نفس الخلفية المقيمين في بلدان مضيفة أخرى”[8].

ومن الملاحظ أن هذه التعريفات لا تميز بين المهجر الطوعي الذي يسعى أصحابه إلى الاستقرار خارج أوطانهم لأهداف سياسية أو اقتصادية، ولا يسعون إلى العودة لها، وإن حافظوا على علاقاتهم بها، واحتفظوا ببعض من سماتها الثقافية في بلد الاستقرار، وبين المهجر القسري، والذي يمكن أن يسمى بالشتات، وهي التجربة التي ترتبط عادة بحدث مفصلي في تاريخ بعض الشعوب، كالاحتلال والتهجير، فيجبرون على الرحيل عن أراضيهم، لتظل العودة حلما يوحدهم في الشتات، ومشروعاً وطنياً ملهماً لهم.

وقد حدد ويليم سافران William Safran ست سمات لتسمية مجتمع الأقلية بالشتات، وهي:

  1. أنهم تفرقوا هم أو أسلافهم من “مركز” أصلي محدد إلى منطقتين أو أكثر طرفية أو أجنبية.
  2. أنهم يحتفظون بذاكرة جماعية، أو “أسطورة” حول وطنهم الأصلي، تشمل موقعه، وتاريخه، وإنجازاته.
  3. أنهم يعتقدون أنهم غير مقبولين بالكامل – وربما لا يمكن قبولهم – من قبل المجتمع المضيف، وبالتالي يشعرون بالغربة والعزلة جزئياً عنه.
  4. أنهم يعتبرون موطن أجدادهم موطنهم الحقيقي، وأنه المكان المثالي الذي سيعودون إليه (أو ينبغي) أن يعودوا إليه في النهاية، عندما تكون الظروف مناسبة.
  5. أنهم يعتقدون أنه ينبغي عليهم، بشكل جماعي، الالتزام باستعادة وطنهم الأصلي والعمل على سلامته وازدهاره.
  6. أنهم يستمرون في الارتباط، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهذا الوطن، ويتم تحديد وعيهم المجتمعي العرقي وتضامنهم بشكل مهم من خلال وجود مثل هذه العلاقة[9].

أي أن مجتمع الشتات يختلف عن مجتمع المهجر (أو الغربة الطوعية) بأنه يرتبط بخبرة تشتت مؤلمة تعرضت لها مجموعة بشرية من أصل مشترك نحو وجهات متعددة، وأن هذه المجتمعات تقاوم الاندماج الكامل في المجتمع المضيف، وتحافظ على هويات جماعية عبر أجيال متعددة، كما أنها تعمل على إنشاء روابط جانبية عبر الحدود السياسية بين مواقع الاستيطان المختلفة، وأخيراً، فإن مجموعات الشتات هذه ترتبط بقوة بالوطن الأم، وبالتالي يمكن حشدها لمشاريع سياسية تتعلق بمستقبل هذا الوطن، وهذه السمة الأخيرة للشتات تضيف إلى السمات البنيوية الأولى عنصراً حاسماً، وهو عنصر الفاعلية الذاتية، أي أن مجتمع الشتات لكي يتجسد لا بد من تنشيطه وحشده سياسياً[10].

وبالتالي، يعتبر النشاط السياسي للمهجر أحد السمات الهامة المؤسِّسة له، فلكي يتواجد مجتمع المهجر يجب أن ينشط أفراده وفق هذا الإطار، إما لتحقيق مصالح للجالية في وطن الاستقرار، أو للتأثير على الأوضاع السياسية والاقتصادية في وطن الأصل، ويمكن تعريف النشاط السياسي للمهجر Diaspora Politics بأنه: “نشاط سياسي يعبر حدودًا واحدة أو أكثر، ويقوم به على الأغلب مهاجرون من بلد ما أو الأجيال التالية لهم، ويستهدفون السياسة الداخلية والخارجية لذلك البلد، كما يمكن أن تنضم إليهم جهات فاعلة أخرى، مثل نشطاء حقوق الإنسان، أو الجماعات الدينية، أو حركات مماثلة في بلدان أخرى”.

ويشار إلى سياسة المهجر أحياناً على أنها: “سياسة المهاجرين العابرة للحدود” Immigrant Political Transnationalism، وتُعرف بأنها: “أي نشاط سياسي يقوم به المهاجرون الذين يقيمون بشكل رئيسي خارج وطنهم، ويهدف إلى اكتساب السلطة أو النفوذ السياسي على المستوى الفردي أو الجماعي في بلد الإقامة أو في الدولة التي يعتبرون أنهم ينتمون إليها”[11].

وقد تتخذ المشاركة السياسية في المهجر تتخذ أشكالاً متعددة، تتراوح بين الحد الأدنى من الاهتمام كمتابعة أخبار الوطن الأصلي، والتداول مع الأصدقاء حول القضايا السياسية المتعلقة به، وصولاً إلى المشاركة السياسية النشطة كالتصويت الانتخابي، أو المشاركة في المظاهرات، أو التوقيع على العرائض التي تشتمل على مطالبات سياسية، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر الطرق التقليدية.

يتأثر النشاط السياسي لمجتمعات المهجر بعدة عوامل ذاتية وموضوعية. من الناحية الذاتية، يعتمد مدى  وطبيعة  هذا النشاط السياسي  على الخصائص الداخلية للجالية المعنية، مثل: حجم الجالية، ومدة استقرارها في بلد الإقامة، والطبيعة المهنية الغالبة على أعضاء الجالية (العمال ذوي المهارات المنخفضة، رجال الأعمال، أكاديميين، …إلخ)، ومستوى التنظيم داخل الجالية (بما في ذلك وجود فروع للمؤسسات الدينية الوطنية في المهجر)، والانقسامات داخل مجتمع المهجر (لعوامل دينية أو طائفية أو قومية عرقية، أو سياسية أيديولوجية، …إلخ). الثقافة السياسية السائدة داخل الجالية ونوعية النخب التي تقودها وصفاتهم القيادية تشكل كذلك عوامل مؤثرة على النشاط السياسي.

كما يتأثر النشاط السياسي لمجتمعات المهجر بعدة عوامل خارجية مرتبطة ببلد الأصل وبلد الاقامة، من بين أهم هذه العوامل، يأتي مستوى الديمقراطية في بلد الاستقرار، العلاقة بين بلد المصدر وبلد الاستقرار، القدرات القمعية العابرة للحدود لبلدان الأصل، السياقات المرتبطة بتطور الأحداث في الوطن الأم (مثل حدوث ثورة أو غزو عسكري)، أو بلد الإقامة (مثل حدوث استهداف لمصالح الجالية)[12] .

وفي مواجهة ذلك، تسعى دول المصدر لتنظيم واحتواء مجتمعات المهجر، يمكن الحديث عن ثلاث دوافع أساسية متداخلة تدفع الدول للتواصل مع مجتمعات المهجر التابعة لها:

1. الدوافع النفعية، بمعنى سعي دول المصدر إلى الاستفادة من إمكانات المغتربين كمصدر للموارد التي يمكن أن تحفز التنمية الاقتصادية للدولة المرسلة عن طريق التحويلات المالية أو جذب الاستثمارات، أو كأداة للقوة الناعمة والدبلوماسية الشعبية.

2. الدوافع القومية (الأيديولوجية)، ويرتكز هذا التفسير على الهوية كدافع أساسي، تسعى بسببه الدول إلى تأسيس قومية متعدية للحدود، تقودها الدولة وتربط المهاجرين وأولئك الذين بقوا في الوطن بمواطنة واحدة.

3. دوافع مرتبطة بالحوكمة، وهذا الدافع يرتبط بفهم الدولة لمنطق السلطة، إذ تسعى الدولة من خلال سياسات المهجر أن تحتفظ بدرجة من السيطرة على مواطنيها في الخارج، وهو ما يستلزم مجموعة من المؤسسات والممارسات الموجهة نحو المغتربين، بهدف تعبئة الهوية الوطنية، وإضفاء الطابع المؤسسي على الروابط بين الدولة ومجتمعات المهجر، بغرض خلق علاقات سيادية بين الدولة والمواطنين خارج الحدود الإقليمية[13].

تختلف درجة التدخل والتوظيف التي تسعي لها دول المصدر مع مجتمعات المهجر التابعة لها، ففي المستوى الأول، الذي يسمى “بناء المهجرDiaspora Building “، تتبع دولة المصدر آليات مختلفة لتنظيم مجتمع المهجر وتكثيف التواصل به، من خلال العديد من الآليات مثل إنشاء هياكل بيروقراطية مخصصة كالوحدات القنصلية وجمعيات المهاجرين، والإجراءات الإحصائية لقياس مجتمعات المهجر في الخارج، وبوابات الإنترنت للمغتربين لتسهيل التواصل وتقديم الخدمات.

أما المستوى الثاني، وهو “إدماج المهجر Diaspora Integration“، فيتضمن سياسات تسعى إلى الإدماج السياسي للمواطنين في الخارج عبر توسيع نطاق الحقوق السياسية لمجتمع المهجر (مثل: إعطاء حقوق التصويت، والتمثيل النيابي الخاص، …إلخ). إضافة إلى ذلك، تسعى بعض الدول لتوفير حقوق مدنية واجتماعية لمواطنيها في الخارج (مثل تقديم مزايا الضمان الاجتماعي، وخدمات الصحة والتعليم، وتدريس اللغة الوطنية).

ويتمثل المستوى الثالث في سعى بعض الدول إلى ما يمكن تسميته “استخلاص الالتزامات Extract Obligations” من المهاجرين، كفرض ضريبة على المغتربين، وتشجيع المهاجرين على المساهمة باستثماراتهم أو خبراتهم في النمو الاقتصادي لبلدهم الأصلي[14].

لكن، في تفاعلها مع مجتمع المهجر، يمكن التمييز بين توجهين أساسيين لدول المصدر: التوجه الإيجابي والذي يستهدف “المهجر الجيد”، أي الموالي للنظام القائم، ويهدف إلى تعزيز المشاركة السياسية، وتحفيز الاستثمارات، والدعم الاقتصادي، وتمتين الروابط الثقافية والوطنية، أما في مواجهة “المهجر السيء”، الذي يتشكل من مجموعات مناوئة للنظام، فتتبع هذه الدول سياسات للقمع العابر للحدود، بهدف إضعاف قوى المعارضة، والحد من انخراطها السياسي في الداخل والخارج. أي أنه من ضمن أهداف سياسات المهجر لدول المصدر هو تحديد من هو المهجر الذي يعد جزءاً من الأمة، ومن لا يعد كذلك، بالإضافة إلى تحديد من هو “وطني”، ومن هو “خائن”[15].

المبحث الثاني: تطور المهجر المصري المعاصر

عبر تاريخها، عُرفت مصر كدولة استقرار للمهاجرين، وليست دولة مصدر، فوفقا للمذكرة الإيضاحية لقرار رئيس الجمهورية بمشروع قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج (القانون رقم 111 لسنة 1983)، لم تعرف مصر نظام الهجرة إلا في عام 1957 وبأعداد محدودة، وكانت الهجرات تلقائية وفردية، فعلى سبيل المثال، حسب الدراسة التي أجراها ويندل كليلاند Wendell Cleland كان عدد المصريين المقيدين في سجل الهجرة عام  1927 يقدر فقط بنحو21.505، منهم 18.383 مقيمين بالسودان[16].

 ويمكن الإشارة إلى أن جذور الهجرات المنظمة من مصر، بمعنى وجود جاليات مصرية في دول أجنبية، بدأت مع دولة محمد علي. وقد وتمثل ذلك في إرسال البعثات التعليمية إلى أوروبا، حيث أرسلت سبع بعثات في عهده، كانت أولاها سنة 1809 إلى إيطاليا، وآخرها إلى إنجلترا عام 1848. و قد كانت فرنسا الجهة الأكثر استقبالاً لهذه البعثات، وكان الهدف منها هو دراسة العلوم التطبيقية والعسكرية، مثل الطب والهندسة والطباعة والنسيج، والفنون الحربية والبحرية، علاوة على دراسة الحقوق والإدارة والترجمة[17].

وعلى الجانب الآخر، فقد كان النفي لأسباب جنائية أو سياسية، أحد أدوات العقوبة الشائعة في هذه الحقبة كذلك، يتضح ذلك في قانون الفلاحة الصادر في عهد محمد علي، الذي أقر النفي إلى جبل فيزاوغلي بالسودان كعقوبة للفلاحين الذين يرتكبون د عدد من الجرائم مثل التمرد أو تخريب الممتلكات[18]. لاحقا، خلال الاحتلال البريطاني لمصر، زادت حالات استخدام النفي السياسي بحق زعماء الحركة الوطنية، مثل نفي أحمد عرابي ورفاقه عام 1882 إلى سرنديب، أو المنفى الطوعي لمحمد فريد وبعض قيادات الحزب الوطني، وسعيهم لمناصرة القضية المصرية في أوروبا، ونفي سعد زغلول وزعماء ثورة 1919، الذين طالبوا بحق تقرير المصير إلى جزيرة مالطة، ثم مرة أخرى إلى جزيرة سيشل عام 1921، كما تم نفي الخديوي عباس حلمي، وأفراد من رجال دولته بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر خلال الحرب العالمية الأولى[19].

وفي هذا السياق، حرص دستور 1923، الذي أقر في أعقاب ثورة 1919، على حظر استعمال النفي كعقوبة، إذ تنص المادة (7) منه أنه “لا يجوز إبعاد مصري من الديار المصرية، ولا يجوز أن يحظر على مصري الإقامة في جهة ما ولا أن يلزم الإقامة في مكان معين إلا في الأحوال المبينة في القانون”[20].

المطلب الأول: خلال رئاسة جمال عبد الناصر( 1954 – 1970)

تبنى نظام جمال عبد الناصر توجهات سلبية إزاء هجرة المصريين، فقد عمل على تقييدها من خلال عدة قوانين، مثل قانون التكليف، أو تقييد السفر بتأشيرات خروج صادرة من وزارة الداخلية، كما شدد قانون الجنسية المصرية رقم 391 لسنة 1956 على ربط المواطنين بالإقامة في مصر، إذ تنص المادة (19) على أنه “يجوز بقرار من وزير الداخلية لأسباب هامة يقدرها إسقاط الجنسية المصرية عن كل مصري غادر الجمهورية المصرية بقصد عدم العودة إذا جاوزت غيبته في الخارج ستة أشهر، وتبدأ هذه المدة بالنسبة إلى من غادر الجمهورية المصرية قبل العمل بهذا القانون من اليوم التالي لتاريخ العمل به”، ومعنى ذلك أنه يجوز للدولة المصرية أن تسقط الجنسية عن مواطنيها لمجرد التغيب لمدة محدودة، مع وجود “نية” لعدم العودة، وهو شرط يتعذر إثباته، ودون ارتكاب أي مخالفة مثل اكتساب جنسية أجنبية دون إذن، أو الالتحاق بالخدمة العسكرية في دولة أجنبية، أو نحو ذلك[21].

ويمكن تفسير هذا التضييق والعداء للهجرة خلال هذه الفترة بعاملين، أولهما أن هذا التوجه يكون مصاحباً عادة للدول التي تتبع خطط اقتصادية طموحة تهدف إلى التنمية السريعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي، عبر تضحيات تفرضها على الجيل الراهن، وفي هذه الحالة، تُعتبر هجرة القوى العاملة بمثابة إضعاف لقدرات الدولة، وتعويق لخططها التنموية. علاوة على ذلك، فكما يقال أحياناً، في النظم السلطوية، تمثل الهجرة “تصويتا بالأقدام”، وشكلاً من أشكال الاحتجاج، وبالتالي فإن زيادة معدلات الهجرة قد تدحض ادعاء النظام بأن هناك إجماعاً ديمقراطياً عليها، وهو ما تعتبره هذه الأنظمة إحراجا لها، وخروجا على الإجماع الوطني[22].

وقد ظلت الهجرة مقيدة خلال فترة الخمسينيات والستينيات، وكان الاستثناء الوحيد هي الهجرات التعليمية المؤقتة، والتي تتمثل في عدد محدود من طلاب البعثات الذين تم إرسالهم لاستكمال دراستهم بالخارج، والأهم كانت هجرة المعلمين التي شجعتها الدولة المصرية، بهدف دعم الدول العربية بما يتماشى مع الأيديولوجية القومية التي تتبناها الدولة، وزيادة رأس المال السياسي والثقافي لمصر في الخارج. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد المعلمين المصريين المعارين من 280 في عام(1951-1952) إلى 6579 في عام(1970-1971). وكانت الدول المستقبلة الرئيسية هي المملكة العربية السعودية والكويت والسودان وليبيا والمغرب، ورغم ذلك، فوفق الإحصائيات الرسمية، ظل عدد المهاجرين المصريين محدودا، إذ بلغ إجمالي عدد المهاجرين بين عامي 1962 و1968 نحو 13,113 فقط، صنف منهم 6,046 كمهاجرين و7,067 كأفراد أسر معالين.

شهدت هذه الفترة أيضًا هجرات سياسية ناتجة عن سياسات عبد الناصر القومية والاشتراكية، وأهم هذه الهجرات هي:

  • هجرة أفراد من العائلة الملكية، والطبقات الأرستقراطية من ملاك الأراضي، ورجال الصناعة، وكانت وجهتهم الأساسية هي أوروبا وأمريكا الشمالية.
  • هجرة المعارضين السياسيين، بما في ذلك أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والشيوعيين المصريين، حيث توجهت الشريحة الأولى بالأساس إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وإن هاجر بعض أفرادها إلى الدول الغربية، بينما غادر الشيوعيون المصريون إلى وجهات مختلفة، إذ استقر بعضهم في لبنان والكويت والجزائر، وبعضهم استقروا في الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية ودول الكتلة الاشتراكية الأخرى، علاوة على بعض دول الأوروبية مثل بريطانيا وفرنسا.
  • الجالية اليهودية، نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي، خصوصاً بعد عام 1956، ولم تكن وجهتهم فقط إسرائيل، إذ توجه العديد منهم إلى أوروبا وأمريكا الشمالية.
  • أجزاء من المجتمع الأرمني، نتيجة تأثر أعمالهم بقرارات التأميم، إذ كان أغلبهم يعملون في القطاع الخاص[23].

المطلب الثاني: خلال رئاسة أنور السادات 1971 – 1981

بعد هزيمة 1967، ووفاة عبد الناصر، تضافرت عدة عوامل سياسية واقتصادية وإقليمية لتؤثر على نمط هجرة المصريين بالخارج من حيث الكم والكيف، وعلى سياسات الدولة في التعامل مع ملف الهجرة، من أهم هذه العوامل:

  • استنزاف الموارد المصرية في الصراع العربي الإسرائيلي وتعثر مشاريع التنمية الاقتصادية.
  • تحول الدولة عن السياسات الاشتراكية واتباع سياسات “الانفتاح” الاقتصادي.
  • الطفرة النفطية لدول الخليج في أعقاب حرب 1973، والتي كانت بالفعل الوجهة الأساسية للعمالة المصرية منذ الخمسينيات.
  • توجهات الدولة المحافظة دينيا، وصعود الحركات الإسلامية، وهو ما زاد التوتر في العلاقة مع المصريين الأقباط، كما صحبه موجة قمع سياسي للتيارات السياسية القومية واليسارية[24].

وقد انعكست هذه التحولات بشكل جذري على البنية المؤسسية والقانونية، وعلى سياسات وممارسات الدولة المصرية إزاء هجرة المصريين للخارج، فقد شهد عام 1967 أولى الجهود لإضفاء الطابع المؤسسي على الهجرة في مصر، إذ أوصت اللجنة الوزارية للقوى العاملة، والتي كانت معنية بتطوير السياسات المتعلقة بالهجرة والنظر في طلبات الهجرة المقدمة من الأشخاص الحاصلين على درجات علمية عليا، بأن يُنظر إلى الهجرة على أنها حل سياسي لتخفيف الضغط على سوق العمل المصري، وشددت على أهمية وجود سياسة متسقة للهجرة، ولاحقاً، في عام 1969، تم إنشاء إدارة الهجرة داخل وزارة الخارجية بهدف الحفاظ على التواصل مع المصريين العاملين في الخارج، وتطوير الاتفاقيات الثنائية مع الدول المستقبلة[25].

لاحقاً، مع صدور دستور 1971، رفعت القيود المفروضة على السفر والهجرة، إذ تنص المادة (52) على أنه “للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو المؤقتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق، وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد”، وفي عام 1974، تم إلغاء تأشيرات الخروج، وفي العام التالي، صدر قانون جديد للجنسية، لم يعد يعاقب المصريين على مغادرة البلاد، أما مؤسسياً، كما تم في عام 1981 إنشاء وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج بهدف معالجة قضية المهاجرين[26].نتيجة لذلك، تضاعفت معدلات الهجرة بشكل مضطرد خلال هذه المدة، فبين عام(1970 – 1974)، هاجر ما يقدر بنحو 300 ألف مصري، ثم زاد عدد المهاجرين المصريين إلى حوالي مليونين بحلول عام 1980[27].

ويمكن رصد ثلاث أنماط متباينة للهجرة من مصر خلال هذه الفترة:

 تتمثل الأولى، والأكثر كثافة بلا شك، في هجرة العمالة المصرية إلى الدول العربية المنتجة للبترول، خصوصاً دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

أما الهجرة الثانية، فهي الهجرة السياسية للناصريين واليساريين المصريين، والذين كان يعمل معظمهم ككتاب وصحفيين وإعلاميين، وكانت وجهتهم بالأساس هي ليبيا والعراق وسوريا، كما لجأ بعضهم إلى الدول الغربية مثل بريطانيا وفرنسا وسويسرا، وقد نشط كثير منهم في معارضة النظام، خصوصا بعد توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل، ولعل الجبهة الوطنية المصرية، التي أعلنها الفريق سعد الدين الشاذلي من منفاه في الجزائر المثال الأبرز لهذا النشاط المعارض.

والثالثة، هي بدء هجرة المصريين الأقباط بسبب زيادة حوادث العنف الطائفي بشكل ملحوظ منذ بدايات السبعينيات، ولعل أشهرها أحداث الخانكة 1972، وأحداث الزاوية الحمراء عام 1981[28].

المطلب الثالث: خلال رئاسة حسني مبارك 1981 – 2011

على الرغم من أن الدولة المصرية حافظت على نفس التوجهات الداعمة لملف هجرة المصريين إلى الخارج خلال فترة حكم الرئيس مبارك، حيث اعتبرت هذه الهجرة مورداً اقتصادياً هاماً لدعم خزينة الدولة، إلا أن التغييرات السياسية والاقتصادية، المحلية والإقليمية، تركت أثراً سلبياً على هذا الملف. ويمكن إجمالا الحديث عن ثلاث مؤثرات أساسية:

أولاً، تراجع النظام المصري عن الأيديولوجيا القومية العروبية، وانحسار دوره ونفوذه الإقليميين، وتخليه عن سياسات الاقتصاد المدار مركزياً من قبل الدولة.  وقد تزامن ذلك مع تفاقم الأزمات الاقتصادية مثل تنامي عجز الموازنة، وزيادة البطالة، وتدني مستوى الخدمات.

ثانياً، الأزمات السياسية والاقتصادية الحادة التي مرت بها منطقة الخليج العربي، الجهة الأولى لاستقبال العمالة المصرية، خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بدءاً من حرب العراق وإيران، وتراجع أسعار البترول، ثم غزو الكويت، وانتهاءاً بحرب الخليج الأولى ثم الثانية. إضافة إلى ذلك، فقد بدأت هذه الدول تغير من سياسات العمالة الوافدة إليها بمحاولة تقليل العمالة الوافدة، والتركيز على العمالة الوطنية، وكذلك تفضيل العمالة من الدول الأسيوية على العمالة العربية. وكنتيجة طبيعية لهذه الاضطرابات، فقد حدثت موجات رجوع للعمالة المصرية من دول الخليج، خصوصاً بين عامي 1984 و1992.

ثالثاً، استمرار الصعود السياسي للتيارات الإسلامية، وتكرار حوادث العنف الطائفي، أسهم في تنامي الهجرة القبطية من مصر، والتي بدأت في التنظيم والنشاط في المهجر، بهدف الضغط على الحكومة المصرية لتبني سياسات أكثر دعماً لحقوق المسحيين في مصر، كما واكب ذلك صدام الدولة مع التنظيمات الإسلامية المسلحة، مثل الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، خصوصاً خلال تسعينيات القرن الماضي، وهو ما أدى إلى هجرة سياسية محدودة لعدد من قياداتها وناشطيها[29].

أما بخصوص التنظيم القانوني والمؤسسي، فقد شهد خلال هذه الحقبة تطوراً ملحوظاً، إذ تم إقرار قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج رقم 111 لسنة 1983، وهو القانون الذي قدم تعريفاً واضحاً للهجرة بنوعيها الدائمة والمؤقتة، فنصت المادة (8) من القانون أنه “يعتبر مهاجرا هجرة دائمة كل مصري جعل إقامته العادية بصفة دائمة في خارج البلاد بأن اكتسب جنسية دولة أجنبية أو حصل على إذن بالإقامة الدائمة فيها أو أقام بها مدة لا تقل عن عشر سنوات، أو حصل على إذن بالهجرة من إحدى دول المهجر التي تحدد بقرار من الوزير المختص بشئون الهجرة”، بينما اعتبرت المادة (13) أن وصف الهجرة المؤقتة تنطبق على “كل مصري غير دارس أو معار أو منتدب، جعل إقامته العادية أو مركز نشاطه في الخارج، وله عمل يتعيش منه، متى انقضى على بقائه في الخارج أكثر من سنة متصلة، ولم يتخذ إجراءات الهجرة الدائمة المنصوص عليها بهذا القانون أو اتخذها وعاد إلى الوطن قبل تحقيق أي شرط من الشروط الواردة بالمادة (8) من هذا القانون، وتعتبر مدة السنة المشار إليها بالفقرة السابقة متصلة ولو تخللها فاصل زمني لا تزيد مدته على ثلاثين يوما”[30].

وقد فصّل هذا القانون لأول مرة كذلك في واجبات الدولة فيما يتعلق بشؤون المصريين في الخارج، وحدد عدداً من الآليات، مثل إنشاء وظائف داخل السفارات المصرية لموظفين مسؤولين عن الاتصال مع المصريين في الخارج، وإنشاء الجمعيات المصرية والأندية الثقافية ومراكز تدريب اللغة العربية، وتنظيم الأنشطة الثقافية مثل الرحلات التي تمولها الدولة إلى مصر، ودروس اللغة للجيل الثاني من المهاجرين[31].

 كما أبدى القانون مرونة كبيرة فيما يتعلق بمسألة الجنسية، فعلى سبيل المثال، أعاد القانون التأكيد على حق الاحتفاظ بالجنسية المصرية مع الهجرة، بل واعتبر أبناء المهاجرين الدائمين المولودين في الخارج مواطنين مصريين إذا كان آباؤهم مازالوا محتفظين بالجنسية المصرية، وأعطى الحق لأي مواطن مصري هاجر قبل صدور القانون وفقد جنسيته أن يستعيد الجنسية المصرية. علاوة على ذلك، حاول القانون تشجيع المصريين في الخارج على الاستثمار في الاقتصاد المصري من خلال إعفاء ودائع المهاجرين في البنوك المصرية من جميع الضرائب، واعتبار استثمارات المصريين في الخارج في مصر بمثابة استثمارات أجنبية بكل المزايا التي ينطوي عليها ذلك. ولاحقا، في عام 1986، تم استثناء حاملي الجنسية المزدوجة من أداء الخدمة العسكرية[32].

أما مؤسسياً، فقد نص القانون على تشكيل لجنة عليا للهجرة برئاسة الوزير المختص بشئون الهجرة، وتضم في عضويتها ممثلين عن أحد عشر وزارة أهمها وزارة القوى العاملة والتدريب، وزارة التعليم والبحث العلمي، وزارة الخارجية، وزارة الداخلية، وزارة الاقتصاد، ووزارة المالية. وتهتم اللجنة بتقديم الخدمات والدورات التدريبية لدعم المصريين بالخارج، ونصت على تنظيم مؤتمر يحضره ممثلون عن الجاليات المصرية في الخارج كل عامين على أقصى تقدير، كما نصت اللائحة على تأسيس “الاتحاد العام للمصريين في الخارج”، بهدف التعاون مع وزارة الدولة لشئون الهجرة والمصريين في الخارج، وأوضحت أن أنشطته تركز على المجالين الاجتماعي والثقافي، “بعيداً عن أي تنظيمات فئوية أو طائفية أو عقائدية، ودون أن يمتد نشاطه الاشتغال بالمسائل السياسية أو الدينية”[33].

لكن يبدو أن هذه الترتيبات المؤسسية لم تقم بدورها على الوجه الأكمل، إذ توقفت مؤتمرات المصريين في الخارج بعد عدة فاعليات، ولاحقاً، تم إلغاء وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج نفسها عام 1996، وتم تقسيم مهامها بين جهتين أساسيتين: وزارة القوى العاملة، وإدارة الشئون القنصلية بوزارة الخارجية، وغاب التنسيق بين الأطراف المختلفة المعنية بهذا الملف، مما أثر بالسلب على أوضاع العمالة المصرية في الخارج، والمصريين في المهجر بشكل عام[34].

وعلى جانب آخر، فقد أدى ارتفاع معدلات البطالة، وتراجع فرص الهجرة الرسمية خلال هذه الفترة إلى زيادة معدلات الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، خصوصاً بعد دخول اتفاقية الحدود الحرة (الشينجن) حيز التنفيذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من عدم توافر بيانات دقيقة عن تدفقات الهجرة غير الرسمية في ذلك الوقت، لكن حسب دراسة أجريت عام 2007، كان هناك حوالي 460 ألف مصري يقيمون بشكل غير قانوني في أوروبا. نتيجة لذلك، تبنت الحكومة المصرية سياسات لمكافحة الهجرة غير الشرعية، فقانونيا، أقرت الحكومة قانون رقم 88 لسنة 2005 يعاقب المهاجرين غير الشرعيين أو الأشخاص الذين يساعدونهم بالسجن والغرامة، كما أصدرت القانون رقم 64 عام 2010، والذي يعاقب من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر أو شارك فيها بالسجن لفترات طويلة، وغرامات مادية كبيرة. وبالإضافة إلى اللوائح القانونية، أنشأت مصر في عام 2007 الجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الاتجار في الأفراد، كما تم توقيع عدة اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي، ومع عدد من الدول الأوروبية، بهدف التعاون في منع الهجرة غير الشرعية، وتنظيم عملية الهجرة الرسمية، وإعادة المصريين المقيمين بشكل غير قانوني في الدول الأوروبية[35].

المطلب الرابع: مهجر أم مهجرين: التباين في سمات مجتمعات المصريين في المهجر

تجدر الإشارة عند الحديث عن تطور المهجر المصري إلى أنه يمكن التمييز بين مهجرين لهما سمات متباينة: المهجر المصري في الدول العربية والجاليات المصرية في الدول الغربية. وقد فصّل أيمن زهري وبريانكا دبناث Priyanka Debnath في الخصائص المميزة لكلا المجتمعين، وأهمها:

أولاً، يُشار إلى المهاجرين المصريين إلى الدول العربية عموماً بالهجرة المؤقتة، نظراً لطبيعة حركتهم كمهاجرين للعمل، بينما يُشار إلى الهجرة إلى الغرب بالهجرة الدائمة، نظراً لوجود إمكانية كبيرة للإقامة طويلة المدى وإمكانية التجنيس.

ثانياً، يتميز المهجر المصري في الدول العربية بارتفاع نسب الذكور، وأن مستوى المهارات للعمالة مختلط (منخفض وعالي المهارات)، بينما يبدو أن المصريين في الغرب أكثر توازناً بين الجنسين، كما يتمتعون بمستويات تعليم ومهارة أعلى نسبياً مقارنة بنظرائهم في الدول العربية.

ثالثاً، ينخرط المصريون في الغرب في منظمات المجتمع المدني، بنسب أعلى كثيراً من المصريين في الدول العربية، ويرجع ذلك في الغالب إلى عدم السماح للأجانب في الدول العربية بإنشاء أي منظمات مماثلة، ولذلك فإن جميع منظمات المهجر المصري في الدول العربية هي منظمات غير رسمية[36].

هذا التباين بين كلا المهجرين انعكس بوضوح على سياسات الحكومة المصرية تجاه المصريين بالخارج، فبالنسبة للمهجر العربي، ركزت الحكومة المصرية جهودها على إرسال العمالة المصرية للدول العربية، دون الاهتمام بتحريضهم على العودة أو تعزيز روابطهم العاطفية بمصر، إذ أن التجنيس والاستيطان الدائم شبه مستحيل في هذه الدول، كما لم تولي الحكومة الاهتمام بحقوقهم السياسية، بما أن هذه الدول لا تسمح بحرية النشاط السياسي للمغتربين.

 لكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة للمهجر الغربي، فهؤلاء المهاجرون، يُنظر إليهم كجوهر ظاهرة “هجرة الأدمغة”، خصوصاً وأنه متاح لهم فرصة للحصول على جنسية البلد المضيف، كما أنهم يتمتعون بالحرية السياسية لانتقاد الحكومة المصرية من الخارج، لذلك كانت استراتيجية الدولة المصرية تعتمد على إبقاء التواصل معهم فاعلاً، ومحاولة استقطابهم، بل والسيطرة عليهم[37].

المبحث الثالث: بين المهجر الجيد والسيء: سياسات نظام 2013 إزاء المصريين بالخارج

المطلب الأول: المهجر المصري بعد ثورة يناير 2011

كانت ثورة يناير حدثاً محفزاً للمهجر المصري للانخراط في السياسة، فخلال الثورة، بدأ المصريون في الخارج بالتفاعل مع أحداثها من خلال تنظيم أنشطة موازية لدعم المتظاهرين ومطالبهم أمام القنصليات والسفارات المصرية في عدد من العواصم الغربية[38] وبعد تنحي الرئيس، نشطت عناصر من الجالية المصرية من أجل السماح لهم بمشاركة سياسية أوسع، فعلى سبيل المثال، تشكلت مجموعات ضغط مثل Right2Vote، أو “الحق في التصويت”، التي نظمت عدة مظاهرات تطالب بحق التصويت من الخارج. ونتيجة لذلك، أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر، نهاية أكتوبر 2011، حكمًا يسمح للمصريين المقيمين في الخارج بالتصويت في الانتخابات من مقار البعثات الدبلوماسية المصرية المعتمدة في الدول المضيفة لهم، صدر على إثره المرسوم رقم 130/2011، الذي قنن هذا الحق[39].

لاحقاً، اهتم دستور 2012 بالتمكين السياسي للمصريين في الخارج، وأكد على دور الدولة الإيجابي في دعمهم، فقد نصت المادة (56) على أن “ترعى الدولة مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وتحميهم، وتكفل حقوقهم وحرياتهم، وتعينهم على أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع المصري، وتشجع إسهامهم في تنمية الوطن، وينظم القانون مشاركتهم في الانتخابات والاستفتاءات”. كما ألغى دستور 2012 شرط الجنسية المصرية لآباء وأزواج المرشحين الرئاسيين، وشرط عدم ازدواج الجنسية للمرشحين لعضوية البرلمان، وشرط الجنسية المصرية لأزواج المرشحين[40].

وفي ظل حكومة الرئيس محمد مرسي، كانت هناك محاولات لتدعيم العلاقة بين الدولة والمهجر المصري، فقد تم تعيين مستشار لرئيس الجمهورية مختص بشئون المصريين في الخارج، كما تم إصدار قرار رئاسي في أبريل 2013 لتشكيل المجلس الاستشاري للمصريين بالخارج، يتبع رئيس الجمهورية مباشرة. عمل المجلس على ثلاث محاور وفقاً لتصريح مستشار الرئيس، وهي: تلبية احتياجات المصريين في الخارج، وتفعيل دور المصريين في الخارج في دفع قاطرة التنمية بنقل التكنولوجيا والأفكار والرؤى والاستثمارات، وربط الأجيال الثانية والثالثة للمغتربين بالوطن الأم مصر[41]. ومع ذلك، أدى تعثر المسار الانتقالي إلى فتور الجاليات المصرية في الخارج، وفقدان حماستها للمشاركة السياسية، كما انتقلت لهذه الجاليات حالة الاستقطاب الأيديولوجي التي أصابت عملية الانتقال الديمقراطي بالشلل، مما أدى إلى انقسام المهجر المصري[42].

وقد شهدت المرحلة الانتقالية، بين عامي 2011 و 2013 نوعين من الخروج السياسي، الأولى كانت لرجال نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، من وزراء سابقين ومسؤولين حكوميين وأمنيين، والذين توجه كثير منهم إلى دول الخليج خوفاً من الملاحقات القضائية، علاوة على ذلك، أدت حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي من جهة، والصعود السياسي للحركات الإسلامية السياسية من جهة أخرى إلى زيادة رغبة قطاعات من المصريين في الهجرة، خاصة الأقباط، الذين تعرضوا إلى عدد من حوادث العنف الطائفي خلال هذه الفترة.

أظهرت إحدى الدراسات التي جرت في سبتمبر 2012 أن حوالي 8% من أفراد العينة  المستطلعة أنهم أرادوا الهجرة نهائياً من مصر. وأن نسبة الراغبين في الهجرة بين المسيحيين بلغت 75% مقابل 38% للمسلمين، كما أشارت دراسة أخرى، أجريت عام 2013، إلى أنه رغم غياب إحصائيات رسمية، فإن هجرة المسحيين المصريين خلال عامي 2011-2012 بلغت حوالي 100 ألف، متجهين بشكل رئيسي إلى الوجهات التقليدية للمصريين في أوروبا وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى جورجيا في أوروبا الشرقية[43].

المطلب الثاني: التنافس على المهجر المصري بعد انقلاب 2013

كانت حالة عدم الاستقرار الحاد خلال المرحلة الانتقالية، والتظاهرات الحاشدة في 30 يونيو 2013، مسوغا لتدخل الجيش للإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وسيطرة المؤسسة العسكرية على الحكم، وقد أعقب ذلك، موجة من القمع السياسي العنيف، أدت إلى نزوح سياسي كبير، على مرحلتين: المرحلة الأولى كان قوامها من الإسلاميين، وبدأت مباشرة في أعقاب الانقلاب، إذ اضطر عشرات آلاف من النشطاء الإسلاميين والعديد من قادة الجماعات الإسلامية، وعلى الأخص من جماعة الإخوان المسلمين، إلى مغادرة البلاد إما هربًا من الملاحقات القضائية أو ليتمكنوا من مواصلة نضالهم ضد الحكم العسكري من الخارج، وكانت وجهتهم الأساسية هي قطر وتركيا والسودان، وبعد بضعة أشهر، عندما توسعت حملة القمع لتستهدف المعارضين الليبراليين واليساريين أيضًا، بدأت موجة أخرى من النزوح السياسي في عام 2014 وما بعده، وكانت وجهتهم الأساسية هي الدول الأوروبية ودول أمريكا الشمالية[44].

أثرت موجة النزوح السياسي بشكل ملحوظ على المهجر المصري، حيث يسعى “المنفيون السياسيون” عادة  إلى النشاط داخل دوائر المهجر  لكسب دعمهم وولائهم وحشدهم ضد النظام القائم في بلدانهم، خصوصاً مع انفصال هؤلاء السياسيين عن قواعدهم، وحاجتهم إلى تأمين شرعية سياسية وموارد مالية لاستئناف نشاطهم. لذلك يلجؤون للاتصال مع حكومات البلدان المضيفة، وبالمؤسسات الدولية، بهدف الضغط على حكومات دولهم، لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة، وأحياناً يتعاونون معهم من أجل إسقاط هذه الأنظمة[45].

في هذا السياق، شهد المهجر المصري خلال الأعوام التي تلت انقلاب 2013 حراكاً سياسيا كبيرا، تمثل في تأسيس عدة جبهات سياسية مثل “اتحاد المعارضة المصرية”،إضافة  إلى إطلاق محطات فضائية مثل قناتي “الشرق” و”مكملين”، فضلاً عن إنشاء مراكز بحثية وحقوقية، تركز كثير منها في تركيا، وفي بعض العواصم الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية كذلك[46].

نتيجة لذلك، التفت نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لأهمية المهجر المصري كأداة لتعزيز الشرعية السياسية، وتقوية النفوذ السياسي داخل الدول الأجنبية، علاوة على دعم جهود التنمية الاقتصادية، بالاستثمار أو بتحويلات المصريين في الخارج لعائلاتهم، هذا الاهتمام تمثل في منظومة تشريعات وبنى مؤسسية وإجراءات تستهدف تقوية الروابط والتنظيم والتوظيف الفعال للمصريين بالخارج.

تشريعياً، أكدت المادة (88) من دستور 2014 على التزام  الدولة برعاية المصريين في الخارج، وضمان حقوقهم في المشاركة السياسية في الانتخابات والاستفتاءات[47]، استناداً لهذه المادة، نصت القوانين الخاصة بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية وبمجلس النواب ليس فقط على حق المصريين في الخارج في التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية والاستفتاءات، بل أعطت لهم كذلك حصة من مقاعد البرلمان. وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2018، تم التوسع في حق التصويت في الانتخابات، فلم يعد هذا الحق مقتصراً على من لديهم إقامة سارية المفعول في البلدان المضيفة، بل أعلنت وزيرة الهجرة أنه سيتم السماح لجميع المصريين المغتربين بالتصويت، بغض النظر عن وضعهم القانوني[48].

مؤسسياً، أعاد النظام المصري وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج في سبتمبر 2015، لكي تكون “الجهة الرئيسية للتواصل مع المصريين بالخارج”، وذلك بهدف “تكوين رأى عام وطني يساند القضايا الوطنية والقومية، والاستفادة من خبرات المصريين في الخارج في شتى مجالات التنمية، ولتدعيم الروابط القومية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية بينهم وبين الوطن الأم، وبينهم وبين بعضهم البعض، ولكي يضع سياسة شاملة لهجرة المصريين للخارج في ضوء أهداف التنمية القومية وصالح البلاد”، كما تذكر الوزارة على موقعها الرسمي[49]، وفي عام 2016، تم إطلاق رؤية مصر 2030، لتحقيق التنمية الشاملة المستدامة، وقد حددت الوثيقة عدة أهداف لوزارة الهجرة، منها إنشاء منظمة جامعة تشمل كافة جمعيات المصريين في الخارج، وإنشاء منظمة للمهنيين المصريين في المهجر لتفعيل دورهم في البرامج التنموية في مصر، وإنشاء قاعدة بيانات مركزية للمصريين في الخارج[50].

وقد أحدث تفعيل وزارة الهجرة نقلة كبيرة في علاقة الحكومة المصرية بمجتمع المهجر، إذ قامت الوزارة بتفعيل عدة مسارات ومبادرات للتواصل مع المصريين بالخارج، أهمها:

  • المؤتمرات الدورية، مثل مؤتمرات الكيانات المصرية بالخارج، والذي عقدت منه أربع نسخ بين عامي 2018-2023، ومؤتمرات “مصر تستطيع” والتي استهدفت إدماج الكفاءات المصرية في الخارج بالمشاريع التنموية، وعقد منها ست نسخ، تناولت محاور تنموية متعددة صناعية وتعليمية وصحية.
  • تنظيم الزيارات الدورية للجاليات المصرية بالخارج، علاوة على اللقاءات الافتراضية، مثل مبادرة “ساعة مع الوزيرة”، والتي تضمنت عقد اجتماعات افتراضية لوزيرة الهجرة مع أكثر من خمس وأربعين جالية مصرية، وفق بيانات الوزارة.
  • تنظيم معسكرات شبابية لأبناء الجاليات المصرية، والتي تضمنت أنشطة ترفيهية، كزيارة المواقع التاريخية، بالإضافة إلى لقاءات مع مسؤولين مصريين، ومحاضرات سياسية حول الأمن القومي المصري.
  • مركز وزارة الهجرة للحوار لشباب المصريين الدارسين بالخارج “ميدسي MEDCE”، والذي أسس بهدف التواصل مع شباب المصريين الدارسين بالخارج، ودمجهم في مشاريع التنمية الوطنية، بجانب “دورهم في الترويج للدولة المصرية بالخارج، والتصدي للشائعات والأفكار المغلوطة”[51].

عبر هذه المسارات، حاولت الحكومة المصرية أن تقوم بتنشيط الجاليات المصرية، وتوظيفها بما يحقق أهداف النظام سواء بتدعيم شرعيته السياسية أو الانخراط في خططه التنموية. فسياسيا، بالإضافة إلى المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات التي جرت بعد انقلاب 2013، صار للمصريين في الخارج ثمانية ممثلين في برلمان 2020، كما تم تكوين عدد من الكيانات التي نشطت في استقبال المسؤولين الرسميين، وتنسيق بعض الزيارات والمقابلات لهم مع مسؤولين حكوميين ومع أعضاء الجاليات، وكان لها دور في الحشد المضاد لحشود المعارضين المصريين في الخارج، والدفاع عن مواقف النظام المصري سواء ضد الانتقادات التي توجه للملف الحقوقي وملف الحريات السياسية، أو في بعض ملفات السياسة الخارجية الحيوية مثل ملف سد النهضة[52]، كذلك، سعى النظام إلى تفعيل الدور الاقتصادي للمصريين بالخارج، إما بالتبرع للمشاريع القومية، مثل مشروع حياة كريمة، والتي تبرع له المصريون بالولايات المتحدة في 2021 بحوالي 350 ألف دولار، وفي كندا بحوالي 100 ألف دولار، أو بتحفيز الاستثمارات المباشرة، أو بتشجيع تحويل العملات الأجنبية عبر شهادات بنكية خاصة[53].

من جهة أخرى، نشطت الوزارة في مواجهة الهجرة غير الشرعية عبر عدد من الحملات التوعوية مثل حملة “قبل ما تهاجر فكر وشاور” عام 2016 لنشر الوعي بين الشباب حول مخاطر الهجرة غير الشرعية، والتعريف بسبل الهجرة الآمنة، ومبادرة “مراكب النجاة”، والتي أطلقت خلال منتدى شباب العالم في ديسمبر 2019 لذات الأهداف، بالإضافة إلى ذلك، فقد نشطت الوزارة في تنفيذ برامج تدريبية لتأهيل الشباب لسوق العمل، والتدريب على بعض المهن الحرفية وريادة الأعمال، بالتعاون مع المجتمع المدني وعدد من الوزارات المعنية[54]. ونتيجة لهذه الجهود، فقد صرحت الوزيرة أنه منذ العام 2016 توقف رصد إبحار أي مركب غير شرعية من سواحل مصر[55].

وعلى الرغم من هذه الجهود الملحوظة، يجدر الإشارة أنه بعد نحو تسع سنوات من إعادة تأسيسها، تم إلغاء وزارة الهجرة وشئون المصريين في الخارج مرة أخرى، وذلك خلال التعديل الوزاري الذي جرى مؤخراً في يوليو 2024، وتم فيه دمج وزارة الهجرة بوزارة الخارجية، وأصبح المشرف على نشاطها هو أحد نواب وزير الخارجية[56]. هذه الخطورة التي تم تبريرها بالحاجة إلى “المزيد من الفاعلية لصالح المصريين في الخارج”، “والعمل كفريق واحد يضم العاملين في مجال الهجرة بديوان وزارة ]الخارجية[، وجميع بعثات مصر في أنحاء العالم”[57]،  قد تنم عن عدم رضا عن النتائج التي حققتها الوزارة، أو حتى عن تراجع – ولو نسبي – في الاهتمام بملف المصريين بالخارج، وهو ما ستكشف عنه التطورات خلال الفترة القادمة.

المطلب الثالث: استراتيجية النظام لتحييد “المهجر السيء”

هذه الاستراتيجيات والإجراءات للتواصل والاستيعاب والتوظيف السياسي والاقتصادي للمصريين بالخارج تزامن معها استراتيجيات أخرى تهدف إلى تحييد المعارضين في المنفى، وقد برز هذا التمييز بين المهجر “الجيد والسيء” في تصريح لوزيرة الهجرة خلال لقائها مع الجالية المصرية بكندا عام 2019، إذ هددت أي مصري في الخارج يسيء لبلده “بأنه هيتقطع” مع الإشارة بعلامة الذبح!، وهو التصريح الذي – على عفويته – يكشف عن أن سياسات الاحتواء والتواصل التي تتبناها الوزارة لا تتضمن المجموعات المعارضة التي خرجت في أعقاب انقلاب 2013[58].

وقد اتخذ النظام عدداً من الإجراءات العقابية بحق الناشطين المعارضين بالخارج، لتقييد قدرتهم على النشاط السياسي، من أهمها التوقف عن إصدار الأوراق الرسمية وتجديد وثائق السفر، ومنع أسر المعارضين من السفر من مصر، الذين – في أحيان كثيرة – شملهم القمع بالاستجوابات المتكررة والاعتقالات من أجل الضغط على ذويهم في الخارج، كما شملت استراتيجيات القمع العابر للحدود أدوات الرقابة والتجسس التقني على المعارضين، وحملات التشهير والتهديد على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما سعى النظام بشكل دؤوب لاستصدار قرارات ضبط من البوليس الدولي Interpol في حق العديد من الناشطين المعارضين، وهي القرارات التي صدرت نتيجة محاكمات غيابية، اتهمت بأنها خالفت في إجراءاتها قواعد المحاكمات العادلة[59]،نتيجة لذلك، نجحت الحكومة المصرية – بالتعاون مع السلطات المحلية – في اعتقال وترحيل عدد من الناشطين المعارضين إلى مصر، إذ أورد تقرير Freedom House الصادر عام 2021 أنه، منذ عام 2014، قامت الحكومة المصرية بعمليات ترحيل لستة عشر مصرياً من عدد من الدول مثل ماليزيا والكويت والإمارات ولبنان، بالإضافة إلى واقعة ترحيل المواطن محمد عبد الحفيظ من مطار في تركيا إلى مصر، وفق ما وصف من قبل السلطات التركية آنذاك بأنه ناتج خطأ غير متعمد في الإجراءات[60].

وتجدر الإشارة هنا إلى أن النظام المصري كذلك قد حرص على تجنيد “المهجر الجيد” لملاحقة أفراد “المهجر السيء”، فعلى سبيل المثال، في العام 2020، تم القبض على مواطن مصري مزدوج الجنسية يعمل في المكتب الإعلامي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بتهمة العمل لصالح أجهزة الأمن المصرية، وذلك بهدف “جمع بيانات عن النشطاء المصريين المعارضين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، بالإضافة لطالبي اللجوء السياسي”. بعدها بعامين، تم توقيف المواطن المصري بيير جرجس في الولايات المتحدة الأمريكية بتهمة العمل كـ”عميل أجنبي” لصالح الحكومة المصرية، واستغلال علاقاته بضباط الشرطة في نيويورك من أجل جمع المعلومات حول أنشطة المعارضين المصريين[61].

ملاحظات ختامية:

بالنظر إلى تطور المهجر المصري، وما واكبه من تطورات في سياسات الدولة في التعامل مع المصريين في الخارج، يمكن الوقوف على أربع ملاحظات أساسية:

أولا، منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، حدث تغير ملحوظ في طبيعة المهجر المصري من حيث الكم والكيف، بل وفي ثقافة الهجرة ذاتها في المجتمع المصري، فبعد أن كانت مصر تشتهر كبلد استقبال للمهاجرين، وبعد أن كان المصريون مشهورين بأنهم “لا يهاجرون”، تضاعف عدد المهاجرين أكثر من ألف مرة خلال خمس عقود ونصف، إذ كان عدد المهاجرين المصريين نحو 13 ألفا وفقا للإحصاء الرسمي عام 1968، ثم أصبح يقدر عام 2023 بنحو 14 مليون، أكثر من 90% منهم  لا ينوون العودة إلى مصر، وفقا للاستطلاعات الرأي.

وبطبيعة الحال، واكب هذه الطفرة زيادة في الأهمية السياسية والاقتصادية للمهاجرين المصريين، وفي الأدوار التي يقومون بها. فسياسيا، كانت هناك عدة موجات من الهجرات السياسية منذ تأسيس الجمهورية المصرية، لأسباب أيديولوجية، أو دينية طائفية، وارتبطت هذه الموجات بشكل عام بفترات انتقال السلطة من رئيس لآخر، وما رافق هذا الانتقال من تحولات سياسية، لكن تظل أكبر موجات “المنفى الاختياري” تلك هي التي أعقبت انقلاب يوليو 2013، وكان من تبعاتها نمو النشاط المعارض المصري في الخارج بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث. كما تنعكس زيادة الأهمية الاقتصادية للمصريين في الخارج على زيادة اعتماد الدولة على تحويلاتهم كمصدر أساسي للحصول على العملات الأجنبية، ففي عام 2022، على سبيل المثال، كانت تحويلات المصريين في الخارج مصدر 27.2% من العملات الأجنبية الواردة للخزينة المصرية، بينما كانت نسبة قناة السويس والسياحة لا تتجاوز 7.3%، و11.7% على الترتيب[62].

ثانياً، أنه عبر العقود الأخيرة، كانت دوافع الدولة لتنظيم المهجر المصري، وإدماجه مع الوطن الأم دوافع براجماتية بالأساس، سواء للاستفادة من المصريين بالخارج سياسياً، كجزء من “القوى الناعمة المصرية”[63]، أو لتحييد التهديدات الناجمة عن المعارضة السياسية بالمنفى، أو للاستفادة الاقتصادية، كون المصريين بالخارج مصدراً أساسياً لتحويل العملات الأجنبية إلى الداخل، ولتشجيع ضخ المصريين بالخارج لأموالهم من أجل الاستثمار في المشاريع القومية.

صحيحٌ أن الدوافع الأيديولوجية المتمثلة في نسق الأيديولوجيا القومية الذي ساد خلال عهد عبد الناصر كانت محدداً رئيسياً في سياسات الهجرة خلال هذه الفترة، لكن سريعا، وتحت وطأة الضغوط الاقتصادية وتعثر مشاريع التنمية منذ أواخر الستينيات، غيّر النظام المصري من نظرته السلبية للهجرة كتهديد إلى تبني نظرة إيجابية لها كفرصة، وهي النظرة التي استمرت حتى أوائل التسعينيات، حين بدأت موجة عودة الهجرة المصرية من الخليج، وبدأ النشاط المعارض يتزايد في الجاليات المصرية في الغرب، سواء بمكوناتها القبطية أو الإسلامية، حينها بدأ تفاعل الدولة المصرية مع المصريين في الخارج يتسم بالفتور، وبدأت النظرة السلبية تتزايد.

بعد الأحداث التي أعقبت ثورة يناير 2011، والتي أثرت بشكل جذري على طبيعة المهجر المصري، تغيرت مرة أخرى سياسات الهجرة، وتزايد حرص النظام على التواصل والتوظيف للمصريين في الخارج بدرجة كبيرة، تتسق مع التزايد الملحوظ في النشاط المعارض لقطاعات واسعة من المصريين بالخارج، وكذلك مع حاجته المتزايدة للدعم الذي قد توفره الجاليات المصرية للاقتصاد المصري.

ثالثاً، عند تقييم سياسات النظام ما بعد 2013، سواء تلك المعنية بتنظيم المهجر، أو إدماجه، أو استخلاص الالتزامات منه، فمما لا شك فيه أن النظام قد حقق إنجازات واضحة، بفضل تطويره للتشريعات والمؤسسات، وإطلاقه للعديد من مسارات التواصل والمبادرات، وهي الطفرة التي نلحظها في كثافة التواصل مع المصريين في الخارج، وفي الخطوة الهامة لتمكينهم سياسيا عبر تخصيص مقاعد لهم في البرلمان، وكذلك في استمرار تدفق التحويلات المالية من الخارج، وبشكل متزايد ما بين فترتي(2015-2021) لتصل من 18.3 إلى 31.4 مليار دولار خلال هذه الفترة[64].

لكن هذه الإنجازات ما زال يعوقها عددٌ من التحديات، أهمها أزمة الحوكمة، فعلى سبيل المثال، مازالت قدرة الحكومة المصرية على إحصاء وتنظيم المصريين في الخارج محدودة، وهي خطوة أساسية في سياسات بناء المهجر، إذ تتضارب الإحصائيات الخاصة بعدد المصريين في الخارج والتي قدرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بنحو 9 ملايين، بينما صرحت نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة السابقة، أنها تعتقد أن الرقم أعلى بكثير، ويبلغ 14 مليونًا[65]، كما تتضارب هذه الإحصائيات مع الإحصائيات الرسمية الصادرة عن بلدان المقر بشأن عدد المصريين المقيمين فيها، وهذا التضارب يرجع إلى عدة عوامل منها تنامي الهجرة غير الشرعية، وتغير حالة المهاجرين المصريين بالتجنيس في بلد المقر[66].

كما تنعكس أزمة الحوكمة هذه على عدم فاعلية العديد من المبادرات التي أطلقتها وزارة الهجرة لاجتذاب العلماء والمستثمرين المصريين في الخارج، بسبب ضعف المتابعة من الوزارة، وضعف التنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية[67]، ولعل تراجع التحويلات المالية الرسمية من المصريين في الخارج خلال العامين الأخيرين، لتصل إلى 24.2 مليار دولار عام 2023، بسبب السياسات النقدية للحكومة، والفرق الكبير بين السعر الرسمي للعملات النقدية عن أسعارها الحقيقية[68]، هي أبرز مثال يوضح تأثير مشكلات الحوكمة على السياسات الهادفة إلى إدماج المهجر وتوظيفه.

وأخيراً، تقف الطبيعة السلطوية والسياسات الإقصائية التي يمارسها النظام المصري إزاء بعض القوى المجتمعية والتيارات السياسية حاجزاً هاماً أمام فاعلية سياساته الرامية إلى التواصل والاستفادة من الإمكانات السياسية والاقتصادية للمهجر المصري، فتطبيق سياسات التمييز بين “المهجر الجيد” و”المهجر السيء”، واتباع إجراءات عقابية قمعية ضد بعض المصريين في الخارج بتوظيف الجهاز البيروقراطي للدولة، بل وأحيانا بتوظيف مكونات من المهجر ضد مكونات أخرى، كل هذه الممارسات لا تنسجم مع فكرة “الوطنية العابرة للحدود”، إذ تصبح مسألة الانتماء الوطني تخضع لمعايير مسيسة مثل الانتماء الأيديولوجي أو الموقف السياسي من النظام الحاكم، بل ويصبح تعريف الوطن ذاته وترسيم حدوده يختلف باختلاف عوامل سياقية متغيرة، تتعلق بمصالح النظام الضيقة، فتارة ينحصر مفهوم المواطن في أولئك المقيمين على أرضه، بينما يعتبر المهاجرون خارجين على الإجماع الوطني، وتارة تتسع حدود الوطن لتشمل كافة المواطنين المقيمين في الخارج، بدافع من المصالح الاقتصادية والدبلوماسية التي قد يحققونها للنظام، ثم تعود لتنحسر  عن أولئك الذين يعارضون السلطة القائمة، فيتم التشكيك في ولائهم وانتمائهم، ويحرمون من حقوق المواطنة.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)


[1]– Gerasimos Tsourapas, The Politics of Migration in Modern Egypt: Strategies for Regime Survival in Autocracies (Cambridge: Cambridge University Press, 2019), pp. 32-38.

[2]– القدس العربية، جدل واسع على شبكات التواصل في مصر بعد دعوة السيسي إلى «الهجرة الشرعية»، 9 سبتمبر2023 ، أنظر في  الرابط الآتي:  www.t.ly/4K7r3  (تاريخ التصفح : 12 /02/ 2024).

[3]– Migration Booklet 2018, Central Agency for Public Mobilization and Statistics (CAPMAS), Sep 2019, p. 41.

https://urlr.me/HF7CW (accessed 12 Feb 2024).

[4]– وكالة أنباء الشرق الأوسط، وزيرة الهجرة لـ(أ ش أ): 2023 شهد المزيد من المكتسبات لأبناء مصر بالخارج وكان خير دليل على رعاية الدولة لهم، 28 ديسمبر 2023، أنظر في:  https://urlr.me/wYCkb  (تاريخ التصفح : 12 فبراير 2024).

[5]– Neli Esipova, Julie Ray and Anita Pugliese, “Inside Egypt’s Diaspora: Who Wants to Come Home Again?”, Gallup Blog, 31 Jan 2020 https://urlr.me/7mfvs (accessed 12 Feb 2024).

[7]– International Organization for Migration: Glossary on Migration ,2019.

[8]– Gabriel Sheffer, Diaspora Politics: At Home Abroad (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), pp. 9-10.

[9]William Safran, “Diasporas in modern societies: myths of homeland and return”, Diaspora 1,1 ,1991, p  83-84.

[10]– Rainer Bauböck, “Cold constellations and hot identities: Political theory questions about transnationalism and diaspora” in Diaspora and Transnationalism: Concepts, Theories and Methods, Rainer Bauböck and Thomas Faist eds. (Amsterdam: Amsterdam University Press, 2010), pp 315-316.

[11]– Lea Müller – Funk, Egyptian Diaspora Activism during the Arab Uprisings: Insights from Paris and Vienna (Oxon; NY: Routledge, 2019), p 143.

[12]– Sameh Hasan Elnaggar, “Egyptian Diaspora Explains the Meaning of its Political Engagement in Washington DC.”, Doctoral Thesis, Walden University ,2019. https://urlr.me/Y7FLp (accessed 12 Feb 2024).

[13]– Bosmat Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, Globalizations ,2023,p 3-4.

[14] Alan Gamlen, “The emigration state and the modern geopolitical imagination”, Political Geography 27 (2008),p 834-851.

[15] Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, p4.

[16] Wendell Cleland, The Population Problem in Egypt: A Study of Population Trends and Conditions in Modern Egypt (Pennsylvania: Science Press Printing Company, 1936, p 36.

[17]– شبكة قوانين الشرق، قانون رقــم 111 لسنة 1983، بشأن إصدار قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج، أنظر في: https://urlr.me/vJGRw (تاريخ  التصفح : 12 /02/ 2024).

جمال الدين الشيال، تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي، مؤسسة هنداوي، القاهرة، 2021، ص58.

-[18] خالد فهمي،كل رجال الباشا: محمد علي وبناء مصر الحديثة، (ترجمة شريف يونس)، دار الشروق، القاهرة، 2001، ص 184-185.

[19]– ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي، الارتحال السياسي في مصر: “لو مش عاجبك، روح …”، مركز كارنيجي للشرق الأوسط، مايو 2019 ، أنظر في: https://urlr.me/yHK3M (تاريخ التصفح: 12 /02/ 2024).

-[20] منشورات قانونية، دستور مملكة مصر والسودان 1923 ، أنظر في:

https://urlr.me/V2KYX (تاريخ التصفح : 12 /02/ 2024).

[21] -الوقائع المصرية في 20 نوفمبر سنة 1956 – العدد 93 مكرر (أ)، قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 391 لسنة 1956، خاص بالجنسية المصرية، أنظر في:  www.t.ly/Ja9ph (تاريخ التصفح: 12 /02/ 2024).

[22]– Laurie A. Brand, Citizens Abroad: Emigration and the State in the Middle East and North Africa (Cambridge: Cambridge University Press, 2006, p 6.

[23]– Lea Müller – Funk, op.cit, p69-70.

ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي، الارتحال السياسي في مصر: “لو مش عاجبك، روح …”، مرجع سبق ذكره.

[24]– Michael Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”, The Jerusalem Strategic Tribune, June 2022 https://urlz.fr/syQp (accessed 15 Feb 2024).

ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي،  مرجع سبق ذكره.

[25] – Lea Müller – Funk, op.cit,p70-71.

[26]– دستور جمهورية مصر العربية 1971، منشورات قانونية، أنظر في:  https://urlr.me/c5Myp (تاريخ التصفح : 15 /02/ 2024).

القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، منشورات قانونية، أنظر في:   https://urlr.me/RbpNx (تاريخ التصفح : 15 /02/2024).

Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”.

[27]– Ayman Zohry , Priyanka Debnath, “A Study on the Dynamics of the Egyptian Diaspora: Strengthening Development Linkages”, International Organization for Migration ,2010,p 16.

[28]– ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي، مرجع سبق ذكره.

أسامة الرشيدي، الفريق سعد الدين الشاذلي: شهادات ووثائق، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2023، ص 159-160.

[29] – Lea Müller – Funk, op.cit, p 75.

 ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي، ، مرجع سبق ذكره.

[30]– شبكة قوانين الشرق، قانون رقــم 111 لسنة 1983، بشأن إصدار قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج، أنظر في:  https://urlr.me/JbQk1 (تاريخ التصفح: 15/02 2024).

[31]– المرجع نفسه.

[32]– Lea Müller – Funk, op.cit, p72-73.

Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, p6.

[33]– شبكة قوانين الشرق، قانون رقــم 111 لسنة 1983، بشأن إصدار قانون الهجرة ورعاية المصريين في الخارج، أنظر في:  https://urlz.fr/syQX (تاريخ التصفح : 15 /02/ 2024).

شبكة قوانين الشرق، اللائحة التنفيذية للقانون رقم 11 لسنة 1984، بشأن الهجرة ورعاية المصريين في الخارج، أنظر في:  https://urlz.fr/syQZ (تاريخ التصفح : 15 /02/ 2024).

Işık Kuşçu, “The Egyptian American Diaspora During and in the Aftermath of the Egyptian Revolution of 2011”, Ortadoğu Etütleri 4,1 (2012),p127.

[34]– محمد عبد الهادي علام، خريف الدبلوماسية المصرية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 2010، ص 10-11.

Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, p6.

[35] -Lea Müller – Funk, op.cit,.p77-78.

[36]– Zohry and Debnath, “A Study on the Dynamics of the Egyptian Diaspora”, p28-31.

[37]– Lea Müller – Funk, op.cit, p74.

[38]– Ayman Zohry, “Egypt’s International Migration after the Revolution: Is There Any Change?”, Dans Confluences Méditerranée ,2013, p52.

[39] -Lea Müller – Funk, op.cit, p45.

[40] -Ibid, p79-80.

[41]– خالد عمر عبد الحليم، «الرئاسة» تُعلن إنشاء مجلس استشاري للمصريين بالخارج، المصري اليوم، 21 نوفمبر 2012، أنظر في: https://urlr.me/fGMr9 (تاريخ التصفح: 18 /02/ 2024).

هشام اليماني، مرسي يصدر اليوم قرارا جمهوريا اليوم بتشكيل المجلس الاستشاري للمصريين بالخارج، الأهرام، 30 إبريل ، أنظر في: 2013 ، أنظر في: https://urlr.me/r38yd (تاريخ التصفح: 18 /02/ 2024).

[42]– Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, p7.

[43]– Zohry, “Egypt’s International Migration after the Revolution”, p53.

ميشيل دنّ وعمرو حمزاوي،  مرجع سبق ذكره.

[44] -المرجع نفسه.

[45]– Dana M. Moss, The Arab Spring Abroad: Diaspora Activism against Authoritarian Regimes (Cambridge: Cambridge University Press, 2022), p 33.

[46]– محمد مندور، مصر وطن يعيش فينا…ولا نستطيع العيش فيه: تنظيم وناشطية المصريين من المنفي، معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، 23 مارس 2022،أنظر في : www.t.ly/5Hmsv (تتاريخ التصفح : 18 /02/2024).

[47]-إصدار دستور جمهورية مصر العربية المعدل لسنة 2014، منشورات قانونية، أنظر في: https://urlr.me/cKMZb (تاريخ  التصفح: 18/02/ 2024).

[48] -تعديل قوانين تنظيم مباشرة الحقوق السياسية ومجلس النواب والهيئة الوطنية للانتخابات بالقانون 140 لسنة 2020، منشورات قانونية، أنظر في:  https://urlr.me/wCT9y (تاريخ التصفح: 18 /02/ 2024).

Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, 8-9.

[49]-الموقع الرسمي لـوزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج، أنظر في:   https://urlr.me/gBKpt (تاريخ التصفح: 18 /02/ 2024).

[50]  -Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”.

[51]– الهيئة العامة للاستعلامات، وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج، أنظر في:www.t.ly/mFR_h (تاريخ التصفح: 18 /02/ 2024).

[52]– محمد سامي، “5 رجال و3 سيدات … ننشر أسماء ممثلي المصريين بالخارج في مجلس النواب المقبل”، مصراوي، 18 نوفمبر 2020، أنظر في:  https://urlr.me/JdwF1 (تاريخ التصفح : 20 فبراير 2024).

[53]– الهيئة العامة للاستعلامات، وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج، أنظر في:   www.t.ly/mFR_h(تاريخ التصفح : 20 /02/ 2024).

Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”.

[54]– الهيئة العامة للاستعلامات، وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج www.t.ly/mFR_h  (تاريخ التصفح:  20 فبراير 2024).

[55]– وكالة أنباء الشرق الأوسط، “وزيرة الهجرة لـ(أ ش أ): 2023 شهد المزيد من المكتسبات لأبناء مصر بالخارج وكان خير دليل على رعاية الدولة لهم”، 28 ديسمبر 2023، أنظر في:    https://urlr.me/HjTZF  (تاريخ التصفح : 12 فبراير 2024).

[56]– علي صالح، “وزير الخارجية يكلف السفير نبيل حبشي بالإشراف على قطاع الهجرة وشئون المصريين بالخارج”، صدى البلد، 4 يوليو ، أنظر في:   https://urlr.me/7zwTY (تاريخ التصفح : 24 يوليو 2024).

[57] -وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين في الخارج، “السفير نبيل حبشي: دمج الهجرة في الخارجية يستهدف المزيد من الفعالية لصالح المصريين في الخارج”، 10 يوليو 2024، أنظر في: https://urlr.me/Pjm4J (تاريخ التصفح : 24 يوليو 2024).

[58] CNN عربي، وسط ضجة فيديو “قطع الرقبة” … وزيرة الهجرة المصرية تنفي تهديد المعارضين بالخارج، 24 يوليو 2014، أنظر في: https://urlr.me/GK8hQ (تاريخ التصفح: 20 /02/ 2024).

[59]Egypt 2022 Human Rights Report, U.S. Embassy in Egypt, 12 Apr 2023https://urlr.me/Hgwxk (accessed 20 Feb 2024).

[60]– Nate Schenkkan and Isabel Linzer, “Out of Sight, Not Out of Reach: The Global Scale and Scope of Transnational Repression”, Freedom House, Feb 2021, p 51.

[61] BBC -عربي، “جاسوس مصري” في مكتب المستشارة الألمانية يثير موجة من السخرية… فما الحقيقة؟، 11 يوليو2020، أنظر في: https://urlr.me/dqGMD (تاريخ التصفح: 20 /02/ 2024).

CNN عربي، وزارة العدل الأمريكية: القبض على “عميل” للحكومة المصرية في نيويورك، 7 يناير 2022، أنظر في: https://urlr.me/PnvX4 (تاريخ التصفح: 20 /02/ 2024).

[62]– منال المصري، حصيلة مصر تتجاوز 104 مليارات دولار من 5 مصادر في عام أزمة النقد الأجنبي، مصراوي، 3 مايو 2023، أنظر في: www. t.ly/zrB2 (تاريخ التصفح: 20 /02/ 2024).

[63]– Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”.

[64]– Asmaa Mostafa, “Infograph: Egyptian expats’ remittances to drop 15% in 2023”, Ahram-online, 27 Dec 2023 https://urlr.me/PX5nH (accessed 20 Feb 2024).

[65]– Barak, “The Egyptian Diaspora and El-Sisi’s Use of Soft Power”.

[66]– Zohry and Debnath, “A Study on the Dynamics of the Egyptian Diaspora”, p 17.

[67]– Yefet, “Egypt’s diaspora policy in the post-June 2013 era as a transnational mechanism of regime legitimation”, p 11.

[68]– Asmaa Mostafa, “Infograph: Egyptian expats’ remittances to drop 15% in 2023”, Ahram-online, 27 Dec 2023 https://urlr.me/K2D16 (accessed 20 Feb 2024).

البنك الدولي، “استمرار نمو تحويلات المغتربين في عام 2023 ولكن بوتيرة أبطأ”، 18 ديسمبر 2023، أنظر في:  https://urlr.me/Kwc8h (تاريخ التصفح : 20 /02/ 2024).

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى