عوامل تكريس المعضلة الأمنية في حوض المتوسط
د. يوسف عنتار
أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي، ، جامعة محمد الأول بوجدة، المملكة المغربية.
ملخص:
مثل حوض البحر الأبيض المتوسط عبر العصور ملتقى للعديد من الحضارات، ومجالاً للتفاعل بين مختلف الهويات والثقافات في إطار تعاوني أو صراعي، كما لعب موقع البحر الأبيض المتوسط، وما يزخر به من مؤهلات طبيعية وبشرية لبناء قوة الدول، دوراً في إثارة العديد من الصراعات بين الدول المشاطئة، واستقطاب قوى أجنبية تبحث لها في محيطه على تحقيق مصالحها، في إطار التحالفات والشراكات الأمنية وغير الأمنية، الأمر الذي أدى إلى بروز تحديات ساهمت في تكريس المعضلة الأمنية التي عانى منها حوض المتوسط منذ القديم. وإن تعددت المقاربات والمداخلات التي تسعى إلى إيجاد آليات للحد من هذه التحديات التي يعرفها الإقليم المتوسطي، فالأمر في جميع الأحوال يتطلب رؤية موحدة بين دوله قائمة على بناء أسس التنمية الشاملة الكاملة، تأخذ بعين الاعتبار الفوارق والتفاوتات الموضوعية والذاتية بين ضفتي الإقليم.
الكلمات المفتاحية:
الحوض المتوسطي، المعضلة الأمنية، الصراع الدولي، الرؤية الأمنية الأوروبية، الجيوسياسي.
مقدمة :
منذ القديم ظل حوض البحر المتوسط من أهم الأقاليم الجغرافية التي تكتسي أهمية إستراتيجية بفعل ما تؤديه من وظائف حيوية اقتصادية من خلال تسهيل تحقيق مكاسب ناتجة عن الاعتماد المتبادل التجاري، والعسكرية عن طريق وضع ترتيبات أمنية وقواعد عسكرية لحماية شواطئها وضبط الممرات المائية من شرق الحوض إلى غربه.
وإن كان هذا الحوض قد شهد عبر فترات زمنية متلاحقة تغيرات متسارعة بفعل تناقض الهويات والمصالح بين الحضارات والدول التي تعاقبت عليه، وتهافت أطماع القوى الأجنبية لاستغلال ما يزخر به من طاقات بشرية وثروات طبيعية، فإنه منذ نهاية الحرب الباردة وأحداث 11 سبتمر2001، سيعرف تحولات عميقة مرتبطة بتوازن القوى والفواعل بأنواعها المختلفة والأمن وطبيعة التهديدات.
فبعد الفراغ الإستراتيجي الذي تركه انهيار الاتحاد السوفياتي، لم يعد الحوض يعرف توازناً إستراتيجياً، ولم تعد الدولة هي الفاعل الوحيد الذي تناط به الوظيفة الأمنية، بل امتدت لتشمل فواعل أخرى من غير الدول، وبعد ما كان مفهوم الأمن يقوم بالأساس على مواجهة التهديدات العسكرية، برزت في المنطقة تهديدات جديدة غير عسكرية ومعولمة تتجاوز القضايا السيادية، كظاهرة الإرهاب الدولي، والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة، والدولة الفاشلة، والتغيرات المناخية وتلوث المياه، ومشكل ندرة المياه والطاقة، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، ناهيك عن اندلاع صراعات وحروب أهلية مفتوحة [1].
ولقد دفعت هذه التحولات الباحثين إلى ضرورة إعادة النظر في البراديغمات التي كانت سائدة خاصة النظرية الواقعية في الأمن، نظراً لقصورها على فهم وتفسير الظواهر الأمنية المعقدة والمتشابكة الجديدة.
ومع الإعلان عن تقديرات الغاز بالمتوسط من قبل المسح الجيولوجي الأمريكي، واندلاع الثورات الشعبية بعدد من دول الضفة الجنوبية للمتوسط ( تونس، ليبيا، وسوريا ) شهدت المنطقة تحديات جديدة نتيجة توافد قوى جديدة من خارج الإقليم (روسيا، الصين، وإيران)، وبروز الدور الإقليمي التركي غير المسبوق، وتدخل الحلف الأطلسي في ليبيا، وبروز تحالفات جديدة على خلفية اكتشاف الغاز وإقدام بعض الدول على ترسيم الحدود البحرية في الإقليم المتوسطي.
وأمام هذا الواقع الجديد، ونظراً للهوة المتسعة بين قدرات دول ضفتي المتوسط، تبنى الاتحاد الأوروبي إستراتيجيات أمنيه إقليمية شاملة متعاقبة في إطار مجموعة من المبادرات والحوارات الأمنية المتعددة والثنائية الأطراف مع جيرانه المتوسطيين، لكن بالرغم من الآمال التي فتحتها هذه المبادرات، إلا أنها فشلت في رفع التحديات الحقيقية التي تقف أمام بناء إقليم متوسطي متناغم ومستقر لأسباب ذاتية وموضوعية.
تكمن أهمية الدراسة في محاولة إبراز التحديات التي ساهمت وتساهم في ترسيخ عوامل تفاقم المعضلة الأمنية في الإقليم المتوسطي، وذلك بالوقوف أمام العوامل المرتبطة بتفاعلات دول الإقليم وما يطرحه المجال من أسباب للتعاون والتنافس، وكذا تداعيات تدخل وتواجد القوى من خارج الإقليم على الوضعية الأمنية بالمتوسط، فاتحا بذلك المجال لمختلف المقاربات التي بإمكانها رفع هذه التحديات والحد منها.
ومن أجل الاقتراب أكثر من هذه المشاهد والصور الأمنية المتداخلة في أسبابها وتداعياتها، والتي تشكل في نفس الآن شبكة من التحديات، تحاول هذه الدراسة بداية طرح سلسلة من الفرضيات أملاً في ملامسة حقيقة التفاعلات التي يعرفها الإقليم المتوسطي، والإشارة في خاتمتها إلى المداخل والاقترابات التي يمكن توظيفها كآليات لتحقيق الأمن في أرجاء المتوسط، ونجمل هذه الفرضيات فيما يلي:
- يعد التباعد والتفاوت الشاسع في عناصر القوة بين دول الضفة الشمالية والضفة الجنوبية من حوض البحر الأبيض المتوسط عائقا في التقارب والتعاون على مستوى الأمن الإقليمي.
- تعد الرؤية الأمنية الأوروبية المحكومة بالنزعة الأورومركزية الاستعلائية لدول الجنوب عائقاً في بلورة رؤية أمنية موحدة ومتوافق عليها للأمن الإقليمي بالمتوسط، وتؤدي إلى تكريس التهميش والهوة بين الضفتين.
- إن تدخل وتنافس القوى الدولية من خارج إقليم المتوسط في بيئته المائية تزيد من التوتر ومن الاستقطاب الإقليمي الذي يمنع نجاح المبادرات الأمنية في المتوسط، ويزيد من تأجيج الصراعات بالإقليم.
- إن الخلافات والنزاعات بين الدول المشاطئة للحوض حول ترسيم الحدود البحرية، وحول مصادر الطاقة يشكل عاملاً إضافياً في خلق اصطفافات وتحالفات جديدة ستزيد من تنامي بؤر التوتر بالإقليم.
وللإحاطة بهذه الفرضيات، في خضم جملة من الدراسات والنظريات الأمنية، تعتمد الدراسة في المعالجة التحليلين الوصفي والنقدي مع التركيز على المنهج البنيوي لإبراز كل الديناميات الناتجة عن تفاعل هذه المعوقات وإظهار مختلف تداعياتها على أمن المتوسط.
1-تفاوت في عناصر القوة بين دول ضفتي المتوسط:
تجتمع جملة من العناصر الموضوعية التي تعكس الهوة والتفاوت الكبيرين بين قدرات دول ضفتي المتوسط، إن على مستوى عناصر القوة الصلبة والناعمة (أ) أو على مستوى تشكل أطر التعاون الجهوية والإقليمية (ب).
أ – دول قوية في شمال ضفة المتوسط مقابل دول هشة في جنوبه:
تتجلى مظاهر التفاوت في عناصر القوة الصلبة بين الضفتين على عدة مستويات: فعلى المستوى الاقتصادي تتميز دول الضفة الشمالية بإنتاج فلاحي ضخم يصل إلى درجة الفائض في الكثير من المنتجات الفلاحية وذلك بفضل الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، ونتائج البحث العلمي والهندسة الزراعية، إلى جانب وجود الأراضي الخصبة والأمطار الوفيرة طيلة السنة والتي تلعب دوراً كبيراً في الرفع من مردودية الإنتاج الفلاحي، وفي المقابل تتميز الفلاحة في دول الضفة الجنوبية بإنتاج لا يكفي الحاجيات الداخلية بسبب استعمال الوسائل التقليدية، وتعاني من مشكل الضغط الديموغرافي على الأراضي الفلاحية، إلى جانب الاستغلال المفرط، بالإضافة إلى المشاكل المناخية المرتبطة بالجفاف الدوري[2] .
كما تتميز دول الضفة الشمالية بوجود إنتاج صناعي كثيف ومتطور ومرتفع القيمة لاعتماده على الصناعات المتطورة وتزايد الاهتمام بالصناعات العالية التكنولوجيا ومؤهلات خبرة اليد العاملة، ووجود سوق استهلاكية واسعة ذات دخل مرتفع، والتقدم التكنولوجي الكبير المدعوم بالبحث العلمي والتنمية الشاملة، بينما تتميز دول جنوب المتوسط بإنتاج صناعي ضعيف مما يحتم على هذه الدول الارتباط بالأسواق الخارجية، والاهتمام الكبير بالصناعات الاستهلاكية كصناعة النسيج والصناعة الغذائية، والصناعات الأساسية كالصناعات الكيماوية والبتروكيماوية، وإهمال البحث العلمي والتنمية البشرية [3].
أما بالنسبة للتجارة، فنجد أن أغلب معاملات دول الضفة الجنوبية من المتوسط التجارية تتم مع دول الشمال لأسباب تاريخية (التبعية الاستعمارية والتقسيم الدولي للعمل). لكن يلاحظ عدم التوازن في المعاملات التجارية بين الضفتين، ففي الوقت الذي تصدر فيه دول الجنوب المواد الخام والمنتوجات الفلاحية الضعيفة القيمة، تقوم دول الشمال بتصدير المنتوجات المصنعة والعالية التكنولوجيا نحو الجنوب، مما يساهم في الإخلال بالميزان التجاري لدول الجنوب، ذلك أن الميزان التجاري لدول الجنوب يسجل دائما عجزا، بينما يحقق فائضا مهما لصالح دول الشمال.
ويعد العنصر البشري أحد أهم عناصر القوة لدى الدول، فإذا كانت الضفة الجنوبية تتوفر على طاقة بشرية هائلة تزيد عن 249,6 مليون نسمة، وعلى بنية عمرية شابة مقارنة بدول الضفة الشمالية، إلا أن مؤشرات التنمية البشرية بين الضفتين شاسع، فدخل الفرد في دول الضفة الشمالية يتجاوز بكثير دخل الفرد في الضفة الجنوبية.
وتعد الحكامة والتوظيف الحسن والجيد للعناصر السابقة، أيضاً أحد عناصر القوة التي تزيد من الهوة بين دول الضفتين، فعلى مستوى مؤشر الشفافية الذي يقيس درجة ملاحظة الفساد في الموظفين والمسؤولين، ودرجة إساءة استغلال السلطة من أجل المصلحة الشخصية، فإن عقد مقارنة بين دول القوس اللاتيني ودول المغربي العربي مثلا، تظهر البون الشاسع بين المجموعتين المتوسطيتين حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية[4].
بالنسبة للقوة العسكرية لدول الضفتين، والتي تشمل جميع القدرات العسكرية من معدات وتجهيزات وجنود وإعلام حربي وأنظمة مخابراتية وأقمار اصطناعية ودفاعات، فهي بدورها تعرف تفاوتا كبيرا، ذلك أن قوتين نوويتين هما فرنسا وبريطانيا، تنتميان إلى دول الضفة الشمالية، كما تنتمي دول هذه الضفة إلى حلف الشمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي تتوفر على الأسطول السادس في عرض المتوسط، وعدد من القواعد العسكرية في كل من إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا، بالإضافة إلى قوات التدخل السريع التي أحدثتها دول القوس اللاتيني Eurofor وEuromafor، ناهيك عن الإنفاق العسكري لدول الضفة الشمالية الذي يفوق الإنفاق العسكري لدول الضفة الجنوبية بمليارات الدولارات، حيث بلغ 356 مليار دولار لدى دول الاتحاد الأوروبي عام 2019 [5].
بالإضافة إلى امتلاك دول الضفة الشمالية كل مقومات القوة الصلبة، فإنها أيضاً تمتلك قوة ناعمة[6]، تتمثل في جاذبية نموذجها وفي قدرتها علي تسويق صورة مقنعة وجذابة من خلال الثقافة والتعليم والإعلام التي تعكس صورة أوروبا الفردوس، وأوروبا حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة الرفاه، أوروبا الأنوار والعلم، بينما تسوق دول الضفة الجنوبية عن نفسها صورة منفرة مرتبطة بالبؤس والعنف والإرهاب والهجرة.
وبفضل هذه الصورة الإيجابية أصبحت أوروبا ملاذاً للمهاجرين واللاجئين، فهي تمثل ثاني ملاذ في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية ومعظمهم يأتي من أفريقيا وآسيا ودول البلقان وأوروبا الشرقية، تجتذبهم الثروة والرخاء والصورة الفردوسية في أوروبا، ولكن أيضاً يفرون من القمع والفقر والحروب التي تشهدها دولهم ( العراق، سوريا، أفغانستان ).
ب – دول متكتلة في شمال المتوسط مقابل دول متشظية ومتشرذمة في جنوبه:
ومن بين العناصر التي تزيد دول الضفة الشمالية قوة دخولها في تكتلات تعاونية شاملة جهوية وإقليمية، أهمها الاتحاد الأوروبي، كإطار وظيفي بهدف الاندماج الاقتصادي والمالي وتوحيد السياسة الاجتماعية والأمنية والسياسة الخارجية للدول في هذا التكتل. وبفضل توحيد السياسة المالية من خلال تداول عملة موحدة (اليورو)، و توحيد الجهود الاقتصادية لدول الإتحاد، استطاع الاتحاد مجتمعاً أن يتحول إلى قوة اقتصادية عملاقة في العالم.
وعلى المستوى الأمني، تعمد أوروبا إلى تكثيف استخدام الإجراءات والآليات الأمنية لمواجهة التهديدات الآتية من الحوض المتوسطي والحد منها من أجل تحويل إقليمها إلى قلعة آمنة، حيث تنفق مبالغ مالية كبيرة في أنظمة المراقبة الإلكترونية لحماية الحدود، وفي استحداث مؤسسات مهمتها مراقبة الحدود وحمايتها، ومن أهمها وكالة فرونتكس التي أنشئت في 2004، كما تجري عمليات مراقبة وحماية الشواطئ الأوروبية.
إلا أنه يلاحظ أن القوة الاقتصادية التي يتمتع بها الاتحاد الأوروبي لم تترجم إلى قوة سياسية فاعلة في الساحة الدولية، حيث ظل أداء الاتحاد الأوروبي ضعيفاً في القضايا الدولية، ويعود ذلك إلى مجموعة من التحديات الداخلية والخارجية. فأما الداخلية فتتمثل في غياب سياسة خارجية موحدة، ورؤية أمنية مشتركة نتيجة تضارب المصالح والرؤى الجيوسياسية بين الدول الفاعلة داخل الاتحاد خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى الفوارق المجالية الشاسعة بين دول شمال و جنوب الإتحاد، وبين دول أوروبا الغربية والشرقية، الشيء الذي ساهم في صعود التيارات الشعبوية، والعنصرية والقومية الجديدة التي ترفض الاندماج وتدعو إلى الخروج من هذا التكتل كما حصل في بريطانيا (البركسيت)[7].
لقد انتقل الاتحاد الأوروبي من إقليم نموذجي يضرب به المثل في الازدهار والرخاء والسلام، وأحد التجارب الإقليمية الكبرى الناجحة في التاريخ، إلى قارة تشهد تراجعا، بمؤسسات عاجزة على احتواء الأزمات الكبرى ومواجهتها بشكل موحد ومتضامن(كما حصل في الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، أو أزمة جائحة كورونا (كوفيد 19) سنة 2020)، وغير قادرة على تهدئة مخاوف وقلق المواطن الأوروبي.
وأمام الصعود الملفت للصين والهند، وانبعاث روسيا، وأمام ثورات الربيع العربي والتحولات الجيوسياسية في منطقة المتوسط وفي العالم، بالإضافة إلى أزمة منطقة اليورو، والصعود المثير لليمين المتطرف في أوروبا، يبدو أن الاتحاد الأوروبي لن يكون أحد الفاعلين الإستراتيجيين في نظام دولي جديد لا زال توازن القوى داخله قيد التشكل[8].
إلى جانب ذلك تنتمي دول الضفة الشمالية إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو) الذي يشكل نظاما للدفاع الجماعي ضد أي هجوم من قبل أطراف خارجية، يرى حلف الناتو أن المتوسط عبارة عن بحيرة خالصة له، وأي تصدع في المواقف أو السياسات الأمنية لدوله تؤثر في وضعية تلك البحيرة بحيث يتسع المجال للوجود والمشاركة لدول من خارجها، من قبيل روسيا والصين، وفي هذا الإطار، يرتبط الحلف بدول المتوسط في سياق نهجه لسياسة تتأقلم مع أجواء ما بعد الحرب الباردة بمبدأ الحوار كآلية تبلورت عام 1994، وتجمع إضافة إلى دول الحلف كلا من الجزائر، مصر، إسرائيل، الأردن، موريتانيا، المغرب وتونس.
ويهدف الحوار في عمومه، كما أكدت عليه قمة إسطنبول في عام 2004 ومقاربة “بث الاستقرار” التي في تطبيقها عام 2016، إلى المساهمة في أمن واستقرار المنطقة المتوسطية والتوصل إلى التفاهم المتبادل بين الأطراف المتحاورة، وتحسين صورة الحلف لدى شركائه في هذا الحوار في بعده الثنائي والجماعي [9].
ومقابل هذا التكتل الاقتصادي والسياسي والعسكري لدول شمال الضفة المتوسطية، نجد دولا هشّة[10] في جنوب المتوسط يظل هاجس بعضها هو أمنها القومي الذي يتماهى مع أمن أنظمتها السياسية، وتنتمي إلى فضاءات إقليمية وجهوية ضعيفة الفعالية والتأثير.
ويعتبر اتحاد المغرب العربي الذي تأسس عام 1989 أحد هذه الفضاءات الإقليمية التي تجمع خمسة دول هي: “المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا”، والذي تبلغ مساحة دوله مجتمعة كثر من 6 ملايين مترا مربعا، وهي مساحة تفوق مساحة الاتحاد الأوروبي، وبعدد سكان يبلغ حوالي 100 مليون نسمة[11].
وعلى الرغم من امتلاك هذه الدول مجتمعة لبنية اقتصادية متكاملة، ولبنية ديموغرافية شابة ونشيطة، ومؤهلات طبيعية ومقومات ثقافية، تمكنها إذا توفرت الإرادة السياسية والرؤية الإستراتيجية، أن تصبح قوة إقليمية ورقما في المعادلة المتوسطية، إن هي تعاملت مع دول شمال المتوسط ككتلة اندماجية موحدة. ولكن الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وايطاليا واسبانيا استطاعت أن تفكك السياسة الاقتصادية المغاربية بتعاملها مع كل دولة على حدة، مستندة في ذلك على هياكل الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والمالية، كالبنك الأوروبي للاستثمار الذي قدم قروضاً وتسهيلات مالية كبيرة لدول الاتحاد المغاربي، وأعطى ذلك انطباعاً لها بأن حل مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية رهين بقدرتها على مضاعفة علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع دول جنوب أوروبا والاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي[12].
أما دائرة الانتماء الثانية الجامعة العربية، فإن هذا الإطار الجهوي ذات الطابع القومي يعيش أسوأ مراحله في غياب سياسة أمنية مشتركة بسبب عدم تفعيل اتفاق الدفاع المشترك، فقد تحول إلى أداة لتصفية الحسابات وتبرير وشرعنة التدخل العسكري الأجنبي في البلدان العربية، كما حصل بالنسبة للتدخل في العراق وليبيا، أو أداة لتبرير التدخل العربي العربي كما حصل بالنسبة للتدخل السعودي الإماراتي في اليمن أو التورط في الحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا من خلال الانحياز إلى قوى داخلية على حساب أخرى بدل لعب دور الوساطة والعلاقات المتوازنة.
أما بالنسبة لإقليم شرق المتوسط الذي يضم مصر وفلسطين المحتلة والأردن ولبنان وسوريا، فإنه باستثناء المحاولة التوحيدية بين مصر وسوريا في عهد جمال عبد الناصر سنة 1958 فيما أطلق عليه آنذاك ب”الجمهورية العربية المتحدة”، فإن المنطقة لم تعرف أي محاولة للتكتل بسبب وجود الكيان الإسرائيلي الحريص على إفشال أي محاولة لتكتل دول الطوق أي الدول التي تحيط بإسرائيل لأنها تعتبر ذلك تهديدا إستراتيجيا ووجوديا لكيانها.
وتعتبر منظمة الاتحاد الإفريقي ثالث دائرة تنتمي إليها بعض دول الضفة الجنوبية وهي المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر، إلا أن هذا الإطار الجهوي يعاني بدوره من أعطاب بنيوية، والضعف الاقتصادي والعسكري والحروب الأهلية والأمراض والفقر والتخلف التكنولوجي..الخ، مما دفع الكثيرين إلى القول بأن إفريقيا تفتقر إلى وجود منظومة أمنية متطورة يكون بمقدورها احتواء الصراعات وإدارتها بأساليب سلمية سواء في أرجاء القارة أو في محيطها المتوسطي والأطلسي والهندي[13].
من خلال ما سبق يمكن القول إن التباعد في عناصر القوة بين الضفتين كرس الهوة بين الشمال والجنوب، وبدلا من أن يكون المتوسط جسرا للتواصل والتعاون، فقد تحول إلى جدار برلين جديد،جدار يظهر في أشكال مختلفة، جدار ثقافي يتمثل في نظرة دول الشمال إلى الجنوب على أساس أنها عدو ومصدر تهديد وليست شريكة، تطرح مشاكل ولا تقدم مزايا، وبالمقابل تنظر دول الجنوب إلى الشمال على أنها تجسد الاستعمار والغزو الثقافي والمركزية الأوروبية، وجدار اقتصادي يتمثل في أن المتوسط أصبح يمثل انكسارا، حيث الفوارق الكبيرة في التنمية، وفي مستوى المعيشة بين الضفتين تبقى عميقة وتتجه نحو التوسع أكثر[14]، وأن التفاوت في عناصر القوة بين الضفتين أسس لعلاقة غير متوازنة إستراتيجيا، وهو ما جعل العلاقة تقوم على التبعية والطاعة من جانب الطرف الأضعف، والسلطة والسيطرة من جانب الطرف الأقوى في العلاقة، كما لم تؤد هذه القوة التي تتمتع بها دول الضفة الشمالية إلى منع توافد وتهافت القوى الأجنبية على خيرات وموارد الإقليم المتوسطي.
2- تغليب المركزية الأوروبية والرؤية الإقليمية الضيقة للأمن المتوسطي:
يتسم الفكر الجمعي الأوروبي بالإيمان بتفوق وتمايز وتميز الثقافة والحضارة الأوروبية وبكون أوروبا تمثل مركز العالم، وبالمقابل يعتبر باقي الثقافات والحضارات، غير الأوروبية، حضارات ما قبل تاريخية، كما تمثل شكلا من أشكال الإثنية المركزية التي تستدعي إعطاء مكانة مركزية للثقافة والقيم الأوروبية على حساب باقي الثقافات، وبأنها تلك الطريقة في التفكير التي من خلالها يتم إقصاء المجتمعات التي لا تخضع للنموذج الأوروبي[15] . ولقد أثر هذا الاعتقاد على علاقات الأوروبيين بالمناطق المجاورة لهم على جميع المستويات وبالأخص على رؤيتهم الأمنية في الحوض المتوسطي.
أ – طغيان النزعة المركزية في التفكير الأوروبي:
تجد النزعة المركزية الأوروبية بذورها الأولى في الفلسفة اليونانية، وفي دولة المدينة التي كانت تعترف للأثينيين فقط بحقوق المواطنة والمشاركة الديمقراطية في الأغورا، وكان بريكليس يعتبر الأثينيين وحدهم هم الذين يفيدون الآخرين، بينما الأجانب والشعوب والثقافات خارج دولة المدينة مجرد شعوب بربرية وثقافاتهم ثقافات غير ناضجة، ويحق للإنسان الأثيني الهيمنة على الشعوب والثقافات الأخرى. ونفس الشيء في دولة روما، فقد اعتبر شيشرون روما مركز العالم والشعوب خارج دائرة الإمبراطورية الرومانية برابرة [16].
وفي العصر الحديث برزت العديد من الأطروحات الفلسفية والجيوسياسية التي نظرت لهذه النزعة، فجورج هيجل كان من المؤيدين للمركزية الأوروبية، فهو يعتبر أن الحضارة ميزة الشعوب الأوروبية، ونتاج وعيها في التاريخ، وخلاصة عبقريتها الإبداعية من العصر اليوناني إلى الروماني، فالحديث والمعاصر، وادعى أن تاريخ العالم بدأ في آسيا ولكنه انتقل إلى اليونان وإيطاليا ثم إلى الشمال من جبال الألب، ومنها إلى فرنسا وألمانيا فانجلترا، وأن الحضارة الشرقية في الصين والهند والشرق الأوسط تفتقر إلى الزخم الداخلي، وتعيش الجمود والثبات مما جعلها خارج تاريخ العالم [17].
ويمكن اعتبار الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر من بين أكثر المتحمسين للمركزية الأوروبية، فهو يرى أن الرأسمالية تخص أوروبا وحدها، وأن دول الشرق لا تتوفر على الشروط الكافية لظهور الرأسمالية. ففي كتابه” الأخلاق البروتيستانتية وروح الرأسمالية” يعلن عن تميز أوروبا وتفوقها، مشيرا إلى أن الرأسمالية “العقلانية” والتي تظهرها مؤسساتها وآلياتها لا تظهر إلا في البلدان الرأسمالية البروتستانتية [18].
كما نجد بذور المركزية الأوروبية، وتضخيم الذات، وطغيان النزعة العنصرية الأوروبية، في تاريخ نظرية المعرفة عبر كل مراحل تاريخ الغرب، من اليونان والرومان إلى اليوم. ووصلت ذروتها مع نيتشه ونظرية إرادة القوة والإنسان المتفوق (السوبرمان)، ونظريات البقاء للأقوى والأصلح (الداروينية الاجتماعية) التي وظفت لتبرير الاستعمار وتكريس المركزية وتفوق العنصر الأوروبي [19].
وتتجلى المركزية الأوروبية أيضاً في حقل الجيوسياسة (Géopolitique)، حيث نجد راتزل الألماني صاحب نظرية المجال الحيوي الذي استلهمها من نظرية داروين التطورية جاءت لتبرر التوسع الإمبريالي لدول المركز على حساب الأطراف الضعيفة، زاعمة أنه كلما كبرت الدولة وتقوت تحتاج إلى توسيع مجالها الحيوي كالكائن الحي تماما، كما قامت نظرية قلب العالم والجزيرة العالمية لماكيندر الانجليزي على مفاهيم وفرضيات تؤطرها المركزية الأوروبية، فقوى البر وقوى البحر تتصارع على قلب العالم (أوروبا الشرقية)، فمن يسيطر عليه يسيطر على الجزيرة الأرضية، ومن ثمة على العالم [20].
وقد تصدت لهذه الأفكار العديد من الدراسات ما بعد الكولونيالية، أبرزها دراسات عالم الاقتصاد المصري سمير أمين الذي اعتبرها ظاهرة ثقافية، تفترض وجود ثوابت ثقافية مميزة تشكل المسارات التاريخية للشعوب المختلفة، ومن ثمة، فهي معادية للكونية لأنها لا تهتم بالسعي إلى قوانين عامة محتملة للتطور الإنساني، ولكنها تقدم نفسها كظاهرة كونية، لأنها تزعم أن تقليد جميع الشعوب النموذج الأوروبي هو الحل الوحيد لتحديات عصرنا [21].
ب- الرؤية الأوروبية للأمن في الإقليم المتوسطي:
تقوم الرؤية الأمنية الأوروبية على نظريتين: الأولى هي نظرية أمنية محضة تتصور المتوسط جيوسياسيا على أساس أنه فضاء للصدام الحضاري بين الحضارة العربية الإسلامية، والحضارة الغربية المسيحية، وتعتبره حدا بين عالمين متصارعين، الأول في الشمال تشكله مجموعة من الشعوب الغنية، لها نظام قيم ديمقراطي ليبرالي، وفي طريقها لتجسيد بناء اقتصادي وسياسي موحد، وآخر في الجنوب تكونه مجموعة من الشعوب الفقيرة، ذات نمو ديمغرافي كبير، وتخضع لبنيات تقليدية، وتعتمل في داخلها تمزقات داخلية، وتوترات اجتماعية، ونزاعات حاد، والثانية هي نظرية الجوار التي تعتبر المتوسط مجالا للتعاون يستلزم إقامة علاقات متميزة في إطار سياسة واسعة للجوار تتضمن جميع المناطق المحاذية للاتحاد من المغرب إلى روسيا [22].
وعلى الرغم من التحولات البنيوية التي عرفها عالم ما بعد الحرب الباردة، والديناميات الجيوسياسية والجيواستراتيجية التي شهدتها المنطقة المتوسطية نتيجة الفراغ الإستراتيجي الذي تركه انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي أفرزت نمطا جديدا من التصورات والإدراكات حول “الأمن” و “التهديد، فقد ظل المتوسط، حسب ادغار موران، يمثل الخط الزلزالي الذي يمتد من القوقاز ويمر عبر المتوسط، حيث تتركز في ثناياه وبطريقة مكثفة كل الصدامات التي تتعارض في الكون: شرق وغرب، شمال وجنوب، إسلام ومسيحية، علمانية وتدين، أصولية وحداثة، غنى وفقر[23].
ولمواجهة هذه التهديدات الجديدة تبنّى الاتحاد الأوروبي مفهوما للأمن يمزج بين الأمن الليّن الذي يشمل التهديدات غير المباشرة التي تضمنتها وثيقة “الإستراتيجية الأوروبية للأمن”[24]، التي تبناها المجلس الأوروبي في دجنبر 2003، والأمن الصلب الذي يشمل التدخل العسكري السريع في منطقة المتوسط، كما وضع إستراتيجية أمنية متعددة العناصر تشمل كل مجالات العمل الخارجي ومناورات دبلوماسية ومساعدات اقتصادية وإن اقتضى الحال القيام بأعمال عسكرية. وفي هذا الإطار يمكن إدراج مجموعة من المبادرات والحوارات الأمنية المتعددة والثنائية الأطراف بين الاتحاد الأوروبي و جيرانه المتوسطيين أهمها: الشراكة الأوروالمتوسطية (مسار برشلونة)، وسياسة الجوار الأوروبية، والاتحاد من أجل المتوسط، والمبادرة الفرنسية الخاصة بالمتوسط الغربي ( مجموعة 5+5 ).
إلا أن هذه المبادرات الأمنية فشلت في تحقيق أهدافها نظرا للأعطاب التي تعتري تصورات الأطراف، فاستمرار النظرة الاستعمارية والاستعلائية لدول الضفة الجنوبية، والتعامل معها بمنطق الإملاء والوصاية وعدم إشراكها تخطيطا وتنفيذا ومراقبة وتقويما، وتحويل الضفة الجنوبية إلى مصدر تهديد إستراتيجي و تعويضه بالعدو الشيوعي بعد الفراغ الإستراتيجي الذي تركه انهيار الاتحاد السوفياتي في المنطقة المتوسطية، والاستمرار في استعداء شعوب المنطقة من خلال نشر الرُهاب الإسلامي، والكراهية على أساس ديني وحضاري، زيادة على الازدواجية في التعامل مع التهديدات في المنطقة، فامتلاك الكيان الإسرائيلي للأسلحة النووية بشكل فعلي، لا يعتبر تهديدا بينما احتمال امتلاكه من طرف دول الجنوب يعتبر تهديدا إستراتيجيا.
وتُضاف إلى هذه النظرة الاستعلائية المحكومة بالمركزية الأوروبية، غياب تعريف واضح للإرهاب وربطه بالإسلام والعرب، ووضع حركات المقاومة والتحرر الوطني في لوائح الإرهاب، وتبني رؤية أمنية نرجسية ضيقة تتمركز حول الأمن الأوروبي وهو ما تعبر عنه صيغة الأمن الأورومتوسطي.
ومقابل هذه الرؤية الإقليمية الضيقة، نجد أن ما يهم بعض دول الضفة الجنوبية هو أمن أنظمتها السياسية التي تعاني من أزمة الشرعية، ومن عدم قدرتها على الاستجابة للحاجات المتزايدة لشعوبها، كما تنظر إلى الحلف الأطلسي وقوات أوروفور وأورومافور بعين الريبة وكتهديد لأمنها القومي ولأنظمتها السياسية، وإلى إسرائيل ونزعتها التوسعية كتهديد إستراتيجي ووجودي، وتنظر إلى الصراعات الداخلية (الصراعات المذهبية والإثنية والأهلية) التي تغذيها القوى الأجنبية ومنها دول أوروبية، كمصدر تهديد للمجتمع والدولة لأنه يمزق النسيج المجتمعي ويفكك أواصر الدولة.
وفي غياب سياسة إقليمية مشتركة ورؤية أمنية موحدة للتهديدات التي تواجه دول جنوب المتوسط،لأن تلك البلدان تميل إلى معالجة التهديدات الأمنية بشكل قطري وطني كل بلد منعزل عن الآخر دون تنسيق أو تشاور مع بقية البلدان، سيظل الموقف التفاوضي لدول الجنوب موقفا ضعيفا وغير متكافئ، لأنه يتم في إطار هيمنة أوروبية مطلقة، حيث تتعامل دول الشمال في إطار تجسيد سياسة الاتحاد الأوروبي كقوة موحدة، بينما تدخل دول الجنوب فرادى، بالإضافة إلى أن الموقف الأوروبي يظل هو الموقف القوي لأنه هو الطرف المانح[25].
وعلى الرغم من قدرتها على فرض رؤيتها الأمنية على دول الجنوب المتشرذمة، فالاتحاد الأوروبي بدوره يعاني من تناقضات داخلية بين أطرافه المؤثرة على مستوى التصورات الجيوسياسية، تمنعه من بلورة إستراتيجية أمنية أوروبية موحدة ومشتركة، حيث عرف التنسيق الأوروبي في قضايا السياسة الأمنية المشتركة تبايناً في المواقف بين الدول الأعضاء وذلك نتيجة لرهانات مختلفة بين الفاعلين الأساسيين داخل البيت الأوروبي، وعليه نجد ثلاثة توجهات جيوسياسية محورية[26]، داخل الاتحاد الأوروبي: التوجه الألماني الذي يرى أن عمقه الإستراتيجي يتمثل في دول أوروبا الوسطى والشرقية، ولهذا يفضل أن ينصب اهتمامه حول كيفية تطوير الشراكة مع الجوار الشرقي لألمانيا، وخلق منطقة مستقرة اقتصاديا وسياسيا في هذا العمق، والتوجه البريطاني الذي يرى أن عمقه الإستراتيجي يتمثل في الانتماء الأطلسي، لهذا نجده يتمسك بالتعاون الأطلسي، وبتوطيد العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي لا تهمه في قضايا المتوسط الأمنية إلا المصالح الإستراتيجية لحلف الشمال الأطلسي في منطقة جنوب المتوسط، وأخيرا التوجه المتوسطي الذي تتبناه دول القوس اللاتيني الأربعة وهي فرنسا، اسبانيا، ايطاليا واليونان، التي ترى أن حوض البحر الأبيض المتوسط هو عمقها الإستراتيجي، لهذا تحرص على كيفية تطوير الشراكة مع دول الجوار المتوسطي في الضفة الجنوبية.
يضاف إلى تضارب الرؤى الجيوسياسية، والتنافس حول الزعامة الأوروبية، تضارب دول الاتحاد حول تعريف التهديد ومصدره، فالدول المشاطئة للمتوسط تتبنى قوانين وإجراءات أمنية تختلف من دولة إلى أخرى، سواء فيما يتعلق بتهديد الإرهاب الدولي أو تهديد الهجرة غير الشرعية للأمن المتوسطي. كما أن الرؤية الأمنية للدول الأوروبية ترتبط بموقع كل دولة، ففي وسط وشمال أوروبا ينظر إلى الفوضى الناشئة عن انهيار الاتحاد السوفياتي على أساس أنها المصدر الأول لتهديد الأمن الأوروبي، وبالتالي تراهن على الحلف الأطلسي لملء هذا الفراغ الإستراتيجي، وعلى الأمن الصلب القائم على القوة العسكرية لمواجهة التهديدات الأمنية في بعدها الجيوإستراتيجي. بينما دول غرب وجنوب أوروبا تنظر إلى أن التهديد يأتي أساسا من جنوب المتوسط، وأن التهديدات القادمة من فضاء الضفة الجنوبية للمتوسط لها جذورها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتدرك أنه لا تكفي القوة العسكرية وحدها لضمان الأمن الأوروبي، وبالتالي تراهن على ضرورة وضع إستراتيجية شاملة تتضمن كل المستويات والمجالات قائمة على أساس مفهوم الأمن الشامل لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة في بعدها الجيوسياسي [27].
يتضح من ما سبق أن أوروبا لا تزال محكومة بالنظرة الاستعلائية والأورومركزية في التعامل مع دول جنوب ضفة المتوسط، وتنظر إليها على أنها تشكل تهديدا لأمنها الإقليمي، كما لا تملك رؤية جيوسياسية وأمنية موحدة إزاء قضايا المتوسط، وأنها لا تملك نفس الإدراك والفهم والتشخيص للتهديد والبيئة الإستراتيجية والجوار، الشيء الذي ينعكس سلبا على الدور الأوروبي الإقليمي والدولي، دون أن ننسى مساهمة النظرة الاستعلائية والمركزية في صعود اليمين المتطرف، والتيارات الشعبوية في أوروبا، والتي تدعو إلى الانكفاء على الذات، والخروج من الاتحاد الأوروبي والعودة إلى النزعة القطرية الضيقة[28]، وتنظر إلى ثقافة الجنوب والهجرة مصدر تهديد وجودي للهوية الوطنية والنموذج الاجتماعي لدول ومجتمعات أوروبا.
3- تنامي الخلافات والنزاعات الجيوسياسية في الإقليم المتوسطي:
ومن التحديات المعقدة التي تقف عائقا أمام تحقيق الاستقرار، وتعرقل أي محاولة للتعاون الإقليمي في المتوسط، تبرز الخلافات الحادة التي نشأت على خلفية اكتشاف الغاز والنفط في شرق المتوسط وما نجم عن ذلك من نزاعات بين الدول المشاطئة لحقول هذه الطاقة الحيوية حول ترسيم الحدود البحرية وأحقيتها في هذه الحقول.
أ – النزاعات حول مصادر الطاقة:
يشكل اكتشاف الغاز والنفط في شرق البحر الأبيض المتوسط أحد المتغيرات الجيوسياسية التي وضعت المنطقة في دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي [29]، فهذه الاكتشافات قادرة على تغيير قواعد اللعبة في المتوسط وإعادة تشكيل العلاقات والتحالفات وإعادة تحديد رهانات الدول في المنطقة، فبحكم قرب هذه الحقول من أوروبا السوق الهامة التي تعتمد بشكل رئيسي على الغاز الروسي والإيراني، وغالبا ما يمر جزء منه من الأراضي التركية، فإنها تشكل فرصة بالنسبة للأوروبيين للتخلص أو، على الأقل، التخفيف من الارتهان والتبعية للغاز الروسي، بينما تشكل تهديدا لمصالح تركيا وروسيا وإيران.
ونتيجة لذلك أصبح الغاز عاملا للتنسيق والتعاون بين القوى المستفيدة من جهة، ومصدرا للصراع والتوتر بين هذه القوى والقوى المتضررة. فالدول المستفيدة شكلت تحالفا في شكل منتدى يحمل اسم ” منتدى غاز المتوسط” من أجل التنسيق والتعاون فيما بينها، يضم كل من مصر واليونان وقبرص والأردن وفلسطين وإيطاليا وإسرائيل [30]، وهو تحالف مدعوم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، أو في شكل تحالف سياسي وعسكري غير معلن بين مصر وقبرص واليونان ضد تركيا، عبر عن نفسه من خلال مجموعة من القمم بين رؤساء البلدان الثلاث، وإجراء اليونان ومصر مناورات (ميندوزا 5) العسكرية البحرية قرب سواحل جزيرة “رودس”، أو في شكل شراكة إستراتيجية ثلاثية بين إسرائيل وقبرص واليونان[31] .
وفي المقابل، تعمل الدول المتضررة التي تضم روسيا وإيران وتركيا، على تقليل الأضرار من هذا التحالف من خلال الالتفاف عليه ومحاولة إبطال مخرجاته، وذلك بإقامة مجموعة من المشاريع، منها إنشاء خط أنابيب جديد لأوروبا يمد الغاز الروسي عبر تركيا هو خط السيل التركي ” تورك ستريم”، ومحاولة تركيا مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية عليها بتمرير الطاقة الإيرانية عبر أراضيها إلى أوروبا، ورفض أي إجراء أحادي من قبل قبرص اليونانية يتجاهل الحقوق التركية أو حقوق قبرص التركية [32].
ومن أجل تعزيز حوار الطاقة مع دول الجوار لتحقيق أمن الطاقة، وتكريس سياسة الجوار المتوسطي، أنشأ الاتحاد الأوروبي سنة 2015، في إطار مبادرة اتحاد الطاقة الأوروبي، ثلاث منصات، من بينها منصة الغاز لدول الاتحاد من أجل المتوسط التي تهدف إلى إقامة حوار إقليمي مؤسسي يسمح بإقامة وتطوير سوق غاز أورومتوسطي، ودفع التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول شرق البحر المتوسط. كما طرح الاتحاد في هذا الإطار ثلاث بدائل [33]. تمثل البديل الأول في ضخ الغاز الإسرائيلي والقبرصي مباشرة إلى أوروبا، عبر ممر الغاز الجنوبي، والثاني في نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا من خلال مد خط أنابيب ( ليفياثان – جيهان ) تحت سطح الماء إلى تركيا، ثم الاتصال بشبكة الغاز الأوروبية من خلال الأنابيب العابرة للأناضول، وممر الغاز الجنوبي القادم من أذربيجان إلى أوروبا، وتجسد البديل الثالث في تخلي الاتحاد عن نقل الغاز عن طريق الأنابيب، والاعتماد على تسييله، ثم نقله بالسفن إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية اعتمادا على مصر.
واكتشافات الغاز شرق المتوسط أعادت تشكيل التحالفات، وأججت نزاعات قديمة كانت خامدة، وهي مرشحة إلى التفاقم ما لم يتم إعادة النظر في معايير الترسيم الحالي للحدود البحرية، والأخذ بعين الاعتبار حقوق تركيا، وترجيح مبدأ رابح/رابح باقتسام المكاسب، وما لم تتوقف إسرائيل عن نزعتها التوسعية وتملصها من قرارات الأمم المتحدة.
ب – بروز نزاعات حول ترسيم الحدود البحرية:
يتميز الصراع على الغاز في شرق حوض البحر الأبيض المتوسط بتداخل أبعاده المختلفة السياسية والاقتصادية والقانونية والأمنية، وهو ما يجعله صراعا معقدا وقابلا للاشتعال، لا سيما مع كثرة اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين، ووجود خلل هائل في توازن القوى، وتضارب المصالح بين هذه القوى.
ونظرا للأهمية الاقتصادية والإستراتيجية للغاز المكتشف، وفي غياب حدود بحرية واضحة بين تلك الدول، شرعت بعض دول الإقليم في رسم حدودها البحرية وتحديد مناطقها الاقتصادية الخالصة بشكل انفرادي رغم وجود الأطر القانونية التي تنظم العلاقات والتفاعلات بين الدول المشاطئة لهذه الحقول [34].
ويعتبر النزاع التركي اليوناني أحد أخطر بؤر التوتر وأقدمها في المنطقة، فهو يعود إلى سنة 1832 منذ استقلال اليونان عن الإمبراطورية العثمانية، مرورا بتفككها في الحرب العالمية الثانية، وفرض اتفاقية لوزان الإذعانية عليها، التي انتزعت من تركيا عدداً من الجزر التي انتقلت سيادتها إلى اليونان، وأصبحت بذلك محاطة بحوالي 8000 جزيرة يونانية معظمها موجود في بحر ايجة [35]، وبالتالي، وجدت تركيا نفسها محاصرة في مجالها الحيوي وهو ما يتعارض مع قوتها وحيويتها ودورها الإقليمي، وتحرم من حقوقها في الثروات التي تكتنزها هذه المنطقة الغنية بالغاز وهي القريبة منها، مما يجعلها ترفض أي اتفاق بين الدول القريبة منها بخصوص ترسيم الحدود دون أخذ رأيها [36].
وهو ما دفعها أيضا إلى تغيير هذا الواقع بعدة طرق: أولها رفض تركيا الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وثانيها الاستناد إلى قانون الجرف القاري لحماية مصالحها[37] ،وثالثها تنفيذ الرؤية التركية لترسيم الحدود وذلك بتوقيع مذكرة تفاهم بينها وبين ليبيا (حكومة الوفاق) حول ترسيم الحدود في 27 نونبر 2019، عرفت بمذكرة الصلاحيات البحرية التي بموجبها ستتوسع تركيا في أعمال التنقيب عن الغاز والبترول في المياه الخالصة بين البلدين متجاوزة جزيرة كريت والجزر اليونانية الأخرى، بناء على مبدأ الجرف القاري الذي يعتمد ترسيم الحدود على أساس يابسة الدول دون اعتبار للجزر التابعة لها.
وبالنسبة لجزيرة قبرص التي تقف عائقا أمام ترسيم حدودها مع مصر، فان تركيا ترفض الاعتراف بجمهورية قبرص اليونانية، وتعترف فقط بجمهورية قبرص التركية، وتحتفظ بعشرات الآلاف من الجنود في شمال الجزيرة القبرصية، ومع اكتشاف حقل “أفروديت” عارضت تركيا بشدة استغلال موارد هذا الحقل إلا إذا تم مشاركتها مع الجزء التركي القبرصي.
ويعتبر النزاع اللبناني الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية من النزاعات الشائكة في حوض المتوسط، ذلك أنه بمجرد اكتشاف إسرائيل للغاز في السواحل المحاذية للبنان، وافق البرلمان اللبناني على قانون النفط في غشت 2010، وكلفت الحكومة اللبنانية شركتين نرويجيتين بإجراء مسح زلزالي على طول سواحلها في مياهها الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، وأرسل لبنان إلى الأمم المتحدة إحداثيات حدوده البحرية الجنوبية، التي ترسم منطقته الاقتصادية الخالصة، ثم أعقب ذلك تحديد إسرائيل بدورها لحدودها البحرية الشمالية ومنطقتها الاقتصادية الخالصة[38].
وفي ذات الإطار ترفض الحكومة اللبنانية أيضا اتفاقية الترسيم التي تمت بين قبرص وإسرائيل، وتطالب نيقوسيا بأن تقوم بتعديل هذا الاتفاق ليعكس الترسيم اللبناني لحدود المنطقة الاقتصادية الخالصة بها، وهو الأمر الذي ترفضه نيقوسيا أيضا [39].
خلاصة القول إن حوض المتوسط، شرقه وغربه، ينام على برميل بارود من الخلافات والنزاعات الجيوسياسية، بعضها يعود إلى قرون مضت كما هو حال النزاعات حول السيادة على بعض الجزر، كالنزاع الاسباني البريطاني حول جبل طارق، والنزاع الاسباني المغربي حول الجزر الجعفرية وجزيرة النكور وجزيرة ليلى، والنزاع التركي اليوناني حول جزيرة قبرص وبعض الجزر في بحر إيجة، والنزاع الاسباني الجزائري حول جزيرة كابريرا التابعة لجزر الباليار. وبعضها الآخر استجد بعد اكتشافات الغاز بالمتوسط، أو اندلع على إثر بناء بعض دول المنبع سدودا على أنهار دولية نتيجة الضغط الديموغرافي والاقتصادي أو الجيوسياسي كبناء أثيوبيا سد النهضة على نهر النيل، أو بناء تركيا سد “أليسو” على نهر دجلة وسد “أتاتورك” على نهر الفرات، أو نتيجة لوضع اليد على مياه دول أخرى كما هو شأن دولة الاحتلال الإسرائيلي مع مياه نهري الوزاني والحصباني اللبنانية، أو مياه نهري الأردن واليرموك السوري [40].
4- تهافت القوى الدولية على مقدرات المتوسط من خارج محيطه:
نظرا للأهمية التي يمثلها الإقليم المتوسطي، فقد تحول مع مرور الوقت إلى مسرح للصراع وفضاء للتنافس، وأحد المناطق التي تصطدم فيه إستراتيجيات القوى العظمى من أجل الهيمنة وبسط النفوذ، الشيء الذي جعل تواجد هذه القوى مصدر تهديد لاستقراره، وأصبح يشكل عائقا أمام تحقيق الأمن فيه. ويعد الصراع الأمريكي الروسي أحد أوجه هذا الصراع الحاد، بينما يمثل الحضور الصيني والتمدد الإيراني الوجه الآخر له.
أ – التنافس الأمريكي الروسي في الإقليم المتوسطي:
ما يزال المسرح المتوسطي يشكل أهمية حيوية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى للحفاظ على علاقات مستقرة مع دول المنطقة حتى تضمن استمرار مصالحها المتشابكة التي تمتد من المحيط الأطلسي، مرورا بالبحر الأبيض المتوسط، والشرق الأوسط وصولا إلى الخليج العربي، وآسيا الوسطى، وهي حلقات إستراتيجية متتالية يشكل فيها حوض المتوسط حلقة وصل هامة.
وبعد العودة الروسية إلى الساحة الدولية منذ 2011، وتزايد الحضور الجيواقتصادي للصين في البحر الأبيض المتوسط، وإعلانه عن مشروع الحزام والطريق منذ 2013، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تراجع إستراتيجيتها الشاملة وتتوجه شرقا من أجل احتواء الصين، وهو ما جعل إدارة ترامب تعيد النظر في أولوياتها، فجعلت من أمريكا أولا، و من مواجهة الصين وروسيا شعارا لها، وهو ما تعكسه الوثيقة التي طرحتها الإدارة الأمريكية حول إستراتيجية الأمن القومي في دجنبر سنة 2017[41]، والوثيقة الثانية حول الإستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية التي تم الإعلان عنها في يناير [42]2018، التي اعتبرت أن التهديد الرئيسي والأول للولايات المتحدة الأمريكية يتمثل في كل من روسيا والصين، مما يستلزم مواجهة القوة العسكرية الروسية والقوة الاقتصادية الصينية.
إلا أن انتقال مركز اهتمام الولايات المتحدة شرقا نحو آسيا، لم يؤد إلى انسحابها من المنطقة المتوسطية، إذ لا زالت تشكل أهمية جيواستراتيجة بالنسبة لأمريكا، ولازالت هذه الأخيرة تسعى إلى الحفاظ على تفوقها في المنطقة، من جهة من خلال احتواء الاتحاد الأوروبي وجعل دوره مجرد دور مكمل، واقتصاره على تقديم الدعم السياسي والاقتصادي للإستراتيجية الأمريكية بالمتوسط، ومن جهة ثانية من خلال منع روسيا من الوصول إلى المياه الدافئة، واحتواء التمدد الصيني الهادئ والناعم، وتحجيم الدور الإيراني المتنامي المناهض للمصالح الأمريكية. والإبقاء على أهدافها في السيطرة على الممرات والمضايق البحرية المتوسطية لضمان أمن الملاحة وأمن إمدادات الطاقة القادمة من الخليج العربي وشمال أفريقيا وضمان أمن إسرائيل حليفها الإستراتيجي وقاعدتها العسكرية المتقدمة في المتوسط، بالإضافة إلى التحكم في المجال البحري للمتوسط ومراقبته لأنه يشكل معبرا رئيسيا وحيويا لتحرك قواتها العسكرية نحو الشرق الأوسط والمحيط الهادئ، بالإضافة إلى محاربة الجماعات الجهادية حتى لا يتحول الشرق الأوسط والضفة الجنوبية والشرقية للمتوسط لبيئة آمنة لهذه الجماعات [43].
ولأجل تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية في الإقليم المتوسطي، ولأجل تكريس تفوقها وزعامتها للعالم، تحضر الولايات المتحدة في الإقليم سياسيا وعسكريا[44] ، سياسيا عبر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى إعادة هيكلة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال فرض إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، للحيلولة دون ظهور قوى معادية لأمريكا فكريا وإيديولوجيا [45]، وخلق أنظمة ديمقراطية مندمجة في القيم الغربية، ورأي عام غير معادي لأمريكا [46].
ولن يتأتى ذلك إلا بإعادة رسم الخريطة السياسية لدول المنطقة، وبناء دول جديدة على أسس طائفية أو قومية أو قبلية تجد فيه إسرائيل موقعا طبيعيا ومتقدما، وتمكن أمريكا من السيطرة الكاملة على الثروات الطبيعية التي يختزنها الشرق الأوسط وجنوب المتوسط، وخنق روسيا والصين بزعم أن من يسيطر على الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط يسيطر على العالم [47].
وعلاوة على ذلك، تحضر الولايات المتحدة الأمريكية عسكريا عبر شبكة من القواعد العسكرية المنتشرة في بلدان الضفة الشمالية، في إطار حلف الشمال الأطلسي، كايطاليا واليونان واسبانيا وتركيا، أو في بلدان الضفة الجنوبية كالمغرب وتونس ومصر وإسرائيل من خلال الأسطول السادس الأمريكي، الموجود بالقاعدة البحرية الايطالية بنابولي.
وبالمقابل، وفي إطار التنافس الجيوسياسي حول المواقع، وموازاة مع صعود روسيا في النظام الدولي كقوة وازنة [48]، تعتقد هذه الأخيرة أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين يستهدفون مجالها الحيوي وأمنها القومي من خلال تمدد الحلف الأطلسي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، ومحاولتهم منعها من الوصول إلى المياه الدافئة رغم أنها تعتبر نفسها جزءا من المتوسط لأنها تطل على البحر الأسود الذي يعتبر امتدادا للبحر الأبيض المتوسط. لهذا الاعتبار صنفت العقيدة البحرية الجديدة لروسيا الاتحادية التي تم إقرارها في يوليو 2017، المخاطر والتهديدات النابعة من البيئة الدولية، والتي تحد من الدور الروسي في مختلف بحار ومحيطات العالم في أفق 2030، في خمسة اتجاهات: أولها تتجلى في تنامي أدوار القوى البحرية الكبرى (الحلف الأطلسي بقيادة أمريكا) في المجال الحيوي البحري الروسي المباشر (بحر الشمال، بحر قزوين، البحر الأسود، بحر البلطيق والمحيط الهادئ). ثانيها تتجلى في عمل أمريكا وحلفائها على السيطرة على المحيطات ومحاولة منع روسيا من الوصول إليها والى ثرواتها. ثالثها تتجلى في تصاعد النزاعات حول السيادة على مناطق تحظى بأهمية إستراتيجية كبرى في بحار ومحيطات العالم، كالنزاع حول جزر الكوريل مع اليابان في المحيط الهادئ، وشبه جزيرة القرم مع أوكرانيا في البحر الأسود. رابعها تتجلى في تنامي سباق التسلح البحري وامتلاك العديد من القوى الدولية لأساطيل بحرية ذات التجهيز المتقدم والاستعداد العالي، تحد من قوة وفاعلية القوات البحرية الروسية. خامسها وأخيرا تتجلى في انتشار أنظمة التسلح التكتيكية العالية الدقة في البحار والمحيطات، خصوصا في المناطق التي تعرف اضطرابا تصاعديا، وتحظى بأهمية استراتيجة بالنسبة لروسيا ، كحوض البحر الأبيض المتوسط الذي يشكل منفذ روسيا نحو المياه الدافئة[49] .
بسبب هذه التهديدات الإستراتيجية، ستتبنى روسيا عقيدة بحرية في حوض المتوسط تقوم على ركيزتين أساسيتين هما: أولا، تعزيز ونشر أسطولها البحري وضمان وجوده الدائم في شرق المتوسط (مقره في القاعدة البحرية في طرطوس بسوريا)، عبر إنشاء مجموعة عملياتية دائمة للبحرية الروسية تحت قيادة أسطول البحر الأسود، مع إجراء تبديل دوري ثانيا، تخصيص جزء من برنامج التحديث العسكري (2018/2030) للقوات البحرية في حوض المتوسط لتعزيز الردع تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بالارتكاز على تقوية الأسلحة الإستراتيجية[50] .
ومن أجل تحقيق أهدافها الإستراتيجية، قررت روسيا التدخل المباشر في الأزمة السورية بعد تدخل حلف الناتو في ليبيا لتغيير نظام القذافي الحليف التقليدي لروسيا، وبعد أن شعرت روسيا بالخذلان، وبتوظيف الحراك الشعبي لصالح مشروع الشرق الأوسط الكبير، وأجندات أمريكا للهيمنة وإعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتمدد في مجال النفوذ الروسي، وذلك باستهداف الدول التي تعتبرها روسيا مجالات لنفوذها التقليدي كليبيا وسوريا، والأهم من ذلك أنها تحتضن القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة التي توجد خارج روسيا بميناء طرطوس والذي يمكنها من منفذ على المياه الدافئة بالمتوسط وهو الحلم الذي ارتبطت به العاطفة الوطنية الروسية الجوهرية على مر التاريخ منذ بطرس الأكبر[51].
ب – الحضور الصيني الناعم والتمدد الإيراني:
يتبوأ حوض البحر الأبيض المتوسط مكانة إستراتيجية في مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني تشي جين بينغ في خريف سنة 2013، هذا المشروع الضخم الذي خصصت له الصين مبلغ ترليون دولار، والذي يمثل فيه إقليم المتوسط أحد نقاط ارتكاز الطريق البحري للحرير، الذي ينطلق من الصين ويمر عبر عدد من الموانئ في بحر الصين، ومن سنغافورة إلى شرق الهند، ثم إلى سيريلانكا فجنوب إفريقيا، فنيروبي وجيبوتي، ليمر عبر البحر الأحمر في اتجاه بورسعيد المصري، لينتقل إلى أثينا ومنها إلى ايطاليا، ليلتقي مع الحزام البري الذي ينطلق بدوره من الصين ليمر من قزخستان في اتجاه موسكو فإيران فباكستان فاسطنبول إلى أن يصل إلى غرب أوروبا [52].
وحسب الوثيقة المعنونة ب”رؤية وخطط البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” الصادرة عن الحكومة الصينية في 12 مايو 2017، فان مبادرة الحزام والطريق هي عبارة عن رؤية إستراتيجية صينية للتعامل مع مجموعة من التحولات، والتحديات، والفرص التي يواجهها الاقتصاد الصيني والدولة الصينية في المرحلة الراهنة والدقيقة في تطور الاقتصاد العالمي، وظاهرة العولمة الاقتصادية، وتطور موازين القوى[53] .
ولتجسيد الصين لإستراتيجياتها، تتواجد في حوض البحر الأبيض المتوسط من خلال الاستثمارات الضخمة في البنيات التحتية في عدد من دول الحوض سواء في الضفة الجنوبية كالمغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وإسرائيل، أو في الضفة الشمالية كإيطاليا واليونان، فقد أنشأت الصين شراكات إستراتيجية شاملة مع كل من الجزائر ومصر سنة 2014وشراكة إستراتيجية مع المغرب سنة 2016، وعلى الجانب العسكري، فباستثناء قاعدتها العسكرية في جيبوتي التي تم إنشاؤها سنة 2017، والتي تجعل الساحل الغربي للمتوسط ضمن نطاق قواتها البحرية والجوية[54].، فالحضور العسكري الصيني في المتوسط تقريبا منعدم [55].
ولتحقيق أهدافها في خلق منطقة نفوذ جيواقتصادي اعتمدت الصين إستراتيجية هادئة موظفة القوة الناعمة القائمة على الإقناع والجاذبية والتعاون وعلى الربح المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واتخاذ موقف الحياد إزاء النزاعات الجيوسياسية في الإقليم المتوسطي كالقضية الفلسطينية وقضية الصحراء المغربية والقضية القبرصية والأزمة الليبية والسورية، كما تسعى إلى زيادة نفوذها الثقافي في المنطقة من خلال انخراط ثقافي أكبر.
وعلى الرغم من أن الصين يبقى حضورها، ودورها الجيوسياسي في الإقليم محدودا، ويتسم بالحياد، إلا أن حضورها الاقتصادي أصبح يثير الكثير من القلق للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، حيث تنظر إلى الصين كتهديد إستراتيجي لمصالحها في حوض المتوسط وتعتبر حضورها في الحوض تمددا في مجالها الحيوي، وصعودها الاقتصادي والجيوسياسي تهديدا لدورها المركزي في النظام الدولي، لهذا وضعتها وثيقة الإستراتيجية الدفاعية للولايات المتحدة الأمريكية التي تم الإعلان عنها في يناير 2018،[56] إلى جانب روسيا كمصدر تهديد رئيسي يجب احتواؤها وتحجيم دورها الدولي والإقليمي، وهو ما قاد الولايات المتحدة إلى تبني عدة مبادرات لمواجهة مشروع الحزام والطريق من خلال إستراتيجية “الانعطاف نحو آسيا” لخنق الصين عبر مضيق ملقا الذي يتواجد به الأسطول السابع الأمريكي ومن خلال إستراتيجية المحور وهي الإستراتيجية التي أعلن عنها باراك أوباما والتي ترمي إلى مواجهة تعاظم قوة الصين، على الصعيد التجاري، والمالي والعسكري عبر تعزيز التعاون مع الدول الأسيوية عبر مبادرة “الشراكة عبر المحيط الهادئ” التي انسحب منها دونالد ترامب [57].
أما بالنسبة لإيران، فتكتسب منطقة المتوسط، وخاصة شرقها، أهمية استراتيجة خاصة لأسباب ثلاثة أساسية:[58] يتمثل أولها في أنها إحدى المناطق الرئيسية التي تسعى إيران إلى التمدد فيها، والتحول إلى طرف فاعل لديه القدرة على المشاركة في صياغة ترتيباتها الإستراتيجية والأمنية، وثانيها في أنها تعتبر منطقة شرق المتوسط المنطقة التي يوجد بها معظم حلفاء إيران النظام السوري، حزب الله في لبنان، وفصائل المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) بغزة، وثالثها يتعلق بالرؤية الإستراتيجية المؤطّرة لتوجهات السياسة الخارجية الإيرانية إذ أن دوائر القرار لا تزال ترى أن أحد أهم المصادر التقليدية لتهديد الأمن القومي الإيراني يأتي من غرب حدودها، على نحو دفعها دوما إلى الحرص على تعزيز نفوذها داخل تلك المنطقة، ويمثل حوض البحر الأبيض المتوسط في إدراك العقل الإستراتيجي لصناع القرار الإيرانيين جزءا من المجال الحيوي للدولة.
وتنظر إيران إلى الوجود العسكري الأمريكي في الخليج والعراق وسوريا والبحر الأبيض المتوسط كتهديد إستراتيجي يستهدفها كنظام سياسي وكموقع إستراتيجي وكخط ثوري مناهض للهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، لهذا فهي تضعها على رأس أولوياتها، حيث ترى مواجهتها للولايات المتحدة الأمريكية هي مواجهة ضد الاستكبار العالمي وهو أحد الأهداف الإستراتيجية لإيران منذ الثورة، ويأتي بعده الكيان الصهيوني القاعدة الأمريكية المتقدمة في الإقليم المتوسطي، والغدة السرطانية التي يجب اقتلاعها[59].
ولترجمة هذه الرؤية الإستراتيجية تسعى إيران إلى إنشاء ممر إستراتيجي يصل بين إيران والبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان، ومحورا إستراتيجيا مناهضا للهيمنة الأمريكية وللوجود الإسرائيلي بالمنطقة يطل على أهم البحار في الشرق الأوسط التي تمثل الشريان الحيوي للاقتصاد العالمي (الخليج العربي، البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط)، وقادرة على التأثير في الملاحة عبر مضايقه (هرمز، باب المندب)[60].
مما سبق يتضح أن صراع القوى الدولية والإقليمية من خارج المتوسط أثر بشكل كبير في تأجيج الصراعات حول الطاقة وترسيم الحدود، كما ساهم في خلق اصطفافات إقليمية ودولية في سوريا وليبيا وفي لبنان والعراق، وحول القضية الفلسطينية، وأن البحر الأبيض المتوسط سيظل الخط الذي تصطدم فيه إستراتيجيات الدول العظمى، ومدخل لأي توازن إستراتيجي يؤسس لعالم متعدد الأقطاب، كما أن تحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة المتوسط أضحى مرتبطا بإرادة القوى العظمى في وضع ترتيب إستراتيجي وأمني جديد يأخذ بعين الاعتبار ميزان القوى الجديد، ومصالح القوى الكبرى في المتوسط وباقي الأقاليم المرتبطة بإستراتيجيات وهواجس هذه القوى.
خاتمة:
لا نختلف في كون الإقليم المتوسطي يمثل أهمية جيوسياسية واقتصادية جعلت منه ساحة لجذب أطماع قوى أجنبية، مما أدى إلى تحوله لإقليم مضطرب يعج ببؤر التوتر في أبعاده ومستوياته المختلفة، وإن اختلفت وتباينت المقاربات التي يسوقها العديد من الباحثين عن استقرار البحيرة المتوسطية، فإننا نرى في هذا الصدد بالدرجة الأولى العمل على تجاوز المنظور الواقعي الضيق للأمن المتمحور حول الدفاع والحماية وحتمية الفوضى، إلى منظور أوسع قادر على استيعاب التحولات والمتغيرات الجديدة، وذلك من أجل أمن شامل وإنساني يأخذ بعين الاعتبار أبعاد التنمية الشاملة. ولن يتأتى هذا إلا بانخراط جميع دول المتوسط في بناء رؤية أمنية موحدة متوافق عليها، وتشكيل مؤسسات أو بالأحرى قوة متوسطية قادرة على الحفاظ على أمنها ومصالحها، وعلى لعب أدوار إقليمية ودولية مؤثرة.
الهوامش :
[1] – أنظر: جيمس بلاك ومن معه “مياه مضطربة: لمحة موجزة حول التحديات الأمنية في منطقة البحر المتوسط”، منظور تحليلي :www.randeurope.org
[2]– ايف لاكوست، الجغرافيا السياسية للمتوسط، ترجمة زهيدة درويش، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث كلمة،الطبعة الأولى 2010، ص 69.
[3]– Bouchra Rahmouni Benhida et Younes Slaoui, Géopolitique de la Méditerranée, que sais-je?, Puf, 1ere édition, Avril 2013, p.11.
[4] – تقرير مؤشر مدركات الفساد لسنة 2019 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في 24 يناير 2020 على الرابط:
[5] للتعرف على الإنفاق العسكري لدول ضفتي المتوسط انظر موقع معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام:
www.sipri.org
[6]– جوزيف س. ناي، القوة الناعمة، وسيلة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة: توفيق البجيرني، الرياض، العبيكان للنشر، الطبعة الأولى،2007، ص-ص: 113-127.
[7] – Richard Balme, un point de vue globale sur l’Europe les configurations successives de l’intégration régionale, l’Harmattan, revue politique européenne, n° 50, 2015, p.1.
[8] -Antoine Mégie et Frédéric Merand, l’Union Européenne et le nouvel équilibre des puissances, l’Harmattan, revue politique européenne, n°39, 2013, p.9.
[9] – نظرة على حوار ناتو ودول المتوسط، غشت 2010، على الرابط:
[10]– يورغ سورنسن، إعادة النظر في النظام الدولي الجديد، ترجمة أسامة الغزولي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، عالم المعرفة، العدد 480، الكويت، يناير 2020، ص ص: 92-93.
[11] -كمال القصير، ” جيوبولتيك المغرب العربي: قراءة في ديناميات عام 2014 “، مركز الجزيرة للدراسات، 31 دجنبر 2014على الرابط: www.studies.aljazeera.net/ar/reports
[12] -See : Aomar BAGHZOUZ, les relations euro-méditerranéennes dans le cadre du processus de Barcelone : bilan et perspectives, in : Abdennour Benantar (dir.), Europe et Maghreb : voisinage immédiat, distanciation stratégique, Alger, CREAD, 2010, pp. 45-73.
-عن العلاقة بين الحلف الأطلسي والدول المغاربية، انظر:
Brahim SAIDY (dir.), l’OTAN et le Maghreb, collection perspectives stratégiques, paris, l’Harmattan/fondation pour la recherche stratégique, 20147, p.191, Abdennour Benantar, NATO, Maghreb and Europe, Mediterranean politics, vol 11, n°2, July 2006, pp. 167-188.
[13] – شدي عبد الرحمان حسن، الاتحاد الإفريقي والنظام الأمني الجديد في إفريقيا، دراسات استراتيجية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 162، أبو ظبي، 2011.
[14]– مصطفى بخوش، حوض البحر الأبيض المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة – دراسة في الرهانات والأهداف -، دار الفجر للتوزيع والنشر، الطبعة الأولى، القاهرة 2005، ص: 49.
[15] -Claud Levi Strauss, race et histoire, essais Folio ; Paris, 1962, p.201
[16]– ممدوح درويش مصطفى، مقدمة في تاريخ الحضارة الرومانية واليونانية،- 1 – تاريخ اليونان، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية 1999، ص 53.
[17] – هيجل، محاضرات في فلسفة التاريخ، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة 1986، ص 117.
[18] – ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ترجمة محمد علي مقلد، مركز الإنماء القومي، بيروت- لبنان.
[19] – حسن حنفي، مقدمة في علم الاستغراب، الدار الفنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة 1991، ص 393.
[20] – نوار محمد ربيع الخيري، مبادئ الجيوبوليتيك، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2012، الطبعة الأولى، ص.ص 27- 28.
[21] – Samir Amin, Eurocentrisme, New York, Monthly Review Press, 1989, p.7
[22]– ياسر الخطيب، تزايد فرص المتوسطية في عهد نتنياهو، مجلة شؤون الأوسط، العدد 58، دجنبر 1996، ص 111.
[23]– Bouchra Rahmouni Benhida et Younes Slaoui, Géopolitique de la Méditerranée, op cit, p.13.
[24] -حددت الوثيقة التهديدات في الإرهاب الدولي والهجرة غير الشرعية وأسلحة الدمار الشامل والجريمة المنظمة والدولة الفاشلة وأخطار تلوث مياه المتوسط.
[25]-البشير الكوت، ظاهرة الهجرة غير الشرعية في العلاقات الأوروبية الأفريقية، مجلة دراسات دولية، السنة 8، العدد 28، 2007، ص 59.
[26] -محمد مصطفى كمال وفؤاد نهرا، صنع القرار في الاتحاد الأوروبي والعلاقات العربية الأوروبية، الطبعة الأولى، لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2004، ص:210.
[27] -مصطفى بخوش، الرؤية الأوروبية للبعد الأمني في المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة، مرجع سابق، ص 23.
[28]– برتران بادي ودومينيك فيدال، عالم اللامساواة: أوضاع العالم، ترجمة نصير مروة، الطبعة الأولى، مركز الفكر العربي، بيروت، 2016.
[29]- في يناير 2009، تم اكتشاف حقل تامار ( Tamar) للغاز الطبيعي الذي يوجد في المياه الاقتصادية الخالصة للأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي تقدر احتياطاته ب 280 مليار متر مكعب، وفي سنة 2010 تم اكتشاف حقل آخر هو حقل ليفياثان ( Leviathan) الذي تصل احتياطاته إلى 620مليار متر مكعب. وارد في:
c.j.schenk et al , assessment of undiscovered oïl and gaz ressources of the levant basin province, easten mediterraean, u.s. geological Survey, 12 March 2010, p.2.
[30] -أحمد قنديل، “منتدى غاز شرق المتوسط..الدوافع والأهداف”، السياسة الدولية، مؤسسة الأهرام، العدد 216، القاهرة، أبريل 2019، ص ص: 220-223.
[31] -زهير حامدي، الآثار الجيوسياسية لاكتشافات الغاز في شرق المتوسط، سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدوحة، العدد 1، مارس 2013، ص 123.
[32]– علي حسين باكير، “النزاع على الغاز في شرق المتوسط ومخاطر الاشتباك”، تقارير مركز الجزيرة للدراسات، 19أبريل 2018، ص 10.
[33]– حمد قنديل، “الاتحاد الأوروبي وغاز شرق المتوسط..المصالح والسياسات وآفاق المستقبل”، السياسة الدولية، العدد 213، يوليو 2018، ص ص: 114- 115.
[34] – من بينها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية – القبرصية 2007، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية القبرصية – الإسرائيلية 2010، واتفاقية ترسيم الحدود البحرية المصرية – القبرصية 2013، انظر: شادي سمير عويضة، استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت، الطبعة الأولى، 2019، ص 90.
[35] – رانيا علاء السباعي، قبرص – اليونان – تركيا..الاتجاه نحو التصعيد أم التهدئة؟، السياسة الدولية، عدد 213، يوليو 2018، ص 124.
[36]– وفي هذا الصدد، رفضت تركيا اتفاق ترسيم المساحات البحرية المبرم يوم الخميس 06 غشت 2020 بين مصر واليونان، واعتبرته “في حكم العدم” على لسان الرئيس التركي أردوغان. كما أعلنت عن استئناف عمليات المسح والتنقيب عن الغاز في مياهها بعد أن كانت سابقا قد جمدتها.
[37] – وفحواه أن الدول اليابسة هي التي يحق لها أن تقتسم المياه الاقتصادية الخالصة فيما بينها، وليس للجزر أي حقوق في المياه الخالصة، لأنها جيولوجيا هي أصلا امتداد ليابسة أو ما يسمى ب” الجرف القاري”، وأن هذه الجزر كانت متصلة بشواطئها، وانفصلت بفعل التغيرات الجيولوجية عبر آلاف السنين، وبالتالي تبقى السيادة للدولة على هذه الجزر.
[38] – زهير حامدي، الآثار الجيوسياسية لاكتشافات الغاز في شرق المتوسط، مرجع سابق، ص 119.
[39]– شادي سمير عويضة، استغلال الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط وعلاقته بالنفوذ الإسرائيلي في المنطقة، مرجع سابق، ص 90.
[40]– نبيل الريس، مشكلة المياه في إسرائيل وانعكاستها، أكاديمية ناصر العسكرية،كلية الدفاع الوطني،القاهرة 1986، ص 4.
[41]– The US National Security Strategy 18 Dec 2017: https://www.whitehouse.gov/articles/new-natoinal-security-strategy-new-era/
[42]– The US National Defense strategy: https://www.defense.gov/Portals/1/Documents/pubs/2018-National-Defense-Strategy-Summary/
[43]– نهى بكر، “استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في شرق المتوسط”، مجلة السياسة الدولية، العدد 213، يوليو 2018،ص.ص..104-105.
[44]– نصت وثيقة الأمن القومي الأمريكي لسنة 2017 على الاحتفاظ بالوجود العسكري الضروري للقوات الأمريكية في حوض المتوسط، بهدف إحداث توازن القوى، والدفاع عن الحكومات الضعيفة أمام هجمات الجماعات الإرهابية، وكذا تعزيز قواتها الدفاعية في صد الحركات التمردية بالداخل، والقيام بدعمها في مجال الدفاع الجوي. كما نصت على اعتماد الاستراتيجية الاستباقية في استهداف أي تهديد للولايات المتحدة الأمريكية في معقله قبل وصوله للأراضي الأمريكية، وعلى تعزيز الحضور في حوض المتوسط للمراقبة الدائمة للممرات البحرية الحيوية وتعزيز القدرات الاستطلاعية والهجومية الأمريكية.
[45]– خليل العناني، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم العربي: رؤية مستقبلية، شؤون عربية، العدد 123، خريف 2005، ص 69.
[46]– عبد العزيز بن زايد آل داود، قناة الحرة: أمركة العقل العربي، دار غيداء للنشر، الرياض 2004، ص 73.
[47]– عمار بالة، مكانة الولايات المتحدة الأمريكية ضمن الترتيبات الأمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، أطروحة دكتوراه، كلية العلوم السياسية، جامعة باتنة، السنة الجامعية 2011- 2012، ص 94.
[48] نورهان الشيخ، “روسيا..من دور فاعل إلى دور قائد”، السياسة الدولية، العدد 204، مؤسسة الأهرام، القاهرة، أبريل 2016، ص ص: 198-200.
[49] -Mark N.Katz, stratégie géopolitique russe en Méditerranée, grande angulaire, Afkar/ idées, Hiver 2015/ 2016, p.23.
[50]– سامي السلامي، “الاستراتيجية الروسية في شرق المتوسط”، مجلة السياسة الدولية، العدد 213، يوليو 2018،ص.ص 108-109.
[51]– David Teurtrie, Géopolitique de la Russie (intégration régionale, enjeux énergétiques, influence culturelle), l’Harmattan, Paris 2010, p.20.
[52] – أحمد كاتب، الانخراط الحذر..التحول الضروري للسياسة الصينية في الشرق الأوسط، السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، ملف خاص بطرق الحرير، العدد 214، أكتوبر 2018، ص 24.
[53] – محمد فايز فرحات، “الحزام والطريق”..هل يتجنب الصعود الصيني مثالب التدخل الغربي؟، السياسة الدولية، ملحق تحولات استراتيجية، العدد 214، أكتوبر 2018، ص5.
[54] -الحسن الحسناوي، “استراتيجية الوجود الصيني في افريقيا: الديناميات.. والانعكاسات”، المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 40، بيروت، ديسمبر 2017، ص ص: 111-112.
[55] -Alice Ekman, la Chine en méditerranée: un nouvel activisme, revue politique étrangère, cairn, hiver 2016,p.82.
[56]-The US National Defense strategy: https://www.defense.gov/Portals/1/Documents/pubs/2018-National-Defense-Strategy-Summary/
[57]– أحمد قنديل، تحجيم بكين: تشكل مبادرات لاحتواء “الحزام والطريق” عالميا، مجلة اتجاهات الأحداث، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 31، خريف 2019، ص 41.
[58]– محمد عباس ناجي، مصالح وسياسات إيران في شرق المتوسط، مجلة السياسة الدولية، العدد 213، يوليو 2018، ص 120.
[59] – سماح عبد الصبور عبد الحي، القوة الذكية في السياسة الخارجية الايرانية تجاه لبنان 2005- 2013، دار البشير للثقافة والعلوم، 2014، ص ص 100- 101.
[60] – مصطفى محمدي، “المواجهة الاستراتيجية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والسيناريوهات المتوقعة”، فصلية طهران لدراسة السياسة الخارجية، أنظر في :