أوراق و دراساتسياسية

صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية 1969 – 2023

د. أبوبكر خليفة أبوبكر أبوجرادة

رئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة وادي الشاطئ- ليبيا        

ملخص:

تهدف دراسة عملية صنع القرار السياسي إلى الوقوف على آليات اتخاذ القرار وتفكيك منظومته لتحديد الأدوار والوظائف للفاعلين أفرادًا ومؤسسات، ومن ثم محاولة تركيب الصورة الكلية لمجريات عملية إنتاج القرار السياسي، وما زالت الدراسات المنصبة على تحليل آلية صنع القرار السياسي تواجه العديد من الصعاب، وذلك لتداخل خيوط هذه العملية المعقدة، وأيضا للسرية والكتمان التي تحيط بخفايا صنع القرار، رغم أن الثورة السلوكية في علم السياسة جاءت بالكثير من الأدوات المنهجية والتي تهدف إلى فك التباسات هذه العملية.

ولقد هدفت هذه الدراسة إلى محاولة تحليل وتفكيك عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية، والوقوف على ميكانزماتها وآلياتها والمؤسسات التي تساهم في صنع القرار المتعلق بها، في إطار دراسة مقارنة، ووفق إتباع المنهج التاريخي، وكذلك عبر إتباع المنهج الوصفي التحليلي.

لبيان مدى التغير الذي طرأ على عملية صنع القرار السياسي الخارجي الليبي، من حيث ميكانيزمات وآليات صنع القرار في هذه السياسة.

الكلمات المفتاحية: ليبيا، السياسة الخارجية، القذافي، ثورة 17 فبراير 2011.

مقدمة:

 صنع القرار السياسي في البيئة الدولية عملية مركبة تساهم فيها عدة هيئات، وتخضع للعديد من المتغيرات حتى تظهر وتتشكل صورة السياسة الخارجية للدولة في محيطها الدولي، وعملية الصنع هذه أيضاً تختلف بين دول وأخرى حسب نوع النظام السياسي، حيث تختلف هذه العملية في الدول المتعددة الأحزاب عن الدول ذات الحزب الواحد، فمثلا فإن السياسة الخارجية لأمريكا تختلف عن السياسة الخارجية لروسيا، كما تختلف السياسة الخارجية للصين عن السياسة الخارجية للدول الأوروبية.

فكلما كانت الدولة تعددية كلما كانت عملية صنع السياسة الخارجية فيها أكثر حركية ومشاركة وتداولاً بين الهيئات المؤثرة في صنع القرار، وكلما كانت الدولة أضيق نطاقًا من حيث التداول السلمي للسلطة والتعددية الحزبية، كلما كانت السياسة الخارجية أكثر جمودًا وصدامية.

إشكالية الدراسة:

 تميزت السياسة الخارجية الليبية بين عهدي النظام السابق برئاسة العقيد القذافي، والنظام السياسي الآخذ في البلورة والتشكل بعد 2011 بالتغير البارز، من حيث الآلية التي يصنع بها القرار في السياسة الخارجية لليبيا سابقاً، فرغم التعددية السياسية الظاهرة للهيئات السياسية المؤثرة في صنع القرار كمؤتمر الشعب العام، واللجنة الشعبية العامة ووزارة الخارجية. إلا أنه في الواقع الملموس، نجد أن سلطة صنع القرار في السياسة الخارجية متركزة في يد القائد، وفقًا للشرعية الثورية، وبعد أن تم توطيد شرعنة هذه السلطة في القرار الذي أصدره مؤتمر الشعب العام والذي يقضي بإلزامية الأخذ بتوجيهات القائد واعتبارها برنامج عمل.

أما في النظام السياسي بعد 2011 فإن عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية، تتداول بين عدة هيئات كالمجلس الرئاسي، والحكومة، ومجلس النواب، مع عدم إغفال حالة التشظي السياسي وهيمنة المليشيات، وعامل التدخل الدولي المتغلغل في ليبيا وتأثيره على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية.

الأسئلة الفرعية:

كيف يصنع القرار في العهدين؟، وماهي أهم المعوقات التي تعرقل عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية؟، وما هي الآفاق المستقبلية لعملية صنع سياسة خارجية مستقلة؟.

فرضية الدراسة:

شهدت عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية بين العهدين تحولاً بارزاً في وسائلها وأدواتها وآلياتها.

 منهجيةالدراسة:

استخدم الباحث المنهج التاريخي، من خلال دراسة تحولات صنع السياسة الخارجية بين عهدين، كما استخدم المنهج المقارن لمحاولة تحري الإختلاف والإتفاق بين عملية القرار بين النظامين.

أهمية الدراسة:

أهمية آنية: تتمثل في معرفة ما هو التطور الذي طرأ على عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية.

أهمية مستقبلية: وتتمثل في الاستفادة من عملية تطور عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية في بناء الدولة الليبية.

أهداف الدراسة:

1- محاولة الاستفادة المنهجية من خلال دراسة صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية.

2- تحديد آليات صنع السياسة الخارجية الليبية.

3- استشراف مستقبل عملية صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية.

 تقسيم الدراسة:

في إطار الاعتبارات السابقة تم تقسيم الدراسة على النحو التالي، المبحث الأول، عملية صنع القرار في السياسة الخارجية (الإطار النظري)، المبحث الثاني: صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية في عهد القذافي، المبحث الثالث: صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية بعد 2011.

المبحث الأول: عملية صنع القرار في السياسة الخارجية (الإطار النظري)

إن تحليل عملية صنع القرار السياسي يهدف نظريًا إلى تسليط الضوء على ميكانيزمات هذه العملية المعقدة والمتشابكة، والتي تضج بالعديد من العوامل والمعطيات والمتغيرات وتكشف عن عديد المتداخلين والفاعلين، لكي يخرج القرار في النهاية خيارًا من بين حزمة من الخيارات، وبديلًا مفضلًا على كل البدائل المطروحة.

إن القرار السياسي هو في التحليل النهائي نتاج بيئته والتي تتوزع بين خارجية وداخلية ونفسية، بيئة خارجية تتعلق بمتغيرات المحيط العالمي وبيئة داخلية تتعلق بمتغيرات المحيط المحلي للدولة، ونفسية تتعلق بنظام القيم والمعتقدات والإدراكات التي تتفاعل في وعي القائد السياسي مع ما تنتجه البيئتين الداخلية والخارجية.

أولاً: مفهوم القرار السياسي

تعددت وتنوعت المفاهيم المفسرة للقرار السياسي، بتنوع وتعدد الباحثين والدارسين على اختلاف مقارباتهم، ومشاربهم الفكرية.

فإسماعيل صبري مقلد يرى بأنه: “يقصد باتخاذ القرارات عموماً، التوصل إلى صيغة عمل معقولة من بين عدة بدائل متنافسة، وكل القرارات ترمي إلى تحقيق أهداف بعينها، أو تفادي حدوث نتائج غير مرغوب فيها، ويضيف أن: “اختيار القرار يرتبط في أساسه بوجود معايير ترشيد يمكن الاحتكام إليها في عمليات الموازنة والترجيح والمفاضلة النهائية حيث أن الاستقرار على قرار بذاته لا بد وأن يأتي بنتيجة اقتناع منطقي بكل ما يمثله ويرمز إليه مضمون القرار، وفي إطار التصور العام لما يترتب على الأخذ به من المخاطر، وما يمكن أن يحققه في النهاية من نتائج، ومثل هذا الاقتناع لا يمكن أن يتأتى بالطبع إلا بعد مشاورات ومداولات تبحث فيها كل الجوانب المتعلقة بموضوع القرار[1].

ويرى دورتي وبالستغراف أن:” جوهر نظرية اتخاذ القرار هو الاختيار بين عدد من الممكنات لا على أساس تجريدي ولكن على أساس عملي مرتبط بالظروف القائمة، وقلما وجد السياسي نفسه أمام وضع لا مجال له في الاختيار، إذ أحياناً تتوفر عدة اختيارات، أي أن دراسة اتخاذ القرار معنية بما هو قبل وبعد القرار ثم السلطة التي تتخذ القرار”[2].

ويعرف سليم القرار أنه: “اختيار محدد لصانعي السياسة بين بدائل متابعة كل مشكلة محدودة، وهو مجموعة القواعد والأساليب التي يستعملها المشاركين في هيكل اتخاذ القرار لتفضيل بديل معين أو لتقويم الاختيارات المتاحة، والتوفيق بين اختلاف الرأي في القرار[3].

أما المنوفي فيعرف القرار على أنه: “عملية التفاعل بين كافة المشاركين بصفة رسمية وغير رسمية في تقرير السياسات العامة، فإعداد القرارات هو بمثابة جزء رئيسي من سلوك المؤسسات السياسية، وهذه المؤسسات تختار أحد التصورات البديلة لحل المشكلات المثارة على أساس تقديم كل منها بما يتضمنه ذلك من مناقشة ومفاضلة[4].

إذن تعريف القرار عملية ليست سهلة خصوصاً إذا علمنا أن القرارات لا تخضع إلى أطر خاصة أو قواعد محددة، وغالباً ما تكون القرارات المتميزة والمؤثرة على مختلف الساحات ولدت من رحم المواجهات المحتدمة والأزمات المشتعلة فلا يمكن اعتبارها مرجعاً جامعاً لعملية صنع القرار وتعريفه.

ثانياً: مفهوم عملية صنع القرار السياسي الخارجي

السياسة الخارجية هي تلك السياسة التي يصوغها الممثلون الرسميون للوحدة الدولية، أو الأشخاص المخولون باتخاذ القرارات الملزمة، وفي الدول فإن هؤلاء الأشخاص يشملون رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، وغيرهم من الأشخاص الذين يعملون رسمياً في مجال السياسة ويتحدثون باسم الدولة[5].

وبالتالي فإن عملية صنع القرار السياسي الخارجي يمكن وصفها بأنها العملية التي يتخذ فيها صانعو القرار السياسي قرارات تتعلق بالسياسة الخارجية لدولة معينة، وتتضمن هذه العملية تحليل وتقييم المصالح والأهداف الوطنية والعلاقات الدولية، واتخاذ قرارات بناءًا على هذا التحليل.

وأيضاً تعرف بأنها: “العملية التي تتضمن تحديد الأهداف والمصالح القومية واتخاذ القرارات اللازمة لوضعها موضع التطبيق من خلال أدوات تنفيذ السياسة الخارجية المختلفة: الدبلوماسية، الإعلامية، الاقتصادية والعسكرية[6].

وتختلف عملية صنع القرار السياسي الخارجي من دولة إلى أخرى حسب تركيبة النظام السياسي للدولة، فالنظام السياسي من حيث كونه ديمقراطي أو غير ديمقراطي، يؤثر في عملية اتخاذ القرار من حيث الجهة التي تصنع القرار، ومدى مشاركة أكثر من طرف في هذه العملية، ومن حيث المراحل التي تمر بها صنع القرارات ومدى مشاركة أكثر من طرف في هذه العملية، ففي النظم الديمقراطية تخضع هذه العملية لإجراءات ومشاورات، ومناقشات طويلة مع جهات عديدة، ويلزم لتنفيذها موافقة أكثر من جهة، وهذه الإجراءات تؤدي إلى تأخير اتخاذ القرار وتنفيذه، مما يفقد القرار فاعليته[7].

كما يؤثر النظام الاقتصادي في عملية اتخاذ القرار من زوايا متعددة، فالدولة التي تتمتع بنظام اقتصادي قوي، وتمتلك ثروات طبيعية وطاقات إنتاجية ضخمة نسبياً، تكون لديها حرية أكبر عند اختيارها البدائل المطروحة أمامها، كما وأن قدرتها الإقتصادية هذه تساعدها على تحقيق أهدافها التي تسعى إليها من وراء هذه القرارات، ويجب أن نذكر أن وجود هذه الموارد الاقتصادية للدولة، لا يمنحها أحياناً النجاح لسياستها الخارجية، بل يجب أن يتوافر شرط آخر، وهو قدرة النظام على استثمار هذه الموارد والامكانيات وتوظيفها بشكل صحيح لخدمة السياسة الخارجية للدولة[8].

أما مراحل عملية صنع القرار في السياسة الخارجية فيمكن تقسيمها على النحو التالي[9]:

(1) تقييم أو تقدير الموقف: أي تحديد طبيعة الموقف الخارجي الذي تواجهه الدولة، والذي سيصدر عنه القرار للتعامل معه، ويتطلب الأمر تحديد أثر الموقف على المصلحة القومية للدولة وتحديد الأطراف المؤثرة أو المتأثرة به.

(2) تحديد الهدف المراد تحقيقه: ويلزم ذلك وضوح الهدف في ذهن متخذ القرار، ولابد أن يكون القرار متناسب مع قدرات الدولة.

(3) البحث عن البدائل: أي استطلاع أو استكشاف الخيارات المختلفة أمام متخذ القرار بصدد التعامل مع الموقف الذي تواجهه الدولة.

(4) الاختيار بين البدائل: وهي جوهر عملية صنع القرار، فهي عملية فنية تقوم على المفاضلة بين البدائل للتوصل إلى قرار رشيد.

(5) متابعة تنفيذ القرار بعد صدوره: تستهدف معرفة الآثار الناتجة عن اتخاذ القرار ومتابعة ردود الأفعال، وهل هناك حاجة لقرارات مكملة؟

المبحث الثاني: صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية في عهد القذافي

طبقاً لما يسمى بفلسفة سلطة الشعب فإن المؤتمرات الشعبية هي أداة السلطة الشعبية لأن الشعب كله صانع السياسات العامة في الدولة فلا سلطة إلا للشعب ولا سلطة تعلو عليه، ويقسم الشعب إلى تجمعات تسمى المؤتمرات الشعبية حيث تناقش كل الشؤون المتعلقة بالدولة –الداخلية والخارجية- وترسم السياسة العامة في كل الشؤون.

ويجتمع مؤتمر الشعب العام المكون من أمناء المؤتمرات الشعبية وأمناء اللجان الشعبية والاتحادات والنقابات المهنية لصنع مقررات المؤتمرات الشعبية في صيغتها النهائية، ويشكل مؤتمر الشعب العام اللجنة الشعبية التي توكل إليها تطبيق وتنفيذ المقررات المصاغة في كل دورة.

ولا يحق للجان الشعبية “أداة التنفيذ” التصرف إلا وفقاً لما قررته المؤتمرات الشعبية وصاغته في مؤتمر الشعب العام، ولا يحق لأي شخص أن يغير القرارات الشعبية أو يلتف عليها، وبهذا يكون الامتياز لها دون سواها، ويصنع مؤتمر الشعب العام أدوات للرقابة الشعبية لعرض تقاريرها السنوية على المؤتمرات الشعبية لتتخذ ما تراه بشأنها وبشأن من يقصر أو ينحرف من اللجان الشعبية في تنفيذ مقرراتها، أي أن صاحب القرار الوحيد في النظام الجماهيري القائم على سلطة الشعب هي المؤتمرات الشعبية التي تضم أبناء الشعب البالغين نساءاً ورجالاً[10].

وبشكل إجرائي وعملي مفصل فإن مراحل اتخاذ القرار في ليبيا في ذلك العهد هي على النحو التالي:

تقوم أمانة مؤتمر الشعب العام بإعداد جدول أعمال المؤتمرات الشعبية الأساسية بناءاً على ما تقدمه المؤتمرات الشعبية الأساسية والنقابات والاتحادات والروابط المهنية واللجان الشعبية.

ثم تجتمع المؤتمرات الشعبية السياسية مرتين في السنة لمناقشة جدول الأعمال المعد من أمانة مؤتمر الشعب العام، حيث تختص الدورة الأولى بمناقشة واتخاذ القرارات في القضايا المحلية الخاصة بكل مؤتمر شعبي أساسي، أما في الدورة الثانية فتركز على القضايا الوطنية والقومية والعالمية، وتتخذ القرارات والتوصيات في كل الأمور والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وقضايا السياسة الخارجية المطروحة… إلخ،ثم يتم نقل قرارات و توصيات المؤتمرات الشعبية السياسية إلى مؤتمر الشعب العام حيث تتم عملية تجميعها وتصنيفها وصياغتها في شكل قوانين وقرارات وسياسات عامة ملزمة[11].

هذا من الجانب النظري ولكن في الجانب التطبيقي فإن صانع القرار الحقيقي في السياسات العامة بشكل كبير وفي السياسة الخارجية بشكل فعلي هو القائد، فهو الذي يرسم ويقرر السياسة الخارجية لليبيا.

فتأثير القيادة السياسية الليبية في عملية صنع السياسات العامة كان واضحاً جداً ومستنداً في ذلك إلى اعتبار جماهير المؤتمرات الشعبية الأساسية لكافة التوجيهات الصادرة عنها- القيادة السياسية- بمثابة النبراس الذي ينبغي أن يقتدى به عند مناقشة أو إقرار أي خطة يراد تنفيذها.

والملاحظ أن المؤتمرات الشعبية الأساسية تشير دائماً عند صياغتها لقراراتها إلى خطب القيادة السياسية وأحاديثها وتوجيهاتها لمصدر من مصادر قراراتها، ولتأكيد ذلك، أصدرت المؤتمرات الشعبية قراراً في شهر مارس 1989، جاء فيه اعتبار ما يرد في خطاب الأخ القائد منهاج عمل على اللجان الشعبية تنفيذه وتكليف الأجهزة الشعبية والقانونية بوضع مشروعات قوانين بها وإعادة النظر في القوانين والإجراءات التي تتعارض معها[12].

وصنع القرار في السياسة الخارجية تتأثر بشكل كبير بالبيئة الداخلية والبيئة الخارجية والبيئة النفسية للقيادة السياسية، بشكل عام، تتفاعل هذه البيئات الثلاث معاً لتشكل سياق صنع القرار السياسي الخارجي. فالبيئة الداخلية تحدد الإمكانيات والقيود الداخلية، في حين يساعد تقييم البيئة الخارجية في تحديد التحديات والفرص الخارجية، وتأثير البيئة النفسية على قادة السياسة يلعب دورراً في توجيه صنع القرارات واتخاذها.

أولاً: البيئة الداخلية

وتشمل العوامل والمؤسسات والهياكل التي تؤثر على صنع القرارات السياسية داخل البلد، تشمل هذه البيئة القوانين واللوائح، والمؤسسات الحكومية، والأحزاب السياسية، والمصالح المحلية والوطنية، والشعب والرأي العام. ويؤثر هذا الجانب من البيئة الداخلية على صنع القرارات السياسية من خلال تحديد القيود والإمكانيات المتاحة للقيادة السياسية.

لعبت مقومات البيئة الداخلية لليبيا دوراً كبيراً في توجيه دقة القرار السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي، فمن الناحية الجغرافية، نجد أن موقع ليبيا أتاح لها لعب دور مؤثر في المحيط الدولي، وأيضاً ما تزخر به أرض ليبيا من ثروات طبيعية، وفي مقدمتها النفط باعتباره عصب الحياة في الدول المصنعة، هيأ لليبيا مساحة واسعة من الحركة في البيئة الدولية، ومن الناحية السياسية فإن ليبيا بخصوصية نظامها السياسي ابتداء من عام 1969 والذي شكل منطلقاً داخلياً لها، من خلال اتباع نظام جديد (لا ينتمي لأي من تصنيفات النظم السياسية المتعارف عليها) في إدارة الدولة، وخارجياً و ذلك من خلال رؤية في العلاقات الدولية بناءًا على فكرة هذا النظام.

ثانياً البيئة الخارجية

تتأثر قرارات السياسة الخارجية بالعوامل الخارجية والدولية، تشمل هذه العوامل العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، والتحالفات والمنظمات الإقليمية والدولية، والتوترات الجيوسياسية، والنزاعات الدولية، والتحديات الأمنية المختلفة. يجب على القادة السياسيين دراسة وتقييم هذه العوامل الخارجية لفهم التأثيرات المحتملة على قراراتهم السياسية الخارجية والاستجابة لها بناءً على المصلحة الوطنية والأهداف السياسية المحددة.

إن التأمل في خصائص النظام العالمي الذي كان سائداً خلال مرحلة الحرب الباردة(1989-1990) يبين التحول الذي حدث في بنية النظام الدولي نتيجة لانهيار نظام القطبية الثنائية.

ومنذ انهيار القطبية الثنائية وحلول زمن الأحادية القطبية، حدثت جملة من المتغيرات العاصفة قلبت الكيان الدولي رأساً على عقب، وكانت ليبيا في قلب هذه الأحداث بنظامها السياسي ” الراديكالي ” الذي عاش المرحلتين، وأثر وتأثر بهما.

فبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، تغيرت الديناميكية السياسية والاقتصادية في المنطقة، وتراجعت القوة والتأثير الذي كانت تمتلكه الدول الاشتراكية السابقة. ووجدت ليبيا نفسها معزولة دبلوماسياً واقتصادياً، وتعرضت لعقوبات دولية بسبب اتهام قيادتها بدعم الإرهاب والجماعات المسلحة. وفي محاولة للتخفيف من العزلة الدولية واستعادة العلاقات الخارجية، حاول القذافي استمالة الغرب وتحسين العلاقات مع الدول الغربية. وقام بتقديم تنازلات في برامجه النووية والأسلحة الكيميائية، وعمل على تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، لم تكن محاولات القذافي ناجحة بشكل كبير في استعادة الثقة الدولية.

بشكل عام، يمكن القول أن سقوط الاتحاد السوفيتي والتغيرات الجيوسياسية في المنطقة أثرت سلباً على سياسة ليبيا الخارجية، وجعلتها تعمل على تحسين علاقاتها مع الغرب في محاولة للتخفيف من العزلة الدولية.

ثالثاً: البيئة النفسية للقيادة السياسية

منذ صدور ما يسمى بالبيان الأول للثورة، برزت المقولات والنصوص التي تفصح عن العقائد والتصورات والميول التي يتبناها القذافي ورفاقه، وهي توجهات اشتراكية في سياق خطاب “ثوري” “وحدوي” “مناهض للاستعمار والرأسمالية والإمبريالية والصهيونية”، وكانت المنطلقات الثلاثة: “حرية – اشتراكية- وحدة”، مستلهمة من التراث الناصري، والذي شكل رافداً مهماً للنظام الجديد.

وبظهور ما يسمى بالكتاب الأخضر، اكتملت ملامح الأيديولوجيا التي يعتنقها معمر القذافي والتي هو مؤلفها أيضاً وتحتوي هذه الإيديولوجيا على تصور رؤيا حل لكل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والحلول المقترحة لإنهائها. ولتتحول ليبيا على إثرها من “نظام جمهوري” بعد “النظام الملكي” إلى “النظام الجماهيري”.

ومع بداية الثمانينيات من القرن العشرين أصبح هناك خطان متوازيان للسلطة في ليبيا: هو سلطة الشعب المتمثلة في المؤتمرات الشعبية الأساسية واللجان الشعبية ومؤتمر الشعب العام، ويقع ضمن اختصاصاتها تسيير أمور الدولة الإدارية والسياسية المعتادة. والثاني: هو سلطة” الثورة” التي يبدأ تسلسلها القيادي من “معمر القذافي” والأعضاء الأربعة الباقين من مجلس قيادة الثورة وحركة اللجان الثورية التي تقوم بمهمة تحريض الجماهير على ممارسة السلطة ومراقبة اللجان الشعبية.

وعلى الرغم من أن العقيد “معمر القذافي” ليس له أي منصب رسمي عدا كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلا أن له تأثيراً فعالاً ونفوذاً قوياً على الحياة السياسية في ليبيا من خلال توجيهاته وترشيده المستمر لجماهير المؤتمرات الشعبية بحكم كونه “قائد الثورة”[13].

المبحث الثالث: صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية بعد 2011

إن السياسة الخارجية الليبية بعد ثورة فبراير عام 2011 وحتى نهاية العام 2023، غير ثابتة وغير واضحة المعالم، كما أن دورها في السياسة الدولية شبه محدود نظر للانقسام السياسي في البلاد وعدم تبلور مفهوم الدولة بمؤسساتها القوية والفاعلة، حيث السياسة الخارجية المتماشية مع مقتضيات ووقع السياسة الدولية والمرتكزة على المصالح العليا للدولة الليبية.

وبالمجمل تحرص وثائق النظام السياسي للدولة الليبية الجديدة عبر سياستها الخارجية على قيام العلاقات الودية مع كل دول العالم المبنية على أسس الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون للدول، كما تقر بحق الشعوب في تقرير مصيرها وتحرص على تحقيق وحفظ الأمن والسلام الدوليين ومراعاة حقوق الإنسان[14].

أولاً: الهيئات والمؤسسات الحكومية ودورها في صنع القرار السياسي الخارجي

بعد 2011 هناك العديد من الهيئات السياسية التي تؤثر في عملية صنع القرار السياسي الخارجي، من بينها:

1– مجلس النواب الليبي

 مجلس النواب الليبي يعتبر المؤسسة التشريعية الرئيسية في ليبيا، ويتمتع بصلاحيات واسعة في صنع القرارات السياسية الداخلية والخارجية. بالنسبة للقرار السياسي الخارجي، يلعب مجلس النواب الليبي الدور التالي:

أ- الموافقة على السياسات الخارجية: حيث يتم تقديم توصيات ومشروعات القرار الخارجي إلى مجلس النواب للنقاش والتصويت عليها، ويمكن للأعضاء في مجلس النواب طرح الأسئلة والاستفسارات وتقديم المقترحات والتعديلات المتعلقة بالسياسة الخارجية.

ب- المشاركة في المفاوضات والمؤتمرات الدولية: يمكن لمجلس النواب تشكيل وفود رسمية للمشاركة في المفاوضات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بالشؤون الخارجية، ويمكن لأعضاء المجلس أن يمثلوا ليبيا في هذه الفعاليات ويعبروا عن وجهات نظر البلاد ومواقفها السياسية الخارجية.

ج-  المراقبة والرقابة: يمكن لمجلس النواب أن يمارس الرقابة على السياسة الخارجية من خلال مناقشة ومراجعة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قبل الموافقة عليها، ويتمكن المجلس من تقييم تأثير السياسة الخارجية على البلاد ومصالحها ومناقشة أي تعديلات أو إصلاحات تكون ضرورية.

د-  التعاون البرلماني الدولي: يمكن لمجلس النواب الليبي توطيد التعاون البرلماني مع البرلمانات الأخرى حول العالم. ويمكنه تبادل الخبرات والتجارب، وتعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في مجالات مثل السياسة الخارجية والأمن والتنمية.

ويجب ملاحظة أن دور مجلس النواب الليبي في صنع القرار السياسي الخارجي يمكن أن يتأثر بالتحديات السياسية والأمنية الموجودة في البلاد، وقد تتغير الأدوار والصلاحيات المخصصة للمجلس وفقاً للتطورات السياسية والقانونية في ليبيا.

2– المجلس الرئاسي

يلعب المجلس الرئاسي دوراً رئيسياً في صنع القرارات السياسية الخارجية للدولة، ويمكن أن يشمل دور المجلس الرئاسي مجموعة واسعة من المسؤوليات، مثل وضع السياسات الخارجية واتخاذ القرارات المتعلقة بالعلاقات الدبلوماسية والتعاون الإقليمي والدولي، ويعتمد المجلس الرئاسي في سلطته وصلاحياته على الإطار القانوني والدستوري الذي يحكم البلد.

وفيما يلي بعض الصلاحيات الرئيسية التي يطلع بها المجلس الرئاسي :

أ. تمثيل ليبيا في الشؤون الدولية: يتمكن المجلس الرئاسي من تمثيل ليبيا في المنظمات الدولية والمؤتمرات الدولية والقمم الدولية، والتفاعل مع القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.

ب. صياغة السياسات الخارجية: يتمتع المجلس الرئاسي بصلاحية صياغة السياسات الخارجية للدولة، وتحديد الأهداف والتوجهات في العلاقات الدولية.

ج. التفاوض وتوقيع الاتفاقيات الدولية: يمكن للمجلس الرئاسي تفويض ممثليه للتفاوض، وتوقيع الاتفاقيات الدولية مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية.

د. إدارة العلاقات الدبلوماسية: يمكن للمجلس الرئاسي أن يؤسس، ويدير العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى ويعين السفراء والدبلوماسيين.

ه. استقبال البعثات الدبلوماسية: يتمتع المجلس الرئاسي بصلاحية استقبال البعثات الدبلوماسية من الدول الأخرى والمنظمات الدولية.

3 حكومة الوحدة الوطنية

حكومة الوحدة الوطنية الليبية، تهدف إلى توحيد السلطة السياسية في ليبيا وإنهاء الانقسام السياسي، وبالنسبة لصنع القرار السياسي الخارجي، فإن حكومة الوحدة الوطنية تمتلك الصلاحية والمسؤولية في عدة جوانب، ومنها:

أ. تمثيل ليبيا في المنظمات الدولية: تتولى حكومة الوحدة الوطنية تمثيل ليبيا في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وتشارك هذه الحكومة في المؤتمرات الدولية والقمم، وتعبر عن موقف ليبيا في القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.

ب-  صياغة السياسات الخارجية: تقوم حكومة الوحدة الوطنية بصياغة السياسات الخارجية للبلاد، وتحديد الأهداف والتوجهات الخاصة بالعلاقات الدولية، ويتضمن ذلك تحديد الأولويات والمصالح الوطنية واتخاذ القرارات المتعلقة بالعلاقات الخارجية.

ج. التفاوض وتوقيع الاتفاقيات الدولية: تتمتع حكومة الوحدة الوطنية بصلاحية التفاوض، وتوقيع الاتفاقيات الدولية مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية، ويشمل ذلك اتفاقيات التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في مجالات، مثل: التجارة والاقتصاد والثقافة والأمن والدفاع.

د. إدارة العلاقات الدبلوماسية: تقوم حكومة الوحدة الوطنية بإدارة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، ويتضمن ذلك تعيين السفراء والدبلوماسيين، وتطوير العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف والتفاعل مع الدبلوماسية الدولية.

ه. الدفاع عن مصالح ليبيا: تتحمل حكومة الوحدة الوطنية مسؤولية الدفاع عن مصالح ليبيا في الساحة الدولية، كما تعمل الحكومة على تعزيز العلاقات الدولية التي تحقق الاستقرار والتنمية والأمن لليبيا.

4– المجلس الأعلى للدولة

يعد المجلس الأعلى للدولة هيئة سياسية أخرى تؤثر في صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا، ويتألف المجلس الأعلى للدولة من أعضاء من مختلف المدن الليبية ويعمل على تمثيل مصالح الجماعات والأطراف المختلفة في البلاد.

وهذا المجلس انبثق عن الاتفاق السياسي، وهو أعلى مجلس استشاري في الدولة الليبية، ومن مهامه إبداء الرأي في القوانين الصادرة من حكومة الوفاق قبل إحالتها إلى مجلس النواب، وتأسس مجلس الدولة من أعضاء سابقين في المؤتمر الوطني العام في نيسان- أبريل 2016، وبلغ عدد أعضائه 134عضواً، ونص الاتفاق على إضافة 11عضواً من الدوائر ضعيفة التمثيل ،7 منهم من الشرق و4 من الغرب، بينما تبلغ نسبة المرأة في المجلس %12[15].

المجلس الأعلى للدولة في ليبيا هو هيئة تشريعية واستشارية تأسست في عام 2016 بموجب اتفاق الصخيرات الليبي، ويتألف المجلس من أعضاء يمثلون مختلف المناطق والتيارات السياسية في ليبيا، ويتمتع المجلس الأعلى للدولة بصلاحيات تشريعية واستشارية، وله دور في صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا، ويناقش المجلس القضايا الخارجية المهمة ويقدم توصياته ونصائحه إلى الحكومة وهيئات السلطة الأخرى في البلاد.

ثانياً- دور القوى الدولية في صنع القرار السياسي الخارجي

شهدت ليبيا صراعًا معقدًا بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011، ولذلك لعبت الأمم المتحدة والقوى الدولية دوراً هاما في التدخل وصنع القرار السياسي الخارجي في البلاد. والأمم المتحدة، من خلال مجلس الأمن، اتخذت قرارات هامة مثل إقرار المنطقة الجوية الحظرية وإرسال بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL) لتعزيز الحوار والمصالحة وبناء مؤسسات ديمقراطية، بعض الدول العربية والغربية قدمت الدعم السياسي والعسكري للأطراف المعارضة خلال الثورة، وتدخلت بعض الدول بشكل فردي أو من خلال تحالفات في الصراع الليبي، والهدف من هذا التدخل هو تحقيق الاستقرار والسلام في ليبيا وتعزيز المصالحة الوطنية وبناء مؤسسات ديمقراطية. ومع ذلك، يجب أن يتم التعامل مع هذه القضية بحذر وتنسيق جيد بين الدول المعنية واحترام سيادة ليبيا وإرادة شعبها.

1- الأمم المتحدة: تلعب دورًا هامًا في تيسير عملية صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا من خلال مكتب الأمم المتحدة لدعم بعثة الدعم في ليبيا (UNSMIL)،كما تعمل UNSMIL على تسهيل الحوار بين الأطراف الليبية المختلفة وتعزيز الاستقرار والتسوية السياسية في البلاد.

2- الدول العربية والإقليمية: تلعب الدول العربية والإقليمية دورًا في صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا، وتشارك هذه الدول في المبادرات الدبلوماسية والتفاوضية، وتقدم الدعم للأطراف الليبية المختلفة.

3-  القوى العالمية: تمارس القوى العالمية أيضاً تأثيراً في صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا، وتشمل هذه القوى الدول الكبرى مثل: الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي وتركيا ودول أخرى، وتتدخل هذه القوى في الشؤون الليبية من خلال التدخل العسكري أو الدبلوماسي أو تقديم الدعم المادي واللوجستي.

ثالثاً: دور المليشيات المسلحة في التأثير على صنع القرار السياسي الخارجي

شكلت الجماعات المسلحة العنصر الأكثر تأثيراً على الصراع في ليبيا، فالمجموعات المسلحة تغلغلت في هياكل الدولة الأمنية والسياسية والمالية، وباتت تفرض شروطها على الحكومات المختلفة.

فبعد عام 2014 وتفاقم الانقسام السياسي، تعززت قوة تلك المليشيات، ومنذ وصول حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة إلى طرابلس في آذار مارس 2016، عمدت 4 مليشيات كبيرة إلى تقسيم العاصمة فيما بينها بشكل تدريجي، وعلى الرغم من موالاتها الحكومة بشكل صوري إلا أنها مارست نوعاً من النفوذ على مؤسسات الدولة ومواردها في حقبة ما بعد القذافي[16].

إن تأثير المليشيات على صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا قد يؤدي إلى عواقب محتملة وخطيرة على البلاد والمشهد الدولي، ومن بين العواقب المحتملة يمكن ذكر ما يلي:

أ- عدم الاستقرار السياسي: من خلال تدخلها في صنع القرارات السياسية الخارجية، وقد يتسبب ذلك في زيادة التوترات والصراعات الداخلية، وعدم القدرة على تحقيق التوافق والتوحيد السياسي اللازم للتعامل مع القضايا الخارجية بشكل فعال.

ب- تأثير سلبي على العلاقات الدولية: يمكن أن تؤدي تصرفات المليشيات وتدخلها في صنع القرار السياسي الخارجي إلى تدهور العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وقد تؤدي تصرفات المليشيات المستقلة إلى تعكير صورة ليبيا في المجتمع الدولي وتقويض مصداقيتها كشريك دولي موثوق.

ج- تعطيل عملية الإعمار والتنمية: قد يؤثر تدخل المليشيات في صنع القرار السياسي الخارجي على جهود إعادة الإعمار والتنمية في ليبيا. فعدم الاستقرار السياسي وعدم القدرة على اتخاذ قرارات فعالة في السياسة الخارجية، يمكن أن يؤثر سلباً على استقطاب الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الدولية اللازمة لإعادة إعمار البلاد وتحقيق التنمية المستدامة.

د- انتهاك حقوق الإنسان وانعدام الأمن: قد تستغل المليشيات نفوذها في صنع القرار السياسي الخارجي لتحقيق مصالحها الضيقة على حساب حقوق الإنسان واستقرار البلاد، وقد ترتكب المليشيات انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان، وتعمل على زعزعة الأمن الداخلي وتهديد استقرار ليبيا والدول المجاورة.

ه- تعطيل جهود الوساطة والتسوية السلمية: قد يعوق تأثير المليشيات على صنع القرار السياسي الخارجي جهود الوساطة والتسوية السلمية للنزاعات في ليبيا، فقد يكون للمليشيات مصالح خاصة وأجندات مختلفة قد تتعارض مع الحلول السلمية، مما يصعب تحقيق التوافق والتوصل إلى حل سياسي شامل ومستدام.

خاتمة :

في ختام هذا البحث حول صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا بين زمنين، يمكننا التوصل إلى عدة استنتاجات وملاحظات هامة:

النتائج:

1- أنه في فترة نظام القذافي، كان للزعيم الليبي السابق السيطرة الكاملة على صنع القرار السياسي الخارجي، حيث كان يتحكم بشكل فردي وشبه مطلق في تلك العملية، برغم وجود مؤسسات تُعنى بعرض القرارات على الشعب، وبعد ذلك تضع تشريعات وقرارات بناءاً على توجيهات القائد، وكانت القيادة السياسية مسيطرة بشكل كبير على السياسة الخارجية الليبية، والتي تميزت بالتوترات والصراعات مع العديد من الدول الأخرى.

2- بعد 2011 شهدت عملية صنع القرار السياسي الخارجي تعددًا في المؤسسات المشاركة في هذه العملية. حيث تم تأسيس هيئات ومؤسسات جديدة تلعب دورًا في صنع القرار السياسي الخارجي، وهذا يعكس رغبة الشعب الليبي في إقامة نظام سياسي ديمقراطي يشارك فيه الجميع في صنع القرارات ويتمتعون بحقوقهم السياسية.

3- أن هناك تأثير قوى دولية في صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا، هذه القوى الدولية تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل السياسة الخارجية الليبية وتأثيرها على المصالح الوطنية الليبية، الأمر الذي يفرض على المؤسسات السياسية الليبية السعي إلى تحقيق الاستقلالية والسيادة الكاملة في صنع القرارات السياسية الخارجية.

4- لا يمكن تجاهل دور المليشيات في التأثير على صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا. فالمليشيات، التي تتمتع بقوة وتأثير في المشهد الليبي، قد تؤثر بشكل كبير على عملية صنع القرار السياسي الخارجي وتعرقل تحقيق الاستقرار والتنمية في البلاد. لذا، ينبغي أن تعمل السلطات الليبية على توحيد المؤسسات الأمنية وتفعيل سيادة الدولة في جميع أنحاء البلاد، لتعزيز الاستقرار وتحقيق صنع القرار السياسي الخارجي بشكل مستقل وفعال.

التوصيات:

1- إن صنع القرار السياسي الخارجي في ليبيا يعتبر تجدياً مستمراً يتطلب جهود مستمرة لتعزيز الديمقراطية وتعزيز دور المؤسسات الليبية في صنع القرار السياسي الخارجي، كما يجب تعزيز حوار داخلي شامل وشراكة وطنية قوية لتحقيق التوافق وتوحيد الجهود في هذا الصدد.

2- أن تسعى المؤسسات الليبية إلى تعزيز علاقاتها الدولية وبناء شراكات استراتيجية مع الدول الأخرى بناءاً على مصالح ليبيا الوطنية وقيمها السياسية، واستعادة مكانتها في المجتمع الدولي وتعزيز سمعتها كدولة مستقلة وموثوقة في صنع القرار السياسي الخارجي.

3- العمل على تعزيز الشفافية والمساءلة في صنع القرار السياسي الخارجي، وتعزيز دور المؤسسات الديمقراطية والمدنية في هذه العملية، وكذلك تعزيز الحوكمة الرشيدة وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرارات السياسية الخارجية، لتحقيق استقرار ليبيا وتحقيق مصالحها الوطنية على المستوى الدولي.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)


الهوامش:

[1]- إسماعيل صبري مقلد، الاستراتيجية والسياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الثانية، 1998، ص 363.

[2] -جيمس دورتي وروبرت بالستغراف، النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية، ترجمة وليد عبد الحي، الطبعة الأولى ، (الكويت: كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، 1985، ص 305-306

[3]– محمد السيد سليم، مفهوم القرار السياسي، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 93، معهد الإنماء العربي، بيروت 1991، ص 41.

[4]– كمال المنوفي، نظريات النظم السياسية، الطبعة الأولى (الكويت: دار المطبوعات، الطبعة الأولى، 1985، ص 139.

[5] . محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، الطبعة الثانية، (القاهرة: مكتبة النهضة، 1998)، ص15.

[6] . ابتهال مبروك، “عملية صنع القرار الخارجي”، الموسوعة السياسية، 2\12\2020، تاريخ الزيارة: 17\8\2023، https://political-encyclopedia.org/dictionary/

[7] . اسماعيل صبري مقلد، نظريات السياسة الدولية، الطبعة الثانية (الكويت: جامعة الكويت، 1985)، ص1511.

[8] . أحمد عارف الكفارنة، “العوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية”، مجلة دراسات دولية، بغداد، رقم العدد 42، (2009)، ص22.

[9] . ابتهال مبروك، مرجع سبق ذكره.

[10]– عبد الحكيم عمار نابي، النظام السياسي والتنمية الاقتصادية في ليبيا، الطبعة الأولى (طرابلس: إدارة المطبوعات والنشر، 2006 )، ص364.

[11]– المرجع  نفسه، ص365.

[12] . سعاد الطاهر القذافي، “السياسة العامة الليبية في مجال النفط، رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى أكاديمية الدراسات العليا، طرابلس، 2006، ص36-37.

[13] عبد الحكيم عمار نابي، النظام السياسي والتنمية الاقتصادية في ليبيا، مرجع سبق ذكره.

[14] يوسف خليفة يوسف ناعم، “السياسة الخارجية الليبية تجاه المملكة المغربية 2000-2020″، مجلة العلوم السياسية والقانون، برلين، المركز الديمقراطي العربي، المجلد 8 العدد36، (2023)، ص381.

[15] .آمال العبيدي، “دراسة تمهيدية عن الحوكمة والمؤسسات في ليبيا: الواقع والتحديات والآفاق”، الأمم المتحدة، (2020)، ص22.

[16] .آمال العبيدي، “دراسة تمهيدية عن الحوكمة والمؤسسات في ليبيا: الواقع والتحديات والآفاق، مرجع سبق ذكره، ص38.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى