دول مجلس التعاون الخليجي والتحول الديمقراطي في العراق بعد 2003

أ. د. جاسم يونس الحريري (بروفيسور العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية صدر العراق، الجامعة الأهلية).
ملخص
يهتم هذا البحث بدراسة دور دول مجلس التعاون الخليجي في تجربة التحول الديمقراطي في العراق بعد2003. وينقسم إلى ثلاثة أقسام الاول يتناول دور دول مجلس التعاون الخليجي في فشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003 والثاني دور دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003، والثالث يركز على تناول انعكاسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي في فشل وانجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003.
وتوصل البحث إلى عدة استنتاجات لعل من أبرزها أهمية دور دول مجلس التعاون الخليجي في انجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003 لأن بقاء العراق بدون دعم اقليمي خليجي سيكون عرضة للتهديدات على أمنه وتأثير ذلك على الأمن الخليجي على حد سواء.
كلمات مفتاحية: الدور السياسي، مجلس التعاون الخليجي، التحول الديمقراطي، العراق، إيران.
تمهيد:
بعد عام2003 أصبح العراق مثار اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت في التحضيرات العسكرية واللوجستية لانطلاق طائرات وصواريخ الغزو الامريكي عليه قبل ذلك التاريخ إذ أنها لم تحسب أنها ستواجه نظام سياسي ديمقراطي اتحادي عراقي تُشكل الانتخابات الدورية عاملًا مهمًا لاختيار ممثلي الشعب كافة وخاصة من أطيافه الدينية والعرقية الرئيسية الثلاثة (السنة، الشيعة، الكورد) ودخول الشيعة بقوة إلى سدة الحكم بعد تهميش لها استمر لعدة سنوات وهذه الحالة أقلقت النظم الخليجية الحاكمة لأنها وفق تقديراتها يمكن أن توثر على الاوضاع الداخلية الخليجية وتحفز الطوائف التي لم تحظى بعناية حكومية خليجية (الشيعة) للسماح لها بالمشاركة في صنع القرار الخليجي والتشكيك في ولائها الوطني لابل تخوينها للارتباط مع الدول الاقليمية (إيران) كمبرر أن تكون دفة الحكم لها فقط لاغير لاسيما أن العوائل الخليجية الحاكمة متناغمة أنها من طائفة واحدة (السنة) التي تماثلت مع الطبقة الحاكمة في العراق قبل2003.
أهمية البحث:
ساد القلق لدى الدول الخليجية من النظام السياسي الديمقراطي في العراق بعد2003 مما جمعها أن تنظر اليه بنوع من الشك والترقب ودراسة الاحتمالات المستقبلية عليها وعلى مستقبل نظمها السياسية لانها أيقنت أن مجتمعاتها يمكن أن تتطلع أن يتكرر السيناريو العراقي عليها من أجل أن تتمتع الطوائف (الشيعة)المحرومة من الحكم بنفس الحقوق السياسية التي تمتعت بها بعض الطوائف العراقية (الشيعة) في الحكم بعد 2003 (مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية).
ومن أجل أستدراك ذلك بدأت من هنا دول مجلس التعاون الخليجي على التدخل في الشأن العراقي سواء بصورة علنية أو سرية من خلال عدة مدخلات منها التدخل في الانتخابات العراقية ومحاولة كسب الشخصيات الميالة لها للتأثير على نتائج الانتخابات العراقية لصالحها،وفتح حدودها(المملكة العربية السعودية)لتسلل الاف الارهابيين إلى العراق للقيام بالعمليات الارهابية داخل الاسواق، واستهداف الجوامع والحسينيات لابل أستهداف المستشفيات والجامعات. والفتاوي التكفيرية التي كانت تصدر من قبل دعاه الوهابية في السعودية ضد شيعة العراق، والدعاء في الحرم المكي على شيعة العراق وغيرها.
إشكاليات البحث:
يحتوي البحث العديد من الاشكاليات المهمة وكما يأتي:
الاشكالية الاولى: أن دول مجلس التعاون الخليجي تدعي أنها نظم ديمقراطية وتوفر للمواطن الخليجي بيئة ديمقراطية ألا أن واقع الحال غير ذلك لان كل النظم الخليجية الستة تحكمها عوائل تتوارث الحكم منذ عشرات السنوات ولاتسمح لاي مواطن خليجي أن يغير توازنات الحكم ويشارك في عملية صنع القرار الا للعوائل والقبائل الحاكمة فقط والانكى من ذلك بروز نشاطها لاستهداف التحول الديمقراطي في العراق بعد2003.
الاشكالية الثانية: تبني الانظمة السياسية الخليجية رسميا سياسة التدخل لاسقاط النظام السياسي العراقي بعد2003ولايقتصر ذلك على الاجهزة الامنية الخليجية الاستخبارية وهذا يتناقض مع تصريحاتها الداعمة للعراق ولنظامه السياسي وللامن القومي العراقي مما سيؤثر على مستقبل العلاقات العراقية-الخليجية.
الاشكالية الثالثة: تصاعد الدعم الخليجي للتنظيمات الارهابية التكفيرية (القاعدة، داعش) إلى إرسال ضباط عسكريين وضباط مخابرات خليجيين (السعودية، قطر) إلى العراق للمشاركة جنبًا إلى جنب مع تلك التنظيمات ضد الحكومة العراقية خلال الأعوام 2014-2017 عند احتلال مدينة الموصل وباقي المناطق العراقية في وسط وغرب العراق لا بل إرسال السيارات والعتاد والسلاح إلى تلك التنظيمات. وتطور الامر إلى تدريب الارهابيين وتسهيل عملية دخولهم إلى العراق من خلال سوريا وتركيا.
فرضية البحث:
بني هذا البحث على فرضية مفادها (ظلت دول مجلس التعاون الخليجي تمارس دورا مزدوجًا في نجاح وفشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003في آن واحد).
منهجية البحث:
استخدم البحث منهجية التحليل النظمي لتحليل ووصف دور دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح وفشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003 إلى جانب قراءة انعكاسات ذلك في فشل ونجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003.
أسئلة البحث:
يطرح البحث ثلاثة أسئلة رئيسية يقوم بالاجابة عليها في أقسامه الثلاثة وهي : ما هو دور دول مجلس التعاون الخليجي في فشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003؟ ما هو دور دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003؟ ما هي انعكاسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح وفشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003؟.
هيكلية البحث:
ينقسم البحث إلى ثلاثة أقسام يتناول الاول دور دول مجلس التعاون الخليجي في فشل التحول الديمقراطي في العراق بعد2003. والثاني، دور دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003.والثالث، انعكاسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي في فشل ونجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003.
المبحث الأول: الدور الخليجي لإفشال التحول الديمقراطي في العراق:
أولاً: التدخل الخليجي في الانتخابات العراقية:
سعت دول مجلس التعاون الخليجي التدخل في الانتخابات العراقية(2005-2010-2014-2018-2021)لتحقيق هدفين الاول دعم وصول بعض الكتل السياسية إلى البرلمان وفي نفس الوقت يدرك النفوذ الخليجي مدى تقاطع تلك الكتل السياسية مع الكتل الاخرى مما سيضفي على الحياة والعلاقات السياسية بين تلك الكتل بنوع من الصراعات وبذلك ستحمل تلك الكتل عوامل تفككها وتجزئتها وحتى تقسيمها لذلك ظهرت عدة انقسامات بين بعض الكتل السياسية العراقية لاسباب عديدة جراء ذلك وليس الامر يقتصر على ذلك فقط بل ان طبيعة هذه الكتل ستكسب الاوساط الشعبية القريبة من تفرعاتها الاثنية والطائفية مما يعطي بعدا تقسيميا وتجزئيا لتحركاتها داخل المشهد السياسي العراقي بصورة كاملة وهو بحد ذاته تحدي كبير للمنظومة المجتمعية والمدنية في العراق إذ أن طبيعة الشبكات الزبائنية ببعديها الاجتماعي والسياسي في العراق ذات علاقة قوية بالدولة (المؤسسات العسكرية والأمنية) من جهة وبالعصبيات التقليدية (العائلية، الجهوية، الاثنية، اللغوية، الدينية)([1]).
إن السبب الجوهري لتدخل دول مجلس التعاون الخليجي في الانتخابات العراقية من اجل ان يكون لها تاثيرا خاصا في تشكيل الخارطة السياسية العراقية ولاتريد ان يشاركها في هذا النفوذ اي من الجهات الاقليمية والدولية الاخرى خشية من (استثمار القنوات والمؤسسات الدولية التي من المفروض فيها ان تخدم التعاون الفعلي والحقيقي القادم على مراعاة مبدا السيادة ومعاييرالعدل والمساواة واحترام حقوق الشعوب وخصوصياتها وهوياتها) ([2]).
أن من نتائج النفوذ السياسي الخليجي في العراق وخاصة التدخل في الانتخابات البرلمانية ابقاء اشكالية الهوية في المشهد السياسي العراقي قائمة لانه ستبرز الانقسامات والتيارات الفكرية المتعددة التي ساهمت في تازيم الانسان العراقي الذي اصبح يعيش حالة أشبه ماتسمى(بضياع الهوية)وماترتب عليه من بروز كتلتين رئيسيتين في الساحة العراقية فئة تثقف نحو اشاعة القيم الاسلامية والاخذ بكل مافي التاريخ الاسلامي وفئة اخرى تدعو إلى النظر في التقدم التي وصلت اليه الدول الغربية ومحاولة معرفة الاسباب التي ادت إلى ذلك والاستفادة منها.ولم يتوقف الامر عند ذلك اذ يمكن ان تبرز فئة ثالثة داخل المشهد السياسي العراقي (تدعو إلى الاخذ بايجابيات مافي الحضارتين الاسلامية والغربية وعدم التخلي عن التراث الاسلامي ومحاولة الانتقاء عند الاخذ من الحضارة الغربية).
وقد يؤدي النفوذ الخليجي إلى بقاء المشهد السياسي العراقي مصاب بالتخلف السياسي الذي يتميز بما ياتي([3]):
أ- التجزئة والانقسام الداخلي :في كثير من الاحيان يسبق الولاء للاسرة أو القبيلة أو الاقليم الولاء للدولة اذ ساهم الاحتلال الامريكي في العراق ومعه دول مجلس التعاون الخليجي في تنضيجها وبلورتها وخاصة في مرحلة حكم الحاكم المدني للاحتلال الامريكي(بول بريمر).
ب- غلبة مظاهر عدم الاستقرار السياسي من حيث تجدد الصراعات السياسية والاختلافات بين الكتل السياسية العراقية بتحريك خفي من قبل دول مجلس التعاون الخليجي.
ج- تمسك الصفوة السياسية بثوابتها الفكرية والايدلوجية والحزبية إلى حد الانغلاق والجمود والتوالد الذاتي على الرغم مما قد يتميز به المجتمع العراقي من قابلية عالية للحراك الاجتماعي في المستويات الدنيا والوسطى بمعنى ان دائرة الاختيار والتجنيد السياسي ضيقة للغاية بل ومغلقة وتبقى الكتل السياسية تعتمد اسلوب الترغيب في الوصول إلى الكابينة النيابية واستمرار طرح الوعود والجوائز والغنائم التي يمكن ان يكسبها المواطن جراء دعمه لهذه الكتلة أو تلك.
ويبدو ان النفوذ الخليجي في العراق يريد ان يكون له دور في العملية السياسية وحتى التدخل التفصيلي في دعم هذه الكتلة أو تلك وهذه الحالة يوصفها الباحثون في العلوم السياسية بحالة (الفساد في الانظمة السياسية المعاصرة) وذلك من خلال الحديث عن كيفية تمويل جمعيات المجتمع المدني والحملات الانتخابية السياسية ومدى ديمقراطية انظمة تسيير الجمعيات والاحزاب السياسية وتسلط زعاماتها ومدى سداد ومصداقية القوائم المفنوحة في الانتخابات والانخفاظ المتزايد في نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات والوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها بنسب مئوية تقل أو لاتكاد تفوق50%في الكثير من الحالات وكلها مؤشرات تنم عن فقدان الثقة بالطبقة السياسية واعادة اشكالية الفساد السياسي في بعده الزبوني كمتسبب في فقدان الثقة([4]).
ثانيًا: تبني صناع القرار الخليجيين بأنفسهم أفشال التحول الديمقراطي في العراق:
مع بداية عام2012 ذكرت مصادر سعودية من عائلة (السديري)المقربة من الاسرة الحاكمة الذين يعتبرون زعماؤها من أخوال الملك السعودي الراحل (فهد بن عبد العزيز) ومازالت تتمتع بنفوذ وثروة في المملكة العربية السعودية (أن الملك عبد الله قرر التصدي بنفسه شخصيًا للشأن العراقي وأنه طلب من الأمير بندر بن سلطان باعتباره أمين عام مجلس الامن الوطني السعودي ومن وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل بذل كل طاقات المملكة لمواجهة إيران في المنطقة واعطاء اولوية خاصة لكل من لبنان والعراق).
وذكرت نفس المصادر(أن الملك عبد الله مستعد لتقديم 250مليار دولار للتصدي لهذا الخطر القادم، وأن السعودية سوف تنجح في استعادة المبادرة في القضية العراقية،وسوف تعمل على أستقطاب مختلف القوى السياسية،وستقوم بتسليح قوى اخرى لتحقيق أنجازات سياسية بقوة السلاح،وسوف تقوم المملكة حتى بأستمالة أطراف تراها مضطهدون من قبل القوى الحكومية الشيعية ،كما ستقوم المملكة وتمويل تدريب عناصر كوردية مناهضة لايران وتقديم دعم استراتيجي لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية وتمويل منظمات انفصالية واصولية في مناطق إيران المختلفة وفي مقدمتها بلوشستان الايرانية).
ان من النتائج المتوخاة من تلك المتبنيات السياسية الخليجية وخاصة السعودية تقسيم المجتمع العراقي إلى عدة ولاءات (وتكريس المفاهيم، والانتماءات الفرعية بدلا من خلق شعور وطني واحد بين العراقيين ومن ثم التمهيد لفرض فيدراليات على اسس عرقية وطائفية تمهيدا لتكوين ثلاثة كانتونات عرقية وطائفية (دولة كوردية في شمال العراق، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب) ويبدو ان هذا التوجه نابع من طبيعة الامبريالية المعولمة التي تسيطر عليها الشركات الاحتكارية المتعددة الجنسيات التي ترى في الطابع الوطني عائقًا أمام امتداد نفوذها وتحجيما لنشاطاتها الامر الذي يدعوها إلى تحجيم هذا وردعه عبر الوسائل المختلفة بما فيها الاحتلال المباشر) ([5]).
ثالثًا: تقسيم المجتمع العراقي إلى عدة ولاءات طائفية وعرقية:
ساهمت دول مجلس التعاون الخليجي على تجزئة المجتمع العراقي إلى عدة اتجاهات طائفية وعرقية حيث برز تطور خطير لاصدار فتاوي تكفيرية من دعاة الوهابية في السعودية حول مايسمى (بالجهاد في العراق) حيث تعطي تلك الفتاوي حكما شرعيا يجوز قتل المدنيين من المواطنيين العراقيين والاجانب الذين قدموا إلى العراق من أجل المساهمة في أعمار منشاته الخدمية. وتناغم مع تلك الفتاوي التكفيرية وجود معسكرات تدريب في بعض الدول الخليجية لتدريب المتشددين تمولها في الخفاء الاجهزة الاستخبارية لتلك الدول لادخالهم خلسة إلى العراق لزعزعة الاستقرار الامني من خلال اثارة العنف الطائفي ومحاولة طوئفة المجتمع العراقي إلى عدة جماعات من اجل الاقتتال فيما بينها عبر استهداف مقدساتهم الدينية([6]).
ويبدو ان هناك بعض التكتيكات الخليجية لتمويل العمليات المسلحة في العراق من خلال استهداف لطائفة معينة واستهداف مقرات اخرى لطائفة اخرى من اجل الاحتراب الداخلي.ويتم التمويل الخليجي للعمليات المسلحة في العراق للقيام بعمليات ارهابية من خلال اعجاب بعض الممولين الخليجيين بنشاطات تلك الجماعات ويدعمون توجهاتها العسكرية من قبل كبار اصحاب الاموال والدخول الكبيرة الخليجيين اذ يظنون ان تمويلهم لما يسمونه (الجهاد في العراق) يزيد من بركة أموالهم وثرواتهم ولذلك يبذخون من أموالهم على العمليات الارهابية المسلحة في العراق!!!.
وتحول الاموال من خلال شبكة أمنية عريضة من شركات وهمية ومؤسسات افتراضية مرتبطة بوكالات لها فروع دولية وشبكة بنوك عالمية واقليمية ومصارف محلية ذات طابع إسلامي ومؤسسات وقفية وصناديق استثمارية ووكالات ادخار المال الخاص ومحلات صرافة متعددة الوظائف وشركات تحويل العملات الاجنبية وكل هذه المؤسسات تقوم بتوفير غطاء محكم لعمليات تمويل سرية ضخمة للعمليات المسلحة في العراق([7]).
رابعًا: تبني بعض دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجية افشال التحول الديمقراطي في العراق خلال عام 2014:
أ-عبرت وسائل الاعلام الخليجية بصورة عامة والسعودية والقطرية بصفة خاصة عن فرحها وغبطتها لتمدد تنظيم داعش الارهابي في العراق وتبشر بسقوط قريب للحكومة العراقية وقيام مايسمى (بدولة الخلافة) في العراق والشام. بل إن وزير الخارجية السعودي انذاك (سعود الفيصل) بشر بحرب اهلية في العراق بقوله (إن الاوضاع الامنية المتردية في العراق توحي بحرب اهلية واسعة سيكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة).
وأفردت صفحات الاعلام الخليجية مساحات فيها للتحريض ما بين المذاهب الاسلامية بعد تسعة أيام من سقوط الموصل وتبشر بحرب أهلية ومذهبية في العراق وهذا الأخطر فيما تردده وسائل الاعلام الخليجية([8]).
ب- عثرت القوات الأمنية العراقية على معدات تابعة لقوات (درع الجزيرة) التابعة لمجلس التعاون الخليجي وهي ممولة بشكل كبير من المملكة العربية السعودية في أماكن تواجد داعش الارهابي في محافظة صلاح الدين([9]).
ج- قبل ستة اشهر من سقوط الموصل بيد داعش الارهابي قالت تقارير اعلامية ان جهاز المخابرات السعودي متورط في الاضطرابات في محافظة الانبار غرب العراق في شهر شباط/ يناير 2014 حين اعترف أحد قادة ذلك التنظيم التكفيري والذي اعتقل من قبل القوات الامنية العراقية ان (جهاز المخابرات السعودي وراء احداث العنف في الانبار)، وأضاف أنه (تسلم مبلغ 150مليون دولار و60عجلة رباعية الدفع للطرق الوعرة،وقد أظهرت هذه العجلات انها كانت مصممة للمملكة العربية السعودية) ([10]).
د- قال عضو ائتلاف دولة القانون النائب في لجنة الامن والدفاع النيابية (إسكندر وتوت) في تصريح رسمي له قبل شهر من سقوط الموصل (إن النظام السعودي هو المؤسس والممول لتنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش). وأضاف (بات هذا واضحًا لدى الجميع من خلال العمليات العسكرية في سوريا والعراق)، وأشار إلى أن (السعودية هي الممول اللوجستي لتنظيم داعش وحتى امريكا اعترفت بدعم السعودية لتلك التنظيمات) ([11]).
هـ -كشفت مصادر عراقية رفيعة المستوى على تورط السعودية في احداث الموصل وقالت المصادر أن (الاجهزة الاستخبارية العراقية تملك معلومات استخباراتية دقيقة واعترافات من قادة داعش اثبتت تورط كلا من السعودية وقطر بهذه العمليات لاثارة الفوضى في العراق تمهيدًا لتقسيمه)، وأضافت المصادر (أن العمليات خطط لها قبل ستة اشهر من سقوط الموصل باشراف مباشر من مسؤولين سعوديين رفيعي المستوى حيث وظفت لهذا المخطط امكانية مالية ولوجستية كبيرة وصلت إلى ثلاثة مليارات دولار) وتابعت (أن الغرض من العمليات هو احداث اضطرابات أمنية كبيرة ومسك أرض بعض المحافظات الشمالية العراقية لايصال رسالة إلى الرأي العام العالمي بضرورة اللجوء إلى إقامة الاقاليم السنية لتسهيل إقامة الامارات التكفيرية فيها وتحويلها إلى أقاليم يحكمها التكفيريون)، وأشارت إلى أن (هناك اجتماعات عقدت في عدد من العواصم العربية وبعض العواصم الاوروبية بين ممثلي عن الدوائر الاستخباراتية السعودية والقطرية مع عدد من قادة داعش) ([12]).
و- أفادت مصادر عراقية مطلعة ان150ضابط مخابرات سعودي دخلوا إلى مدينة الموصل عن طريق محافظة (الحسكة) السورية الحدودية التي سيطر عليها عناصر تنظيم داعش الارهابي. وقالت مصادر إعلامية أن هولاء الضباط يقودهم المقدم (فهد مصباح) دخلوا إلى مدينة الموصل بعد أن كانوا يعملون كعناصر ارتباط وتخطيط مع تنظيم داعش في مدينة الحسكة.
وأضافت المصادر ان صحفيا يعمل مع صحيفة (الوطن)السعودية كان برفقة الضباط عند دخولهم لمدينة الموصل. وكان مصدر أمني في محافظة ذي قار قد كشف في السابع عشر من حزيران/ يونيو2014 عن ورود معلومات استخباراتية تفيد بتسلل مجموعة من الارهابيين عبر الحدود العراقية-السعودية بهدف اقتحام سجن الناصرية المركزي المعروف باسم سجن (الحوت) مبينًا (أن طيران الجيش العراقي بدا بطلعات جوية لحماية محيط السجن فيما أفاد مصدر أمني في محافظة صلاح الدين بأن قوات النخبة العراقية قتلت ضابطًا سعوديًا برتبة عقيد في قوات درع الجزيرة اثناء تواجده في مدينة سامراء) ([13]).
ز- تمكنت الاجهزة الامنية العراقية من احباط مخطط انقلابي لاسقاط الحكومة العراقية واغتيال شخصيات سياسية في المنطقة الخضراء بدعم وتمويل سعودي-قطري.وقال مصدر امني(أن القوات الامنية احبطت مخططا للقيام بانقلاب عسكري داخل المنطقة الخضراء واغتيال شخصيات سياسية وامنية رفيعة من قبل جماعة ارهابية كانت تعمل وتخطط بشكل حثيث لتدبير المحاولة الفاشلة التي تقف خلفها جهات استخباراتية سعودية وقطرية لتصعيد العمليات الارهابية في الاونة الاخيرة) ([14]).
ح-دعا موقع رسمي ل(وزارة الشؤون الاسلامية) السعودية إلى الجهاد،وحث الشباب على ماأسماه على (قتال الشيعة الكفار) والخروج للقتال في أماكن الحرب كما حث الموقع على (دعم المقاتلين بالمال لشراء الاسلحة) ويدعو الموقع في دراسات متعلقة باساليب الخطب إلى (احياء روح الجهاد والقوة في نفوس الامة واشعال جذوة الحماسة لحماية حرمات الاسلام ومقدساته واوطانه وصون دماء المسلمين واعراضهم واموالهم والدفاع عن عقيدة الاسلام وشريعته والعمل لازالة الطواغيت معوقي سير دعوته)، كما يقدم الموقع نماذج من الخطب المختارة التي تحث على التبرع بالمال ليستعين به مايسميهم(المجاهدين) على شراء الاسلحة وان ذلك مقدم على جهاد النفس([15]).
ط – تحدثت صحيفة (تليغراف)البريطانية في السادس من أيلول/سبتمبر2014 عن جماعة داعش الارهابية ومصادر تمويلها من دول الخليج.وأكدت أن الدول التي تمولها قطر والكويت وستكون هي نفسها اكثر المتضررين من خطر هذه الجماعة يوما ما.وقالت الصحيفة البريطانية (أن قطر والكويت تعتبر من الممولين الاساسيين للجماعات في سوريا)، وأشارت إلى (أنه في عام 2013 قامت عدة محطات تلفازية ومواقع اجتماعية في الكويت وقطر بفتح منافذها الاعلامية للجهاديين لطلب الاعانات والتمويل من أجل قواتهم وأسلحتهم)، وأكدت تليغراف (أن أهم الجهات التي تبغى لدعم وتمويل الجهاديين في الكويت هي اتحاد علماء الكويت والذي سعى بجمع التمويل للجهاديين من عدة جهات وامام ذلك الشان حملة الكويت الكبرى التي جمعت مبالغ طائلة ذهبت لصالح داعش).
وقد اعلن (نبيل العوضي) رئيس اتحاد علماء الكويت في حزيران/ يونيو2013 أن (حملة الكويت الكبرى قد نجحت في اعداد 8،700 مجاهد سيتم ارسالهم للجهاد في سوريا وأن الحملة تنوي زيادة العدد إلى 13 ألف مجاهد. وفي نفس العام أنشا اتحاد العلماء حملة تحت اسم تحرير الساحل السوري بغرض دعم مذبحة للقضاء على الصفويين الشيعيين عند ميناء اللاذقية بسوريا) وأضافت الصحيفة البريطانية (أن وزير العدل الكويتي نايف العجمي يتصدر ملصقات الدعاية للتمويل بين صفوف قوات جبهة النصرة التابعة للقاعدة) ([16]).
ي-كشفت مصادر رفيعة عراقية ان الدور القطري في عمليات داعش تعتبر مهمة للغاية حيث انها عملت على استقدام مقاتلين إرهابيين آخرين من عدد من الدول العربية أهمها دول المغرب العربي وقامت بتدريبهم أيضا في معسكرات خاصة في إحدى الدول العربية وإرسالهم إلى تركيا ومن ثم ادخالهم إلى العراق وسوريا([17]).
ك- انتشر كتاب السفارة القطرية في طرابلس/ ليبيا معنون إلى مدير ادارة الشؤون العربية/ وزارة الخارجية القطرية في عام 2012 حول تجهيز متطوعين للقتال في العراق. حيث تؤكد السفارة انه (تم تجهيز 1800متطوع من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا للقتال في العراق بعد انتهاء تدريباتهم في معسكرات ليبية وتقترح السفارة إرسالهم على ثلاث دفعات عبر الموانىء الليبية إلى تركيا ومن ثم الدخول إلى العراق) ([18]).
ل-بدـت دول مجلس التعاون الخليجي تشجيع القيادات والفواعل السنية بشكل مباشر وتتدخل بمسار العملية السياسية وتدعي لعقد مؤتمر برعايتها للقيادات السياسية السنية ومنها ماهو مطلوب للقضاء العراقي وتنحى هذه القوى مسارا معاديا للعملية السياسية برمتها.
وأكد مسؤولون التقتهم صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أنهم يعتقدون بأن الدعم المالي السعودي المباشر للعشائر السنية قد تزايد بعد أن فقدت السعودية الثقة بالحكومات العراقية منذ عام2007 ومابعدها وشعرت بانها يجب ان تسند المجموعات السنية في ظل احتمال توسيع الحرب الاهلية.
وكشف (ادوارد جنيهام) أحد السفراء الامريكيين السابقين والذي يحتفظ بعلاقات وثيقة مع مسؤولين في الشرق الاوسط وهو تحديدا السفير السابق الذي عمل في الكويت (أن هناك من أخبره أن السعودية قد ضغطت على الاعضاء الاخرين في مجلس التعاون الخليجي لتقديم دعم مالي للسنة في العراق)([19]).
ك-كشف قيادي في اتحاد القوى الوطنية في18تموز/ يوليو2017 أن خمس دول اقليمية خصصت مبلغ140مليار دولار تمنح لبغداد في اربعة اعوام لاعمار المناطق المحررة مقابل زج 25شخصية سنية منهم شخصيات مطلوبة للقضاء في العملية السياسية العراقية والدول هي السعودية تركيا والامارات وقطر والبحرين.
بدوره أكد النائب عن التحالف الوطني (جاسم محمد جعفر) أن (المملكة العربية السعودية خصصت مبلغا مقداره 500مليون دولار مقابل فرض شروط على الحكومة العراقية لاعادة بعض الشخصيات إلى العملية السياسية لافتا النظر إلى أن الحكومة لم تتسلم ذلك المبلغ)، وأشار إلى أن (تقاطعات دول الخليج جعل البعض منهم يضغط على العراق لزيادة نفوذه من خلال دعم شخصيات مرتبطة بهم سياسية).
وعرض وزير الخارجية السعودي(عادل الجبير) خلال احدى زياراته عام2017 إلى العراق صفقة مقابل تطبيع العلاقة مع بغداد حيث عرض الجبير على الحكومة العراقية انذاك قائمة مطالب حملها من العاهل السعودي تركزت على عدة نقاط منها (مراعاة التوازن في مؤسسات الدولة ومنح الحقوق الكاملة للمكون السني وطرح مشروع مارشال سعودي لاعمار المحافظات السنية حصرا بالاضافة إلى حزام بغداد الغربي) لكن العرض السعودي اصطدم بتحفظ عراقي([20]).
ل-لا يخفى على أحد خشية دول مجلس التعاون الخليجي من نجاح التجربة الديمقراطية في العراق والخوف من محاولة تطبيقها في تلك الدول، لأن ثورات الربيع العربي الممتدة من تونس إلى اليمن قد شجعت شعوب هذه الدول للمطالبة بالاصلاحات السياسية، والديمقراطية كما حصل في مملكة البحرين في انتفاضة 14فبراير2011([21]) وشرق السعودية ولكي يتم التخلص من هذا النموذج المزعج لدول مجلس التعاون الخليجي عملت تلك الدول على نشر الفوضى في العراق ومحاولة تقسيمه لكي توهم شعوبها ان مصيرهم سيكون مثل العراق ان حاولوا المطالبة بالاصلاحات([22]).
م-تحاول دول مجلس التعاون الخليجي أن تسخر الملف السني في العراق لخدمة مصالحها وأجنداتها في العراق من خلال الخطوات التالية([23]):
(1) جمع نخب أهل السنة:
حاولت دول مجلس التعاون الخليجي جمع النخب السنية من خلال عقد عدة مؤتمرات تخصصية لجمع أكبر قدر من تلك النخب التي تمتلك أختصاصات متنوعة في التعليم ، والاعلام، والسياسة، والاقتصاد وغيرها وتشكل من خلالهم مؤسسات رصينة تدعمها بقوة لتكون وسائل ضغط وتاثير في المشهد العراقي.
(2) زيادة الاحزاب السياسية السنية:
عملت دول مجلس التعاون الخليجي من خلال مؤتمرات متعددة لجمع الأحزاب السنية المشاركة في العملية السياسية، والمعارضة، والهيئات، والمؤسسات ذات الصلة، لتوحيد الرؤى والاتفاق على الاهداف المصيرية المشتركة والضغط باتجاه تشكيل كتلة سياسية ضاغطة بقوة على المشهد السياسي العام وتقبل بالجميع ولاتنحاز لطرف على طرف بل عليها أن تبحث عن صاحب الاثر على الارض ومن يملك الجمهور والقرار وستصبح له ولغيره مقومات تؤسس عملا يصب في نفع اهل السنة وهذا تفريق واضح للمجتمع العراقي من خلال الاحتراب الحزبي.
المبحث الثاني: دور دول مجلس التعاون الخليجي في نجاح التحول الديمقراطي في العراق بعد2003
تدرك النخب الخليجية امكانية تطور العلاقات العراقية-الخليجية بعد تحرير مدينة الموصل والمناطق الغربية من الاراضي العراقية عام2017 خاصة بعد دخول دول مجلس التعاون الخليجي التحالف الدولي للقضاء على ذلك التنظيم الارهابي التي بدا يهدد كياناتها السياسية وامنها الداخلي اذ يقول الدكتور(عبد الرحيم محجوب)استاذ سعودي بجامعة ام القرى بمكة(يعتبر دخول السعودية إلى التحالف مع العراق ضد داعش مما اربكه وجعله يرتعد من ان نهايته باتت قريبة لان داعش لايخشى الولايات المتحدة الامريكية فهو يدرك حقيقة الولايات المتحدة البراغماتية وانها لاتستهدفه بشكل مباشر وسريع حتى تضمن تحقيق اجنداتها في المنطقة على المدى الطويل).ويكشف الباحث السعودي سبب دخول بلاده إلى التحالف الدولي ضد داعش خاصة بعد تعرضها لتهديدات حقيقية من تنظيم داعش وتعرضها لهجمات نوعية داخل البلاد اذ يقول(بدأت داعش بارسال رسائل للسعودية بداتها بتنفيذ مجزرة الدالوة في المنطقة الشرقية حيث استهدفت حسينية لتاجيج الصراع بين المكونين السني والشيعي.
الرسالة الاخرى عندما اطلقت ثلاثة قذائف في منطقة عرعر الحدودية حيث ياتي الهجوم على مركز سويف الحدودي التابع لجديدة عرعر في منطقة الحدود الشمالية المنطلقة من منطقة الانبار التي يتواجد فيها داعش خشية ان تفتح السعودية جبهة بعد عودة التقارب لمحاصرة داعش قتل في تلك الهجمات الارهابية اربعة ارهابيين وثلاثة رجال امن احدهم العميد عودة البلوي قائد منطقة الحدود الشمالية في حرس الحدود) ([24]).
ويضيف محبوب بالقول(تدرك داعش ان التعاون الاقليمي بين العراق والسعودية سيقضي بشكل سريع عليها بدلا من تسويف الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في المنطقة ويمثل الهجوم على الحدود السعودية من داعش بمثابة احتضار للتنظيم ويمثل بداية النهاية لهذا التنظيم الذي تهدد به الولايات المتحدة المنطقة ومن خلاله عادت قواتها إلى العراق والى المنطقة) ([25]).
وتجمع اغلب التحليلات على حقيقة مهمة مفادها ان دول مجلس التعاون الخليجي لابد عليها ان تقدم الدعم للعراق وتسانده لانها تؤمن ان امنها يظل معرضا للتاثر باي تقدم يمكن ان يحققه تنظيم داعش الارهابي سواء من خلال سيطرته المحتملة على العاصمة بغداد عبر هجمات متكررة ومتقطعة لاحداث الفوضى في امن العاصمة العراقية وتهديد وترويع السكان جراء ذلك أو من خلال تجديده الصراع السني-الشيعي في المحافظات الشيعية وامتداد تاثيراته إلى الدول المجاورة خاصة التي تعاني من توتر في العلاقات بين النخب السنية الحاكمة والاقليات الشيعية([26]).
وظهرت في الساحة الخليجية عدة مؤشرات ايجابية لدعم التحول الديمقراطي في العراق وكما ياتي:
1.دعا الباحث والخبير الاستراتيجي البحريني(عبد الجليل زيد المرهون)الى مد جسور العلاقات العسكرية بين دول مجلس التعاون الخليجي والعراق حيث يقول(ارى ان هناك امكانية لتعاون دفاعي بين دول الخليج والعراق وهناك ضرورة لجلوس خبراء من الجانبين لبحث تفاصيل هذا التعاون الذي يمكن ان يشمل انواع عديدة وقد تكون البداية بحث التعاون اللوجستي العام)، وأضاف: (إن التحرك في هذا الاتجاه من شأنه ان يشكل محفزا لتعزيز وتنمية التعاون في قطاعات اخرى والامن قضية وجودية لكل الدول والامم ولهذا فهو يمثل اولوية بالنسبة لها واذا نجحت دول الخليج العربية والعراق في تشييد تعاون أمني فانها ستكون قد خطت خطوة كبيرة في مساراعادة اطلاق علاقاتها الثنائية والمتعددة وسيكون ذلك تطورا تاريخيا يحسب لعموم هذه المنطقة) ([27]).
2. تحاول دول مجلس التعاون الخليجي تحجيم علاقات العراق مع جيرانه منها إيران وضمه إلى ماتسميه تلك الدول(تحالف عربي سني) مدعوم من الولايات المتحدة الامريكية التي ترى في العراق مجالا حيويا إلى سياسة واضحة الملامح تجاهه وبدا مع زيارة وزير الخارجية السعودي (عادل الجبير) بغداد في25شباط/ فبراير2017 وإعلانه أن (السعودية والعراق يواجهان آفة الارهاب وأن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع العراقيين)، وهو خطاب جديد يشير إلى عزم الرياض على تذليل العقبات أمام تطوير علاقاتها مع بغداد التي انتكست بابعاد السفير السعودي (ثامر السبهان) في 28 آب/ اغسطس2016 بعد تصريحه الاستفزازي من (أن تدخل ايراني إلى العراق) وعن (تنظيمات شيعية مسلحة المدعومة من جانب إيران تذكي التوترات مع السنة) ثم انتعشت آمال زيارة الجبيرالى بغداد في جني ثمار إبعادها عن طهران في لقاء رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالرئيس الامريكي دونالد ترامب في20اذار/ مارس2017 والتي مثلت اختبارا لمدى قدرته على انتهاج سياسة عراقية بعيدة عن ايران.
ومن أبرز حلقات المسعى الخليجي لضم العراق إلى العمق العربي هي القمة العربية-الاسلامية –الامريكية التي جمعت 55 من قادة الدول العربية – الإسلامية في الرياض بالمملكة العربية السعودية في21 أيار/ مايو2017 بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي دعى اليها العراق وقد استجاب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية العراقي للدعوة فيما تبدو مشاركة العراق في مناورات (الأسد المتاهب) العسكرية التي انطلقت في الأردن في27 أيار/ مايو2017 بمشاركة أكثر من 7 آلاف عسكري من أكثر من 20 دولة مكملة لسياق جذب العراق نحو القطب العربي السني([28]).
المبحث الثالث: انعكاسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي على التحول الديمقراطي في العراق بعد2003
يتفق أغلب المراقبين الخليجيين أن أنعكاسات دعم دول مجلس التعاون الخليجي للتحول الديمقراطي في العراق سيكون الخيار الافضل لتلك الدول من أفشال هذا التحول وسيفرز انعكاسات أيجابية على مجمل العلاقات العراقية-الخليجية في المستقبل المنظور بفعل المرتكزات التالية:
أولاً: يُشكل العراق عمقًا استراتيجيًا وأمنيًا وسياسيًا لدول مجلس التعاون الخليجي:
يؤكد المحلل العماني(عوض باقوير)أن الحديث عن التعاون بين دول مجلس التعاون والعراق يعد تطوراً مهماً؛ باعتبار العراق، بكل مقوماته الجيوسياسية، يشكل عمقاً أمنياً وسياسياً لأمن المنطقة. وقال باقوير، (إن هذا التعاون بين العراق ودول الخليج ممكن،في ظل وجود حدود برية مع السعودية والكويت، وأيضاً من خلال التقارب القبلي بينه وبين هاتين الدولتين). وفي ضوء ذلك، يضيف باقوير، ف(إن العراق بظروفه الأمنية والاقتصادية بحاجة إلى الأشقاء الخليجيين، رغم التحديات الأمنية والإرهاب المتمثل في تنظيم الدولة، فضلاً عن الإشكالات الطائفية التي أضرت به كثيراً منذ 2003).
ويؤكد المحلل العماني (أن العراق حالياً بحاجة للتعاون مع محيطه العربي في كل المجالات)، مشيراً إلى أنه ورغم كل التحديات السالفة، فإن تصريحات المسؤولين في مجلس التعاون تجاه العراق تعد خطوة بالاتجاه الصحيح.وأشار إلى أهمية هذا التعاون،خاصة على الصعيدين الأمني والاقتصادي؛ إذ من الضروري (انتشال العراق من مشكلاته، وإيجاد حزمة من الاستثمارات على ضفتَي الخليج بين العراق بإمكاناته البشرية والاقتصادية الكبيرة ودول مجلس التعاون التي حققت خلال نصف قرن، تنميةً وتحديثاً كبيراً في كل المجالات).وخلص باقوير إلى أن (خطة التعاون الخليجي-العراقي خطوة استراتيجية تدخل في إطار الحفاظ على الأمن القومي العربي في صورته الكلية) ([29]).
ثانيًا: بناء العلاقات العراقية-الخليجية وفق اسس ومرتكزات المصلحة والتعاون:
هناك امكانية التحول بالعلاقات العراقية –الخليجية من صيغ الاحتواء واللجوء إلى العزل والتعامل السلبي لدرء المخاطر التي تولدها البيئة العراقية، إلى أطر جديدة من التعامل على وفق أسس ومرتكزات المصلحة والتعاون.
وإذا ما طرحنا إطارا عامًا لتطوير العلاقات العراقية – الخليجية في بعدها المستقبلي، يُمكن القول إن هناك خطوط عريضة وخطة ترمي إلى بناء علاقات رصينة اساسها المصالح، وبالنسبة للعراق، فان صياغة الحوار المؤسسي وصولا لأنهاء الخلافات وتحقيق الامن والتعاون الخليجي واحتواء العراق كطرف مهم وحيوي في المنطقة بات يظهر جليا ، ولابد ان تدرك الدول الخليجية تحديدا ان لها دور ومسؤولية في استقرار العراق وامنه بحكم الجوار الجغرافي والصلات التاريخية والحضارية والاجتماعية وادراك ان ضعف العراق بمثابة تهديد لها.
ومن هنا يسعى العراق في المرحلة الراهنة وامتدادتها المستقبلية المنظورة إلى طمأنة مخاوف المحيط الاقليمي من خطورة استمرار حالة العنف والاضطراب الامني والسياسي ودعوة دول الاقليم إلى دعم اقامة حكومة عراقية منفتحة اقليما وتصفير المشاكل والاندماج في تفاعلات المنطقة عبر آلية التوازن وعدم الانحياز ولغرض ايجاد علاقات متطورة في اطار اتجاهات مستقبلية في سياسة العراق الاقليمية ، ومن جانب اخر ينبغي على العراق ان يعمل على اعادة بناء الثقة مع دول الجوار والدول الاقليمية الاخرى، من خلال تواصل عقد لقاءات مشتركة على كافة المستويات والصعد سياسيا واقتصادياً وامنياً، كما من المسلمات ان يسعى العراق في المرحلة المقبلة إلى حلحلة المشكلات القائمة مع جيرانه من خلال المبادرة بتطوير العلاقات ووضع حد للخلافات عبر رؤية جديدة وقراءة متمعنة لمتطلبات المرحلة الجديدة.
لذا ستكون اتجاهات السياسة العراقية في بعدها الاقليمي مبنية على تعميق وتعزيز الاتصالات مع عمقه العربي في مجالات التعاون الامني والاستخباري، ولاسيما مع الدول العربية المجاورة من خلال عقد اتفاقيات امنية مشتركة مما يضمن تحقيق الاستقرار الامني للعراق والبلدان المجاورة في تصديها للارهاب([30]).
ثالثًا: استمرار بقاء العراق عامل مهم في معادلة التوازن الدولي في المنطقة:
يتطلب من دول مجلس التعاون الخليجي إدراك أن العراق يشكل محور جيوسياسي مهم وفعال على الصعيد العربي والإسلامي والإقليمي ويلقي بظلاله على معادلة التوازن الدولي وتوازن المصالح ويشكل همزة الوصل السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية بين أوروبا والخليج العربي، وهو حجر الزاوية في الجسد العربي ويفترض من دول المجلس أن تتعامل مع الملف العراقي وفق تلك الحقائق والمعطيات.
وإستناداً إلى هذا الثقل الإستراتيجي الذي يحتله العراق فإن الحاجة إلى خلق توافق عراقي -خليجي حول متطلبات وشروط الأمن الإقليمي تبدو حاجة ملحة وضرورية. غير أن ذلك التوافق قد لا يقود إلى نوع من التحالفات أو عقد معاهدة للأمن الجماعي، نظراً لظروف المنطقة وخصوصية بنيتها السياسية، لذلك فإن النظرة الأكثر واقعية هي باتجاه خلق قواسم مشتركة بين الأطراف كافة بحيث تقود إلى بناء علاقات تقوم على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وصولاً إلى دمج العراق في محيطه والقبول به كطرف في معادلات الأمن والتعاون الخليجي مستقبلاً([31]).
خاتمة واستنتاجات
بعد الانتهاء من اعداد بحثنا المتواضع تبين لنا أهمية دعم دول مجلس التعاون الخليجي التحول الديمقراطي في العراق بعد2003 لان تركه بدون هذا الدعم سيكون في مهب الاجندات الاقليمية والدولية مما سيؤثر على الامن الخليجي خصوصا والامن الاقليمي عموما. ان نجاح العراق في لم شمل إيران والمملكة العربية السعودية تحت طائلة المفاوضات وولادة أتفاق ثنائي بين البلدين في 10اذار/مارس2023ادى تطبيع العلاقات بينهم يعطي الدليل القاطع لاهمية الدعم الخليجي لنجاح النظام السياسي العراقي والتي ستكون من ابرز نتائجه لم شمل دول المنطقة على مائدة المفاوضات مما قلل من التمذهب الطائفي بين تلك الدولتين وولادة حالة من التوافق المذهبي مما سيخلق أسس للتعايش السلمي والابتعاد عن الصراعات والمنافسات لا بل التفكير في صيغة الاندماج في محاور إقليمية لمواجهة التحديات المشتركة والمحافظة على الأمن والسلم الدوليين.
____________
تنويه: الآراء المنشورة تُعبر عن وجهة نظر أصحابها فقط، ولا تُعبر عن وجهة نظر المركز، ولا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية تجاه مختلف القضايا والملفات.
[1] فضيل دليو، الزبائنية السياسية والاجتماعية في عصر الديمقراطية، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد17، (بيروت، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، شتاء 2008)، ص171.
[2] عبد النبي يورزيكي،هل التعاون الدولي حقيقة أم مجرد (يوتوبيا)؟،المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد28،(بيروت،الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، خريف2010)،ص112.كذلك أنظر: د.جاسم يونس الحريري،أشكالية النفوذ الخليجي في المنطقة العربية بعد الانسحاب الامريكي من العراق والربيع العربي2011،(عمان،دار الجنان للنشر والتوزيع،2013)،ص26.
[3] حسن حمدان العليكم، التحديات التي تواجه الوطن العربي في القرن الحادي والعشرين :دراسة أستشرافية،المجلة العربية للعلوم السياسية ، العدد19، (بيروت،الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية،صيف2008)،ص82-38-96.
[4] فضيل دليو،الزبائنية السياسية والاجتماعية في عصر الديمقراطية، مصدر سبق ذكره، ص171.
[5] رشيد عمارة ياس الزيدي، أزمة الهوية في ظل الاحتلال، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد14، (بيروت، الجمعية العربية للعلوم السياسية بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، ربيع2007)،ص24.
[6] أسعد راشد، خطر النظام السعودي على العراق، وكالة الانباء العراقية، 1/2/2010.
[7] مليونا ريال سعودي يوميا تتدفق على العراق لتمويل الارهاب، وكالة رويتر،2008،ص2.
[8] شاكر كسرائي، دعم خليجي لداعش لاسقاط الحكومة العراقية، قناة العالم الفضائية، 19/6/2014، ورد على الموقع التالي: https://www.alalam.ir/news/1604071/
[9] العثور على معدات تابعة لدرع الجزيرة الخليجي في أوكار داعش بصلاح الدين، وكالة تسنيم الدولية للانباء الايرانية، 15/6/2014، ورد على الموقع التالي: https://www.tasnimnews.com/ar/news/2014/06/15/401749-
[10] سجاد عبد الامير،جهاز مخابرات السعودية متورط في أحداث الانبار، موقع عراق القانون، 12/1/2014، ورد على الموقع التالي: www.qanon.net.12/1/2014
[11] سجاد عبد الامير، دولة القانون :السعودية هي المؤسس و الممول لتنظيم داعش،موقع عراق القانون،8/5/2014، ورد على الموقع التالي:/8/5/2014 www.qanon.net
[12] ملك السعودية اجتمع بقادة داعش لتنفيذ مخطط احتلال سامراء والموصل،موقع عراق القانون، 10/6/2014، ورد على الموقع التالي: /10/6/2014www.qanon.net
[13] دخول 150ضابط مخابرات سعوديا الى الموصل وسورية، صحيفة النهار العراقية، العدد595، 17/6/2014،ص1.نقلا عن أ.م.د.جاسم يونس الحريري،الدور الخليجي في العراق:دراسة حالة أحداث الموصل2014،(عمان،دار الجنان للنشر والتوزيع، 2016)، ص68.
[14] القوات الامنية تحبط مخططا انقلابيا سعوديا قطريا داخل المنطقة الخضراء،صحيفة النهار العراقية،العدد618، 23/7/2014،ص2.
[15] موقع لوزارة سعودية يدعو الى الجهاد وحث الشباب على قتال (الشيعة الكفار)والتبرع بالمال للجماعات الارهابية،صحيفة النهار العراقية، العدد662، 13/10/2014، ص1.
[16] تليغراف:الكويت قطر يدعمان داعش لمواجهة التوسع الشيعي ،موقع مصر العربية، 6سبتمبر2014، ورد على الموقع التالي: www.masralarabia.com
[17] مصادر: ملك السعودية اجتمع بقادة داعش لتنفيذ مخطط احتلال سامراء والموصل ، مصدر سبق ذكره.
[18] أ.د.جاسم يونس الحريري، مستقبل النفوذ الخليجي في العراق بعد تحرير الموصل 2017-2027،(عمان، دار الجنان للنشر والتوزيع، 2019)،ص88-89.
[19] أحمد عدنان الميالي،سعودة العراق،مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ، 3/8/2017،ورد على الموقع التالي:www.mcsr.net/news174كذلك أنظر: صحف أمريكية :السعودية تضغط على دول الخليج لدعم السنة العراقيين ضد الشيعة،(واشنطن،معهد الامام الشيرازي الدولي للدراسات ، 29/7/2007)، ورد على الموقع التالي: www.siironline.org/alabwab/tagharer/20ehsat(25)/282.htm
[20] منحة خليجية ضخمة مقابل زج شخصيات سنية معارضة بالعملية السياسية،موقع الجورنال ، 18يوليو2017، ورد على الموقع التالي: www.aljournal.com
[21] لمزيد من المعلومات حول أنتفاضة فبراير2011في مملكة البحرين أنظر:أ.د.جاسم يونس الحريري، أنتفاضة14فبراير2011 في البحرين:الاسباب-الانعكاسات-المستقبل،(عمان،دار الجنان للنشر والتوزيع،2021)،ص15.
[22] حمد جاسم محمد،الاقليم السني في العراق حاجة امريكية تركية خليجية،شبكة النبا المعلوماتية ،14/5/2015،ورد على الموقع التالي: https://www.annabaa.org/arabic/authorsarticles/2111
[23] محمد النعمة، ماذا يريد سنة العراق من السعودية والخليج؟،(تركيا ،المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية،30/9/2017)، ورد على الموقع التالي: www.cipss-eg.org
[24] د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب، داعش ترتعد من عودة العلاقات السعودية-العراقية ، شبكة ميدل ايست أونلاين، ورد على الموقع التالي: Middle-east-online.com/?id=791682
[25] المصدر نفسه.
[26] د. إيمان رجب، تأثير الحرب ضد داعش على سياسات الخليج تجاه العراق، (القاهرة، المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية، 16/6/2014)، الموقع التالي: www.rcssmideast.org/Article/2261
[27] عبد الجليل زيد المرهون، العراق ورابطته الخليجية، موقع الجزيرة. نت، 25/9/2016،ورد على الموقع االتالي: https://www.aljazeera.net/opinions/2016/9/25/
[28] عدنان ابو زيد،هل ينجح التحالف العربي في أبعاد العراق عن النفوذ الايراني، موقع قناة N.R.T الفضائية ،24/5/2017، ورد على الموقع التالي: www.nrttv.com/Ar/birura-detauls.aspx?jimare=6104
[29] أشرف كمال، التعاون الخليجي العراقي..هدف استراتيجي يواجه تحديات كبيرة، موقع الخليج أونلاين،1/2/2021،ورد على الموقع التالي: https://alkhaleejonline.net/
[30] دراسة في مستقبل علاقات العراق الخارجية،المجلس الاستشاري العراقي، 26/2/2022، ورد على الموقع التالي: https://iraqadvisorycouncil.org/all-detail?Jimara=1915
[31] د.سليم كاطع علي،العراق ومجلس التعاون الخليجي:نحو أستراتيجية مستقبلية،صحيفة البلاغ، 23/10/2017، ورد على الموقع التالي: https://mail.balagh.com/article/
للإطلاع علي الورقة كاملة وتحميلها عبـــر الرابـــط