ندوات و مؤتمرات

ندوة أحداث فرنسا: التوصيات والسياسات البديلة

نظم مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية ندوة علمية دولية، وذلك يوم 13 يوليو 2023 حول: “أحداث فرنسا: التطورات والسياقات”. وجاءت فكرة تنظيم هذه الندوة  على إثر الأحداث التي شهدتها فرنسا بعد  واقعة مقتل المواطن الفرنسي من أصل جزائري “نائل مرزوقي” برصاص شرطي، حيث امتدت موجة الاحتجاجات الشعبية الغاضبة  والتي كانت نتيجة لتراكمات اجتماعية واقتصادية وثقافية ممتدة، وليس  مجرد ردود أفعال عن حوادث أمنية فقط، هو ما أكدته شعارات المتظاهرين وتصريحات السياسيين من قبيل (السود ، العنصرية، أبناء الضواحي،الهوية …إلخ).

 تعتبر  هذه الأزمة الأخيرة مرآة كاشفة للأزمات التي يعيش فيها النظام الفرنسي الحالي، فمنذ فترة قصيرة كان هناك احتجاجات واسعة بسبب اصلاح قانون المعاشات التقاعدية، وقبلها موجات احتجاج على قانون الأمن الشامل، علاوة على السترات الصفراء، حيث أضحى العنف والنهب أحد آليات الضغط التي يعبر بها الفرنسيين عن استيائهم من النظام الحاكم كما أنه يمثل مؤشر خطر على استقرار البلاد، وشرعية النظام القائم وسمعته الدولية.

في هذا الاطار جاءت هذه الندوة للبحث عن أسباب استمرار القابلية للعنف في المجتمع الفرنسي، وأسباب ودواعي هذا الاحتقان المجتمعي، والذي جعل فرنسا تنتفض بهذا الشكل غير المسبوق، وكيف تعاطت السلطات الفرنسية مع الأزمات المجتمعية التي شهدها المجتمع الفرنسي، وإلى أي مدى كان لهذا التعاطي انعكاسات سلبية على مؤشرات الاندماج والتوافق الوطني؟ .

وقد شارك في الندوة مجموعة من الخبراء والمتخصصين، المتمثلين في  كل من الدكتور  فرنسوا دوروش، رئيس منظمة عدالة وحقوق بلا حدود (فرنسا)، الدكتورة ماجدة رفاعة، أستاذة في الفلسفة السياسية جامعة سان دوني باريس 8  (فرنسا)، الدكتور عبد النور تومي، متحدث  في شأن العمل الإنساني في مركز العلاقات الدولية والتفكير الاستراتيجي (IRIS) في باريس (فرنسا)، الدكتور طلال مصطفى، رئيس الجمعية السورية للعلوم الاجتماعية والإنسانية / باحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة (فرنسا)، الدكتورة نوال السعدي، باحثة دكتوراة في العلاقات الدولية، وموظفة في السفارة الفلسطينية بلجيكا (بلجيكا)، الدكتور  رفيق عبد السلام، وزير خارجية الجمهورية التونسية الأسبق (بريطانيا)، وذلك بمجموع  ست مداخلات  جاءت موزعة على أهم المحاور الآتية:

1-إشكاليات الاندماج والهجرة في فرنسا

2-أزمات المهاجرين في فرنسا: الأسباب والدوافع

3- أزمات المهاجرين في فرنسا: التداعيات السياسية، الأمنية، الإقتصادية، الاجتماعية

4-السياسات التي تبنتها فرنسا للتعامل مع الأزمات

5-التوظيف السياسي لمف الهجرة من جانب القوى السياسية  الفرنسية

6-تأثير الأزمة على العلاقات الفرنسية الخارجية

وبناءًا على ما ورد في المداخلات المقدمة في الندوة وتعقيبات المعقبين، ومناقشات الحاضرين خلصت الندوة في بيانها الختامي لأهم التوصيات والسياسات البديلة  الآتية:

1–أن مشكلة اندماج المهاجرين مسئولية مشتركة تتحمل فيها السلطات الفرنسية جزءاً كبيراً منها لاسيما مع ارتفاع ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، لذلك ينبغي معالجة الأسباب التي تعيق اندماج المهاجرين داخل المجتمع الفرنسي وتبني حلولاً جذرية ومستدامة للقضايا المتعلقة بالفقر والتهميش.

2- يجب أن يقاس الاندماج في فرنسا بالقدرة على تحقيق المشاركة المجتمعية بين أطياف المجتمع الفرنسي، دون أي تمييز أو عنصرية، وذلك بإنهاء سياسة الفصل بين الفرنسيين من أصول مهاجرة والفرنسيين من أصول أوروبية، حيث يعتبر الاندماج بالمفهوم  الفرنسي الحالي أحادي، مرتبط فقط بتثبيت المهاجر بالثقافة الفرنسية،  وبالتالي  فرنسا بحاجة إلى اندماج تفاعلي، وذلك بالابتعاد عن الصيغ النمطية  في سياسات الاندماج.

3- من أهم الأسباب الرئيسة التي أثرت على نجاح سياسة الاندماج، منح وزارة الداخلية صلاحيات الاشراف على هذه السياسة، ما يعني أن المقاربة الأمنية هي الغالبة على هذه السياسة، فمن المفروض أن تكون المعالجة شاملة، تشارك فيه مختلف الوزارات والهيئات ذات الصلة وليست فقط المؤسسات الأمنية.

4-وقف دوامة العنف وتهدئة العلاقات بين الشرطة والشباب من أحياء الطبقة العاملة يتطلب تغييرات عميقة، تبدأ من الاعتراف أولاً بما هو واضح من أن هناك عنصرية مؤسسية في الشرطة، وأخذ ذلك على محمل الجد، وجعل محاربة الشعور  بالتهميش وبالإهمال من قبل أفقر السكان أولوية وطنية.

5-  ضرورة مراجعة بل ووقف العمل بنص المادة 435.1 من قانون الأمن الداخلي الذي اعتمد في عهد رئيس الوزراء برنار كازنوف، Bernard Cazeneuve  سنة 2017، الذي منح رجال الشرطة صلاحيات واسعة لاستعمال السلاح ضد أي شخص قد يشكل مصدر خطر، لأنه منذ اعتماد هذا القانون تصاعد عدد الذين قتلوا على أيدي رجال الشرطة الفرنسية.

6- نجد أنه مع أهمية ما تقوم به الوكالة الوطنية للتجديد الحضري من نشاطات لتطوير البنية التحتية في الضواحي والأحياء الفرنسية، فإن الأمر يتطلب من باقي الجهات الرسمية الاهتمام بالأبعاد الإنسانية والثقافية التي تهتم بالأشخاص في ذواتهم وفي تكوينهم النفسي والمعنوي، لأن هذه السياسة لوحدها تبقى غير كافية لاحتواء الأزمات المتجذرة  والتي تحتاج إلى برامج شاملة وفعالة، لاسيما فيما يتعلق بالخدمات الاجتماعية خاصة التعليمية منها.

 7- القضاء على عدم المساواة والتمييز  في  سياسية المدينة،  وذلك بأن لا تكون مناطق الضواحي لفئة إجتماعية معينة  من المهاجرين ذات أصول عربية وافريقية، في حين مراكز المدن  للفرنسيين، هو ما أدى إلى  هذه السياسة التي غيرت المشهد في العديد من المدن، لكنها لم تنجح في عكس الاتجاه نحو إبعاد أفقر السكان ولا في تزويد الأحياء “ذات الأولوية” بخدمات عامة تعادل باقي المدن، حتى ما يمنح لهذه المناطق من “موارد أقل بــــــــــــ 4 أضعاف مما يقدم لأي مكان آخر، بالنسبة لعدد السكان”.

8-ضرورة تجاوز عائق خطاب الاعلام العنصري  الذي يسبب ضغوطات كبيرة  للفرنسيين من أصول مسلمة، جراء تعرضهم لحملات ممنهجة  من اليمين المتطرف الذي يصعد من لهجة العداء ضدهم على مستوى الحياة العامة،  حيث تصور  هذه الوسائل الاسلام والمسلمين في صراع مستمر مع الغرب، وتقرنها بالارهاب، والتطرف، والعنف، وهذا ما يعرضها للعنصرية والتمييز ،  مما زاد من  تنامي ظاهرة الاسلاموفوبيا في الخطاب العام بفرنسا، خاصة مع وجود مشاركة رسمية من الرئيس الفرنسي ووزير الداخلية.

9-قضية المساواة في المجتمع الفرنسي  يجب أن تتجسد واقعاً وفعلاً في مختلف المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وأن لا تكون مجرد شعارات فقط.

10-التمثيلية السياسية للمسلمين الذين  يمثلون حوالي نسبة  10% من مجموع سكان فرنسا في البرلمان،   وفي مختلف المؤسسات السياسية، حيث أنه غالباً ما يتم انتقاء  أصوات أشخاص  متطرفة وعنصرية من أصول عربية ومسلمة  تستخدم ضد الوجود الاسلامي.

11– ضرورة تقبل فرنسا المعطى العربي والاسلامي والافريقي، وإدراكها   أن  هذا المعطي من صميم المكون للمجتمع الفرنسي الآن .

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى