التنافس الأوروبي ـ الأمريكي على سوق الطاقة في شمال أفريقيا
دراسة حالة ليبيا والجزائر
العلاقات بين دول شمال أفريقيا ودول العالم الكبرى هي في معظمها علاقات حديثة نسبيا بدأت في مطلع القرن الماضي، باستثناء تلك التي مع دول أوروبا الغربية، فهي ذات تاريخ طويل مضت عليه مئات السنين. وقد شكل جوهر تلك الصلات محاولات أوروبية متواصلة لبسط نفوذها على دول شمال أفريقيا واستغلاله لمصلحتها عن طريق الاستعمار المباشر أو غير المباشر.
ويشكل الموقع الجغرافي المتميز للمغرب العربي محور تلاقي أربعة أبعاد جيو-إستراتيجية موسعة ومترابطة، بدأ بالبعد المتوسطي وامتداداته الاوروبية شمالا، الى البعد الافريقي جنوبا، والبعد الشرق أوسطي شرقا امتدادا الى الخليج العربي وآسيا، الى البعد الأطلسي غربا.
وتعتبر منطقة شمال أفريقيا محور الاتصال الرئيسية بين قارات العالم الافرو-آسيوي فالدور الاستراتيجي الذي تحضى به دول شمال أفريقيا، نابع من موقعها الجيو-استراتيجي المتميز ومن الرهان الذي تشكله بالنسبة للقوى الكبرى والقوى الاورو-متوسطية.
كما تشكل منطقة شمال أفريقيا رهانا اقتصاديا-استراتيجيا هاما بالنسبة للدول الكبرى حيث توفر دول المنطقة سوقا تجاريا واقتصاديا واستهلاكيا واستثماريا من حوالي 100 مليون نسمة فيما تعتبر كل من الجزائر وليبيا مصدرين هامين للطاقة في المنطقة والاستثمار الطاقوي باحتياطي من النفط ما يفوق حجمه 5 مليارات طن كاكتشافات مؤكدة و5000 مليار متر مكعب من الغاز، وتعتبر الجزائر خامس منتج ورابع مصدر عالميا من الغاز الطبيعي[1].
ومن هذا المنطلق نطرح الاشكالية التالية: إلى أي مدى تعتبر منقطة شمال أفريقيا ساحة للتنافس الاستراتيجي بين القوى الاوروبية والأمريكية على سوق الطاقة؟
فرضيات الدراسة:
- يشكل المجال الاقتصادي أكثر المجالات التنافس الاوروبي-الامريكي في منطقة شمال أفريقيا باعتبارها سوقا ومورد اقتصادي هام.
- أصبحت الطاقة بكل انواعها خاصة النفط لها أهمية سياسية كبيرة في الساحة الدولية بسبب استعمالها في الاغراض الصناعية، هذا ما أدى الى التنافس بين تلك الدول.
أهمية الدراسة:
تكمن اهمية الدراسة في كون الطاقة بكل أنواعها سواء التقليدية او المتجددة فرضت نفسها كسلعة استراتيجية منذ أكثر من قرن، ثم تحولت المناطق المنتجة لها الى مناطق استراتيجية وهذا ما أدى الى تنافس القوة الاوروبية والأمريكية على المنطقة من خلال إدراك الاهمية الاستراتيجية بالنسبة لمصالحها الحيوية الاقتصادية سواء الطرف الاوروبي او الأمريكي وبالتالي كلا منهما أدرجت من أولويات سياستها الخارجية ضرورة الهيمنة الدائمة على منطقة شمال أفريقيا.
أهداف الدراسة:
- ابراز دور الطاقة في الاستراتيجية التنافس الاوروبي –الامريكي في علاقاتها مع شمال أفريقيا ومدى تغيرها او استمرارها.
- معرفة السياسة الاوروبية والامريكية لتحقيق امنها الطاقوي وانعكاسات ذلك على علاقتها بدول شمال أفريقيا.
منهجية الدراسة:
من أجل الإجابة على إشكالية الدراسة فقد تم الاعتماد على أكثر من منهج، حيث استخدم المنهج الوصفي التحليلي من خلال جمع المعلومات التي ترتبط بموضوع البحث ومن ثمة تحليلها، ودراسة المتغيرات الخاصة بالموضوع والأحداث التي سبقته ثم تحديد الآثار الناجمة، وأيضا تمت الاستعانة بالمنهج الاحصائي من خلال عرض عدة إحصائيات تتعلق بالعلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية.
ومن خلال هذا المنظور تم الاعتماد على أربعة محاور لمعالجة اشكالية الدراسة: المحور الاول: الدواعي الاقتصادية للاهتمام الأوروبي-الأمريكي بمنطقة شمال أفريقيا، المحور الثاني: استراتيجية التنافس الطاقوي الأوروبي-الأمريكي في منطقة شمال أفريقيا، المحور الثالث: حدود التنافس الاقتصادي الأوروبي-الأمريكي وانعكاساته على المنطقة، المحور الرابع: آليات مواجهة التنافس الأوروبي-الأمريكي على سوق الطاقة في شمال أفريقيا.
المحور الاول: الدواعي الاقتصادية للاهتمام الأوروبي-الأمريكي بمنطقة شمال أفريقيا
لا نتجاوز الحقيقة إذا قالنا إن المنطقة شمال أفريقيا بثروتها الطاقوية، ومواردها الاقتصادية وسوقها الاستهلاكية الواسعة تعتبر في تحليل علماء الاقتصاد والسياسة رئة أوربا الغربية التي تتنفس بها، ومكانتها الجغرافية عبر البحر المتوسط الذي لا يتحقق أمنها الاستراتيجي إلا في ظل استقراره وأمنه[2].
وعلى هذه الحقائق فان البعد الاقتصادي يصبح مكملا للبعد السياسي ذلك ان العلاقات دول المنطقة المغاربية مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لا تقتصر على جانب محدود من النشاط الاقتصادي، سواء كان هذا الجانب يتناول التبادل التجاري أو المشاركة الاستثمارية في مشاريع التنمية أو الصناعات جديدة، بل يشملها كلها في آن واحد.
وفي ظل التحولات الدولية، وما أسفرت عنه حرب الخليج الثانية من إعادة توزيع للقوى الدولية على المسرح الدولي، ازداد الطلب العالمي على المواد الطاقوية وخاصة على النفط، ودخلت دول جديدة على مسرح المنافسة، وازداد الاستهلاك في الاسواق العالمية، نتج عن ذلك تصاعد حدة المنافسة الدولية على هذه السلعة الاستراتيجية الامر الذي دفع بدول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية الى تركيز سياستها على بناء علاقات تعاونية مع دول منطقة شمال أفريقيا.
وذلك ما يتجلى من خلال دراسة الدواعي الاقتصادية للاهتمام الاوروبي والأمريكي بالمنطقة مرتبطة بمصالح اقتصادية وسياسية وأمنية وحتى ثقافية.
1ـ دواعي الاهتمام الاوروبي بمنطقة شمال أفريقيا:
لكون المنطقة المغاربية تعتبر قطبا مهما لتأمين المصالح الاوروبية. فقد سعت هذه الاخيرة الى ربطها اقتصاديا بالاتحاد الاوروبي والذي تعكسه المشاريع الكبرى بين الضفتين كخط أنبوب الغاز الجزائري الذي يمر عبر المغرب الى اسبانيا. والجانب الطبيعي فتعتبر منطقة شمال أفريقيا مصدرا للمواد الخام لإنعاش الصناعات الاوروبية وسوقا لمنتجاتها لذلك سعت دول الاتحاد الاوروبي لإنشاء العديد من الصناعات الخفيفة كالأسمدة والاسمنت كما سعت لتقنين العلاقة بين منتجي النفط (جنوبا) ومستهلكيه (شمالا) كنظام الحصص.
كما عملت الدول الاوروبية على تعزيز سياسة التعاون مع البلدان المغاربية في مجالات التنمية الاقتصادية. ووضع سياسات مشتركة لمكافحة الهجرة غير الشرعية واستخدام العمالة وتوسيعها الى مجالات أوسع.
ومنه تظهر أهمية شمال أفريقيا بالنسبة للاتحاد الاوروبي فيما يخص البعد الاقتصادي كما يلي[3]:
- أهمية السوق المغاربي أمام الصادرات الأوروبية وما تفتحه من فرص استثمار للاتحاد الاوروبي كالنهر الصناعي العظيم بليبيا ومشروع أنابيب نقل الغاز الجزائري الى أوروبا.
- احتياطي النفط والغاز الطبيعي والعديد من المواد الاولية كالفوسفات، الحديد واليورانيوم. كلها عوامل جذب اهتمام الاقتصاد الاوروبي وتأمين لاستقراره.
- دور الفوائض المالية النفطية في فتح فرص استثمار واسعة أمام الشركات الاوروبية.
وعملت هذه العوامل على تسريع وتيرة العلاقات التجارية بين الطرفين قصد تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما لتتطور مستقبلا الى شراكة.
2ـ دواعي الاهتمام الامريكي بمنطقة شمال أفريقيا:
تدرج الولايات المتحدة الامريكية شمال أفريقيا ضمن سياستها الافريقية لتوسيع مناطق نفوذها. حيث تضاعف الاهتمام الاقتصادي في منتصف التسعينيات مع تضاعف وتيرة الاكتشافات النفطية في الجزائر خلال 1995-1996-1997 وتراهن الولايات المتحدة على موارد النفط والغاز في كل من الجزائر وليبيا، بعد تحولات الانفراج الليبي في فيفري 2004[4]. وتركز هذا الاهتمام ضمن الاستراتيجية الامريكية للأمن الطاقوي في البحر المتوسط والتي تمتد من المغرب الى بحر القزوين مرورا بمنطقة الخليج[5].
كما تشكل السوق الاستهلاكية المغاربية حوالي 100 مليون نسمة أحد الرهانات الاستراتيجية الامريكية في المنطقة وهو ما يفسر إطلاق مبادرة ايزنستات في جوان 1998 مشروعا اقتصاديا على دول شمال أفريقيا يهدف الى تطوير التبادلات التجارية والاستثمارات بين الطرفين[6].وبعدها مبادرة الشراكة الشرق الاوسط MEPI منذ 2002[7]، ومبادرة الشرق الاوسط الكبير في مطلع 2004، حيث أدرجت منطقة شمال أفريقيا ضمن استراتيجية شرق-أوسطية موسعة تمتد من الاطلسي غربا الى الخليج العربي شرقا.
تعتبر الولايات المتحدة النفط كمصدر أساسي للوصول إلى موقع القيادة العالمي، لذلك تسعى بكل جهدها لكي تجعل من هذا القرن قرنا أمريكيا صرفا، ولا يتم لها ذلك إلا بسيطرتها المطلقة على نفط الخليج العربي واحتلالها العراق عام 2003 لكي تكمل حلقة هذه السيطرة على النفط الذي تتزايد احتياجات الولايات المتحدة اليه باستمرار، وأكدت الدراسات أن الولايات المتحدة تحتاج عبر شركاتها النفطية الى تامين احتياجاتها من الطاقة كهدف استراتيجي.
وتسعى لتحقيق عدة أهداف منها: زيادة الواردات النفطية من دول الخليج العربي التي تملك ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي، وتنويع الواردات النفطية والمنطقة شمال أفريقيا على رأس المناطق التي تسعى لتأمين استراتيجيتها فيها، والتعاون مع هذه الدول كمنطقة للتعاون الاقتصادي، أي كوحدة اقتصادية واحدة، مع التأكيد على الدور المركزي للقطاع الخاص في هذه الشراكة باعتباره المحرك الاساسي للنمو الطويل الأمد والمستديم لهذه المنطقة”[8].
المحور الثاني: استراتيجية التنافس الطاقوي الأوروبي -الأمريكي في منطقة شمال أفريقيا:
يعتبر الشريط البحري لي حوض المتوسط الذي تطل عليه دول شمال أفريقيا ممرا رئيسيا لنقل النفط وهو بعد استراتيجي اقتصادي يعني الجانب الأوروبي والجانب الأمريكي على حد سواء بحيث انه ما نسبة 65% من واردات النفط والغاز الغربية تمر عبر البحر الأبيض المتوسط فيما تنقل هذه المياه ما نسبته 15% من مشتريات المحروقات الأمريكية من الخليج وأفريقيا الشمالية. كما تعتبر منطقة شمال أفريقيا من أهم مناطق العالم لاحتياطي وإنتاج الطاقة، ويتعلق الأمر تحديـدا بكل من الجزائر وليبيا. ويشكل سوق الطاقة فيه احـد مجـالات الاحتكـاك الاقتصادي – تكاملا وتنافسا- بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وعلى وجه الخصوص وبتحديد فرنسا.
أولاً: استراتيجية الطاقة للولايات المتحدة الأمريكية:
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أول مستهلك للطاقة في العالم، حيث تستوعب 23% من إجمـالي الطاقة المستهلكة في العالم، و25% من الغاز. ويستهلك أمريكي واحد ما معدله 8 طن من الـنفط سنويا، إذ يفوق استهلاك نظيره الأوروبي بضعفين [9].
ويذهب خبراء النفط في الولايات المتحدة إلى أن حجم الاستهلاك العالمي في حال النمو الاقتصـادي ستكون في الفترة من عام 2000 وحتى عام 2025 أعلى من كل مثيلاتها في التاريخ، وهو ما يدفع النفط إلى أن يكون السلعة الأهم في العالم. وفي هذا السياق يتوقع “لـورد بـراون” كبيـر المـديرين التنفيذيين في شركة بريتيش بتروليوم (بي.بي) أن يستمر النفط والغـاز كمصـدر أول للطاقـة فـي السنوات الـ 35 المقبلة على الأقل [10].
وتعتبر استراتيجية ”أمن الطاقة” من أبرز أهداف الإطار جيو-سياسي وجيو-استراتيجي الذي وضعته الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا الإطار الاستراتيجي الجديد تحرص على تامين مصادر الطاقة ومعابر نقلها في مختلف نقاط العالم. وظلت القضية الاستراتيجية الأمريكية الرئيسية لمرحلة التسعينات والقرن الواحد والعشرين تتمثل في ضمان التحكم في رهانات الطاقة، باعتبار أن أكثر من 50 % من احتياجات الاقتصاد الأمريكي من الطاقة مصدرها الخارج [11]،بالإضافة إلى التوقعات التي تذهب إلى مزيد من التبعية للاقتصاد الأمريكي لمادة النفط.
وتجدر الإشارة إلى أن حماية مصادر النفط وممرات نقله وتسويقه في العالم، يحتل مركزا متقدما بل ورئيسيا في الاستراتيجية الدولية الأمريكية الجديدة، من خلال الانتشـار الاستراتيجي والعسكري المكثف عبر مختلف النقاط الحيوية في العالم لتموينات الطاقـة، وتـوفير الحماية الأمنية الاستراتيجية للدول الممونة للولايات المتحدة الأمريكية بالنفط والغاز[12].
1) العلاقة الطاقوية الأمريكية–الجزائرية:
تحتل الجزائر موقعا محوريا في الخريطة الجيو-إستراتيجية للرهانات الأمريكية على مـوارد الـنفط في إفريقيا، وعلاوة على الاهتمام الجيو-سياسي الأمريكي بالجزائر في ضـمان المنطقـة، فـان المصـالح الأمريكية تتضمن أيضا الاستثمارات العمومية والخاصة الأمريكية في مجال الطاقة بالجزائر (عضو مستقر في منطقة الاوبيك) [13]. وترى الولايات المتحدة الأمريكية أن موارد الطاقة الهامة التـي تملكهـا الجزائر تجعل من هذا البلد محوري، أي مشروع للتنمية الإقليمية في منطقـة شمال أفريقيا وكـذا الممون الرئيس لأوروبا من الغاز والنفط، مما يرشحها (الجزائر) للعب دور محوري فـي المنطقـة المتوسطية الغربية.
وفي سياق عرض مؤشر لسيطرة الشركات البترولية الأمريكية على السـوق الجزائريـة تجـدر الإشارة إلى أن الشركات الأمريكية الثلاث ( اناداركو-اركو-اموكو)، ورغم أنها مصنفة ضـمن فئـة الشركات النفطية المستقلة(غير الحكومية)، إلا ان قدرتها الضاغطة على الساحة الدولية الأمريكيـة لا يستهان بها مما يفتح المجال لتأثير مصالح هذه الشركات في السوق النفطية الجزائرية علـى السياسـة الأمريكية في المنطقة، (وتتجسد قوة رأس المال النفطي الأمريكي بالجزائر في ثلاث شركات رئيسية ”انا داركو” فـي مجـال الاستكشاف/الإنتاج، و”اركو” في مجال الاسترجاع، و”اموكو” في مجال استغلال الغاز الطبيعي).
وتشكل الصادرات الجزائرية من الغاز الطبيعي المميع G.P.L أساسا، النسبة الساحقة للصادرات الجزائرية نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ويتوقع أن تشهد الصادرات الجزائرية من الغاز للولايات المتحدة الأمريكية ارتفاعا مضطردا خلال العشرين سنة القادمة، وذلك بطلب من الجانب الأمريكي، علما ان حاجيات الولايات المتحدة الأمريكية من الغاز سترتفع بنسبة 50 % خلال السنوات الــ 18 القادمة، لتبلغ 950 مليار متر مكعب [14]، وتعتبر الجزائر احد المصدرين الرئيسيين في إفريقيا من النفط للولايات المتحدة الأمريكية، فيما تغطي نيجيريا( في المرتبة الأولى) 36.5% من واردات النفط الأمريكية من إفريقيا، متبوعة بالجزائر في المركز الثاني 14.8%، ثم انغولا 12.5%.
تحتل المحروقات صدارة المبادلات التجارية التي تمثل 95٪ من قيمة الصادرات الجزائرية نحو الولايات المتحدة الأمريكية. وأصبحت بهذا أول منافس للاتحاد الأوروبي خاصة بعد إعلان مشروع الشرق الأوسط المناهض للمشروع الاورو_ متوسطي ، وتصاعد الخلاف بين الطرفين حيث ترغب أوروبا في جعل المتوسط بحرا أوروبيا وليس أمريكيا، ونظرا لزيادة الاستثمارات الأمريكية المباشرة في الجزائر التي قدرت ب 5.3 بليون دولار ومعظمها في قطاع النفط الذي تسيطر عليه الشركات الأمريكية، إضافة إلى ذلك تصل حجم الاستثمارات الأمريكية في مجال إنتاج النفط والغاز ب 3 مليارات دولار سنويا، كما تسعى أمريكا إلى تعزيز تعاون مع الجزائر في مجال الطاقات المتجددة ،حيث هذا الأخير يمثل تهديدا لأمن إمدادات الاتحاد الأوروبي في المستقبل.
2) العلاقة الطاقوية الأمريكية–الليبية:
من الجدير بالذكر أن مجموعات شركات النفط الأمريكية عملت في ليبيـا منـذ السـتينيات، إلا ان
شركتي “اكسون وموبيل” اللتين اندمجتا في شركـة واحدة هي ” اكسون موبيل”، قـد أجبرتــا على مغادرة ليبيا،عام1982.
ورغم فرض ” قانون الحظر الليبي – الإيراني ” الأمريكي الذي سن عـام 1996 والـذي يمنـع الشركات من استثمار أكثر من 40 مليون دولار في العام في صناعة النفط الليبي، إلا ان الشـركات النفطية الأمريكية التـي كانت تنشط في ليبيا احتفظت مبـدئيا بمعـداتها، قبـل ان يسـمح الـرئيس الأمريكـي جورج بوش – بعد رفع العقوبات الدوليـة في سبتمبر 2003-لمسئولــي مجموعـات نفطية أمريكية التوجه إلى ليبيا لجر مواقعها الاستثمارية في هذا البلد.
ثانياً: الاستراتيجية الطاقوية الأوروبية- الفرنسية:
تعاني دول الاتحاد الأوربي من تبعية طاقوية حادة بحكم افتقارها لهذه الموارد باستثناء بحر الشـمال، النرويج وهولندا، ويتوقع المختصون أن تتعمق هذه التبعية الطاقوية الأوربية للتموينـات الخارجيـة بنسبة عالية رغم الأثر الايجابي لانضمام النرويج للاتحاد الأوربي [15].
وعلى الرغم من الاستراتيجية المتوسطية الجديدة التي انتهجتها أوربا منذ منتصف التسعينات والتـي تجسدت في مسار برشلونة منذ1995 إلا أن هذا المشروع الشراكي الاورو –متوسطي لـم يخصـص إطارا هاما للطاقة والمحروقات على الرغم من احتياجاتها الكبيرة من هذه المادة الاستراتيجية التي قـد ترهن مصير حركيتها الصناعية من جهة وتكرس تبعيتها للاستراتيجية الطاقوية الأمريكية عبر العالم.
ويذهب المحللون إلى التأكيد أن الاتحاد الأوربي ليست لديه سياسة طاقوية مشتركة، كما ترى ممثلة الاتحاد الأوربي أن الغاز اخذ يحتل حصة هامة من السوق في الحصـيلة الطاقويـة العالمية خاصة لتعويض الفحم والنفط وفي هذا المنظار دعت “دي بالتشيو” الاتحاد الأوربي أن ينظـر بجدية في امن مستقبله الغازي وتنمية استراتيجية غازية ملائمة، باعتبار أن الموارد النفطية والغازيـة العالمية الرئيسية توجد في شمال إفريقيا، إفريقيا جنوب الصحراء، الشرق الأوسط، روسـيا وأمريكـا الجنوبية، وتؤكد المسئولة الأوربية أن تنويع التموينات الغازية ضرورية أكثر وان أفـاق نمـو طلـب الاتحـاد الأوربي على الغاز ترغم المجموعة الأوربية تعزيز التموينات انطلاقا من بلدان جنـوب المتوسـط وروسيا[16].
ومن جهتها تعتبر فرنسا –رفقة ايطاليا –من أكثر الدول الأوربية الكبرى المحرومة من موارد رجع نفسه الطاقة إذ أن إنتاج الطاقة في فرنسا مرتبط أساسا بالفحم والطاقة الكهربائية. وقد ظـل الاقتصـاد الفرنسي منها1950 مرهونا بنسبة كبيرة بالتموينات الخارجية من الطاقة[17].
1- العلاقات الطاقوية الأوروبية-الجزائرية:
إن التقارب الجغرافي بين دول جنوب أوروبا والجزائر، رفع من حجم التعاملات والتبادلات التجارية بين الطرفين، وشكل خاص في مجال الطاقة، وبما أن الإنتاج المحلي للدول الاتحاد الأوروبي ضئيل، ونتيجة زيادة الطلب على النفط والغاز لتلبية احتياجاتها، فالدول الاتحاد لجأت إلى ضمان امن طلبها من خلال تعزيز علاقاتها مع الجزائر وعقد اتفاقيات وعقود بنوعيها طويلة المدى وقصيرة المدى.
تلعب الجزائر دور الشريك المتزن والضامن لاستمرار تدفق النفط والغاز لأوروبا، ومن أهم الزبائن الأوروبيين للجزائر: فرنسا، ايطاليا، إسبانيا، بلجيكا، ألمانيا وغيرها من الدول.
وتعد الجزائر من بين أهم الدول المصدرة للغاز، وهذه الصادرات منصبة نحو أوروبا بنسبة 95٪ من إجمالي العام للصادرات وهذا راجع إلى الموقع الاستراتيجي للجزائر حيث يفصلها عن أوروبا البحر المتوسط، و بما أن الجزائر الممول الثالث للاتحاد الأوروبي بنسبة 13.8٪ بعد روسيا والنرويج[18].
بلغت الصادرات الجزائرية نحو أوروبا 49.46 مليار متر مكعب، سنة 2011 من إجمالي الصادرات التي بلغت 51.74مليار متر مكعب، ومن أهم الزبائن الأوروبيين للجزائر: ايطاليا التي تستورد 23.06 مليارمتر مكعب واسبانيا المستوردة 12.75 مليار متر مكعب، وفرنسا في المرتبة الثالثة تستورد 5.57 مليار م3. كما أن الجزائر تصدر إلى دول الجارة لها تونس والمغرب بنسبة 1.53 مليار متر مكعب، وتصدر إلى أمريكا ودول أسيا الباسفيك لكن بنسب قليلة لا تتعدى 1مليار متر مكعب.
الجدول(01): الصادرات الجزائر للغاز الطبيعي سنة 2011:
الإجمالي العام | أسيا الباسيفيك | إفريقيا | أمريكا | أوروبا | المناطق |
51.74 | 0.33 | 1.53 | 0.24 | 49.64 | الغاز المصدر بالمليار م3 |
المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات 2012
الجدول (02): الصادرات الجزائرية للغاز الطبيعي نحو أوروبا سنة 2011[19]:
الصادرات الغازية الجزائرية نحو اوروبا لسنة 2011 | |||||||||
هولندا | بلجيكا | سلوفينيا | اليونان | البرتغال | تركيا | فرنسا | اسبانيا | ايطاليا | الدول |
0.08 | 0.08 | 0.25 | 0.98 | 2 | 4.3 | 5.57 | 12.75 | 23.06 | بالمليار م3 |
International energy agency2014. Source:
أهم المشاريع الطاقوية التي تم انجازها في إطار الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، تتمثل في أربعة مشاريع غازية مهمة وهي( مشروع قاسي طويل، ميدغاز، غالسي، الأنبوب العابر لصحراء)، ومشروع في الطاقات المتجددة هو “مشروع ديزرتيك”. إلا ان هذه المشاريع تعثر انجازها لأسباب سياسية، اقتصادية واخرى.
2- العلاقات الطاقوية الأوروبية–الليبية:
تعتبر ليبيا شريكا نفطيا هاما للاتحـاد الأوروبـي الذي يستوعب 9 براميل نفط من كل عشرة براميل تصدرها ليبيا [20]، وتعتبر ايطاليـا ثم ألمانيا، ففرنسا، الزبائن الرئيسيين للمحروقات الليبية رغم قيود الحصار التـي فرضـت على ليبيا قبل انفراج الأزمة والتحول في السياسة الليبية تجاه الغرب.
المحور الثالث: حدود التنافس الاقتصادي الأوروبي-الأمريكي وانعكاساته على المنطقة:
خلف التنافس الأوروبي الأمريكي في المنطقة المغاربية، انعكاسات عديدة يبدو أنها لم تستغل بالقدر الكافي من طرف الدول المغاربية التي تعاملت بشكل انفرادي مع المشاريع الوافدة على المنطقة مقابل التعامل مع قوى، والتي رغم حدود التنافس بينها الا أن ذلك لم يخرج عن مفهوم ” التنافس الخفي دون الصدام المباشر”.
1- حدود التنافس الأمريكي الأوربي في منطقة شمال أفريقيا
رغما ما يقتضيه مفهوم المصلحة الوطنية من استثمار كل ما من شأنه أن يساعد على تموقع الدول عالميا، إلا أنه وفي ظل الحالة التي خرجت بها أوروبا من الحرب العالمية الثانية لا يمكنها بأي حال تحديد مجالها الاستراتيجي من التنافس الدولي وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر المساهم الأول في إعادة إعمار أوروبا.
فقد عملت المجموعة الأوروبية على تفعيل الحوار شمال أفريقيا في فترة السبعينات خاصة بعد أن استعملت الدول العربية النفط كسلاح ضد الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني في إطار ما يسمى بالحضر النفط العربي سنة 1973. وذلك قصد إعادة ترتيب مناطق النفوذ في المنطقة، وتزامن ذلك مع سقوط الاتحاد السوفيتي نهاية الثمانينات مما يعني زوال سبب الحاجة الأوروبية للحماية الامريكية، وهو ما جعل الاتحاد الأوروبي يبادر إلى طرح مشروع الشراكة الأورو متوسطية.
وهناك من يرجع السياسة التوافقية الأوروبية مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المتطلبات الاستراتيجية الجديدة بحيث انه من مصلحة أمنها الإقليمي ضمان المساعدة الامريكية في إطار الحلف الاطلسي لمواجهة التهديدات الأمنية الجديدة التي تفرض نفسها بقوة في المتوسط وعلى رأسها الهجرة السرية، الإرهاب، والجريمة المنظمة.
كما أن المبادرة الأوروبية في إطار الشراكة الأورو متوسطية، تحمل أبعادا أمنية أكثر منها تنافسية مع الولايات المتحدة وإن كان ذلك يبقى موجود في إطار تحقيق المصلحة الوطنية، إلى أنه يأخذ نمطا توافقيا خاصة في ظل وجود تهديدات جنوبية حقيقية لأمن أوروبا.
كما أن مبادرة الاتحاد من أجل المتوسط وإن كانت في الظاهر تبدو مبادرة أوروبية (فرنسية) إلا أنها تبحث في إطار إقليمي واسع لإدماج الكيان الصهيوني. وهو ما يوحي بتقاسم المبادرة مع الطرف الأمريكي باعتبار أن قضيته المركزية في المنطقة هي أمن الكيان الصهيوني[21].
2- انعكاسات التنافس الأمريكي الأوربي على منطقة شمال أفريقيا
لقد أدى التنافس الأورو – أمريكي في شمال أفريقيا إلى سعي دولة محورية للعب أدوار قيادية “انفرادية” خاصة بالنسبة الى الجزائر والمغرب فقد سعت الجزائر في إطار مبدأ ” التوازن الطبيعي ” لفرض نفسها إقليميا وحتى دوليا بما يتناسب وثقلها السياسي والاقتصادي. وتزامن ذلك مع تحرك المغرب للعب الدور ذاته ما أدخل الدولتين في تنافس حاد حول المشاريع الوافدة إلى المنطقة سواء من طرف الأوروبي أو الأمريكي[22]، وذلك بدل توحيد السياسات لبناء موقف تفاوضي أقوى تجاه تلك المشاريع.
فحينما اقترحت دولة من شمال أفريقيا أن يتم التنسيق بين الحكومات بخصوص التفويض مع الاتحاد الأوروبي بالنسبة للمشاريع المقبلة خاصة في إطار الشراكة الأورو – مغاربية، رد الرئيس الجزائري “عبد العزيز بوتفليقة” على الاقتراح بحدة مؤكدا” أن الجزائر لم تستشر حينما عمل البعض على توقيع اتفاقيات ثنائية منفردة. والآن يريدون ورفق ما عبر عنه في السياق نفسه، أن يتقاسموا معنا بعض الأوراق الاستراتيجية التي نمتلكها ” [23]. في إشارة غير مباشرة من قبله الى الاهمية القصوى التي يمثلها ملف الطاقة بالنسبة لمفاوضات الجزائر مع أوروبا.
وتعكس مواقف دول شمال أفريقيا مشروع ” الاتحاد من أجل متوسط ” درجة التباين الحاد في مواقف الدول بشأن الاستحقاقات السياسية والاقتصادية التي تخص مستقبل المنطقة، بحيث ترى ليبيا أن هذا المشروع يفتقد اهم عنصر من عناصر النجاح التي يفترضها أي مشروع مماثل ألا وهو شرط التكافؤ والندية. وبالتالي فهي لا تريد التضحية بموقعها الريادي في الاتحاد الأفريقي من أجل أداء دور ثانوي في مشروع تكون فيه ورقتها النفطية وإحتياطاتها المالية الضخمة عرضة للأطماع والمزايدات.
كما أن الموقف الجزائري من المشروع لا يختلف كثيرا عن الموقف الليبي حتى وإن تميز ببعض الخصوصيات التي تعود لطبيعة الوضع الداخلي لهذا البلد الذي يشهد واقعا، يجعله غير قادر في المرحلة الراهنة على ترجمة قناعته بصدد هذه الملفات الدولية الى مواقف حاسمة، بالإضافة إلى أن الاقتصاد الجزائري لم يؤهل بعد بالقدر الكافي من أجل استقبال استثمارات أوروبية كبرى.
أما الدول المغاربية الأخرى وهي المغرب وتونس وموريتانيا فلم يكن لديها ما تخسره من خلال دعمها ومشاركتها في المؤتمر المتوسطي، فتونس كانت تعلم أنها لن تحصل من الناحية الاقتصادية من هذا الاتحاد على أكثر من ما حصلت عليه حتى الان، وقد استطاعت أن تبرم اتفاقيات شراكة جد مهمة مع الجانب الأوروبي في مراحل سابقة وفي مجالات مختلفة.
أما المغرب فيعتبر اكبر مستفيد من الدعم المادي الذي تقدمه فرنسا كمساعدة مباشرة لدولة اجنبية [24]. اما الجانب الموريتاني فلم يكن أمامه ما يخسره ليس لأنه حصل على ما كان يهدف للحصول عليه، وإنما لأنه وبحكم الوضعية الاقتصادية الصعبة التي يمر بها فإنه يأمل أن يستفيد من وضعيته كأفقر بلد في الاتحاد الجديد من اجل دعم برامجه التنموية.
ويمكن القول إن الدول المغاربية لا تملك استراتيجية دفاعية ضد الاختراق الأمريكي المتزايد للمنطقة، على الرغم مما قد يسببه من أثار مدمرة لاستقلالية القرار الوطني فيها، وعلى الرغم من انه يرفع من وتيرة التنافس الأوروبي – الأمريكي على اراضيها. ويبدو أن فرنسا وحدها هي من أدركت مخاطر ذلك الاختراق لمنطقة نفوذها المغاربية، حيث عملت على شل هذا الاختراق أو على الأقل ممانعته وذلك من خلال تطوير العلاقات الاقتصادية مع شمال أفريقيا الى المستوى الذي أثمر اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي كخطوة أولى ثم السعي إلى فك الارتباط السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية وشمال أفريقيا عن طريق إخراج المنظومة المغاربية من النظام الشرق الأوسطي الامريكية وإدماجها في الشبكة الأوروبية عبر النظام المتوسطي،لكن في المقابل لا توجد هناك سياسة لدول شمال أفريقيا اتجاه هذا التنافس الأوروبي-امريكي، وتولي الاهتمام بدرجة الاولى على الحفاظ على هاذين الشريكيين الطاقويين واستمرار العلاقة بينهما من أجل ضمان تصدير الطاقة باعتبارها اهم صادراتها.
المحور الرابع: آليات مواجهة التنافس الاوروبي-الامريكي على سوق الطاقة في شمال أفريقيا.
تعتبر منطقة شمال أفريقيا منطقة حيوية للرهانات الاستراتيجية الاوروبية-الامريكية بسبب موقعها الجيو-استراتيجي الهام، ويطرح التساؤل حول مستقبل الاتحاد المغاربي في ظل هذه التحديات وكل هذا التأخر، ان واقع اتحاد شمال أفريقيا، من خلال تعثر مسيرته وجمود تطبيق الاتفاقيات التي تم إبرامها في اطاره.
و على هذا الاساس يمكن التطرق لمجموعة من البدائل المطروحة والواقعية ومن مداخل تفعيل اتحاد شمال أفريقيا كمشروع إقليمي، ورهان الاندماج في السياق العربي الذي يحمل عمقا أكثر من أجل مواجهة التنافس الامريكي-الاوروبي التي تفرض على المنطقة استراتيجياتها.
- تفعيل عمل اتحاد شمال أفريقيا:
اتحاد شمال أفريقيا (لبيبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا) الذي تم إنشاؤه في مدينة مراكش بالجنوب المغربي في 17 فيفري 1989، يواجه تحديات داخلية وخارجية يلخصها الشلل الكامل لمؤسساته، ويضم هذا الاتحاد حوالي 80 مليون نسمة من العرب[25].
إن الجمود في الاتحاد المغاربي يعود أساسا الى العلاقات الثنائية المتوترة بين دوله، أوتشكيل محاور ثنائية او ثلاثية وكان التوتر ينتقل من دولتين الى دولتين اخريين، والمحاور تتشكل وتختفي بحسب الظروف السياسية، لكن الثابت في كل هذه التوترات والتحالفات، هو الخلاف الجزائري-المغربي على حل النزاع في الصحراء الغربية. فالجزائر تعتبر ان مصير المستعمرة الاسبانية السابقة من اختصاص الامم المتحدة بوصفها “قضية تصفية استعمار” والمغرب يتمسك بسيادته عليها كجزء لا يتجزأ من وحدته الترابية.
لكي تواجه دول الاتحاد المغاربي التحديات المفروضة عليها من طرف البيئة الخارجية لابد من توحيد سياسة الدول المغاربية في مواجهة التوجهات الاستراتيجية الجديدة التي تريد استغلال ثروات المنطقة سواء الاوروبية او الامريكية. ومن هذا المنطلق لا بد أن تعيد النظر في المدخل السياسي، القانوني والاقتصادي عن طريق الآليات المقترحة وهي:
1ـ المدخل السياسي: تسوية قضية الصحراء الغربية كمدخل لدفع مسار البناء المغاربي، وضرورة تجاوز الجدل بين الوطني والمغاربي، وذلك بالتنسيق بين المشاريع الوطنية والمغاربية فالجزائر والمغرب يجب ان تلعبا دورا محوريا في بناء شمال أفريقيا، وضرورة التخلي عن فكرة الدولة القائدة.
2ـ المدخل القانوني: وذلك بإعادة النظر في البنية القانونية والمؤسساتية، بعد ان بينت التجربة ان معاهدة مراكش لسنة 1989، المنشئة للاتحاد حملت الكثير من العيوب والثغرات عند ابرامها، الامر الذي يتطلب القيام بإصلاحات وتعديلات قانونية من أجل: التخفيف من مركزية مجلس الرئاسة، والغاء مبدا الاجماع في اتخاذ القرارات، واعطاء الامانة العامة الصلاحيات الضرورية، وضرورة الغاء المبدأ بعدم دخول الاتفاقيات المبرمة في اطار اتحاد شمال أفريقيا حيز التنفيذ إلا بعد تصديقها من كافة البلدان المغاربية والاقتصار على تصديقها من اغلبية اعضاء الاتحاد.
3ـ المدخل الاقتصادي: العمل على وضع خطة اقتصادية مشتركة يكون هدفها خلق سوق مغاربية مشتركة عن طريق الترابط والتكامل الاقتصادي والتشابك في المصالح وذلك من خلال: إطلاق نشاط المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية، ووضع استراتيجية مغاربية تتبنى مقاربة شمولية في إحداث التكامل الاقتصادي المغاربي، وتشجيع التعاون الثنائي بين بلدان شمال أفريقيا، والعمل على خلق مناطق تجارة حرة لإقامة سوق حرة بين البلدان المغاربية وإزالة الحواجز الجمركية[26].
وكذلك إنشاء آلية اقتصادية ممثلة في هيئة اقتصادية عليا تهتم بالمسائل الاقتصادية المغاربية ذات استقلالية عن اتحاد شمال أفريقيا لتفادي الضغوط السياسية أو التوترات في العلاقات الثنائية بين الدول، وزيادة مستوى التنسيق الاقتصادي الذي يجب ان يشمل تنسيق الخطط الاقتصادية للدول المنطقة وتنسيق السياسات الاقتصادية في المجالات المالية والنقدية والضريبية والتجارية باعتباره شرطا أساسيا[27].
وتنسيق العلاقات الاقتصادية المغاربية مع العالم الخارجي للاستفادة من الحجم الكبير لهته العلاقات في دعم مصالح الدول المنطقة المشتركة وتقوية مركز المساومة والتفاوض في الأسواق العالمية، مما يتطلب ان تتعامل كوحدة مع بقية التكتلات الاقتصادية[28]، وإيجاد عملة مغاربية موحدة قابلة للتحويل مع العملات الأخرى، وإيجاد سياسة نفطية موحدة بين البلدان المغاربية وحتى مع العمق العربي حيث أن ليبيا والجزائر تعتمد اعتمادا أساسيا على مداخيل النفط والغاز بسبب الاهمية الاستراتيجية للطاقة في استراتيجية القوى الكبرى (الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية) وتنافس شركاتهم على الاستثمارات النفطية والغازية في المنطقة.
لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الاهمية التي تمتاز بها الطاقة وما يمثله بالنسبة لاقتصاديات الدول المتنافسة عليه.
2ـ البديل الاقليمي العربي:
إن التجمعات العربية الاقليمية الفرعية سواء مجلس التعاون الخليجي أو اتحاد شمال أفريقيا يجب أن تبني جهودها التكاملية على أساس الارتباط بالوطن العربي في مجموعه، وليس على اساس الانعزال عنه فعلا والارتباط به قولا [29].
لا مجال أمام الدول المغاربية في مواجهة تحديات النظام الدولي الجديد إلا المزيد من العمل الجدي وعلى الاندماج في المحيط العربي واستنهاض قدراته التنافسية فالدول المغاربية أما ان تذوب في إطار العالمي الواسع، او تسعى الى ان تدخل الى الاطار العالمي بعد ان تنشأ بينهما اسباب التعاون من خلال تكامل اقتصادي يعتبر البديل الوحدوي في اطار عربي ذا وعاء اكبر اقتصاديا وجغرافيا واستراتيجيا[30].
ويجدر ذكر أهم المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها الدول المغاربية مع المحيط العربي وما يمكن أن تحققه من وراء الاندماج الاقتصادي في قطاع الطاقة.
ان مجال الطاقة احد اهم المجالات التي تشهد حركية نظرا لان الدول المغاربية ( الجزائر وليبيا وتونس بشكل اقل) يعتبر النفط أهم صادراتها وعلى المجال العربي أسهم قطاع النفط في حدوث تحولات اقتصادية واجتماعية كبيرة في الدول العربية خلال العقود الثلاثة الأخيرة حيث إن توافر هذه المادة المتناقصة أتاحت فرصا كبيرة لتوظيف المصادر المحلية للاستفادة منها في تحريك عملية التنمية، اذ يستخدم النفط كمادة اولية في صناعة التكرير وفي الصناعات البتروكيماوية الكثيرة حيث يستخرج منه أكثر من 80.000 الف منتج، ويساهم في ربط القطاعات الاقتصادية بعضها البعض عن طريق شبكة من الصناعات والنشاطات الاقتصادية المتكاملة[31].
وعلى هذا الاساس ما مكن قوله هو ان اهم عائق يقف امام الدول شمال أفريقيا من خلال الآليات التي تم ذكرها للخروج بأقل الخسائر من الاستقطاب الخارجي والمتمثل خاصة في التنافس الاوروبي-الامريكي اذ ان الخلل الذي يعاني منه اتحاد شمال أفريقيا من كونه لم يستطيع ان يجسد على ارض الواقع أهدافه المغاربية والعربية وان يصبح تجمعا اكثر اندماجا وفعالية.
وحول العوائق السياسية التي تعرقل مسيرة اتحاد شمال أفريقيا وانتظار الدول المغاربية تحقيق الوفاق السياسي لتحقيق التكامل، لا يوجد مخرج أمام ما تواجهه هذه الدول من تحديات كبرى المتداخلة المصالح والمتناقضة سوى وضع إطار للتفاهم حول العلاقات السياسية وانجاز ما يمكن انجازه من اتحاد شمال أفريقيا.
خاتمة:
الأهمية الجيو-سياسية لمنطقة شمال أفريقيا، جعلت كل من الطرف الاوروبي والامريكي يولي اهتماما وانشغالا بالفضاء المغاربي. لذلك فقد أدخلته في كل مشاريعها الاستراتيجية الجديدة.
ولزيادة الاهتمام بالطاقة وخاصة على النفط في الوقت الراهن بوصفه مادة حيوية أصبحت الحاجة ماسة إليه في ضوء استمرار النمو في اقتصاديات دول كبرى مثل الصين والهند والدول الناشئة الاخرى. فضلا عن الحاجة الماسة اليه في الولايات المتحدة الامريكية ودول الاتحاد الاوروبي. وأخذت هذه الدول تتنافس في الحصول عليه بشتى السبل وان اقتضت الضرورة الدخول في الحرب كما حدث في حرب الخليج الثانية في العام 1991.
وأن ما دفع الدول الكبرى للتنافس من اجل تأمين إمداداتها للنفط هو عدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق المنتجة وارتفاع أسعاره عند اندلاع الأزمات لا سيما ان سوق الطاقة هو سوق عالمية واحدة تتأثر بدرجة كبيرة بحالة عدم الاستقرار السياسي في مناطق الانتاج.
وفي الوقت الذي تسعى اليه الولايات المتحدة الامريكية الى تنويع مصادر إمداداتها والهيمنة على مناطق امدادات آمنة وقريبة منها تشهد منافسة حادة من دول الاتحاد الاوروبي والصين والهند. لقد ظهرت اساليب جديدة في تأمين الامدادات وذلك بشراء اصول الشركات الكبرى او القيام بالاستثمارات وإتباع اسلوب المشاركة في الإنتاج وهو اسلوب اخذ يتماشى مع تطور الحاجات الاقتصادية في عصر العولمة.
وعلى هذا الأساس موارد الطاقة في شمال أفريقيا صارت إحدى الرهانات الاقتصادية والاستراتيجية الكبرى للقوى الكبرى. وهو ما كان أحد الاسباب التي أججت التنافس بين الامريكيين والأوروبيين. فكلاهما يطمحان لتنويع مصادر إمداداتهما النفطية من اجل تحقيق أمنها الطاقوي.
فان آفاق استمرار رجحان الكفة لصالح الأوروبيين لاسيما في مجال المبادلات التجارية التي تغطي حوالي 70 بالمئة من التجارة الخارجية لدول شمال أفريقيا، لا تزال أمامها عهود أخرى بحكم عاملي القرب الجغرافي والثقافة الاستهلاكية لشعوب شمال أفريقيا القريبة من الثقافة الاوروبية.
وفي المقابل تبقى سيطرة الشركات الامريكية على الاستثمارات في الطاقة وخاصة النفطية عنصرا ثابتا وصارما في الاستراتيجية الدولية الامريكية التي تصر على احكام قبضتها على هذا المجال الحيوي. وتسعى الولايات المتحدة لرعاية مسار انضمام دول شمال أفريقيا لمنظمة التجارة العالمية، بهدف فرض مقومات العولمة الاقتصادية التي تسيطر عليها.
وعلى الرغم من تأكيد المسئولين والدبلوماسيين الأمريكيين على عدم وجود منافسة صريحة بين الامريكيين والأوروبيين في شمال أفريقيا، بحكم التوافق الاستراتيجي في تشجيع قيام سوق اقليمية فيها، إلا ان المجال التنفيذي لهذه المشاريع يطرح حالات كثيرة للتنافس والتصادم من أجل ضمان أكبر المكاسب.
وهو ما قد يفرض على كل من دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية التنسيق في بعض المجالات الممكنة خارج الإطار التنافسي للقطاع الخاص والشركات متعددة ألجنسية ويفرض على الدول شمال أفريقيا حسن استغلال هذا المعطى التنافسي لصالحها لاسيما إذا توفر حد من التنسيق المغاربي في مختلف الجولات التفاوضية مع أوروبا والولايات المتحدة الامريكية مستقبلاً.
[1] – Année stratégique 2000. analyse des enjeux internationaux. Paris : institut de relation internationales et stratégique. IRIS.
([2]) حامد ربيع (1971). التعاون العربي والسياسة البترولية، مشاكل الاستراتيجية العربية، القاهرة: مكتبة القاهرة الحديثة. ص311.
([3]) علي، الحاج.(2005) سياسات دول الاتحاد الاوروبي في المنطقة العربية بعد الحرب البارد. لبنان : مركز دراسات الوحدة العربية . ط1. ص163.
([4]) عبد الله، تركماني.( 2008). كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع التحديات. الحوار المتمدن. العدد : 2491. تاريخ الاطلاع 09-02-2018، سا 18.40 www.ahewwar.org/deat/show.art.asp
([5]) شريط، عابد. ( أوت 2007).الاقتصاد العربي وتحديات القرن الواحد العشرين. بحوث اقتصادية عربية. ص48.
[6] – stuart, eizenstat. La politique étrangère américaine à l’egard du maghreb : la nécessité d’une nouveau départ. www.iemed.org/anuari/2010/articles/Eizenstat_politique_fr.pdf.
([7]) تكلفة اللامغرب. (فيفري 2007). هدر للإمكانيات وخسارات لفرض استراتيجية. تونس: الوفاق العربي. ص 42.43.
([8]) صرح “ايزنستات” في هذا الصدد: ” نحن نأمل بأن نشجع اتحاد شمال أفريقيا، وغيره هيئات التكامل الاقليمي على إزالة الحواجز بينها، لأنه تحول دون ازدهار التجارة بصورة كاملة، أنظر: سمير، صارم. (1 أبريل 2005). أوروبا والعرب من الحوار…الى الشراكة. دمشق: دار الفكر. ص364.
[9]– Jean marie, chevalier. (automne 2004). pétrole dépendance et turbulences politiques. politique internationale. France. n105.
[10] – op. cit.
[11] – Chemes eddine , chitour. (1995). la politique et la nouvel ordre pétrolier international. Editions : dahleb.
[12] – La politique énergétique internationale des états – unis. (09/03/2014). Conférence avec pierre noël .ifri.
[13] -Bernard ,ravenel. (1999).L’Algérie entre la France et les États-Unis. revue d’études et de critique sociale. Editio. SARL NAQD. n°12. p 163.
[14] – journal ,el watan. ( novembre 2002) . pp 8 -9.
[15] – Chems eddine, chitour. géopolitique du pétrole et mondialisation. office des publications universitaires .pp.178-180.
([16]) نائبة رئيس اللجنة الأوروبية المكلفة بالطاقة والنقل دي بالاتشيو .(في 7 جويلية 2001). انظر برقية وكالة الأنباء الجزائرية بتاريخ 2001/07/07.
[17] – Chemes eddin, chitour. la politique et la nouvel Order petrolier international. op.cit.,pp. 669-346 .
([18]) عاشور، كتوش. بلعزوز، بن علي (2011). الغاز الطبيعي الجزائري و رهانات السوق الغازية، مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا. العدد 2 .ص 11.
19_ US Energy international global trade atlas and facts global energy.
[20]– Fathallah, oualou .(1996).apres Barcelone…le Maghreb est nécessaire . Paris : l’harmattan. P. 16.
([21]) صالح ،المسفر محمد.(2007) . مقاربة أولية للاتجاهات المستقبلية في العلاقات العربية – الأوروبية . المجلة العربية للعلوم السياسية. مركز دراسات الوحدة العربية: لبنان. بيروت . العدد 13. http://www.caus.org.lb/PDF/EmagazineArticles/13-3.pdf
([22]) عبد النور بن عنتر (2005)، البعد المتوسطي للأمن الجزائري. الجزائر: المكتبة العصرية. ص 61 .
([24]) عبد الله بلقزيز، (سبتمبر 2000)، الولايات المتحدة الامريكية وشمال أفريقيا: من الاهتمام الاستراتيجي الى الاختراق التكتيكي. المستقبل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان. بيروت. العدد 259. ص 49.
([25]) محمد أزهر، وسعيد السماك (1993)، الوزن الجيوبوليتيكي لبلدان البحر الابيض المتوسط العربية ومستقبله، المستقبل العربي، العدد 123. ص 29.
([26]) محمد محمود الامام.(2004)،التجارب التكاملية العالمية ومغزاها للتكامل العربي. مركز الدراسات الوحدة العربية: بيروت. ص 499.
([27]) ولد عبد الله، (جويلية 2009 )، تكتل اقتصادي قادر على المنافسة، المغرب الموحد. العدد 9، ص 27.
([28]) لبيب، شقير، (1986)، الوحدة الاقتصادية العربية تجاربها وتوقعاتها. مركز دراسات الوحدة العربية: بيروت. ج 1. ص 402.
([29]) سليمان المنذري، (1999)، السوق العربية المشتركة في عصر العولمة. مكتبة مدبولي: القاهرة. ص260.
([30]) محمد الامين، ولد احمد جدو، (جويلية 2001)، أثر المتغيرات العالمية الجديدة في ديناميكية التكامل الاقتصادي في شمال أفريقيا، المستقبل العربي، ص36.
([31]) عبد القادر معاشو، (1982)، الأوابك منظمة اقليمية للتعاون العربي وأداة للتكامل الاقتصادي. منظمة الاقطار العربية المصدرة للنفط: الكويت. ط1. ص125.