اقتصاد البندقية: دراسة حالة قاعدة خاتم الأنبياء وتآكل الدولة المدنية في إيران (2005-2013)

ريتا بولس شهوان
صحافية استقصائية متخصّصة في الشأنين الاقتصادي والاجتماعي، وباحثة في تحليل الخطاب.
تكشف الدراسة عن كيفية تحويل الحرس الثوري الإيراني لسياسة الخصخصة من أداة إصلاح اقتصادي إلى آلية لتنفيذ “انقلاب ناعم”، مما يجسد نظرية “الاستيلاء على الدولة” وتأسيس “دولة عميقة”. لم تكن هذه الهيمنة وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى بيئة العقوبات الدولية التي دفعت النظام نحو قنوات اقتصادية غير رسمية. ومع ذلك، مثّلت فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013) “العصر الذهبي” لهذا التحول، حيث أصبحت الحكومة امتداداً للمؤسسة العسكرية، وتم تحريف الخصخصة لتصبح عملية إعادة توزيع للأصول العامة.
عملياً، استحوذت الدولة والهيئات شبه الحكومية على 84% من الأصول المخصخصة، بينما لم يتجاوز نصيب القطاع الخاص الحقيقي 16%. وكان الحرس الثوري، عبر ذراعه الاقتصادي “قاعدة خاتم الأنبياء”، المستفيد الأكبر، حيث احتكر العقود الاستراتيجية في قطاعات النفط والبنية التحتية بدون عطاءات تنافسية.
وقد تم تمكين هذه العملية عبر ثلاثة محاور متكاملة: أولاً، الغطاء القانوني عبر إعادة تفسير المادة 44 من الدستور. ثانياً، التحالف السياسي مع حكومة أحمدي نجاد، التي ضمّت نسبة كبيرة من ضباط الحرس كوزراء، مما عطّل آليات الرقابة. ثالثاً، الغطاء الأيديولوجي الذي استخدم مفاهيم مثل “اقتصاد المقاومة” و”الجهاد الاقتصادي” لشرعنة الهيمنة وتحويلها إلى واجب ثوري، مما أقصى المنافسين المدنيين.
تستخدم الدراسة مفاهيم “الخصخصة العكسية” و”الاستيلاء الأيديولوجي على الدولة” لتفسير هذه الظاهرة. وتخلص إلى أن هذه الديناميكيات كانت استراتيجية ممنهجة لتأسيس “دولة موازية” ذات أساس اقتصادي صلب ومستقلة مالياً عن المؤسسات المنتخبة.
وكانت النتيجة تآكل الدولة المدنية لصالح “دولة أمنية/ عسكرية” تسيطر فيها المؤسسات غير المنتخبة على الثروة والقرار، مما يثبت كيف يمكن تحريف سياسة اقتصادية لترسيخ هيمنة النخب العسكرية – الدينية وتأسيس ديكتاتورية عسكرية.
كلمات مفتاحية: الحرس الثوري الإيراني، الخصخصة، الاستيلاء على الدولة، الدولة العميقة، اقتصاد المقاومة، خاتم الأنبياء، أحمدي نجاد، الخصخصة العكسية.
مقدمة:
تكشف الدراسة كيف استخدم الحرس الثوري الإيراني سياسة الخصخصة كأداة لتنفيذ “انقلاب ناعم” اقتصادي، بما ينسجم مع نظرية “الاستيلاء على الدولة”([1])، وتأسيس “دولة عميقة”([2]).
تؤكد الأدبيات أن هذه الهيمنة لم تكن وليدة اللحظة، بل تشكلت جذورها في بيئة من العقوبات الدولية التي دفعت النظام للبحث عن قنوات اقتصادية غير رسمية ([3]).
إلا أن فترة رئاسة أحمدي نجاد (2005-2013) مثلت “العصر الذهبي” لهذا التحول، حيث أصبحت الحكومة امتداداً للمؤسسة العسكرية بتعيين عدد كبير من ضباط الحرس كوزراء([4])، وتم منح “مئات العقود الحكومية بدون عطاءات” ([5])، وذلك تحت غطاء قانوني عبر إعادة تفسير المادة 44 من الدستور ([6]).
عملياً، حُرّفت الخصخصة لتصبح آلية لإعادة توزيع الأصول العامة، حيث لم يتجاوز نصيب القطاع الخاص الحقيقي 16%، بينما استحوذت الدولة والهيئات شبه الحكومية على 84% ([7]) وكان الحرس الثوري، عبر ذراعه الاقتصادي “خاتم الأنبياء”، المستفيد الأكبر باحتكاره العقود الاستراتيجية ([8])، بدعم من هيكل ولاية الفقيه الذي أتاح له العمل بمنأى عن رقابة الحكومة([9]).
ولتفسير هذه الظاهرة التي تشكل “اقتصاد البندقية”، تقدم الدراسة إسهامات نظرية مبتكرة مثل “الخصخصة العكسية” و “الاستيلاء الأيديولوجي على الدولة”، وذلك تحت غطاء مفاهيم شرعنة مثل “اقتصاد المقاومة” ([10]) التي حولت الهيمنة الاقتصادية إلى واجب ثوري.
تتمحور الإشكالية المحورية للدراسة حول كيفية تمكّن الحرس من تحويل أداة اقتصادية، مصممة نظرياً لتعزيز الدولة المدنية، إلى آلية لفرض هيمنته وتهميش المؤسسات المنتخبة. تفترض الدراسة أن هذا التحول كان استراتيجية ممنهجة لتأسيس “دولة موازية” ذات أساس اقتصادي صلب.
منهجياً، يعتمد البحث على دراسة حالة (قاعدة خاتم الأنبياء) مستخدماً تحليل الخطاب وتتبع المسار. ويخلص إلى أن هذه الديناميكيات أدت إلى تآكل الدولة المدنية لصالح “دولة أمنية/عسكرية” تسيطر فيها المؤسسات غير المنتخبة على الثروة والقرار، مما يثبت كيف يمكن تحريف سياسة اقتصادية لترسيخ هيمنة النخب العسكرية-الدينية.
المبحث الأول: من الخصخصة إلى الأيديولوجية
شهدت إيران خلال العقدين الماضيين (2005 – 2025) محاولاتٍ لتطبيق سياسة الخصخصة الاقتصادية بهدف تعزيز دور القطاع الخاص وتقوية أسس الدولة المدنية. وقد تزايدت هذه الجهود مع تولي محمود أحمدي نجاد الرئاسة (2005–2013)، حيث اعتُبرت الخصخصة إحدى ركائز برنامجه الاقتصادي الرامي – نظريًا – إلى تحرير الاقتصاد من هيمنة الدولة وتشجيع المشاركة الشعبية في التنمية. غير أن مسار الخصخصة في إيران انحرف بعيدًا عن أهدافه المعلنة، ليتحوّل إلى أداة بيد النخبة الحاكمة لتعزيز الحكم غير الديمقراطي وتكريس نفوذ المؤسسات الموازية للسلطة.
عملية الخصخصة الإيرانية أفضت فعليًا إلى إعادة توزيع الأصول العامة لصالح كيانات مرتبطة بالحكم بدلاً من رفد القطاع الخاص المستقل([11]) فقد انتقلت الحصة الأكبر من الشركات والممتلكات الحكومية المُخصخصة إلى مؤسسات شبه حكومية أو تابعة لأجهزة نافذة في الدولة، عوضًا عن المستثمرين المدنيين.
وعلى مدار خمسة عشر عامًا من تطبيق الخصخصة، لم يُخصَّص للقطاع الخاص الحقيقي سوى حوالي 16% من قيمة تلك الأصول، بينما بقي نحو 84% منها تحت سيطرة الدولة أو هيئات شبه حكومية مثل برنامج “أسهم العدالة” الشعبي ([12]).تعكس هذه الأرقام مدى فشل الخصخصة في تحقيق غايتها الأصلية؛ إذ جرى توظيفها كأداة لحكم غير ديمقراطي بدلًا من أن تكون وسيلةً لتعزيز اقتصاد تنافسي يدعم المؤسسات المنتخبة.
ضمن هذا الإطار، برز دور الحرس الثوري الإيراني بوصفه أكبر المستفيدين من نهج الخصخصة المشوَّه. فلقد استغل الحرس الثوري – عبر ذراعه الاقتصادي المتمثل في مقر “خاتم الأنبياء” الإنشائي – موجة الخصخصة لتحويل الكثير من الأصول والمشاريع إلى سيطرته المباشرة. خلال عهد أحمدي نجاد، حصلت شركات الحرس الثوري على عقود حكومية ضخمة في قطاعات استراتيجية (كالنفط والبنية التحتية) دون منافسة فعلية، مما مكّن مقر خاتم الأنبياء من توسعة نفوذه الاقتصادي بشكل غير مسبوق ([13]). وبحلول نهاية تلك الفترة، كان “خاتم الأنبياء” قد رسّخ موقعه كواجهة اقتصادية توسعية للحرس الثوري تحتكر نصيب الأسد من المشاريع التنموية في إيران.
لقد ساهم هيكل الحكم القائم على ولاية الفقيه في تمكين هذه الهيمنة الاقتصادية ذات الطابع الأمني/العسكري. فمن خلال صلاحياته الواسعة، أعاد المرشد الأعلى علي خامنئي توجيه سياسات الخصخصة على نحو يضمن بقاء القطاعات الرئيسية تحت تأثير الموالين له وللحرس الثوري. على سبيل المثال، ضمّت هيئات صنع القرار الاقتصادي (مثل مجلس الخصخصة ومكافحة الاحتكار) شخصياتٍ من مكتب المرشد وممثلين عن مؤسسات ثورية ودينية وعسكرية نافذة، مما قوّض استقلالية تلك الهيئات.
وتُظهر التقارير أن المؤسسات الاقتصادية الكبرى المرتبطة بالمرشد – مثل هيئة تنفيذ أوامر الإمام ومؤسسة المستضعفين بالإضافة إلى مقر خاتم الأنبياء – تعمل بمنأى عن رقابة الحكومة أو البرلمان، نظرًا لارتباطها المباشر بالمرشد الأعلى ([14]). بهذا لعبت ولاية الفقيه دورًا محوريًا في إعادة توجيه الاقتصاد لخدمة مصالح الدولة العميقة على حساب إضعاف المؤسسات المنتخبة ودورها الرقابي.
أولا: الأطر النظرية والمفاهيمية لتحليل الاقتصاد الإيراني
1: التجاوز النظري للاقتصاد الكلاسيكي
يُعتبر النظام الاقتصادي الإيراني حالة فريدة تتطلب تطوير أطر نظرية متخصصة تتجاوز النظريات الاقتصادية التقليدية. فبينما تفترض النظريات الكلاسيكية للخصخصة وجود بيئة تنافسية وشفافة تهدف إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية ([15])، فإن الحالة الإيرانية تكشف عن تحويل هذه الآلية إلى أداة سياسية-أيديولوجية لإعادة هيكلة السلطة.
كما يوضح الباحث الاقتصادي الإيراني مهرداد وليبيجي ([16])، فإن “النظرية الاقتصادية الإسلامية ليست مجموعة موحدة من الأفكار”، وأن هناك “نهجين متضاربين لحقوق الملكية الخاصة والدور الاقتصادي للدولة، نهج ‘ليبرالي’ ونهج ‘راديكالي'”. هذا التناقض النظري أدى إلى “تنفيذ سياسات غير متماسكة لأسلمة الاقتصاد” خلال فترة أحمدي نجاد.
2: نظرية الدولة الريعية المختلطة
طور الباحثون المختصون بالشأن الإيراني نظرية جديدة تُعرف بـ”الدولة الريعية المختلطة” لتفسير خصوصية النظام الإيراني. كما يشير محمد زهيري نجاد ([17])، فإن النظام الإيراني يُمثل “نظاماً مختلطاً” يجمع بين خصائص الديمقراطية والسلطوية والثيوقراطية.
هذه النظرية تؤكد أن “الدولة الريعية” في إيران لا تعتمد فقط على عائدات النفط، بل تستخدم هذه العائدات لتمويل شبكة معقدة من المؤسسات غير المنتخبة. كما يوضح التحليل، فإن “80% من إجمالي عائدات الصادرات الإيرانية تأتي من النفط، و60% من عائدات الحكومة، و25% من الناتج المحلي الإجمالي.”
3: نظرية الاقتصاد الثوري
برزت نظرية أخرى متخصصة تُعرف بـ”الاقتصاد الثوري” كإطار نظري لفهم السياسات الاقتصادية في إيران. هذه النظرية، التي طورها منظرون إيرانيون، تدمج بين الأيديولوجيا الثورية والممارسة الاقتصادية. كما يوضح تحليل “اقتصاد المقاومة”، فإن هذا المفهوم “ليس تكتيكاً قصير المدى كرد فعل على العقوبات، بل نهج وإستراتيجية طويلة الأمد”.
الأسس النظرية لهذا الاقتصاد تقوم على([18]): الاكتفاء الذاتي الاستراتيجي أي تقليل الاعتماد على الاقتصاد العالمي، الجهاد الاقتصادي أي تحويل الأنشطة الاقتصادية إلى عبادة دينية، مقاومة الهيمنة أي استخدام الاقتصاد كأداة للمقاومة السياسية
4: نظرية السلطوية الدستورية
طور الدارسون للنظام الإيراني مفهوم “السلطوية الدستورية” لوصف نظام يجمع بين الشرعية الدستورية والممارسة السلطوية. كما يوضح كيان تاج بخش ([19])، فإن “النخب الوطنية يمكن أن تستخدم الانتخابات المحلية لتعزيز بناء الدولة من خلال الإدماج المؤسسي المتزايد للمشاركة السياسية الجماهيرية”.
هذه النظرية تفسر كيف يمكن للنظام الإيراني أن يحافظ على شكل دستوري مع ممارسة سلطوية فعلية، خاصة في المجال الاقتصادي حيث تُستخدم “ولاية الفقيه” كآلية “للاقتصاد الدستوري تحت قيادة فكرية يُعتقد أنها موجهة إلهياً”.
5: البنية المفاهيمية للخطاب:
تأسس الخطاب الاقتصادي للحرس الثوري على مفهوم “الجهاد الإعماري” الذي يصور الأنشطة الاقتصادية كواجب ديني. كما يؤكد رئيس “قاعدة خاتم الأنبياء” سعيد محمد، فإن “الجهاد الاقتصادي يجب أن يُلاحظ كالجهاد العسكري في الذهن، بحيث تصبح الأنشطة الاقتصادية النافعة قضية إلهية” ([20]) هذا التأطير الديني حول المشاريع الاقتصادية من مجرد أنشطة تجارية إلى “عبادة” تستحق الأولوية والدعم.
وفي خطاب أمام صلاة الجمعة في طهران عام 2019، أعلن محمد أن “اقتصاد المقاومة هو الحل لمشاكل إيران الاقتصادية ([21]). وأكد أن “مراقبة القوة العسكرية للقوات المسلحة الإيرانية والحرس الثوري تحديداً، جعلت القوى المتكبرة بقيادة الولايات المتحدة لا تتحدث عن المواجهة العسكرية وانتقلت بلا حول ولا قوة من البنتاغون إلى وزارة الخزانة لممارسة ضغط اقتصادي جبان وغير عادل على الشعب الإيراني”.
6: تطور مفهوم “اقتصاد المقاومة”
برز مفهوم “اقتصاد المقاومة” كاستراتيجية شاملة في خطابات المرشد الأعلى علي خامنئي. ففي تحليل شامل لـ180 خطاباً للمرشد الأعلى بين عامي 2005 و2013، تبين أن الخطاب ركز على تصوير التهديدات المستقبلية للـ”دشمن” (العدو) وتقديم “اقتصاد المقاومة” كوسيلة لـ”منع تحقق التهديدات المفترضة في المستقبل(. ([22]
كما يوضح خامنئي في خطاب عام 2014، أن “اقتصاد المقاومة ليس تكتيكاً قصير المدى كرد فعل على العقوبات، بل نهج وإستراتيجية طويلة الأمد تستند إلى ظروف ومتطلبات الجمهورية الإسلامية” ([23]). ويؤكد أن هذا الاقتصاد يهدف إلى “تحويل إمكانات البلاد إلى ميزة استراتيجية”.
6: مفهوم الاستيلاء على الدولة:
لا يعني هذا المفهوم مجرد التربح من الدولة، بل يعني سيطرة شبكات مصالح خاصة (في هذه الحالة، مؤسسة عسكرية-أيديولوجية) على عملية صنع القرار وصياغة القوانين والسياسات لخدمة مصالحها الخاصة بشكل منهجي ([24]) ، حيث لم يكتفِ الحرس الثوري بالفوز بالعقود، بل شارك في إعادة كتابة “قواعد اللعبة” الاقتصادية عبر التأثير على تفسير وتطبيق المادة 44 من الدستور، وإلغاء المناقصات الشفافة، وتمرير الصفقات عبر أوامر مباشرة.
7: مفهوم الدولة العميقة:
يشير إلى وجود شبكة من المؤسسات غير المنتخبة (العسكرية، الأمنية، القضائية) التي تمتلك سلطة حقيقية وتعمل بشكل موازٍ أو مهيمن على المؤسسات المنتخبة ديمقراطيًا() ([25]في الحالة الإيرانية، يمثل الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى جوهر هذه الدولة العميقة. كان الاستيلاء الاقتصادي هو الوسيلة التي مكنت هذه الدولة العميقة من تأمين استقلاليتها المالية الكاملة، وبالتالي تحصين نفوذها السياسي ضد أي مساءلة من قبل الحكومة أو البرلمان.
ثانيًا: الاستيلاء عبر الأيديولوجيا الدينية وتهميش الدولة المدنية
باستخدام منهج تتبع المسار ومنهج تحليل الخطاب، يمكن رصد الخطوات التي حولت الخصخصة إلى أداة هيمنة:
الخطوة الأولى: الشرعنة الأيديولوجية والقانونية
لم تقدم عملية الاستيلاء نفسها على أنها استيلاء، بل تم تسويقها عبر خطاب يمزج بين الدين والثورة والاقتصاد.
(أ) الخطاب الرسمي: تم تقديم تعديل المادة 44، كما تشير كيشافارز ([26])، على أنه تنفيذ لوصايا الإمام الخميني وتوجيهات المرشد الأعلى لـ”تحقيق العدالة الاجتماعية” و”تمكين المحرومين”.
(ب) خطاب الحرس الثوري: صوّرت “قاعدة خاتم الأنبياء” أنشطتها الاقتصادية على أنها “جهاد إعماري” و”مقاومة اقتصادية” ضد العقوبات و”الاستكبار العالمي”. هذا الخطاب حول المنافسة الاقتصادية من سباق على الكفاءة إلى اختبار للولاء الثوري، مما أقصى القطاع الخاص المدني الذي لا يملك هذه الشرعية الأيديولوجية.
الخطوة الثانية: التمكين السياسي عبر التحالف الحاسم (2005)
كان وصول محمود أحمدي نجاد، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري، إلى الرئاسة هو المحفز السياسي الذي أطلق العنان لعملية الاستيلاء. كما يوضح آلفونه ([27])، لم تكن حكومة أحمدي نجاد مجرد حليف للحرس، بل كانت امتدادًا له، مع وجود 12 وزيرًا من خلفيات عسكرية. هذا التحالف وفّر الغطاء السياسي اللازم لتمرير القرارات التالية: تهميش دور البرلمان ووزارة الاقتصاد والمؤسسات الرقابية، ومنح العقود الضخمة بأوامر حكومية مباشرة، متجاوزة الإجراءات القانونية للمناقصات المفتوحة، وهو ما تؤكده باجوغلي ([28]) ورضائي ([29]).
الخطوة الثالثة: التنفيذ عبر “قاعدة خاتم الأنبياء”
كانت “قاعدة خاتم الأنبياء” هي الأداة التنفيذية المثالية، فهي تجمع بين القدرة الفنية (المكتسبة من مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب) والغطاء الأيديولوجي. وتوضح الأدبيات مسار الصفقات الكبرى كدليل ملموس، توقيع صفقة شركة الاتصالات الإيرانية (2009) كما يوثق آلفونه ([30])، حيث تم إقصاء الكونسورتيوم المنافس من القطاع الخاص في اللحظة الأخيرة بحجة “مخاوف أمنية”، لتفوز “خاتم الأنبياء” بالصفقة. هذا يثبت أن الهدف لم يكن المنافسة، بل الإقصاء المتعمد.
وتشير كيشافارز ([31]) إلى منح عقود تطوير حقول الغاز الضخمة للقاعدة “بدون أي عطاءات منافسة”. هذا يمثل تسليمًا مباشرًا لأهم مصدر ثروة في البلاد إلى مؤسسة عسكرية، ويلخص خوشنود وبرجي زاده ([32])، كيف تمكنت القاعدة من “احتكار حصة الأسد من المشاريع الاقتصادية والتنموية”، محولة نفسها إلى لاعب لا يمكن منافسته.
المبحث الثاني: تحليل آلية الاستيلاء وتهميش الدولة المدنية:
يتناول هذا المبحث آلية الاستيلاء التي حولت الخصخصة في إيران إلى أداة هيمنة خلال فترة أحمدي نجاد (2005-2013، باستخدام منهجي تتبع المسار وتحليل الخطاب، نرصد الخطوات التي مكنت الحرس الثوري الإيراني من تأسيس إمبراطورية اقتصادية وتهميش الدولة المدنية ([33]).
الخطوة الأولى: الشرعنة الأيديولوجية والقانونية
لم تقدم عملية الاستيلاء نفسها على أنها استيلاء، بل تم تسويقها عبر خطاب يمزج بين الدين والثورة والاقتصاد. في يوليو 2005، أصدر المرشد الأعلى علي خامنئي مرسوماً يدعو إلى تسريع تنفيذ المادة 44 من الدستور، مطالباً بنقل %80 من أصول الدولة إلى القطاع غير الحكومي([34]).
الجدول رقم 1: الأرقام الأساسية للخصخصة

صوّرت “قاعدة خاتم الأنبياء” أنشطتها الاقتصادية على أنها “جهاد إعماري” و”مقاومة اقتصادية” ضد العقوبات و”الاستكبار العالمي”([35])، هذا الخطاب حول المنافسة الاقتصادية من سباق على الكفاءة إلى اختبار للولاء الثوري، مما أقصى القطاع الخاص المدني الذي لا يملك هذه الشرعية الأيديولوجية([36]).
الخطوة الثانية: التمكين السياسي عبر التحالف الحاسم (2005(
كان وصول محمود أحمدي نجاد إلى الرئاسة هو المحفز السياسي الذي أطلق العنان لعملية الاستيلاء. خلال فترته الأولى (2005-2009)، تراوح عدد الوزراء من خلفيات الحرس الثوري والباسيج بين 6 و10 وزراء ([37])، وفي عام 2011، عندما عين غلام رضا رستمي وزيراً للنفط، ارتفع عدد الوزراء من خلفية الحرس الثوري إلى 12 من أصل 21 وزيرًا ([38]).
الخطوة الثالثة: التنفيذ عبر “قاعدة خاتم الأنبياء“
كانت “قاعدة خاتم الأنبياء” هي الأداة التنفيذية المثالية، فهي تجمع بين القدرة الفنية والغطاء الأيديولوجي. الأرقام التالية تُظهر النمو الهائل، فخلال الفترة بين 1990 و2007، بلغ عدد المشاريع التي أنجزتها “قاعدة خاتم الأنبياء” التابعة للحرس الثوري الإيراني حوالي 1,500 مشروع، وهو ما يؤشر إلى التوسع السريع في نشاط هذه المؤسسة خلال أقل من عقدين.
واصلت وتيرة النمو في السنوات اللاحقة، ليصل عدد المشاريع المنجزة إلى أكثر من 2,500 مشروع بحلول عام 2014، ما يعكس معدل نمو ملحوظ قُدّر بحوالي 67%. هذا النمو يُعد دليلاً على تحول القاعدة إلى أحد أكبر المقاولين والمؤسسات الاقتصادية في إيران، نتيجة سياسة إسناد المشاريع الحكومية الكبرى إليها بدون منافسة مفتوحة، فيما ظل القطاع الخاص المدني مهمّشاً طوال هذه الفترة ([39]).
1- صفقة شركة الاتصالات الإيرانية (2009): في سبتمبر 2009، استحوذ كونسورتيوم “اعتماد موبين” المرتبط بالحرس الثوري على 50% + سهم واحد من شركة الاتصالات الإيرانية مقابل 7.8 مليار ([40]).تم إقصاء الكونسورتيوم المنافس “پیشگامان كویر یزد” في اللحظة الأخيرة بحجة “مخاوف أمنية” ([41]).
2- عقود قطاع النفط والغاز (بارس الجنوبي): في مارس 2025، تم توقيع عقود مشروع رفع الضغط في حقل بارس الجنوبي بقيمة 17 مليار دولار، حيث حصلت قاعدة خاتم الأنبياء على عقود بقيمة 4.93 مليار دولار (المحاور 3 و 6([42]).
3- كما أصبحت القاعدة مقاولاً حصرياً لمشاريع حكومية عديدة، غالباً ما تُمنح بدون مناقصات رسمية ([43])، وحصلت على عقد بقيمة 1.3 مليار دولار لإنشاء خط أنابيب غاز من عسلویه إلى سيستان وبلوشستان، وعقد بقيمة 2.5 مليار دولار لإتمام المرحلتين 15 و16 من حقل بارس الجنوبي، وعقد غازي بدون مناقصة بقيمة 970 مليون دولار لتطوير حقلي حالگان وسفید باغون ([44])
4- الأدلة الكمية تثبت أن ما حدث لم يكن “فرصة اقتصادية عابرة”، بل “استراتيجية ممنهجة ومخطط لها” ([45])
- 1,026 تريليون ريال قيمة الأصول المخصخصة خلال عهد أحمدي نجاد (2006-2013)([46])
- 25 مليار دولار قيمة عقود خاتم الأنبياء (2005-2011 ([47])
- 440% نمو في عدد موظفي خاتم الأنبياء (2009-/2014 ([48])
5- الأدلة على استبعاد المنافسين واضحة:
- إقصاء الكونسورتيوم المنافس في صفقة الاتصالات بحجج أمنية([49] )
- %87من التحويلات ذهبت لجهات شبه حكومية، و13% للقطاع الخاص.([50])
- 50,000 عامل فقدوا وظائفهم بسبب فشل الخصخصة([51])
6- تأكيد الفرضية السياسية: تحول ميزان القوى
- %57من الوزراء من خلفية الحرس الثوري في 2011([52])
- % 33من الاقتصاد الإيراني تحت سيطرة الحرس الثوري بحلول 2010([53])
- % 50من الاقتصاد الإيراني تحت سيطرة الحرس الثوري حسب تقديرات حديثة([54])
7- تأكيد الفرضية المؤسسية: الدولة الموازية
- 135,000موظف في خاتم الأنبياء بحلول 2014
- 500,000 شخص يعملون بطريقة غير مباشرة لصالح القاعدة
- 2,500 مشروع منجز، مما يجعلها أكبر مقاول في إيران ([55])
8- الأثر الاقتصادي المقاس:
رغم النمو الظاهري، فإن الأرقام تكشف عن تركز الثروة: متوسط النمو 5.6% سنوياً (2005-2008 ([56]) 500 مليار دولار عائدات نفطية (2005-2011(، لكن فشل في تحقيق هدف النمو 8% المحدد في الخطة الرابعة)[57] (
التطور الزمني للاستيلاء: البيانات المرحلية
المرحلة الأولى: الشرعنة القانونية (2005-2006(
يوليو 2005: إصدار المرسوم الأعلى لتسريع تنفيذ المادة 44 ) ([58]
:2006 بداية نقل 80% من أصول الدولة بقيمة 72 مليار دولار)[59](
المرحلة الثانية: التمكين السياسي (2005-2009)
أغسطس 2005: تولي أحمدي نجاد الرئاسة مع 6-10 وزراء من خلفية عسكرية[60]
2009 وصول عدد موظفي خاتم الأنبياء إلى 25,000 موظف ([61])
المرحلة الثالثة: التنفيذ الاحتكاري (2009-2013):
2009: صفقة الاتصالات بقيمة 7.8 مليار دولار([62])
2011 ارتفاع الوزراء العسكريين إلى 12 وزيراً % 57([63] )
2011 عقود الغاز بدون مناقصات
2014 وصول موظفي خاتم الأنبياء إلى 135,000 موظف([64])
وأمام هذه المعطيات يُوضح هاريس (2013) في دراسته المهمة حول “صعود دولة المقاول المطلبي”، فإن ما حدث في إيران يختلف عن نماذج الخصخصة التقليدية. بدلاً من التحول إلى اقتصاد السوق الحر، شهدت إيران “خصخصة زائفة” حيث انتقلت الأصول من الدولة إلى منظمات شبه حكومية متنوعة تشمل البنوك، التعاونيات، صناديق المعاشات، المؤسسات، والمقاولين المرتبطين بالجيش ([65]).
وبحسب تحليل البنك الدولي (2018)، فإن إحدى أهم النتائج السلبية للخصخصة في إيران هي عدم تحقيق الأهداف المرجوة من تحسين الكفاءة وخلق فرص العمل. بدلاً من ذلك، أدت إلى تركز الثروة في أيدي قلة من المتصلين سياسياً ([66]).
ووفقاً لدراسة مالوني (2015) حول الاقتصاد السياسي الإيراني، فإن عملية الخصخصة في إيران تمت بشكل مستقل وليس بالتعاون مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، مما ميزها عن تجارب أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، لكنها أدت إلى نتائج سلبية أكثر([67]).
المبحث الثالث: سياسات ترسيخ النموذج
تمكن الحرس الثوري الإيراني عبر “قاعدة خاتم الأنبياء” من تحويل سياسات الخصخصة إلى أداة هيمنة خلال فترة أحمدي نجاد عبر آلية متكاملة من الاستيلاء على الدولة، تضمنت ثلاث مراحل محددة كمياً:
الخطوة الأولى: الشرعنة القانونية:
حيث تم نقل 80% من أصول الدولة (قيمتها 1,026 تريليون ريال) ([68])، وهو ما ترتب عليه تأسيس إمبراطورية اقتصادية تسيطر على 33-50% من الاقتصاد الإيراني([69])، مع 135,000 موظف مباشر و500,000 غير مباشر([70]) مما حول إيران من دولة مدنية إلى ما يُسمى “دولة المقاول المطلبي” (Subcontractor State) كما وصفها هاريس (2013) في دراسته الرائدة([71])
هذا التحول، كما يؤكد ألفونه (2013)، يمثل تحولاً من النظام الثيوقراطي التقليدي إلى ديكتاتورية عسكرية يهيمن عليها ضباط الحرس الثوري الإسلامي، مما يشكل تحدياً كبيراً للمصالح الأمريكية والغربية في الشرق الأوسط وخارجه ([72]).
هذه الأرقام تعزز فكرة استخدام شعارات “الخصخصة” و”اقتصاد المقاومة” كحصان طروادة للاستيلاء على الدولة من الداخل، وتحويل اقتصاد دولة بالكامل ليخدم مصالح مؤسسة عسكرية واحدة، مما أدى إلى تهميش القطاع الخاص الحقيقي، وإضعاف مؤسسات الدولة المدنية، وخلق نظام هجين فريد من نوعه: ديكتاتورية عسكرية ترتدي عباءة دينية وتستخدم أدوات اقتصادية للسيطرة.
وهو ما يمكن تسميته “انقلاب اقتصادي صامت” أو “خصخصة عكسية”. بدلاً من نقل أصول الدولة إلى قطاع خاص حقيقي لزيادة الكفاءة والمنافسة، تم تحويلها بشكل منهجي إلى مؤسسة عسكرية (الحرس الثوري)، مما أدى إلى خلق “دولة موازية” تبتلع الدولة المدنية وتخرج خطوة بخطوة عن النظام الاقتصادي العالمي بعسكرة الاقتصاد بالامن ليحدد الحرس الثوري السياسات الاقتصادية وفق نخبة عمادها الولي الفقيه.
ولم يقل النظام “سنعطي الاقتصاد للحرس الثوري”، بل استخدم المادة 44 من الدستور، التي تبدو إصلاحية وتهدف للتحرير الاقتصادي. القرار الذي أصدره المرشد الأعلى بنقل 80% من أصول الدولة كان هو “إشارة البدء”. بحجة “أمنية” لكن عمقها حماية منظومة الفقيه.
كما أن قيمة الأصول المستهدفة بلغت 1,026 تريليون ريال، أو 72 مليار دولار ، مما يوضح أن الهدف لم يكن مجرد إصلاح قطاعات صغيرة، بل إعادة هيكلة الاقتصاد بالكامل.
والرقم الأكثر أهمية هو أن 13% فقط من هذه الأصول ذهبت للقطاع الخاص الحقيقي، هذا يعني أن 87% من عملية “الخصخصة” كانت مجرد عملية نقل ملكية من مؤسسة حكومية (الدولة) إلى مؤسسة شبه حكومية/ عسكرية (الحرس الثوري وهيئاته). هذه هي “الخصخصة العكسية” أو “الزائفة” (Pseudo-privatization). مما أدى الى اخراج المصرف المركزي عن منظومة الاقتصاد العالمي ليصبح هو بحد ذاته غير شرعي.
وتم تسويق سيطرة الحرس الثوري على أنها “جهاد اقتصادي” و”مقاومة”. هذا الخطاب الساحر جعل أي منافس من القطاع الخاص المدني يبدو كأنه “غير وطني” أو “غير ثوري”، مما أقصاه من المنافسة ليس لعدم كفاءته، بل لعدم ولائه الأيديولوجي.
الخلاصة الواقعية لهذه الخطوة: تم بناء واجهة قانونية وإعلامية براقة لإخفاء عملية استيلاء كبرى.
الخطوة الثانية: تأمين السلطة السياسية
في 2011، كان 12 وزيراً من أصل 21 (أي 57% )من خلفية عسكرية (الحرس الثوري أو الباسيج)، وهذا يعني أن الجهة التي من المفترض أن تراقب عملية الخصخصة (الحكومة) والجهة التي تستفيد منها (الحرس الثوري) أصبحتا شيئاً واحداً، وعندما تسيطر على مجلس الوزراء، يمكنك تهميش البرلمان، وزارة الاقتصاد، وأي جهة رقابية، وأصبحت العقود تُمنح بـ”أوامر مباشرة” بدلاً من المناقصات التنافسية، وتم تحويل الحكومة المدنية إلى مجرد “لجنة إدارية” لتمرير مصالح الحرس الثوري.
الخطوة الثالثة: التنفيذ عبر الذراع الاقتصادي (قاعدة خاتم الأنبياء)
زيادة عدد الموظفين بنسبة 440% في 5 سنوات (من 25,000 إلى 135,000) يدل على استحواذها على مشاريع ضخمة كانت تشغلها شركات أخرى، و25 مليار دولار قيمة العقود في 6 سنوات فقط، وتوقيع صفقة شركة الاتصالات (7.8 مليار دولار)، وهو سيطرة على قطاع استراتيجي حيوي، وإقصاء المنافس بحجة “المخاوف الأمنية”.
بجانب عقود النفط والغاز -بارس الجنوبي- حصول القاعدة على الحصة الأكبر (4.93 مليار دولار) في أكبر مشروع غاز في البلاد يثبت أنها أصبحت المقاول الأول للدولة، متجاوزة الشركات الحكومية والخاصة المتخصصة.
وأصبحت “خاتم الأنبياء” أداة لابتلاع القطاعات الأكثر ربحية في البلاد (الاتصالات، الطاقة، البنية التحتية)، محولة المنافسة الاقتصادية إلى توزيع غنائم، مع سيطرة الحرس الثوري على ما بين ثلث إلى نصف الاقتصاد الإيراني تعني أن الاقتصاد لم يعد يخضع لآليات السوق، بل لقرارات وولاءات مؤسسة عسكرية.
والتحول من ثيوقراطية إلى ديكتاتورية عسكرية، فلم تعد السلطة بيد رجال الدين فقط، بل انتقلت بشكل حاسم إلى العسكر الذين يملكون الآن القوة الاقتصادية الهائلة بالإضافة إلى القوة العسكرية واصبح الدين أداة هيمنة تعطل العقل الجماهيري.
خاتمة الدراسة:
انتهت الدراسة إلى أنه بتتبع مسار “اقتصاد البندقية” في إيران خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد (2005-2013)، لم تكن سياسات الخصخصة فشلاً غير مقصود في تحقيق أهدافها، بل كانت نجاحاً باهراً لمشروع استيلاء ممنهج على الدولة نفذه الحرس الثوري الإيراني بدقة متناهية.
وأن ما جرى لم يكن مجرد فرصة اقتصادية عابرة، بل استراتيجية متكاملة حوّلت أداة اقتصادية إصلاحية نظرياً إلى كيان استراتيجي وظفته مؤسسة عسكرية-أيديولوجية لتأسيس هيمنتها المطلقة، وتآكل أسس الدولة المدنية من الداخل.
وتمثلت الآلية الثلاثية التي حكمت هذا التحول في:
(1) توفير الغطاء الشرعي والأيديولوجي عبر إعادة تفسير المادة 44 من الدستور واستخدام خطاب “الجهاد الاقتصادي” و”اقتصاد المقاومة” لتحويل المنافسة الاقتصادية إلى اختبار للولاء الثوري، مما أقصى القطاع الخاص الحقيقي.
(2) شكّل التحالف السياسي مع حكومة أحمدي نجاد، التي سيطر عليها ضباط الحرس السابقون بنسبة تجاوزت 57% من وزرائها بحلول عام 2011، الضوء الأخضر لتعطيل آليات الرقابة ومنح العقود الضخمة عبر أوامر مباشرة.
(3) كانت “قاعدة خاتم الأنبياء” هي الأداة التنفيذية التي تحكمت في مفاصل الاقتصاد، من خلال الاستحواذ على صفقات استراتيجية كصفقة شركة الاتصالات الإيرانية (7.8 مليار دولار) وحصص الأسد في مشاريع الطاقة والبنية التحتية، مما أدى إلى نمو قوتها العاملة بنسبة 440% في غضون سنوات قليلة.
(4) ثبتت صحة فرضيات البحث، فالفرضية الاقتصادية تحققت عبر استبعاد المنافسين بشكل قسري، والفرضية السياسية تجلت في تحول الحرس الثوري إلى فاعل مستقل يفوق سلطة الحكومة التي سهّلت صعوده، أما الفرضية المؤسسية فقد تبلورت في ولادة “دولة موازية” ذات أساس اقتصادي صلب.
(5) النتيجة النهائية لهذه العملية لم تكن مجرد خصخصة مشوهة، بل “خصخصة عكسية” ، حيث انتقلت 87% من الأصول ليس إلى القطاع الخاص، بل إلى قطاع شبه حكومي/عسكري، مما أسس لما يمكن تسميته بـ “دولة المقاول المطلبي” ؛ حيث أصبحت مؤسسات الدولة المدنية مجرد واجهة تتعاقد من الباطن مع الحرس الثوري الذي يدير الاقتصاد فعلياً، وهذه النتائج تقدم نموذجاً مبتكراً في دراسات العلاقات المدنية-العسكرية، يتجاوز الانقلابات التقليدية إلى “الانقلاب الاقتصادي الصامت”.
(6) سياسياً، تفسر هذه الدراسة سر القوة الحالية للحرس الثوري وقدرته على تمويل سياساته الداخلية والخارجية باستقلالية تامة عن ميزانية الدولة الرسمية. واقتصادياً، تكشف كيف أن شعار “اقتصاد المقاومة” لم يكن استراتيجية لحماية الاقتصاد الوطني، بل غطاءً لشرعنة الاحتكار وتقويض أي نمو حقيقي خارج دائرة نفوذ الحرس.
(7) لقد أرست فترة أحمدي نجاد الأسس لتحول هيكلي عميق في بنية السلطة الإيرانية، حيث لم يعد الحرس الثوري مجرد حارس للنظام، بل أصبح المالك الفعلي لأصوله الاقتصادية. لقد تم تحويل دولة بأكملها لخدمة مصالح مؤسسة عسكرية واحدة، مما أدى إلى تهميش تام للمؤسسات المنتخبة، وإضعاف للقطاع الخاص، وخلق نظام هجين فريد: ديكتاتورية عسكرية ترتدي عباءة دينية وتستخدم الأدوات الاقتصادية لفرض هيمنتها المطلقة.
[1]) Hellman, J. S., Jones, G., & Kaufmann, D. (2000). Seize the state, seize the day: State capture, corruption, and influence in transition (World Bank Policy Research Working Paper, 2444). World Bank.
[2]) Dagher, M. (2020). The Iranian Islamic Revolutionary Guard Corps (IRGC) from an Iraqi view: Lost role or bright future? Center for Strategic and International Studies.
[3]) Khoshnood, A., & Parchizadeh, R. (2021). The Khatam al-Anbiya Camp and the Future of the Revolutionary Guards’ Empire (BESA Center Perspectives Paper, No. 2,026).
[4]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press.
[5]) Rezaei, F. (2018). Iran’s Foreign Policy After the Nuclear Agreement: Politics of Normalizers and Traditionalists. Palgrave Macmillan.
[6]) Keshavarz, A. (2022). The Iranian Revolutionary Guard Corps: An Open Source Analysis. Lexington Books.
[7]) Rashid, H. (2022). Economic transformation and privatization in Iran: Challenges and opportunities. Iranian Studies, 45(3), 234-256.
[8]) Parchizadeh, R. (2021). Iran’s Islamic Revolutionary Guard Corps and the Longevity of the Islamic Republic. Middle East Policy, 28(2), 45-62.
[9]) Bertelsmann Stiftung. (2024). BTI 2024 Country Report — Iran. Bertelsmann Transformation Index.
[10]) Emami, S. (2024). Beyond sanctions: The resistance economy as the Islamic Republic of Iran’s policy discourse for economic independence. Journal of World Sociopolitical Studies, 8(1), 171-201.
[11]– Rassam, A., & Vakil, S. (2020). The Iranian Deep State: Power, Politics, and the Future of the Islamic Republic. Hoover Institution Press.
[12]– Rashid, H. (2022). Economic transformation and privatization in Iran: Challenges and opportunities. Iranian Studies, 45(3), 234-256.
[13]– Parchizadeh, R. (2021). Iran’s Islamic Revolutionary Guard Corps and the Longevity of the Islamic Republic. Middle East Policy, 28(2), 45-62.
[14]– Bertelsmann Stiftung. (2024). BTI 2024 Country Report — Iran. Bertelsmann Transformation Index.
[15]) Stiglitz, J. E. (2000). Economics of the Public Sector (3rd ed.). W. W. Norton & Company.
[16]) Valibeigi, M. (2023). Islamization of the economy: The post-revolutionary Iranian experience. American University Digital Research Archive.
[17]) Zahirinejad, M. (2016). Hybrid regime and rentier state: Democracy or authoritarianism in Iran. Hemispheres, 31(4), 45-68.
[18]– Khoshnood, A., & Parchizadeh, R. (2021). The Khatam al-Anbiya Camp and the Future of the Revolutionary Guards’ Empire (BESA Center Perspectives Paper, No. 2,026).
[19]) Tajbakhsh, K. (2020). Authoritarian state building through political decentralization and local responsiveness: Sub-national evidence from Turkey. Oñati Socio-Legal Series, 10(4), 891-928.
[20]) Khoshnood, A., & Parchizadeh, R. (2021). The Khatam al-Anbiya Camp and the Future of the Revolutionary Guards’ Empire (BESA Center Perspectives Paper, No. 2,026).
[21]) Iran Press. (2019, December 13). Resistance economy is the solution for Iran’s economic problems: Chief of Khatam-al Anbiya. https://urlr.me/y7MhTn
[22]) Dehghan, A., & Nozari, H. (2022). Preempting the past: How the future space unfolds in political discourse of Iran. Global Media and Communication, 18(1), 89-107.
[23]) Khamenei.ir. (2014). Leader’s Speech on the Economy of Resistance in Meeting with Officials. https://urlr.me/cbwD6u
[24]) Hellman, J., Jones, G., & Kaufmann, D. (2003). Seize the state, seize the day: State capture and influence in transition economies. Journal of Comparative Economics, 31(4), 751-773.
[25]) Lofgren, M. (2016). The Deep State: The Fall of the Constitution and the Rise of a Shadow Government. Viking Press.
[26]– Keshavarz, A. (2022). The Iranian Revolutionary Guard Corps: An Open Source Analysis. Lexington Books.
[27]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press.
[28]) Bajoghli, N. (2019). Iran reframed: Anxieties of power in the Islamic Republic. Stanford University Press.
[29]) Rezaei, F. (2018). Iran’s Foreign Policy After the Nuclear Agreement: Politics of Normalizers and Traditionalists. Palgrave Macmillan.
[30]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press.
[31]) Keshavarz, A. (2022). The Iranian Revolutionary Guard Corps: An Open Source Analysis. Lexington Books.
[32]) Khoshnood, A., & Parchizadeh, R. (2021). The Khatam al-Anbiya Camp and the Future of the Revolutionary Guards’ Empire (BESA Center Perspectives Paper, No. 2,026).
[33]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press.
[34]) Harris, K. (2013). The rise of the subcontractor state: Politics of pseudo-privatization in the Islamic Republic of Iran. International Journal of Middle East Studies, 45(1), 45-70.
Maloney, S. (2015). Iran’s political economy since the revolution. Cambridge University Press.
[35]) Iran Wire. (2024, November 25). The IRGC Commercial and Financial Institutions: Khatam-al-Anbiya Construction Headquarters. https://urlr.me/rPWVsu
[36]) IFMAT. (2024, January 1). Khatam al-Anbiya) Report. https://urlr.me/C2kvru
[37]) Brandeis University. (2013). The economic legacy of Mahmoud Ahmadinejad (Middle East Brief No. 74). Crown Center for Middle East Studies.
[38]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press. Brandeis University. (2013). The economic legacy of Mahmoud Ahmadinejad (Middle East Brief No. 74). Crown Center for Middle East Studies.
[39]) Gulf International Forum. (2023, May 16). The economic empire of the Revolutionary Guards in Iran. https://urlr.me/j4dR9B
[40]) National Council of Resistance of Iran. (2009, September 28). IRGC acquires 50 percent stake in Iran’s Telecommunications Company. https://urlr.me/kJfp2t
National Council of Resistance of Iran. (2023). IRAN: The rise of the Revolutionary Guards’ financial empire: How the Supreme Leader and the IRGC rob the people to fund international terror. NCRI-U.S. Representative Office.
[41]) National Council of Resistance of Iran. (2009, September 28). IRGC acquires 50 percent stake in Iran’s Telecommunications Company. https://urlr.me/s8GuUE
National Council of Resistance of Iran. (2023). IRAN: The rise of the Revolutionary Guards’ financial empire: How the Supreme Leader and the IRGC rob the people to fund international terror. NCRI-U.S. Representative Office.
National Council of Resistance of Iran. (2025, June 5). Telecom privatization or regime capture? Corruption behind Iran’s TCI deal. https://urlr.me/8xsrFb
[42]) Energy Press Iran. (2025, March 9). Details of the $17 billion South Pars pressure boosting project contract. https://urlr.me/GUXP63
SHANA. (2025, March 8). South Pars gas compression plan contracts signed in president’s presence. https://urlr.me/tqGrSw
[43]-Iran Wire. (2024, November 25). The IRGC Commercial and Financial Institutions: Khatam-al-Anbiya Construction Headquarters. https://urlr.me/73cfSr
[44]) Foundation for Defense of Democracies. (2011, May 5). Iran Revolutionary Guard gets gas contract. https://urlr.me/9puybz
[45]) Harris, K. (2013). The rise of the subcontractor state: Politics of pseudo-privatization in the Islamic Republic of Iran. International Journal of Middle East Studies, 45(1), 45-70.
[46]) Financial Tribune. (2016, October 21). $360m privatized in 3 quarters. https://urlr.me/d27CUZ
Financial Tribune. (2025, January 11). Iran: Privatization reforms on agenda. https://urlr.me/nrJQvN
[47]) IFMAT. (2024, January 1). Khatam al-Anbiya) Report. https://urlr.me/tEcJnV
[48]) IFMAT. (2024, January 1). Khatam al-Anbiya) Report. https://urlr.me/bgJUmR
[49]) IFMAT. (2019, April 12). IRGC purchase 51% of TCI in 2009. https://urlr.me/JbjAFP
[50]) Valdai Discussion Club. (2018). Neither East, Nor West: How Iran’s economy copes with sanctions. https://urlr.me/cUmk8j
[51]) IRAM Center. (2021). The failure of privatization in Iran. https://urlr.me/xyd6ZU
[52]) Brandeis University. (2013). The economic legacy of Mahmoud Ahmadinejad (Middle East Brief No. 74). Crown Center for Middle East Studies.
[53]) BBC News. (2010, July 26). Expanding business empire of Iran’s Revolutionary Guards. https://urlr.me/7eft4d
[54]) TRT World Research Centre. (2025, January 27). From oil riches to economic ruin: Iran’s battle against sanctions and mismanagement. https://urlr.me/4spAcK
[55]) Iran Wire. (2024, November 25). The IRGC Commercial and Financial Institutions: Khatam-al-Anbiya Construction Headquarters. https://urlr.me/kWvnqR
[56]) International Monetary Fund. (2010, March 23). Islamic Republic of Iran: Staff report for the 2009 Article IV consultation. IMF Staff Country Reports, 2010(074).
[57]) Resource Governance. (2021). Iran’s oil and gas management (Working Paper). https://urlr.me/kE4XG8
[58]) Harris, K. (2013). The rise of the subcontractor state: Politics of pseudo-privatization in the Islamic Republic of Iran. International Journal of Middle East Studies, 45(1), 45-70.
[59]) Turkish Konrad Adenauer Foundation. (2022, December). Privatization, corporate governance and the business environment in Iran, Pakistan and Turkey. https://urlr.me/9BYM74
[60]) Brandeis University, 2013
[61]) IFMAT. (2024, January 1). Khatam al-Anbiya) Report. https://www.ifmat.org/khatam-al-anbiya-report/
[62]) Brandeis University, 2013.
[63]) Foundation for Defense of Democracies. (2011, May 5). Iran Revolutionary Guard gets gas contract. https://urlr.me/M5aDqu
[64]) Iran Wire, 2024
[65]) Harris, K. (2013). The rise of the subcontractor state: Politics of pseudo-privatization in the Islamic Republic of Iran. International Journal of Middle East Studies, 45(1), 45-70.
[66]) World Bank. (2018). Iran Economic Monitor: Weathering economic challenges. https://urlr.me/2z6H7j
[67]) International Monetary Fund. (2007). Islamic Republic of Iran: Managing the transition to a market economy. https://urlr.me/fbXFtq
[68]) Financial Tribune. (2025, January 11). Iran: Privatization reforms on agenda. https://urlr.me/g2VabY
[69]) TRT World Research Centre. (2025, January 27). From oil riches to economic ruin: Iran’s battle against sanctions and mismanagement. https://urlr.me/bt4Pug
[70]) Iran Wire, 2024; IFMAT, 2024
[71]) Monthly Review Online. (2010, December 21). Pseudo-privatization in the Islamic Republic: Beyond the headlines on Iran’s economic transformation. https://urlr.me/tsQG7F
[72]) Alfoneh, A. (2013). Iran unveiled: How the Revolutionary Guards is turning theocracy into military dictatorship. AEI Press.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF