سياسية

حماية البيئة في منطقة المتوسط في إطار نظام برشلونة: الواقع والتحديات

د. نعيمة بن دومية

متحصلة على شهادة الدكتوراه ، قسم العلوم السياسية، تخصص دراسات أورومتوسطية، بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف- الجزائر.

ملخص:

الكلمات المفتاحية:  منطقة المتوسط، نظام برشلونة، حماية البيئة ، الواقع، التحديات.

مقدمــــة :

إن اعتبار حوض المتوسط منطقة شبه مغلقة جعلت منه محل اهتمام بيئي دولي كبير حيث أدت خصائصه الهشة إلى زيادة الوعي بضرورة حماية بيئته البحرية والتعاون الوثيق بين الدول لنهج منسق وشامل على الصعيد الاقليمي ، فعملت دول المنطقة على اعتماد مجموعة من السياسات والمبادرات من أجل الحد من المشكلات البيئية وبلوغ إدراك مشترك للقضايا البيئية على أنها مسائل تعنى بها جميع دول المتوسط تستدعي حلولا عادلة وشاملة.

 جاء هذا العمل المشترك استنادا إلى الاتفاقيات الدوليـة كمرجعية رئيسية لصنع سياسات الأمن البيئي في المنطقة، باعتبارها أكثر شمولا من حيث المجال والموضوع، وباعتبارها ذات بعد دولي تمس كل المناطق ذات الخصائص المشتركة حسب موضوع كل اتفاقية أو معاهدة ، لذا فإن اغلب الاتفاقيات التي عالجت البيئات البحرية وما يعترضها من مشكلات تتوافق مساعيها مع مساعي الدول المتوسطية في حماية بيئة المتوسط وتعتبر أساس مرجعي لسياسات البيئية في المنطقة.

الهدف العام من الدراسة هو تحليل مدى مساهمة “نظام برشلونة” في صياغة سياسة بيئية فعالة في منطقة البحر المتوسط، مع تسليط الضوء على التحديات الرئيسية التي تواجه تحقيق الأمن البيئي في المنطقة.

وعليه يمكن طرح الاشكالية التالية :إلى أي مدى ساهم نظام برشلونة  في خلق سياسة بيئية ناجعة في منطقة المتوسط ، وماهي أبرز تحديات تحقيق الأمن البيئي في المنطقة؟.

أولاً- مفهوم نظام برشلونة :

لقد خصت منطقة المتوسط بمجموعة من السياسات دون غيرها من مناطق العالم- فضلا عن جملة المؤتمرات والاتفاقيات الدولية لحماية البيئة- تم صياغتها بشكل يتلاءم مع ما تتميز به من خصائص وما تعانيه من مشكلات، وتكرست هذه السياسات في الاتفاقية الإطار لحماية البيئة في المتوسط “اتفاقية برشلونة”، وما ألحق بها من برتوكولات.  

1- اتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط من التلوث (1976) وبروتوكولاتها:

تقوم سياسة الأمن البيئي في منطقة البحر الأبيض المتوسط على اتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث التي تم اعتمادها في 16 فيفري 1976م، خلال المؤتمر الدولي الذي دعت إليه الأمم المتحدة عن طريق برنامج الأمم المتحدة للتنمية المنعقد في برشلونة من أجل مناقشة وسائل حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث، ودخلت حيز التنفيذ في عام 1979م، جاءت بعد اعتماد 16 دولة متوسطية والدول الأوروبية لخطة عمل البحر الأبيض المتوسط وكانت هذه الخطة هي الأولى التي يتم اعتمادها كبرنامج للبحار الإقليمية تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

جاءت إتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث نتيجة لعدم إيفاء الاتفاقيات الدولية بالاحتياجات الخاصة للبحر المتوسط وتهدف لتحقيق التعاون الدولي من أجل سياسة شاملة لحماية البيئة البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وتحسينها، تسري أحكام هذه الاتفاقية على منطقة البحر الأبيض المتوسط مياهه وخلجانه وبحاره، ولا تسري على المياه الداخلية للدول الأطراف في الاتفاقية، وتشمل مناطق المياه الإقليمية والمنطقة الملاصقة أو المجاورة والمنطقة الاقتصادية الخالصة وأعالي البحار، كما تنطبق على السفن والطائرات أيا كان نوعها مسجلة في أراضي أي دولة طرف في الاتفاقية أو تحمل علمها(1)، وتبعا لهذه الاتفاقية تقوم البلدان المتعاقدة (ألبانيا الجزائر البوسنة، الهرسك، كرواتيا، قبرص، مصر فرنسا اليونان إسرائيل، ايطاليا، لبنان، ليبيا، مالطا، إمارة موناكو، المغرب، سلوفينيا، اسبانيا، سورية، تونس، تركيا) باتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية وتحسين نوعية الوسط البحري وتقليص وتجنب كل أسباب التلوث بمنطقة المتوسط، من خلال تكثيف الجهود المشتركة، و تطوير وتنسيق برامج البحوث من اجل تبادل المعلومات والإبلاغ عن الإخطار المحتملة الحدوث، اضافة إلى الرصد المستمر للتلوث في المنطقة.

وألحق بهذه الاتفاقية ست (6) بروتوكولات تعتبر صكوكا ملزمة قانونا تتناول جوانب محددة ومتكاملة  لحماية البيئة وهي:

أ – بروتوكول بشأن حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن الإغراق من السفن والطائرات 1976: (تم تعديله في عام 1995)

 جاء هذا البروتوكول من أجل منع التخلص المتعمد من النفايات أو المواد الأخرى في البحر من السفن أو الطائرات، ويحضر البروتوكول إغراق بعض الأصناف من المواد والنفايات منها: المركبات العضوية السامة التي لا تتحول بسرعة في البحر إلى مواد غير ضارة من الناحية البيولوجية، فضلا عن المركبات السليكونية والزئبق ومركباته والكاديوم ومركباته، ومواد البلاستيك والمواد غير القابلة للتحلل، والنفط الخام والمواد المشعة سواء كانت بمستويات عالية أو متوسطة أو ضئيلة، ومركبات الأحماض والمواد المنتجة لأغراض الحروب البيولوجية، كلها مواد خطرة يمنع اغراقها في البحر الأبيض المتوسط لأي سبب من الأسباب، بينما يضع البروتوكول قيودا لإغراق بعض النفايات والمواد الأخرى من خلال استصدار تصريح خاص من السلطات الوطنية على غرار الزرنيخ والرصاص والنحاس والزنك والبيريليوم والكروم والنيكل والفاناديوم والسيلينيوم فضلا عن مبيدات الآفات، والمواد الكيميائية العضوية التي يحتمل أن تأتي بآثار ضارة على الكائنات البحرية الصالحة للأكل، فضلا عن مركبات الأحماض والنفايات المعدنية والمواد التي يمكن أن تصبح ضارة أو يحتمل أن تحد من الاستمتاع بالبحر، ويلزم هذا البروتوكول الأطراف الأخذ بعين الاعتبار المنظمة الدولية الوصية المختصة في هذا المجال والتي هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية(2).

ببروتوكول بشأن التعاون في مكافحة تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة 1978:

وقد نص هذا البروتوكول على ضرورة التعاون بين الأطراف من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدخل في حالات الخطر المحتمل على البيئة البحرية أو بسواحل إحدى الدول الأطراف في الاتفاقية،  الناتج عن تواجد كميات كبيرة من النفط والمواد الضارة الملوثة للبحر والساحل.

كما حث البروتوكول على التعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف للدول المتوسطية من أجل إعداد خطط متعلقة بالطوارئ وتطويرها بشكل يسمح بسهولة التدخل عن طريق وسائل حديثة وتطوير  نشاطات الرصد من أجل التوصل لمعلومات دقيقة حول الوضع البيئي. والتنسيق فيما بينها وتبادلها  حتى يتسنى العمل المشترك والفعال(3).

اعتمد هذا البروتوكول في 17 ماي 1980، وبدأ نفاذه في 17 جويلية 1983، يستهدف حماية منطقة المتوسط من التلوث الناجم عن تصريف الأنهار والمنشآت الساحلية أو مخارج التصريف الناجم عن أي مصدر أو أنشطة برية تقع في أراضيها، ومحاولة خفض هذا التلوث ومكافحته للقضاء عليه إلى أقصى حد ممكن مع إيلاء الأولوية للقضاء التدريجي على المدخلات من المواد السامة. ويشمل هذا البروتوكول مجمل عمليات التصريف الملوثة من هياكل ثابتة في عرض البحر من صنع الإنسان المستخدمة لأغراض غير استكشاف واستغلال الموارد المعدنية للرصيف القاري وقاع البحر وتربته التحتية.

ويدعو البروتوكول إلى تعاون إقليمي من أجل تنفيذ برامج وخطط العمل باستخدام تقنيات متاحة أفضل وتكنولوجيا إنتاج نظيف، وكذا وضع نقاط تفتيش صارمة من أجل تقييم الامتثال للتراخيص والقواعد بشأن عمليات التخلص في المياه أو الهواء والتي تلحق ضررا على منطقة البحر الأبيض المتوسط، وكذا بناء أنظمة الرصد لتقييم مستويات التلوث على امتداد السواحل وإتاحة المعلومات حول الوضع بالتنسيق والتعاون مع المنظمات الدولية المختصة بأنشطة الرصد.

تكريس التعاون العلمي والتقني من خلال تبادل المعلومات والتقنية، والتنسيق فيما بين الدول الأطراف حول برامج البحوث والحصول على التكنولوجيا السليمة بيئياً(4)

د-بروتوكول لحماية البحر المتوسط من التلوث الناجم عن عمليات استكشاف واستغلال الرصيف القاري وقاع البحر والتربة التحتية 1994:

ووفقا لهذا البروتوكول فان مجمل الأنشطة المتعلقة بالاستكشاف أو الاستغلال التي تقام على مستوى البحر المتوسط لابد أن تستدعي ترخيص مكتوب من السلطة المختصة وفقا لمجموعة من الإجراءات تحددها، وتجنب منها ما قد يحدث أضرارا بيئية كبيرة، أو لا تتوافق مع الإمكانيات التقنية والاقتصادية المتاحة.

وقد أشار البروتوكول إلى ضرورة وضع خطط من أجل التصدي لحالات الطارئة من خلال الإخطار عن وقوع حوادث أو احتماليتها، والمساعدات المتبادلة لمنع هذه الحالات من خلال الرصد من أجل معرفة أثر الأنشطة على البيئة، فضلا على المساعدة العلمية وتبادل المعلومات، وكذا إزالة هذه المنشآت بطريقة مشروعة  في حال أصبحت غير مستعملة(5).  

هـــــــ- برتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط عام 1995:

يرجع أصل هذا البروتوكول إلى بروتوكول جنيف حول المناطق المتوسطية خصوصية الحماية، الذي اعتمد في سويسرا خلال 2 أفريل 1982، وعدل بروتوكول جنيف في 9-10 جوان 1995، ليصبح تحت عنوان: برتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط، يهدف هذا البروتوكول إلى حماية وصيانة وإدارة المناطق ذات القيمة الطبيعية والحضارية بطريقة مستدامة، وإنشاء مناطق محمية، فضلا عن إدارة الأنواع المهددة بالانقراض سواء كانت نباتية أو حيوانية، وذلك من خلال التعاون بين الأطراف ورصد قوائم الأنواع والمناطق المتمتعة بحماية خاصة داخل منطقة البحر الأبيض المتوسط بغية حمايتها، وصياغة الخطط والاستراتيجيات الكفيلة بذلك، ويربط هذا البروتوكول أهدافه بضرورة تطبيق البروتوكولات الأخرى المتصلة بالاتفاقية(6).

وبروتوكول بشأن حماية البحر المتوسط من التلوث الناجم عن نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود 1996:

يهدف هذا البروتوكول إلى حماية الصحة البشرية والبيئة البحرية من خلال الحد من المخاطر التي تسببها النفايات الخطرة والخفض من توليدها، فضلا عن منع إلقائها خارج حدود الدولة إلى دول أخرى لاسيما النامية منها، مما يتسبب في أضرار بيئية وصحية لسكان تلك الدول، وبالتالي فهو يسعى إلى التخلص التام من نقل تلك النفايات والمواد الخطرة عبر الحدود، ومن هنا تبرز سيادة كل دولة على إقليمها لمنع دخول مثل هذه النفايات داخل أراضيها، كما يشدد البروتوكول على عدم استغلال التباين الاقتصادي والتشريعي بين دول المنطقة في التخلص من النفايات الخطرة بما يضر بالبيئة والرفاه الاجتماعي وللبلدان النامية، وضرورة التعاون الاقليمي للحد من إنتاج هذه النفايات الخطرة وذلك من خلال الاعتماد على قواعد الإنتاج النظيف.

وقد حدد البروتوكول قائمة بشأن النفايات الخطرة والمنزلية التي يحظر نقلها بموجب الملحق (أ) و (ب) للبروتوكول.

يستند هذا البروتوكول على عدة أحكام في اتفاقيات دولية لحماية البيئة، على غرار ما جاء في إعلان ريو 1992م، حول ضرورة تعاون الدول من أجل الحد من نقل النفايات الخطرة عبر الحدود، واتفاقية بازل، بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود المعتمدة عام 1989م، فضلا عن اتفاقيات إقليمية على غرار اتفاقية باماكو بشأن حظر استيراد النفايات الخطرة إلى إفريقيا ومكافحة نقلها وإدارتها داخل إفريقيا المعتمدة تحت إشراف منظمة الوحدة الإفريقية في 30 جانفي 1991 (7).

وتتمثل الأهداف الرئيسية للاتفاقية فيما يلي(8):

  •  إدماج عنصر البيئة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. 
  •  حماية البيئة البحرية ومواردها من خلال منع التلوث وتخفيضه قدر الإمكان سواءً أكان ناجماً عن مصادر برية أم بحرية. 
  • الحفاظ على التراث الطبيعي والثقافي المشترك في حوض البحر الأبيض المتوسط وسواحله 
  •  تعزيز التعاون بين الدول والمنظمات الدولية المعنية وذلك بإتباع برنامج شامل ومنسق على الصعيد الاقليمي لحماية البيئة البحرية في المنطقة .
  • الحث على التعاون بين الأطراف من أجل رصد وتقييم الوضع البيئي والتعاون العلمي والتقني وتبادل المعلومات بين الأطراف.

2-إتفاقية حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط 1995:

انصب اهتمام خطة عمل البحر المتوسط في بادئ الأمر على مكافحة التلوث البحري، إلا أن مهمتها قد بدأت تتسع شيئاً فشيئاً لتشمل تخطيط المناطق الساحلية وإدارتها بصورة متكاملة، ففي عام 1995 اعتمدت الأطراف المتعاقدة خطة عمل لحماية البيئة البحرية والتنمية المستدامة للمناطق الساحلية في البحر المتوسط (المرحلة الثانية لخطة عمل البحر المتوسط) لتحل محل خطة عمل البحر الأبيض المتوسط لعام 1976م، وأصبحت تسمى إتفاقية حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط 1995م، دخلت الصيغة المعدلة للاتفاقية حيز النفاذ في 9 جويلية 2004.

وقد صممت هذه المرحلة الثانية من خطة العمل من أجل البحر الأبيض المتوسط على أساس النجاحات والفشل خلال العشرين سنة من وجود البرنامج، وكذا على ضوء التطورات الحاصلة على المستوى الدولي.(9)

تسمح الاتفاقية المعدلة بتوسيع التغطية الجغرافية لتطبيق اتفاقية برشلونة ومختلف البروتوكولات داخل أراضي الدول المتعاقدة لتشمل المناطق الساحلية، بما في ذلك الأراضي الرطبة، التي عينتها الأطراف المتعاقدة، فضلا عن مد التغطية الجغرافية للاتفاقية وفق ما يتطلبه المجال الجغرافي لكل بروتوكول متعلق بها.

أعطت الاتفاقية المبادئ المتبعة في تطبيق بنودها وتحقيق التنمية المستدامة على غرار مبدأ الحذر القائم على وجود تهديدات محتملة، ومبدأ الملوث الدافع كآلية لمنع التلوث ومكافحته بفرض غرامة مالية على الملوث، فضلا عن تقييم الأثر البيئي عن الأنشطة التي يحتمل أن تحدث أضرارا بيئية وتخضع للترخيص من السلطات الوطنية المختصة(10).

وقد ألحقت هذه الاتفاقية ببروتوكول من أجل تحديد وتفصيل التزامات وإجراءات تنفيذها، حيث تناول الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط، سوف نلخص ما جاء فيه فيما يلي:

3-بروتوكول بشأن الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط 2008.

جاء هذا البروتوكول في أعقاب تعديلات الاتفاقية ليلقي الضوء على مصدر آخر من مصادر تلوث مياه البحر الأبيض المتوسط يتعلق بمجمل الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية التي تقام على سواحل البيئة البحرية، إذ يهدف إلى العمل المتكامل بين الدول المتوسطية من أجل إدارة المناطق الساحلية للمتوسط، كما يستهدف القيام بتسيير التنمية المستدامة للمناطق الساحلية والحفاظ على أنظمتها بما ينسجم مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وصون النظم الايكولوجية بالمناطق الساحلية، دخل هذا البروتوكول حيز التنفيذ في 2011.

وقد حدد البروتوكول عناصر التي تستند عليها الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية فيما يلي:

  • الاستخدام المستدام للمنطقة الساحلية وحمايتها.
  • إدراج البعد البيئي في الأنشطة الاقتصادية على مستوى لمناطق الساحلية للمتوسط.
  • حماية سمات النظم الايكولوجية الساحلية ذات الخصائص المعينة.
  • حماية المناظر الطبيعية الساحلية والاهتمام بالجزر الصغيرة.
  • الحفاظ على التراث الثقافي لدول المنطقة.
  • ضمان مشاركة كل الفواعل في صياغة سياسات الأمن البيئي على غرار فاعلين دوليين حكوميين وغير حكوميين، القطاع لخاص والمجتمع المدني الاقليمي في المنطقة من خلال حضور الاجتماعات الدورية فضلا عن هيئات استشارية.

كما أوضح البروتوكول أدوات الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية على غرار آلية وشبكات الرصد والمراقبة، والاستراتيجيات المتوسطية والخطط والبرامج الساحلية الوطنية، والتقييم البيئي، وكذا تبني نظام فعال لإدارة الأراضي الساحلية، الاعتماد على الصكوك الاقتصادية والمالية والضريبية لتقديم مساندة المبادرات الإقليمية من اجل إدارة المنطق الساحلية(11).

من هذا المنطلق تعتبر اتفاقية برشلونة لحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث من أول الاتفاقيات البيئية الإطارية التي أبرمت في مجال البيئة بوجه عام، وتعتبر صفة الإطارية للاتفاقية ظاهرة حديثة نسبيا في مجال القانون الدولي، وقد استخدمت بصورة رئيسية في فرع القانون الدولي البيئي، بحيث تتفق بعض الدول على إبرام اتفاقات تهدف لحماية أحد عناصر البيئة بحيث يتم النص فيها على التزامات وأحكام ومبادئ عامة لتحقيق هدف معين ، ثم تلحق فيما بعد ببروتوكولات تحدد وتفصل الالتزامات والإجراءات والجداول الزمنية المتطلبة لتنفيذ الهدف(12)، ومن بين أكثر المجالات البيئية التي حظيت بعقد اتفاقية ذات طابع إطاري مجال المناخ الذي لا يزال يتبع ببروتوكولات وجداول أعمال وبرامج لتنفيذ الاتفاقية الإطارية التي عقدت  بشأن تغير المناخ.

وبهذا فتشكل الاتفاقية المعدلة والبروتوكولات السبعة ما يعرف باسم نظام برشلونة، الإطار القانوني لحماية البيئة في المتوسط، ينص على التعاون الدولي بين الدول والمنظمات الدولية المعنية، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية وتعزيز البيئة البحرية في منطقة البحر الأبيض المتوسط بغية الإسهام في تحقيق التنمية المستدامة، ومنع وتخفيف ومكافحة تلوث إلى أقصى حد ممكن.

ثانياً- استراتيجات ومبادرات تحقيق الأمن البيئي في إطار نظام برشلونة:

اقترنت سياسة الأمن البيئي في منطقة البحر الأبيض المتوسط بنظام برشلونة كإطار شامل ومتكامل من أجل معالجة التهديدات البيئية في المنطقة، بما يشمله من اتفاقيتين وثمانية (08) بروتوكولات تعالج كل منها جانب من جوانب التهديد البيئي في المنطقة، ومن أجل ضمان تنفيذ هذه السياسات إستدعى الأمر ضرورة تبني مجموعة من الاستراتيجيات والخطط والمشاريع التي تستمد مضمونها من خطة عمل البحر المتوسط، وتسعى لتطبيقها على أرض الواقع، ولعل من أهم هته الاستراتيجيات نذكر  منها ما يلي: 

1- الإستراتيجية المتوسّطية للتنمية المستدامة MSSD

اعتمدت الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة إستراتيجية البحر المتوسط للتنمية المستدامة 2016-2025 في العام 2016، وهي تمثل إستراتيجية إطارية تهدف إلى التكيف مع الالتزامات الدولية والإقليمية لتوجيه استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة وبدء الشراكة الفعالة بين المستويات المختلفة من التنمية، وتقديم تقارير عن التقدم المحرز، تعمل من خلالها الدول والجهات المانحة والأطراف المتعاقدة على تحقيق وإدامة دينامية مشتركة والنمو المتوازن جميع أنحاء المنطقة، وتدعو الإستراتيجية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة بغية تعزيز السلم والرخاء، والاستقرار مع مراعاة مواطن القوة والضعف والفرص المتاحة؛ كما تأخذ في عين الاعتبار الحاجة إلى تضييق الفجوة بين البلدان المتقدمة النمو والبلدان النامية في المنطقة.

تستند هذه الإستراتيجية إلى الرؤية والتوجهات التي تقرها لجنة البحر الأبيض المتوسط للتنمية المستدامة والأطراف المتعاقدة، وتأخذ في الاعتبار التطورات الأخيرة في التعاون الاقليمي في إطار خطة عمل البحر الأبيض المتوسط والشراكة الأورومتوسطية والمبادرات العربية واستراتيجيات الاتحاد الأوروبي للتنمية المستدامة.

يشكل الاتحاد الأوروبي في هذه الإستراتيجية طرفا فاعلا ومهما، من خلال سياسات المعونة من أجل تعزيز التنمية المشتركة بين الشمال والجنوب، والعمل على تطوير العمليات الديمقراطية، وتعزيز القدرات المؤسسية وتحسين الادارة وتعزيز عملية السلام في المنطقة، ويتم تنفيذ هذه الإستراتيجية من خلال الشراكة الأورومتوسطية وسياسة الجوار الأوروبية مرتكزة على التنمية المستدامة مما سيساعد دول البحر المتوسط على تحقيق تطلعاتها، كما تيسر هذه الإستراتيجية الهدف الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي المتعلق بإزالة تلوث البحر الأبيض المتوسط، ومن هذا المنطلق فتشكل الإستراتيجية فرصة مشتركة ومنسقة لإحراز تقدم في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية وحماية البيئة والنهوض الحضاري(13).

2- برنامج العمل الاستراتيجي للتصدّي للتلويث من الأنشطة البرية SAP MED

تم اعتماد هذا البرنامج خلال مؤتمر الأطراف العاشر في العام 1997م، وهو يهدف إلى اتخاذ التدابير المناسبة لمنع وتخفيف التلوث في منطقة البحر الأبيض المتوسط  الناجم عن عمليات التصريف من المنشآت أو المصانع عبر الأنهار الساحلية من أجل تحسين نوعية البيئة البحرية وقد جاء هذا البرنامج من أجل إعداد الخطط والمشاريع لتنفيذ بروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث من مصادر وأنشطة برية عام 1996م من خلال تحسين إدارة مشتركة للتلوث الآتي من مصادر برية، ومساعدة الأطراف المتعاقدة من أجل اتخاذ إجراءات منفردة أو مجتمعة من أجل تحقيق أهداف البرنامج وفق ما يتلاءم مع القدرات والإمكانيات المتاحة، ومن أبرز الأهداف المسطرة في إطار هذا البرنامج ما يلي(14):

-صياغة المبادئ والتدابير وأولويات وجداول العمل ضمن الخطة الإستراتيجية .

-تحليل الخطط الأساسية واتخاذ إجراءات إضافية من أجل حل المشكلات المتوقعة العابرة للحدود.

-تحديد العناصر وإعداد مبادئ توجيهية لصياغةخطط عمل وطنية لحماية البيئة البحرية من الأنشطة البرية.

-تحديد الأدوار المحتملة “المنظمات” غير الحكومية فيتنفيذ البرنامج.

 يوجه هذا البرنامج إلى جميع الأطراف المتعاقدة ويقترح أهدافا مشتركة،ومع ذلك فإن عملية تنفيذ الأنشطة المقترحة ينبغي أن تراعي الحالة البيئية في كل بلد؛ كما يجب أيضا أن تراعي الأهداف والأنشطة اختلاف البلدان في المنطقة آخذة بعين الاعتبار مدى القدرة على التكيف وإعادة تحويل المنشآت القائمة والقدرة الاقتصادية والحاجة إلى التنمية.

3- خطة العمل الإستراتيجية للمحافظة على التنوّع البيولوجي البحري والساحلي في المتوسّط SAP BIO

اعتمد مؤتمر الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة الثالث عشر خطة العمل الإستراتيجية للمحافظة على التنوّع البيولوجي البحري والساحلي في منطقة البحر الأبيض المتوسط (SAP BIO)، في العام 2003، وقد تم اعتماد هذه الإستراتيجية استجابة للحاجة الواسعة لحماية الإطار البيولوجي البحري والساحلي للمتوسط، نظرا لما تهدده من مشاكل، تؤدي إلى خسارته خاصة في ظل الاستغلال المطرد للموارد الطبيعية على مستوى سواحل المتوسط والأنشطة البشرية المختلفة  المضرة بالتنوع البيولوجي، لذا تهدف هذه الإستراتيجية إلى إرساء قاعدة منطقية لتنفيذ بروتوكول المناطق المتمتعة بحماية خاصة 1995م، من شأنها أن تزود الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة والمنظمات الدولية والوطنية والمنظمات غير الحكومية والجهات المانحة وكافة الجهات الأخرى المعنية بحماية البيئة المتوسطية الطبيعية وإدارتها، بالمبادئ والتدابير والإجراءات والتنسيق بين كافة المستويات الوطني والإقليمي وعبر الحدود من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي للبيئة البحرية والساحلية المتوسطية وتنوّعها، وفي نفس الإطار تسعى هذه الخطة الإستراتيجية إلى تطوير قاعدة معرفية حول التنوع البيولوجي البحري والساحلي في المنطقة من أجل تفادي التصرفات والأنشطة العشوائية المخل بالتنوع، فضلا عن إنشاء وتحديد المناطق المحمية، من أجل منحها عناية كبرى وخاصة، فضلا عن دعم الأساس القانوني والتشريعي الوطني للعناية بهذا الإطار(15).

4- الإستراتيجية الإقليمية لمنع التلوّث البحري من السفن والتصدي له (2016-2021):

اعتمد هذه الإستراتيجية في مؤتمر الأطراف المتعاقدة في اتفاقية برشلونة التاسع عشر في العام 2016م، وهي تهدف إلى المساهمة في منع وتقليل التلوث من السفن ومكافحته في حالاته الحرجة، يتولى المركز الإقليمي للتحدي لتلوث البحر الأبيض المتوسط في الحالات الطارئة مساعدة الأطراف المتعاقدة بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمواد 4 و6و 9من اتفاقية برشلونة والبروتوكول بشأن التعاون لمنع تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة، وتستند أهداف هذه الإستراتيجية العامة والخاصة على النسخة الأولى من الإستراتيجية الإقليمية للمنع ومكافحة تلوث البحر المتوسط من السفن، التي اعتمدت في عام 2005، وقد أجريت هذه الإستراتيجية بالتوازي مع التحضير لإعداد برنامج الأمم المتحدة لحماية البيئة وخطة عمل البحر الأبيض المتوسط لخطة إستراتيجية متوسطة الأجل من أجل تطوير الإستراتيجية المتوسطية للتنمية المستدامة، آخذة في الاعتبار الإطار القانوني و المالي والمؤسسي لنظام برشلونة، بما في ذلك أحكام بروتوكول منع تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة، وولاية المركز الإقليمي كمركز مسؤول عن تنفيذ البروتوكول، ولذلك يمكن اعتبار هذه الإستراتيجية الإقليمية كجزء لا يتجزأ من إستراتيجية المتوسطة الأجل لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وخطة عمل البحر الأبيض المتوسط.

وتمس الأهداف العامة للإستراتيجية الإقليمية ثلاثة جوانب، وهي:

  • الوقاية من التلوث الناجم عن السفن.
  • الوقاية من الحوادث البحرية
  •  الإعداد لمكافحة حوادث التلوث الرئيسية.

وكل غرض من هذه الأغراض، يقترح أهدافا محددة للعمل كمعايير لتقييم درجة النجاح الأطراف المتعاقدة في سعيها لتحقيق هذه الأهداف(16).

5-مبادرة أفق 2020:

جاءت هذه المبادرة في إطار التزام اجتماع وزراء البيئة الأورومتوسطيين في القاهرة عام 2006 ببرنامج لإزالة التلوث من البحر الأبيض المتوسط بحلول عام 2020 وتوفير الموارد اللازمة والدعم الفني لتسهيل تنفيذ هذه المبادرة.

تهدف مبادرة أفق 2020 إلى إزالة التلوث من البحر المتوسط عن طريق التصدي لما يمثل حوالي 80٪ من مصادر التلوث به وهي المخلفات الصلبة، مياه الصرف الصحي في المناطق الحضرية وكذا الملوثات الصناعية.

فقد ألزم الشركاء الأورومتوسطيون أنفسهم خلال الذكرى العاشرة لقمة برشلونة في عام 2005، بمضاعفة الجهود لإزالة التلوث من البحر المتوسط بحلول عام 2020، فيما أصبح يعرف بـ “مبادرة أفق 2020” (H2020). وقد تمت المصادقة على مبادرة “أفق 2020” خلال مؤتمر وزراء البيئة الذي عقد بالقاهرة في نوفمبر عام 2006، والتي أصبحت من المبادرات الرئيسية التي اعتمدها الإتحاد من أجل المتوسطعند انطلاقه في باريس عام 2008، وفي القاهرة أعتمد الوزراء خارطة الطريق للفترة من 2007-2013 والتي تركز على أربع عناصر أساسية وهي:

  • تحديد المشروعات لخفض وتقليل  مصادر التلوث الرئيسية خاصة الانبعاثات الصناعية والنفايات البلدية ومياه الصرف الصحي، ومياه الصرف الحضري، باعتبارها من أكثر المصادر مسؤولية على تلويث البحر المتوسط.
  • تحديد تدابير بناء القدرات لمساعدة دول الجوار في إنشاء إدارات بيئية وطنية قادرة على وضع القوانين البيئية وحمايتها.
  • استخدام ميزانية الأبحاث بالإتحاد الأوروبي لتطوير وتبادل المعرفة بشأن قضايا البيئة المتعلقة بالبحر المتوسط.
  • وضع مؤشرات لمراقبة مدى التقدم المحرز في مبادرة أفق 2020.(17)

وقد مثل عام 2013 منتصف مدة مبادرة أفق 2020.

وقد أجري عدد من التقييمات والدراسات والتقارير التي تصب في إجراء مراجعة شاملة لمنتصف المدة نفذت خلال عامي 2013-2014، وهذه التقييمات والدراسات هي نتاج مشترك بين الوكالة الأوروبية للبيئة والأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط، وبنك الاستثمار الأوروبي والمفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وقد توجت عملية استعراض منتصف المدة بالاجتماع الوزاري المعني بالبيئة وتغير المناخ للاتحاد من أجل المتوسط والذي عقد في أثينا في 13 مايو 2014، وكانت مبادرة أفق 2020 واحدة من الأولويات الثلاث التي ناقشها الاجتماع، حيث أكد الوزراء التزامهم تجاه مبادرة أفق 2020، مقرين بأن التقدم المحرز في بعض القضايا تأخر بسبب التنفيذ غير الفعال للسياسات الوطنية، وقد تم الإشارة إلى ظهور أولويات جديدة ووجود تحديات تتطلب استكمال المسار من أجل تحقيق الأهداف المنشودة .

لذلك الغرض تم إعداد برنامج عمل 2020-2015 والتي ركزت  في إطار مكونات مبادرة أفق 2020  على الأهداف التالية:

  • تعزيز شمول السياسات والتشريعات البيئية وتنفيذها وكذا دمج البيئة في السياسات الأخرى على مستوى الوطني  ومساندة حوكمة بيئية أفضل بغرض الحد من التلوث البحري ومنعه من أجل تحقيق وضع بيئي جيد في المنطقة
  • تحديد مشروعات أفق 2020 الاستثمارية ذات الأولوية وتمويلها وتنفيذها.
  • ضمان توافر بيانات الرصد  والمعلومات التى تحتاجها القاعدة المعرفية التي تساند التقييم الدوري لأفق 2020 وجودة هذه البيانات والمعلومات وامكانية الوصول إليها واستدامتها.
  • زيادة القاعدة المعرفية وتطوير تكنولوجيات مبتكرة ، بما في ذلك نشرها ونقلها  للحد من التلوث في البحر المتوسط.

وبالتوازي مع ذلك الاستمرار في عملية تحديث خطط العمل الوطنية من خلال برنامج الأمم المتحدة للبيئة خطة عمل المتوسط UNEP/MAP والتي يجب الانتهاء منها بحلول شهر نوفمبر 2015، حتى يساهم ذلك في تحديد ووضع أولويات للإجراءات المحددة المطلوبة عاجلاً والتي ستؤخذ في الاعتبار أثناء تنفيذ برنامج عمل 2015-2020.(18)

6- مبادرة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط (MedWet)

اعتمدت هذه المبادرة في عام 1991، وهي تجمع بين 26 منطقة البحر الأبيض المتوسط والبلدان المتوسطية المحيطة التي هي أطراف في اتفاقية الأراضي الرطبة رامسار 1971،  فهي تشمل : ألبانيا، الجزائر، البوسنة والهرسك، بلغاريا، كرواتيا، قبرص، مصر، فرنسا، اليونان، إسرائيل، إيطاليا، الأردن، لبنان، ليبيا، مالطة، موناكو، الجبل الأسود، المغرب، البرتغال، صربيا، سلوفينيا، إسبانيا، الجمهورية العربية السورية، جمهورية مقدونيا اليوغوسلافية السابقة، وتونس وتركيا، إضافة إلى إضافة إلى فلسطين وعدد من المنظمات ومراكز الأراضي الرطبة منها:

  • أمانة اتفاقية رامسار
  • خطة وحدة تنسيق عمل البحر الأبيض المتوسط.
  • اللجنة الأوروبية
  •  المنظمات دولية المشاركة في اتفاقية رامسار بما فيها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) والمعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI)، الأراضي الرطبة الدولية، والصندوق العالمي للطبيعة (WWF)

وتضم هذه المبادرة أربع كيانات مختلفة أنشأت من أجل تولي مجموعة من الأنشطة في إطار اختصاصاتها كما يلي:

1- لجنة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

2- الفريق التوجيهي لمبادرة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

3- الشبكة العلمية والتقنية لمبادرة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

4- أمانة مبادرة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

يتم توفير التمويل الأساسي لمبادرة الأراضي الرطبة في منطقة البحر الأبيض المتوسط من طرف البلدان الأعضاء فيها، وفي الوقت الحاضر، تمول بالمنح التي تقدمها مؤسسة مافا ووكالة المياه الفرنسية.(19)

ثالثاً: معيقات تحقيق الأمن البيئي في منطقة المتوسط.

على اعتبار المشكلات البيئية في المتوسط بالغة الخطورة على مجمل الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والأمنية، فإن معالجتها ستكون حتما أكثر تعقيدا وصعوبة، إذ تحمل القضايا البيئية مقايضات صعبة ونزاعات سياسية وخلافات ناجمة عن غياب الإجماع حول الحلول المقترحة، حيث أن حلولها تستدعي الكف عن بعض الأنشطة المنتجة اقتصاديا أو تكنولوجيا، أو الحد من بعض التصرفات التي يصعب التحكم فيها، والتي تتسبب في أضرار بيئية على غرار النشاط الصناعي وبعض الأنشطة الأخرى الأكثر إضرارا بالبيئة على مستوى شمال المتوسط، فضلا عن النمو الديمغرافي بعض السياسات التقليدية للتنمية على مستوى دول الضفة الجنوبية، إذ يرتبط إيجاد الحلول للمشكلات البيئية ارتباطا وثيقا بمسبباتها، وتولد إزالة أو التقليل من بعض المسببات معارضة واسعة ، والإبقاء عليها تهديدا للأمن البيئي للدول والمجتمعات، ومن هذا المنطلق ينشأ الخلاف ويتوسع الجدل حول إشكالية حماية البيئة واستتباب الأمن البيئي في منطقة البحر الأبيض المتوسط خاصة في ظل التباين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي و البيئي الذي تشهده أقطارها

ومن هنا يبرز النزاع والخلاف السياسي بين الدول حول المشكلات البيئية والتدابير الكفيلة بالحد أو التقليل منها.

1-  غياب الإدراك المشترك القضايا البيئة:

إن غياب التطبيق السليم لأصول الادارة البيئية السليمة جعل الموارد الطبيعية أكثر عرضة للاستنزاف والتدمير، فبالرغم من التحذيرات التي تطلقها المنظمات والجماعات البيئية تأكيدا منها على الكف عن الاستنزاف للموارد الطبيعية والبيئية الذي يدفع إلى انهيار النظام البيئي وتدهور المستوى المعيشي، إلا أن الكثير من الدول لا زالت تتجاهل تلك التحذيرات، وعلى الرغم من الكم الهائل للاتفاقيات البيئية والمؤتمرات الدولية التي تعالج قضاياها فضلا عن البروتوكولات المتعددة الأطراف والتوقيع عليها من قبل الدول، غير أنها لم تلقى فعالية التنفيذ والتجسيد على أرض الواقع، مما جعل منها أداة لتحويل قضايا البيئة المعاصرة إلى ميدان جديد للصراع بين الشمال والجنوب، أين يتبادل الطرفين التهم على أن الشمال هو الطرف الأكثر استنزافا للبيئة ومواردها، والمساهم في التدهور البيئي نتيجة للاستهلاك المفرط للطاقة، وتفاقم الأنشطة الصناعية، وفي مقابل ذلك فإن دول الضفة الجنوبية تمتلك قوة ديمغرافية هائلة لها قدرة واسعة في التأثير على النظام البيئي بالسلب، وعلى العموم فإن الجدل الدائر حول البيئة بين دول الشمال والجنوب لا ينفك أن يتجسد في منطقة البحر الأبيض المتوسط، كونه مرتبط بعوامل الاستنزاف والنمو الديمغرافي وأنماط التنمية والفقر والحروب، وهذه القضايا تعتبر أهم ما يؤثر على تهديد الأمن والسلم الدوليين بين  الشمال والجنوب، ويمكن إبراز أهم القضايا التي يثار حولها الجدل وعدم الاتفاق خاصة في مجال البيئة في منطقة البحر الأبيض المتوسط كما يلي:

2- الخلاف حول مسألة تغير المناخ:

مع مطلع ثمانينات القرن العشرين تحولت القضية البيئية نحو جو الأرض، وانتقلت قضية المناخ عموما من دوائر العلم والسياسة إلى دائرة الإعلام، مما شدد التركيز عليه كقضية بيئية بالغة الخطورة والتعقيد، وأدى هذا التضخيم الإعلامي إلى تحول مسائل البيئة إلى مادة تتجاذبها القوى الدولية؛ لما لها من علاقة بالشأن السياسي والاقتصادي، فصار يخصص لملف التغير المناخي مؤتمرات دورية يثار فيها جدل واسع في مختلف الأوساط العلمية والاقتصادية والدبلوماسية، وذلك على خلفية إشكالية ثلاثية الأبعاد تتضمن ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة الانبعاثات للغازات الدفيئة في الجو وتزايد دور الإنسان والأنشطة الاقتصادية؛ وفي هذا السياق حاولت دول عالم الشمال المتقدم أن تفرض على دول الجنوب النامي شروط على سياساتها التنموية للحد من التغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة، مما بات يطرح على هذه الدول تحديات تقنية علمية من جهة واقتصادية تنموية من جهة أخرى؛ حيث تزيد هذه الشروط من تكلفة الإنتاج المعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والأقل انبعاثا للكربون وبالتالي تقليص حجم الإنتاج وتضييق الأسواق بما يسمح للأسواق الدول المتقدمة من التوسع، ومن هنا فإن المسائل البيئية تحولت إلى أداة تستخدم للضغط على الدول النامية واقتصادياتها، في حين أن مسؤولية الإضرار بالأمن البيئي ترجع أساسا وبصورة أكبر – خاصة إذا ما تعلق الأمر بمشكلة التغير المناخي والاحتباس الحراري – في منطقة المتوسط إلى الدول الصناعية الكبرى بما فيها دول الاتحاد الأوروبي؛ إذ نجد وفقا للإحصائيات والتقديرات في هذا الشأن أن الدول الصناعية الكبرى والمتقدمة هي الأكثر انبعاثا للكربون والأكثر تلويثا لهواء الأرض، كونها المسؤولة على الأنشطة الأكثر إضرارا بالبيئة(20)، وفي مقابل ذلك فإن دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط لا يمكن إعفاءها من مسؤولية الاحتباس الحراري في المنطقة، رغم ضعف مساهمتها في ذلك، إلا أن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والوضع الديمغرافي والنمط الإنتاجي والاستهلاكي كلها تلعب أدوارا متباينة في كميات انبعاث الكربون، بيد أن هذه الأخيرة ونظرا للطبيعة الجغرافية والخصائص المناخية التي تميزها فإنها الأكثر تأثرا وتضررا من تداعيات التغير المناخي، خاصة في ظل ضعف الإمكانيات المالية والمادية والفنية لمسايرة تلك الآثار، وهنا تثار إشكالية تحمل أعباء التغير المناخي، مما يعيق التوصل لسياسة أمن بيئي عادلة في المنطقة، فبينما تركز دول الضفة الجنوبية للمتوسط على التنفيذ الصارم للالتزامات المنصوص عليها في بروتوكول كيوتو وما ولاه من مؤتمرات واتفاقيات حول التغير المناخي، تحاول دول الاتحاد الأوروبي بصورة أو بأخرى تلافي الالتزام بتحمل تلك الالتزامات، أو تحويرها بما يخدم المصالح الخاصة.

فالدول المتقدمة على الرغم من تباين مواقفها، إلا أنها تحاول أن تملي على دول جنوب البحر المتوسط نموذج تنموي يختلف عن ما هو سائد بها حاليا والمعتمد على استثمار الموارد المنجمية والنفطية الأحفورية والإنتاج والاستهلاك المتصاعدين.

3- تباين الإدراك حول مسألة التنمية:

تواجه عملية الحد من بعض المشكلات البيئية صعوبة كبيرة، خاصة إذا ما تعلق الأمر بمسألة تغير المناخ، وبالنظر لمسبباته نجد أن عملية حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة أبرز عاملا لانبعاث الكربون، وأكثر أهمية لاقتصاديات العالم، حيث لا يزال يشكل أهم الموارد الاقتصادية التي تتحكم في عملية التنمية في الدول المنتجة لهذه المادة، وقد مارس ولا يزال يمارس آثار مباشرة وغير مباشرة على العوامل التي تؤثر في التنمية، إذ يساهم بصورة فعالة في التنمية الاقتصادية من خلال ما توفره العوائد البترولية في تطوير مستوى المعيشة وتعزيز القدرات الحكومية لتنفيذ المشاريع التنموية وتعزيز القطاعات البديلة كالصناعة والسياحة والزراعة وإنتاج الطاقات المتجددة،  فيمكن من خلالها تحويل عائداته إلى أصول منتجة قادرة على تحريك عجلة التنمية.

كما أن لهذا المصدر من الطاقة فضلا عن دوره في دفع عجلة التنمية ميزات ذاتية تكمن في ارتفاع قيمته الحرارية على بقية المصادر الأخرى وضعف كلفته الإنتاجية، وتوفره بإمكانيات كبيرة رغم خاصية النضوب الذي تعتريه، ويشكل مصدر للعديد من المنتجات السلعية التي يحتاجها الإنسان وكمصدر لجزء كبير من الصناعات.(21)

إلا أنه في مقابل ذلك فهو أقل قابلية للإحلال بمصادر طاقوية أخرى بنفس المزايا والقيمة في الكمية والسرعة والتكلفة، كما أن تكلفة الخفض أو الحد من الانبعاثات الناجمة عن هذا الحرق باستحداث مصافي مكلفة للغاية، ومن هنا فإن ظاهرة تغير المناخ في حد ذاتها تحمل تناقضات إذا ما تم إسقاطها على واقع الدول واقتصادياتها، كما تحمل تهديدات على مجمل أجزاء النظام البيئي وعلى كافة مجالات الأمن، في مقابل ذلك فهو ناجم عن إنبعاثات الوقود الأحفوري الذي يعتبر بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي

ومن هذا المنطلق تشكل الفروقات التنموية بين الدول المتوسطية عاملا في تباين الإدراك المشترك حول القضايا البيئية بين دول شمال وجنوب البحر المتوسط، حيث يحاول الاتحاد الأوروبي دفع العجلة إلى المزيد من التطور والازدهار الاقتصادي والاجتماعي بينما يسعى دول الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط إلى اللحاق بركب الدول المتقدمة، ومن هذا المنطلق يطالب الاتحاد الأوروبي دول لضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بصورة وبصيغ متعددة باتخاذ إجراءات عاجلة من أجل حماية البيئة، وإذا تطلب الأمر تعطيل مسار التنمية، بينما دول الضفة الجنوبية ترفض الصيغة المقترحة للحفاظ على البيئة وبدلا من أن يكون الخيار بين البيئة والتنمية، فإن الخيار الحقيق لابد أن يكون بإتباع شكل التنمية الذي يراعي البيئة(22)، وبالتالي فإن الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص ودول الشمال بشكل عام يحاول تحديد القضايا بالشكل الذي يدعم مصالحه التنموية، مما يؤدي إلى خلق نزاع بينه وبين الدول المتوسطية الأخرى، وعلى العموم فإن الأنماط التنموية المتبعة من كلا الطرفين تكاد تثبت أن الاتحاد الأوروبي يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية الإضرار بالأمن البيئي في المنطقة كونه الرائد في مجال التصنيع والمسير لمختلف الأنشطة التعدينية التي تمارس على مستوى الضفة الجنوبية للمتوسط والمستهلك الأعظم للرأسمال البيئي في المنطقة.

4- الخلاف حول مسألة نقل التكنولوجيا والصناعات الملوثة:

لقد تحولت التكنولوجيا مع مر السنين إلى عامل أساسي ومثير للصراع بين عالمي شمال وجنوب حوض البحر المتوسط، كونه حسب دول الجنوب يشكل تهديدا لحرية وكيان الدول المستقلة ذات السيادة فضلا عن تلويث البيئة وإحداث خللا فيها، اضافة إلى الفجوة العلمية والتقنية التي تحدثها بين الدول نتيجة لتعاظم قدرة الدول والجهات المتفوقة علميا على التحكم وتوجيه مسارات التطور بما يخدم مصالحها، وتأثير التطور السريع والمستمر في التقنية على العمر الزمني للتكنولوجيا وبروز ظاهرة التقادم التكنولوجي، مما يضطره إلى مواكبة التطور باقتناء ونقل التكنولوجيا الجديدة، بينما وفي هذا السياق تبقى حالة البيئة في الدول النامية الناتجة عن التكنولوجيا المتقادمة حالة شبه أزلية، غير قابلة للتقدم أو الاستصلاح مادامت الدول المتقدمة لا تلتزم بتقديم المساعدات التي تعهدت بتقديمها في إطار تكنولوجيا وتقنيات نظيفة وتمويل مالي من أجل الكف عن التنمية التقليدية وبناء نمط جديد مستدام ونظيف، فحتى وإن تم اتخاذ التدابير اللازمة  لمراقبة السيارات وتحديث المصانع بالتكنولوجيا الجديدة، فإن ذلك لا يكون دون مساعدة هذه الدول المصنعة خاصة في ظل ارتفاع أسعار هذه التكنولوجيا التي تعجز الدول النامية على تأمين مقابلها المالي.

وتقتصر مواكبة دول جنوب المتوسط على التقدم التكنولوجي بل تتعدى ذلك إلى ضرورة التحول في مجال الطاقة وأنواعها واستخداماتها والتقانات المتطلبة لإنتاجها، وهذا ما يزيد من اتساع الفجوة بين ضفتي المتوسط.

ولقد صاحب عملية التطور التكنولوجي حركة لإعادة توزيع الإنتاج عالميا وانتقال مجموعة من الصناعات التي كانت ملوثة كالصناعات التعدينية وكيماوية والحديدية والمعادن الأولية إلى الدول النامية بما فيها دول الضفة الجنوبية للمتوسط، وقد تم تدعيم هذه السياسة من طرف أحد خبراء البنك الدولي على اعتبار أن هذه الدول ملوثة بالأساس (23).     

وقد مكن التقدم التكنولوجي وبعض السياسات من إحداث نقص كبير في الضرر البيئي الناجم عنها، فعلى سبيل المثال وفي قضية خفض إنبعاثات الكربون عمل الاتحاد الأوروبي على التقليل من إنبعاثات الكربون الناجم عن أنشطته من خلال الاعتماد على الطاقات المتجددة والنظيفة، وقد قام بأكثر الجهود جدية في هذا الشأن، حيث أسهم التقدم التكنولوجي في التقليل أو إزالة بعض الغازات على غرار الكبريت من غازات المداخن في محطات توليد الطاقة أو بالمرافق الصناعية الأخرى، أو بالاعتماد على الفحم المنخفض الكبريت، والتحول إلى أنواع أخرى من الوقود المنخفضة الانبعاثات.

5-غياب الالتزام الناتج عن بناء قانوني غير كاف:

تخرج أغلب المؤتمرات الدولية البيئية بنتيجة مفادها أن المشكلات البيئية مشكلات مستعصية تهدد العالم أجمع وعلى الدول مجتمعة التقليص من مساهمتها في تلويث البيئة خاصة إنبعاثاتها للغازات الدفيئة، وتخفيف نمط الحياة الصناعية وأثرها على الغلاف الجوي، ولقد استمرت المؤتمرات البيئة الدولية في التوصية بضرورة اعتماد مبدأ الاستدامة في التنمية وإرساء المبدأ الايكولوجي، اضافة إلى كل من النمو الاقتصادي والتنمية البشرية والإنماء المتوازن والعدالة الاجتماعية، وهذا ما يعني مضاعفة الأعباء والتكاليف التي ينبغي أن تضطلع بها دول عالم الجنوب في عملية إنمائها، الأمر الذي لا قدرة لها عليه، ما يجعل دول الجنوب تلح على دول الشمال من أجل مساعدتها للتمكن من الإيفاء بالتزاماتها التي يفترض بالدول المتقدمة أن تقدمها لدول عالم الجنوب، فهي قل ما تلبي التزاماتها تجاه هذه المجموعات، فعلى الخلاف من ذلك توجه الدول الشمالية مجمل استثماراتها لدول الضفة الجنوبية نظرا لوفرة الموارد وبخس اليد العاملة وضعف الضوابط القانونية المقيدة للأنشطة البيئية.

ويرجع التباطؤ في تنفيذ التوصيات وتقديم مساعدات للدول النامية إلى مبرر مفاده أن الدول الفقيرة لا تحقق الأهداف المتوخاة منها، بالنظر لغياب الرشادة والتسيير الحسن لهذه المساعدات المالي، كما أن أجهزتها الإدارية تعاني من استشراء الفساد وتوغله في أعماقها، مما يجعل بعض المسؤولين يتصرفون في المساعدات المالية المقدمة لهذه الدول لمصالحهم الخاصة، لذلك تشترط دول الشمال ضرورة توفر الظروف الملائمة للاستثمار في المساعدات المقدمة، بما فيها من إصلاح الإدارة ، توفير الأمن ، وتنزيه القضاء، وإنهاء الرشوة والفساد، وفي مقابل ذلك ترى دول الجنوب أن هذه المساعدات ما هي إلا أداة لتقوية لنفوذ السياسي والاقتصادي للدول المانحة داخل الدول الفقيرة ، وفي مجال البيئة والمناخ فإن عملية تقديم المساعدات المالية والتقنية الجديدة التي نصت عليها أغلب الاتفاقيات بقيت معضمها خارج إطار التنفيذ في حين عرفت بعضها التقلص والتقاعس في التقديم، لذلك نجد دول الجنوب دائما في موقف المترقب في المؤتمرات البيئية خاصة المناخية منها وفي نفس الوقت في محل للالتزامات المعنية بإيجاد أنماط جديدة من الإنتاج لخفض إنبعاثات الكربون.

وفي ظل هذا التقاعس وغياب الالتزام، لا تزال دول الجنوب تدفع فواتير الاضطرابات المناخية من فقر ونقص الغذاء وصراع حول الموارد الناتج عن موجات الحر والجفاف الفيضانات في مناطق عديدة مما يؤدي إلى استفحال أزمات اقتصادية، فيما تبقى دول الشمال تمارس فقط ضغط على دول الجنوب من دون اتخاذ أي تدابير عملية تضفي إلى معالجة مشكلة المناخ طالما هي في منأى عن السلبيات التي لحقت ببعض دول الجنوب في ظل تغيرات المناخ(24).

6-  أسبقية الطرف الأوروبي في صياغة السياسات البيئية في المتوسط:

تمتلك دول الضفة الشمالية للمتوسط من المميزات السياسية والاقتصادية والكتلة النقدية ما يجعلها قادرة على تسيير واتخاذ القرارات والإجراءات، وصنع السياسات في منطقة البحر لأبيض المتوسط، فامتلاك القدرة المالية والمادية والتكنولوجية هو ما يخول الاتحاد الأوروبي لأن يكون الطرف المبادر والموجه للسياسات إلى دول الضفة الجنوبية كما أن لوزن والثقل السياسي العالمي للاتحاد الأوروبي يجعله قادر على أن يؤثر تأثيرا عميقا في دول الضفة الجنوبية للمتوسط وسكانها، إذ يعتبر الاتحاد الأوروبي من خلال مؤسساته المختلفة هو الممول للمشاريع البيئية في لمنطقة والذي يقدم مساعدات في إطار اتفاقية برشلونة، كما أن المؤسسات المالية الكبرى التي تلجأ إليها دول الجنوب من أجل الاقتراض هي الأخرى تحظى بتحكم الدول الكبرى فيها، مما يجعل دول الضفة الجنوبية في حالة ارتهان لدول الشمال وللمؤسسات التي تشرف عليها.

فيعتبر الإتحاد الأوروبي ذو وزن ومكانة قانونية كبيرة نظرا للقوة القانونية التي تتمتع بها مؤسساته ودورها في صناعة القرارات البيئية بدءا من المفوضية الأوروبية التي تعمل على تحقيق مصالح لإتحاد الأوروبي وإعلائها، وتمثل دور الاتحاد الأوروبي في الخارج والتفاوض باسمه، حيث تعبر الشؤون البيئية من اختصاصات إحدى المديريات على مستوى المفوضية وهي مديرية البيئة، فضلا عن المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية التي تعتبر الحارس الدستوري على المعاهدات وتعمل على تفسيرها، تعمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي في إطار مشترك ويتم صياغة سياسات الأمن البيئي في إطار مجموعة من الآليات، بدءا بالتشاور والاقتراح من طرف خبراء في المجال ليتم عرضة على المفوضية للتصويت عليه ثم يحال إلى المجلس الوزاري للبحث فيه ويق ما إذا كان سيصدر قرار نهائيا بشأن إصداره كمشروع وسيكون للبرلمان واللجنة الاقتصادية والاجتماعية حق التصويت عليه ثم يحال مرة أخرى إلى المجلس الوزاري من قبل لجنة الممثلين للنظر فيه، فإذا حدث اتفاق عليه من قبل ممثلي الدول يعرضه المجلس في جدول أعماله كموضوع من الفئة “أ”، ثم يقره المجلس بينما إذا لم يتفق عليه ممثلي الدول، فسيعرض على جدول أعمال المجلس الوزاري بحسبانه من الفئة “ب” يحتاج للمزيد من المناقشة من قبل الوزراء المختصين، وتأتي الآلية التعاونية كآلية أخرى للاتحاد الأوروبي لاتخاذ القرار أو صنع السياسات في الاتحاد الأوروبي، حيث تشمل اقتراح مشروع القرار من طرف المفوضية الذي ترسله بدورها إلى المجلس الوزاري والبرلمان لقراءته قراءة أولية ثم يرسل إلى المجلس الوزاري الذي يأخذ رأيا مشترك ومن ثم يرسل مرة أخرى إلى البرلمان لقراءة ثانية من أجل اقتراح تعديلات على الرأي المشترك ليحال إلى المفوضية للموافق عليه ويوافق عليه المجلس، وإصداره بالأغلبية الموصوفة، أو رفضه من قبل المفوضة فيتطلب إصداره موافقة بالإجماع، وتعتبر آلية التشارك آلية أخرى ، تتجسد في الدور الذي يلبه البرلمان في صنع القرارات خاصة في مجال البيئة والنقل والسوق الأوروبية، وفق ما نصت عليه معاهدة ماستريخت، وتتم هذه الآلية بالقراءة الأولية لمشروع القرار بعد اقتراحه من طرف المفوضية وإرساله إلى لمجلس الوزاري ليتخذ فيه قرار مشترك، سواء بالموافقة أو الرفض ومن ثم يرسل الرأي المشترك إلى البرلمان للقراءة الثانية ، لذلك هناك عدة احتمالات أمام البرلمان، إما الموافقة على الموقف المشترك للمجلس، أو الامتناع عن اتخاذ موقف والتالي تبني مشروع لقرار، أو إدخال تعديلات على مشروع القرار وهنا تتشكل لجنة توفيق مكونة من أعضاء البرلمان والمجلس للتوصل إلى حل وسط، ويعاد إرساله للبرلمان لقراءة ثانية، إذا تم رفضه لا يتم تبني المشروع ، وإذا ادخل المجلس تعديلات عليه وفقا لرأي البرلمان (25).

رغم امتلاك الاتحاد الأوروبي لدستور غير ملزم بحيث لم يتم التصديق عليه، إلا أن مجمل البرامج والاستراتيجيات المتخذة في مجال البيئة تتمتع بالتزام الدول بتنفيذها، وهذا الالتزام نابع من طليعة الاتحاد الأوروبي كمنظمة قوية وطبيعة العلاقة بين مؤسساته ودوله والتزامها بما يسنه الاتحاد فضلا عن المبادئ التي ترتكز عليها سياسات الاتحاد الأوروبي من حوار وتشاور وتعاون ومشاركة التي تجعل من السياسات أكثر قبولا والتزاما من طرف الدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص للدول، ولعل أهم ما يجعل سياسات الأمن البيئي في الاتحاد الأوروبي أكث إجماعا والتزاما من سياسات دول جنوب المتوسط هو إعلاء المصلحة العليا للاتحاد الأوروبي على مصلحة الدول الأعضاء وهذا وعيا منها بالمكانة الدولية التي يتمتع بها الاتحاد والوزن والإمكانيات الهامة والإستراتيجية التي تجعل من تعاونه واتحاده أكثر قوة واندماجا من تفككه كدول.

إلا أنه وبالرغم من أسبقية الاتحاد الأوروبي في حماية البيئة من دول الضفة الجنوبية، يلقى بعض الانتقادات تتعلق بعدم إدراج العدالة الايكولوجية أو البيئية في قواعد القانونية وفي تشريعات الدول، بدون إدراج القانوني لهذا المبدأ يجعل بعض الدول الأوروبية تحت تهديد المشكلات خاصة في ظل خصائصها وإقليمها، هذا ما ينتقص من جهود الاتحاد الأوروبي كقوة رائدة في مجال البيئة والمناخ(26).

بينما تبقى البلدان الضفة الجنوبية  تشكل فيها مسألة البيئة مسألة ثانوية كونها تستهدف تحقيق التنمية في ظل هشاشة مؤسساتها ونقص الوعي البيئي لدى المجتمع وقصور المنظومة القانونية على فرض آليات ملزمة لتنفيذها والالتزام بها، مما يجعلها طرف يتلقى سياسات الأمن البيئي في شكل برامج ومشاريع تتضمن إصلاحات اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية.

لذا فإن سياسة الأمن البيئي في منطقة البحر المتوسط مستوحاة بشكل كبير من المبادئ والمبادرات التي تسود الاتحاد الأوروبي، كونه هو من يحدد الضوابط التي يستوجب احترامها، كما أن دول الاتحاد الأوروبي هي الأكثر تصديقا والتزاما بالاتفاقيات الدولية في مجال البيئة .

7-  قصور البناء التشريعي والقانوني وغياب الالتزام:

انتقلت سياسة الأمن البيئي في منطقة البحر الأبيض المتوسط في إطار الشراكة الأورومتوسطية من التركيز في السبعينات على مكافحة التلوث ومصادره إلى هدف التنمية المستدامة والتوفيق بين عنصر الاستدامة البيئية وأهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فمنذ اعتماد “خطة عمل البحر المتوسط” في عام 1975، أحرزت تقدم هام في بلدان البحر الأبيض المتوسط لحماية البيئة على المستوى الوطني والإقليمي، فعلى الصعيد الإقليمي  تم إحراز تقدم واضح واعتماد تعديلات هامة للنصوص القانونية القائمة، فضلا عن اعتماد نصوص قانونية جديدة، بيد أن هذا التقدم على الصعيد الوطني لم يكن متجانس، ففي بلدان الاتحاد الأوروبي ومنذ عام 1973، اعتمدت خمسة برامج لحماية البيئة، التي كانت أساسا لعدد كبير من الأحكام المتصلة بالحماية البيئة في دول الاتحاد، بينما كانت المساعي الوطنية لدول الضفة الجنوبية للمتوسط من أجل حماية البيئة متأخرة نوعا ما مقارنة مع دول الضفة الشمالية ففي جمهورية مصر العربية كان اتخاذ أول قانون موحد لحماية البيئة عام 1994، بينما الجزائر فكانت سنة 1983، أما المغرب فجاء القانون الإطار بمثابة الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة عام 1999م وقد اتخذت فلسطين أول قانون موحد لحماية البيئة عام 1999، بينما تخلفت سورية في اعتماد قانون موحد إلى غاية 2002، فيما تبقى تونس معتمدة على المسلك المتعدد لحماية البيئة بالاعتماد على نصوص قانونية وفقا لمجالات متعدد بشأن البيئة، وعلى هذا الأساس فإن النصوص التشريعية البيئية في دول الضفة الجنوبية للمتوسط إلى حد كبير تأثرت بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدول المتوسطية الجنوبية، فقد شاركت هته الدول في المؤتمرات الدولية للأمم المتحدة وصادقت على أغلب الاتفاقيات المنبثقة عنها، كما عملت على تكريس توصياتها في سياساتها الوطنية على غرار الأخذ بمبدأ التنمية المستدامة كمبدأ ملازم للبيئة، وبالتالي الانخراط في التوجه الدولي لحماية البيئة، لذلك فالالتزام التشريعي والقانوني للدول المتوسطية بحماية البيئة ما هو إلا نتيجة الحراك على المستوى الدولي الذي أدى بدوره إلى تحريك الالتزام الاقليمي في منطقة البحر الأبيض المتوسط لإبرام اتفاقية برشلونة واعتماد خطة عمل البحر الأبيض المتوسط،  لذا فلا يمكن ربط التطور التشريعي لدول ضفتي البحر الأبيض المتوسط في مجال حماية البيئة بالدرجة الأولى بالشراكة الأورومتوسطية، فما هي إلا انعكاس لالتزام دولي أكثر منه إقليمي متوسطي، ولهذا نجد المنظومة القانونية لدول الضفة الجنوبية للمتوسط تشوبها عدة نقائص وسلبيات لا تتماشى ومتطلبات الشراكة الأورومتوسطية ومن بين هذه السلبيات نجد ما يلي:(27)

  • تتبع معظم البلدان الضفة الجنوبية للمتوسط عددا من الأحكام القانونية المتعلقة بالبيئة التي عفا عليها الزمن وتتطلب إجراء تنقيحات دورية عليها.
  • السياسات العليا المعتمدة معقدة وكثيراً ما تتطلب التنسيق مع مختلف الوكالات الحكومية المعنية.
  • فشل آليات الرصد والمتابعة والتقييم المتعلقة بتنفيذ القوانين نظرا لضعف الأطر التشريعية المعنية بذلك.
  • غياب الاستقرار السياسي في الكثير من دول جنوب المتوسط وما يرافقه من التعديلات المتكررة، مما يعيق مسار تنفيذ السياسات البيئية نظراً لإهمال السياسات السابقة.

إلا أنه وبالحديث عن نظام برشلونة بما يشمله من اتفاقيات وبروتوكولات فلا يمكن إنكار أنه نظام متكامل لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من مجمل أشكال التلوث ويمس كل الجوانب البيئية للمنطقة رغم تعقد منظوماتها وتباين خصائصها بصفتها منطقة متمتعة بحماية خاصة، لذا فإن كل ما يكرس لحمايتها يشكل جهود تتعلق بها كمنطقة فريدة دون غيرها، وبالتالي فهو ينطلق من رصد مميزاتها، كما أن هذا النظام يؤسس لوحدة تشريعية فعلية بين الدول المتوسطية من أجل تحقيق الأمن البيئي ومتضمنة الإجراءات الكفيلة للتنفيذ، بيد أن ما ينقصها هو ذلك الإلزام والإجراءات الصارمة والعقوبات الواجب تفعيلها إزاء المخلين بهذا النظام والمخالفين لقواعده، فضلا عن ضرورة إعلاء التشريعات الإقليمية وأخذها في عين الاعتبار لصياغة سياسات الأمن البيئي الوطنية.    

8-  ضعف تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج الوطنية:

عموما لا يمكن إنكار دور البرامج والمشاريع البيئية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والتي تطلقها المؤسسات المعنية بصنع السياسات البيئية في إطار خطة برشلونة، فهي تشكل آلية لترجمة بروتوكولات الاتفاقية ونقل الاتفاقية من الإطار النظري التنظيمي إلى الواقع العملي التنفيذي، فيعتبر برنامج العمل الاستراتيجي للتصدي للتلوث من الأنشطة البرية المعتمد سنة 1997م، برنامج من أجل إعداد خطط ومشاريع تنفيذ بروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث من مصادر وأنشطة برية المعتمد سنة 1996م، بينما ترتبط خطة العمل الإستراتيجية للمحافظة على التنوع البيولوجي البحري والساحلي للمتوسط كإستراتيجية لإرساء قواعد تنفيذ بروتوكول المناطق المتمتعة بحماية خاصة 1995، وقد جاءت الإستراتيجية الإقليمية لمنع التلوث البحري من السفن والتصدي له من أجل حث الأطراف المتعاقدة على الالتزام بتنفيذ بروتوكول بشأن التعاون لمنع تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة، وقد اعتمدت النسخة الأولى من الإستراتيجية نهاية 2005، فيما قد جاءت إستراتيجية إدارة مياه الصابورة وإستراتيجية المتوسطية للتنمية المستدامة آخذة بعين الاعتبار مجمل المشاريع والمبادرات المتعلقة بحماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث.

كما جاء برنامج MEDPOL كبرنامج للبحث العلمي لتنسيق ومراقبة والبحث عن التلوث في منطقة المتوسط، عام 1976م كآلية لتطبيق البروتوكول المتعلق بحماية المتوسط من التلوث البري “أثينا” من خلال انجاز برنامج طويل الأجل للمراقبة المستمرة والبحث فقد أنجز في إطار هذا البرنامج سبعة تجارب عملية نموذجية تمكنت من خلالها الدول المتعاقدة من وضع مخطط شامل لجرد حالة التلوث في المتوسط ، كما ساعدت المعاهد الوطنية التابعة للدول الأطراف على تحقيق هذه التجارب، وسمحت المراقبة الدائمة لمستويات التلوث في المتوسط من خلال هذه التجارب على التعرف على حدوده والمناطق الأكثر تضررا منه وتطوير طرق  الرصد وتبني أساليب أكثر تحليلية للتلوث في المتوسط (28).

ولعل هذا الارتباط بين استراتيجيات تحقيق الأمن البيئي والبروتوكولات الملحقة باتفاقية برشلونة دلالة عملية على السعي نحو نقل جهود تحقيق الأمن البيئي في المنطقة إلى دائرة التنفيذ، بيد أن ما يؤخذ على هذه الاستراتيجيات وما يتبعها من خطط وبرامج هو تأخر الشروع في اعتمادها مقارنة مع البروتوكولات التي جاءت من أجل تنفيذها وهذا إن دل على شيء إنما يدل على غياب الاتفاق والإجماع بين الدول المتوسطية حول آليات التنفيذ نظرا لغياب المناخ التنفيذي الملائم وتباين الرؤى حول القضايا البيئية، فضلا عن تباين الأنظمة البيئية مما يؤدي إلى صعوبة الإجماع حول  الحلول المقترحة لمعالجتها.

وقد كان إنشاء مراكز الأنشطة الإقليمية، كعامل محفز لتعزيز الادارة البيئية الإقليمية وآلية لمراجعة وتقييم الوضع البيئي للأطراف المتعاقدة، فضلا عن مساهمتها في توفير البيانات الإحصائية، إلا أن ذلك تميز بالتباين بين دول ضفتي المتوسط، إذ أن هيكليا قد تم إنشاء مراصد للإحصائيات في الأطراف المعاقدة، بينما تبقى عملية تقديم المعلومات والبيانات الإحصائية المتعلقة بالبيئة محدودة خصوصا في دول الضفة الجنوبية للمتوسط، كما تشكل الدراسات والتقارير التي تطلقها هذه المراكز ذات أهمية لإدراك الوضع البيئي في المنطقة وبالتالي تلعب دورا استشاريا في صياغة سياسات الأمن البيئي في المنطقة، إلا أن عملية رصد الحالة البيئية البحرية والساحلية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط تواجه صعوبات ناتجة عن تباين الأنظمة البيئية في المنطقة باعتبارها ذات أهمية خاصة تتميز بالتنوع والحساسية، والتعرض المستمر للتغير، ومن هنا يصعب صياغة سياسة أمن بيئي شاملة تلقى تطبيقا سليما وناجحا في كل الأطراف.

كما اعتمدت البلدان المتوسطية عدد من الاستراتيجيات لمعالجة المسائل البيئية فعلى سبيل المثال، في عام 2003، أطلقت وزارة البيئة وتهيئة الإقليم بالجزائر برنامج وطني لإدارة النفايات البلدية، والمعروفة باسم البرنامج الوطني للإدارة المتكاملة للنفايات البلدية، ويقدم هذا البرنامج نهج متكامل لإدارة النفايات، وكان المقصود منه القضاء على الممارسات غير المشروعة للدفن وتنظيم جمع النفايات ونقلها والتخلص منها بصورة أكثر فعالية  فضلا عن تحسين إدارة ومراقبة النفايات البلدية، من أجل الحفاظ على نظافة المدن وتحسين نوعية الحياة والحفاظ على الصحة العامة وإنشاء الوظائف الخضراء.

وقد قدمت فلسطين في الآونة الأخيرة إستراتيجية وطنية لإدارة النفايات الصلبة وفقا لقرار رقم 53 مجلس الوزراء الفلسطيني (2008)، وهذه إستراتيجية جديدة تهدف إلى تمهيد الطريق لتطوير إدارة النفايات الصلبة في فلسطين حتى عام 2014، وهي تعتبر أول إستراتيجية مشتركة بين القطاعات لإدارة النفايات والمواد الصلبة في فلسطين، لهذا لا يمكن إنكار أن مشاريع واستراتيجيات الشراكة الأورومتوسطية كانت نقطة مرجعية وإطار لجميع القرارات، والبرامج والأنشطة والخطط المعتمدة في الدول المتوسطية ، حيث قامت مصر باتخاذ إجراءات من أجل إعادة النظر المتكاملة لتحديث وتحديد التحديات الإدارية الجديدة والالتزامات الدولية، هذا الإطار يشكل إستراتيجية وطنية متكاملة لمصر تتوافق مع التزام مصر تجاه البروتوكول الادارة المتكاملة لاتفاقية برشلونة  المعتمد عام 2008.

9- دور الصكوك المالية في عملية التنفيذ:

إن عملية التنفيذ الفعال للبرامج و الاستراتيجيات الوطنية في دول الضفة الجنوبية للمتوسط متوقف على توفر الأدوات المالية، إذ أن بعض البلدان لديها الأموال الوطنية في مكان السماح للقطاع الخاص للاستثمار في عنصر التحكم في التلوث. على سبيل المثال، في عام 1998، قامت إدارة البيئة المغربية، والدعم المالي عبر تعاون ألمانية، تم إنشاء صندوق لمكافحة التلوث الصناعي FODEP، حيث تشجع من خلاله الشركات الصناعية والتجارية لاستخدام التكنولوجيات النظيفة للحد من الانبعاثات الصناعية والتوفير في المواد الخام، كما انطلقت في منطقة طنجة- تطوان، ستة مشاريع في معالجة النفايات السائلة وقد استفاد من صندوق  ما قيمته 14 مليون درهم مغربي أي ما يقابل حوالي 1.2 مليون يورو، وبغية ضمان الاستمرارية للحد من التلوث الصناعي، وقد نفذت المغرب حوافز جديدة للحد من التلوث المياه بفعل الصناعة تسمى آلية الحوافز للتلوث الصناعي للمياه، يوفر هذا الجهاز الموارد المالية لوكالات المياه، ويدعم حتى حوالي 20% إلى 40% من مشاريع إعادة التأهيل، مثل تركيب المحطات معالجة الفضلات السائلة من الوحدات الصناعية، وخصصت لهذه الآلية ميزانية قدرها 100 مليون درهم مغربي أي حوالي 9 مليون يورو  بين عامي 2011 و 2013.

ويوجد صندوق مماثل لمكافحة التلوث الصناعي FODEP في تونس، تم إنشاؤها بواسطة الوكالة الوطنية لحماية البيئة  في عام 1992، ويهدف إلى تحقيق توازن بين التعجيل بالتنمية وحماية البيئة، هذه الآلية المالية تسمح للشركات المصنعة لتنفيذ مشاريع الحد من تلوث المياه والهواء؛ كما أنه يسمح لدعم شركات متخصصة في جمع وإعادة تدوير النفايات، فضلا عن مشاريع توفر الشركات المصنعة للتكنولوجيا النظيفة.

 وفي نهاية عام 2013، تم اعتماد حوالي 510 مشاريع من أجل إزالة و جمع وإعادة تدوير النفايات ودعم التكنولوجيا النظيفة بمبلغ إجمالي حوالي 33230 مليون درهم أي ما يقابله بحوالي 15 مليون يورو أو 20 %  من الاستثمارات(29).

كما قد ارتفع إجمالي المنح المتعلقة بالبيئة في إطار برنامج الشراكة الأورومتوسطية من 1% ما بين 2000 و1995، إلى حوالي11% في الفترة 2001-2004، وكذا 2006-2005، ففي سياق الشراكة الأورومتوسطية فان بنك الاستثمار الأوروبي يمول البلدان الشريكة الأورومتوسطية من خلال قروض مدعومة في مجال البيئة من أجل معالجة مياه الصرف الصحي وإدارة النفايات الصلبة وإزالة التلوث الصناعي، ومياه الشرب ودعم الاستثمارات من أجل التقليل من التلوث الجوي وتحسين المواصلات الحضرية،(30) إلا أن المنح الموجهة للمجال البيئي تبقى ضعيفة مقارنة بالميادين الأخرى للشراكة، كما أن الاهتمام الفعلي بالبيئة لم يتكرس إلا في ظل اعتماد آلية الجوار والشراكة منذ 2007، وبقي ضعيفا مقارنة مع باقي المجالات على غرار المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

فضلا عن مجمل هذه العوامل والمعيقات يرتبط تردي الوضع البيئي في منطقة البحر الأبيض المتوسط ودول الضفة الجنوبية على وجه الخصوص  بمجموعة من السياسات الوطنية المتبعة فيها يمكن إيجازها فيما يلي (31):

  • سياسات طاقوية غير مجبرة على تحقيق نتائج ملموسة، ترتكز على ضرورة مواصلة التسويق وضمان الإيرادات المالية والأمن الطاقوي بغض النظر عن مخلفاتها على البيئة والتنمية.
  • الاستهلاك المتزايد والمستمر للطاقة.
  •  مؤسسات عمومية جد ملوثة تظل دائما المسؤول الأول عن تلويث الهواء بالمناطق الصناعية خاصة في دول الضفة الجنوبية للمتوسط.
  • سيارات متقادمة وملوثة ولا جدوى لها طاقويا في ظل عدم القدرة على التخلص منها واعتماد أخرى صديقة للبيئة، أو أقل إضرارا بها.
  • غياب حقيقة أسعار الخدمات المائية والصحية وهذا ما يحث صعوبات مالية بخصوص توسيع هذه الخدمات وتحسينها.
  • الاستعمال الشامل والمكثف وغير الناجع لمياه الري تشجعه أسعار زهيدة وقلة الحوافز لادخار المياه أو لتخصيصه لاستخدامات ذات قيمة مضافة.
  • غياب حقوق مناسبة لملكية الموارد الطبيعية، يرافقه تزايد سريع في عدد السكان.

الخاتمة:

من خلال ما سبق يمكن القول أن منطقة البحر الأبيض المتوسط تمتلك ترسانة قانونية ومؤسساتية تم اعتمادها من أجل تقوية المناعة البيئية في المنطقة، ولم تأتي هذه السياسة البيئية من فراغ وإنما استندت على جملة من المؤتمرات الدولية والقمم العالمية التي اهتمت بالبيئة وقضايا الأمن البيئي، وأولت منطقة المتوسط أهمية خاصة، وتأتي على رأس هذه المؤتمرات مؤتمر استوكهولم الذي يعتبر نقطة تحول عالمي في مجال البيئة، وما عدة مؤتمرات اهتمت بمسائل البيئة والتنمية المستدامة والمناخ والتصحر والتلوث والتنوع البيولوجي شكلت سياسات مرجعية ارتكزت عليها الدول المتوسطية من أجل صياغة إطار تشريعي شامل ومنظم يكرس التعاون المشترك للحد من المشكلات البيئية التي تهدد الأمن في المنطقة، عرف هذا الإطار التشريعي بنظام برشلونة وقد شهد تطور في المحتوى والمضمون والخطط والالتزامات والسبل والآليات المعتمدة في إطاره لضمان تنفيذ أفضل على البيئة المتوسطية

ويرجع شح الاهتمام المتوسطي بتنفيذ سياسات الأمن البيئي بصورة أكبر إلى تجذر بعض الممارسات الاقتصادية والاجتماعية المهددة للأمن البيئي حيث أصبح من الصعب التخلي عنها وإحلالها بممارسات أخرى مراعية للبيئة ومحققة للاستدامة، كما أن تغليب المصلحة الخاصة للدول في كافة المجالات خاصة منها الاقتصادية جعلها تلغي الالتزام بتنفيذ سياسات الأمن البيئي في المنطقة، ولعل غياب التوازن بين أطراف المتعاقدة اقتصاديا واجتماعيا وحضاريا وسياسيا جعل من سياسات الأمن البيئي آلية لتوسيع الفجوة القائمة تستخدمها أوروبا من أجل تمرير سياساتها الاستثمارية وتوسيع السوق المتوسطية لتكنولوجيتها الجديدة.


1– السيد مصطفى أحمد أبو الخير، الحماية القانونية للبيئة البحرية في القانون الدولي للبحار، القاهرة: ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، 2012، ص 315.

2– بروتوكول بشأن حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث الناشئ عن الإغراق من السفن والطائرات، برشلونة، 16 فبراير، 1976، ص 6-8.

3– برتوكول بشأن التعاون في مكافحة تلوث البحر الأبيض المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى،  برشلونة: 16 فبراير 1976.

4– بروتوكول حماية البحر المتوسط من التلوث من مصادر وأنشطة برية ، أثينا، 17 ماي 1980.

5– بروتوكول لحماية البحر المتوسط من التلوث الناجم عن استكشاف واستغلال الرصيف القاري وقاع البحر وتربته التحتية ، مدريد: 14، أكتوبر 1994.

6– بروتوكول بشأن المناطق المتمتعة بحماية خاصة والتنوع البيولوجي في البحر المتوسط، برشلونة، 10 جويلية 1995.

7– بروتوكول بشأن حماية  البحر المتوسط من التلوث الناجم عن النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، إزمير، 01 أكتوبر 1996.

8 –  أحمد محمد الجمل، حماية البيئة البحرية  من التلوث في ضوء التشريعات الوطنية والاتفاقات الإقليمية والمعاهدات الدولية، الاسكندرية: منشأة المعارف ، 1998، ص 88.

9 –  برنامج الأمم المتحدة للبيئة، خطة عمل البحر الأبيض المتوسط لاتفاقية برشلونة، تم الإطلاع عليه يوم 05/06/2016، أنظر في الرابط الآتي:

https://urlr.me/HvnSs (تاريخ التصفح: 17/28/2023)

10–  اتفاقية حماية البيئة البحرية والمنطقة الساحلية للبحر المتوسط، الاتفاقية المعدلة، 10/جوان/1995، برشلونة، 1995.

11 -بروتوكول  بشأن الادارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط،  برشلونة: 21 جانفي 2008.

12 – محمد عادل عسكر، القانون البيئي الدولي، تغير المناخ- التحديات والمواجهة دراسة تحليلية تأصيلية مقارنة لأحكام اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية وبروتوكول كيوتو، الاسكندرية: دار الجامعة الجديدة، 2013 ، ص 153.

13-UNEP ,Mediterranean Action Plan, MEDITERRANEAN STRATEGY FOR SUSTAINABLE DEVELOPMENT, p5-6, vu le 03/04/2017, sur le sit web:

https://urlr.me/TXZxq

14– UNEP(OCA)/MED,  STRATEGIC ACTION PROGRAMME TO ADDRESSPOLLUTION FROM LAND-BASED ACTIVITIES, Annex IVAppendix II, p 4.

15 – Programme des Nations Unies pour l’Environnement, Plan d’Action Pour la Méditerranée, PROGRAMME D’ACTION STRATEGIQUE POUR LA CONSERVATION DE LA DIVERSITE BIOLOGIQUE (PAS BIO)

EN REGION MEDITERRANEENNE, p 2,3, vu le 12/01/2017, sur le site : https://urlr.me/9MKpR

16 – UNEP(DEPI)/MED , Stratégie régionale pour la prévention et la lutte contrela pollution marine provenant des navires (2016-2021),Décision IG.22/4, p 275-277,vu le : 7/04/2017, sur le site web :  https://urlr.me/39MhJ

17– مبادرة أفق  2020، تم الإطلاع عليه يوم 04/06/2016،  أنظر في الرابط الآتي: https://urlr.me/mRNhc (تاريخ التصفح: 18/03/2023)

18– برنامج عمل للمرحلة الثانية من مبادرة أفق2020 من أجل منطقة متوسطية أكثر نظافة (2015-2020)،تم الاطلاع عليه يوم: 02/06/2016، أنظر في الرابط الآتي:   https://urlr.me/g15LG   (تاريخ التصفح:12/25/2023)           

19 – Wetlands for a sustainableMediterraneanregion, vu le: 23/03/2017, sur le site web:www.MedWet.org

20– معين حداد ، التغير المناخي الاحترار العالمي ودوره في النزاع الدولي ، بيروت: شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، 2012، ص45.

21 – مخلفي أمينة، النفط والطاقات البديلة المتجددة وغير المتجددة، مجلة الباحث، العدد: 09، الجزائر: جامعة ورقلة،2011،  ص231.

22– نادية ضياء شكارة علم البيئة والسياسة الدولية، عمان: دار مجدلاوي للنشر والتوزيع 2014، ص 377.

23– المرجع نفسه، ص 385.

24– معين حداد ،المرجع السابق، ص 111-112.

25– نهاد أنور سيد محمد، الاطار التنظيمي لعمل الاتحاد الأوروبي في مجال المناخ، مجلة السياسة الدولية، العدد 202، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة: أكتوبر، 2015، ص46.

26– المرجع نفسه، ص 48.

27-Agence européenne pour l’environnement,Rapport Horizon 2020 sur la Méditerranée Vers des systèmes d’information partagés sur l’environnementNO 11, Copenhague, 2014, p141.

28– واعلي جمال، الحماية القانونية للبيئة البحرية من أخطار التلوث (دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه، الجزائر:  جامعة أبو بكر بلقايد– تلمسان-، كلية الحقوق والعلوم السياسية،  2009/2010، ص 113،114.

29 -Agence européenne pour l’environnement, ibid, pp 142, 145.

30– المجموعة الأوروبية، يوروميد، البيئة والتنمية المستدامة في منطقة البحر المتوسط: عشر سنوات من التعاون 1995-2005، لكسمبورغ: مكتب المنشورات الرسمية للمجموعة الأوروبية، 2005، ص 14.

31– عبد الطيف بن أشنهو ، ياسين بن أشنهو، المحيط والتنمية في البحر المتوسط، أيف منشورات المتوسط: تونس، 2000، ص 70-71.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى