الشراكة الأورومتوسطية : ثلاثة عقود من التجارب والانتصارات
نشر معهد “ISTTUTO PER GLI STUDI POLITICA INTERNAZIONALE“، تحليلا شاملاً حول الشراكة الأورومتوسطية بعد ثلاثة عقود من التجارب، مسلطاً الضوء على أهم الأفكار والتحديات التي واجهتها هذه الشراكة. أشار التحليل إلى أنه بالرغم من النوايا الحسنة والترويج للقيم والاستراتيجيات المشتركة، فقد كانت السياسة الأورومتوسطية تعطي الأولوية دائمًا لمعالجة القضايا الطارئة المرتبطة بحماية المصالح الاقتصادية والجيوستراتيجية للضفة الشمالية على حساب الضفة الجنوبية.
1-الحوار الأوروبي العربي وبداية الشراكة :
بدأت الشراكة الأورومتوسطية مع الحوار الأوروبي العربي الذي تأسس في عام 1974، وكان يهدف إلى تعزيز التعاون بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية والدول العربية. ورغم التحديات التي واجهتها، مثل الحروب والإرهاب، فقد نجحت في الاستمرار إلى غاية غزو الكويت والحرب الخليجية الأولى. في التسعينيات، ومع عملية أوسلو، روجت الجماعة الاقتصادية الأوروبية لسياسة متوسطية جديدة تُرجمت إلى عملية برشلونة عام 1995، بهدف تعزيز “الاستقرار والازدهار” في حوض البحر الأبيض المتوسط.
في الواقع تحولت الحاجة الملحة في تلك المرحلة إلى الحاجة للمساعدة وتعزيز عملية السلام، وضمان ارساء “الاستقرار والازدهار” في جميع أنحاء حوض البحر الأبيض المتوسط، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأوروبيين أنفسهم. كان السلام والتنمية على الشاطئ الجنوبي ضروريين، إن لم يكن لا غنى عنهما ،لتحقيق التوازن الاقتصادي السياسي للشمال، ولذلك كان من الضروري “دمج ” الاتحاد المغاربي و/أو الدول المغاربية الفردية بربطها بالاتحاد الأوروبي الناشئ.
في البداية، كان المفهوم الجديد المقترح هو “الشراكة الأوروبية المغاربية”، أي الانتقال من منطق التعاون الإنمائي إلى منطق التعاون بين طرفين متساويين. مع الشراكة الأوروبية المتوسطية التي تمت المصادقة عليها في المجلس الأوروبي في عام 1994، ثم بشكل نهائي مع إعلان برشلونة عام 1995، وسع الاتحاد الأوروبي الناشئ هذا النهج المتجدد ليشمل جميع دول الشاطئ الجنوبي .
2-التحديات الأمنية والاقتصادية:
أثر الإرهاب والأزمات الاقتصادية على الشراكة الأورومتوسطية، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبحت الاحتياجات الأمنية تتصدر الأجندة، مما أثر على العلاقات الاقتصادية والاجتماعية. تبنت بروكسل في ديسمبر 2003 استراتيجية أمنية أوروبية سلطت الضوء على العلاقة بين الإرهاب العالمي والتطرف الديني في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
3-سياسة الجوار الأوروبية:
مع التوسع شرقًا في عام 2004، تأسست سياسة الجوار الأوروبية التي سعت إلى تحقيق الازدهار والاستقرار والأمن من خلال التعاون مع جيران أوسع بنهج ثنائي، مقدمًا حوافز للدول التي تتبنى قيم الاتحاد الأوروبي.
4-المركزية الدائمة لقضية الهجرة:
ظلت قضية الهجرة محورًا رئيسيًا في العلاقة الأورومتوسطية، حيث كان التعاون الاقتصادي والأمني يهدف إلى الحد من تدفقات الهجرة من شمال إفريقيا إلى أوروبا. ومع الربيع العربي وأزمة الهجرة 2015-2017، أصبح تنظيم تدفقات المهاجرين أولوية للاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى مراجعة سياسة الجوار الأوروبية. في هذه المرحلة تم مراجعة سياسة الجوار الأوروبية بالتركيز بشكل أكبر على الاستقرار الاقتصادي، الأمني وقضية الهجرة، أي تفضيل قضايا أكثر واقعية وأقل غموضًا، ليتم إدارتها من خلال اتفاقيات ثنائية متخصصة (أولويات الشراكة، أجندات الشراكة أو ما يعادلها).
5-التحديات الحالية ومستقبل الشراكة:
في عام 2021، تم اعتماد أجندة جديدة للمتوسط تحت إطار سياسة الجوار الأوروبية، بالتركيز على تعزيز قيم الفصل بين السلطات، سيادة القانون، الالتزام بالحقوق الانسان، المساواة، والحكم الرشيد. يستمر الاتحاد الأوروبي في تمويل مشاريع التعاون بملايين اليورو في مجالات متنوعة من التنمية البشرية والحكم الرشيد، التحول الرقمي، التحول الأخضر، الطاقة والبيئة.
من أجل الحد من الظاهرة الهجرة من شمال افريقيا وضمان قدرة الدول في المنطقة نفسها على منع المهاجرين الأفارقة من عبور البحر بحثًا عن حياة أفضل في أوروبا، يخوض الاتحاد الأوروبي مرة أخرى محادثات مع الأنظمة الاستبدادية المشابهة جداً لأنظمة ما قبل عام2011 ، مما أدى إلى الفشل في التغلب على معضلة التعاون مع مثل هذه الأنظمة لتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة.
يخلص التحليل إلى أن الاتحاد الأوروبي قد فقد مصداقيته بين سكان شمال افريقيا. نتيجة الصعوبات والترددات على مدى ثلاثين عاماً. لم يعد يُنظر إليه كمثال يُحتذى به، أو محرك يُستمد منه الطاقة، أو نموذج في مجال تأكيد سيادة القانون والتنمية الاقتصادية للجميع. بل ينظر إليه كقلعة مغلقة تعمل وفق مصالحها الخاصة، وتتعاون مع حكومات لا تحترم حقوق الإنسان، مما يعكس تعقيد العلاقة الأورو متوسطية.
المصدر: https://urlr.me/LgnZ5