أمنيةسياسية

تطور مفهوم الأمن عبر مفكري ومنظورات العلاقات الدولية

د. عبد الرفيق كشوط

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة محمد الصديق بن يحي، الجزائر.

ملخص:

إن المتتبع لمسار العلاقات الدولية يرى بوضوح أن المسلمات التي صقلت وتحكمت في مجريات السياسة الدولية تتتغير بشكل دائم ومستمر، يعكس هذا التغير طبيعة العلاقات الدولية التي لا تعتمد على الثبات، بل تتطلب تطوير وسائل وأدوات ومفاهيم قادرة على تفسير المستجدات السياسية بشكل مقنع. ولأن مفهوم أو مصطلح الأمن واحد من المفاهيم التي توافقت مع الطرح السابق المتعلق بالتغير وعدم الجمود كان أحد أهم المفاهيم الأكثر تأثراً بمجريات السياسة الدولية، هذا المفهوم الذي ما انفك يتغير في كل مرة تحث تأثير العديد من المعطيات منها التهديدات على وجه الخصوص، الأمر الذي جعله دائم التغير إذ لا يكاد يتوقف عند تعريف حتى نجده قد تغير مجدداً نظراً  لتغير الزاوية التحليلية، وقد فسر هذا أساساً بتغير المناظير التي من خلالها تم تبصر المفهوم، خاصة وأن منظري الدراسات الأمنية يعزون هذا التغير للتغير المستمر للزوايا التحليلية التي يقدمها دارسو العلاقات الدولية والدراسات الأمنية.

وعلى هذا الأساس نرى بأن المفهوم قد قدمت له العديد من التعاريف التي حاولت أن تقدم تصوراً تسعى من خلاله تقديم صورة مقنعة للمفهوم، مما أنتج تعاريف متعددة غير إقصائية ومتكاملة تشكل في المحصلة تعريفا ناضجا غير منتكس لمفهوم طالما وصف بأنه خلافي متنازع عليه.

الكلمات المفتاحية: مفهوم الأمن، منظارات العلاقات الدولية، الدراسات الأمنية، الأمن الإنساني، الأمننة.

مقدمة:

موضوع الأمن كان ولايزال محوراً للنقاش الوافر بين الباحثين، وذلك بسبب تعقيده وتنوع الأبعاد والقيم والمدلولات المختلفة التي يتضمنها، وقد جعل هذا التعدد من التصورات حول الأمن تحقيق الاتفاق على تعريف دقيق له أمراً شديد الصعوبة، حتى يصل إلى حد الاستحالة في بعض الأحيان. يعزى هذا التعقيد بشكل أساسي إلى وجود مجموعة متنوعة من المنظورات التي تستخدم لفهم الأمن  سوائ كانت أكاديمية أو عملية.

تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية لم يقتصر على تعريف واحد، بل مر بعدة مراحل تطورية أكسبته معانٍ جديدة وأبعاداً متعددة. فقد شهد تطوراً تدريجياً، حيث أصبح يشمل مجالات جديدة لم يكن مُتناولاً في السابق. وتمثلت هذه التغييرات في اعتماد منظورات متعددة لفهم مفهوم الأمن، سواء من خلال المحللين ذاتهم أو المجالات التخصصية التي تُسهم في تشكيل الفهم المفاهيمي للأمن. ونتيجة لذلك، أصبح مفهوم الأمن متعدد الأوجه، حيث يتم تفسيره وتطبيقه بطرق متنوعة تتناسب مع التحديات والمتغيرات التي تواجهها المجتمعات الدولية، وذلك نتيجة لتنوع الدارسين ومداخلهم النظرية في هذا الميدان.

أهمية الدراسة:

تتجلى أهمية الموضوع والدراسة من خلال أهمية موضوع الأمن في العلاقات الدولية والتي نوجزها فيما يلي:

1-كون الأمن مطلب الأفراد والجماعات والدول.

2- الأمن يظل دائماً قيد التغيير نتيجة لارتباطه بما ينتج عن تفاعلات العلاقات الدولية، ولذلك كانت الحاجة ملحة لتتبع أهم النقاشات المثارة حوله .

3- الأمن متغير محوري في الكثير من مجالات العلاقات الدولية وتفاعلاتها.

4- الأمن مفهوم خلافي غير متفق عليه وهو بهذا متعدد الزوايا التحليلية.

5- الأمن مستعصي على تقديم تعريف دقيق ما استوجب البحث المستمر عن أكثر التعاريف انتماءا لظاهرة الأمن في العلاقات الدولية.

الهدف من الدراسة:

تستهدف الدراسة بلوغ الأهداف التالية:

-بحث حدود الانسجام بين التعاريف المقدمة للأمن من طرف منظري الدراسات الأمنية.

-دراسة الموضوع من خلال سياقاته ومن تم تغيراته المفهومية .

-بحث المؤشرات المؤدية لتغير المفهوم – الوحدات المرجعية، التهديدات، القيم المركزية-

-رصد التغيرات اللاحقة بالمفهوم وبحث إمكانات مواصلة التغير في المفهوم مستقبلاً بناءاً على المتغيرات اللصيقة بالمفهوم والمتغيرات الدولية.

فرضيات الدراسة:

أدّى التحول في طبيعة العلاقات الدولية خاصة مع ظهور فواعل جديدة وتهديدات غير  تقليدية إلى إعادة النظر في مختلف مفاهيم العلاقات الدولية بما فيها مفهوم الأمن.

في ظل التغير المستمر والمتلاحق لمجريات العلاقات الدولية سيكون من غير المجدي الاحتفاظ بمسلمات ومفردات ومفاهيم قديمة قد لا يمكنها تقديم فهم مقنع لمستجدات دائمة التطور في حقل السياسة الدولية.

مناهج الدراسة:

إن طبيعة الموضوع التي توحي بوجود تداخل بين مستوياته العملية والنظرية – والذي أنتج تعدّداً في المتغيرات والمداخل التفسيرية له- اقتضى توظيف العديد من المناهج. تمّ الاعتماد على المنهج التاريخي للتمكن من تتبع أهم المحطات التاريخية التي مر عبرها مفهوم الأمن، والتي ساهمت في صقله وتطوره  إلى ما هو  عليه في الوقت الحالي، خاصة وأن مفهوم الأمن لم يظهر دفعة واحدة بل ساهمت في تبلوره العديد من المؤشرات والمتغيرات التي رافقت تطور العلاقات الدولية  عبر التاريخ، كما يشير لذلك الأستاذان باري بوزان ودافيد بالدوين.

وانسجاماً مع الطبيعة التطورية لظواهر العلاقات الدولية التي تأبى أن تكون ستاتيكية جامدة، فقد اعتمدنا المنهج التطوري الذي يمكّن من تتبع مختلف المراحل التطورية التي تسلكها الظواهر والفواعل بداية من مرحلة ظهورها ثم تطوّرها فتمامها أو زوالها.

ونظراً لصعوبة تقديم تعريف محدد واضح ودقيق لمفهوم الأمن بموجب تصورات فكرية واحدة، فقد تم تحريك مختلف مدلولات الأمن التي قدمت له لتوفير مفهوم شامل له، وذلك بهدف إعطاء تحليل منطقي وعلمي لظاهرة الأمن في العلاقات الدولية، ولإبراز مدى التأثر والتأثير بين مختلف التعاريف المقدمة من جهة، وتحديد مستوى التغيّر والثبات الذي لحق به من جهة أخرى، فقد تطلّب منا ذلك اعتماد المنهج المقارن.

الدراسات السابقة:

نقر بداية أن هذه الدراسة حتى وإن لم تكن السباقة لمعالجة مفهوم الأمن في العلاقات الدولية ومختلف تجاذباته النظرية والعملية بين منظري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية، إلا أنها حاولت بجدية تقديم لملمة للمفهوم وحصره في مفاهيم أكثر قبولاً بين دارسي العلاقات الدولية والدراسات الأمنية غير أنها- الدراسة – قد اجتهدت في تجاوز بعض الدراسات – التي وفرت في كثير من المرات وفقاً لطريقة الاستدعاء المعلوماتي- ومنطلقاتها الفكرية لتؤسس فيما بعد لتصور جديد قام أساساً على فكرة جوهرية مفادها معالجة موضوع الأمن من خلال إسهامات مفكري الدراسات الأمنية خصوصاً.

حيث نذكر في هذا الصدد عدد من الدراسات السابقة مثل الدراسة التي قدمها Patrick Simon بعنوانLesconcepts de sécurité: état des lieux en 2004، والتي قدم من خلالها كاتبها تصور مفهوم الأمن من خلال نظريات العلاقات الدولية، وهو الأمر الذي تجاوزته دراستنا وذلك بخروجها عن صب مفهوم الأمن في القوالب النظرية للعلاقات الدولية.

أما الدراسة المقدمة من طرف Keith Krause بعنوان “CriticalTheory and Security Studies فقد حاولت أن تقدم تصوراً جديداً استقر موضوعه العام في معالجة موضوع الأمن من خلال النظريات النقدية للدراسات الأمنية عموماً، وهو الفخ الذي لم يمكنها من تقديم مفهوم واضح للأمن على الرغم من قيمتها العلمية.

كما تشير الدراسة المعنونة بـ InternationalSecurity  studies after the cold war an agenda for the future المقدمة من طرفSean M. Lynn-Jones التي تعتبر دراسة مهمة جداً، حيث تتبعت التغيرات الحاصلة في الدراسات الأمنية وموضوعاتها وأسباب تغيرها، إلا أنها لم تتفرد بتقديم تعريف محدد للأمن وما ساقه منظري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية من تعريف حول الأمن، وهو ما وفر لنا هذه الزاوية التي تم تداركها وتقديم حوصلة لما قدمه دارسي العلاقات الدولية والدراسات الأمنية حول المفهوم.

كما نشير هنا إلى أن الدراسات التي استهدفت تتبع مسار تطور الأمن في العلاقات الدولية، بالرغم من وفرتها إلا أنه قد يكون من المستحيل أن نجد إلمام تام بالموضوع محل الدراسة على الأقل من حيث التعاريف في دارسة واحدة شاملة لما تناولته كل الدراسات. وبالتالي، تبرز   هذه الدراسة  متميزة عن باقي الدراسات السابقة بهذا التفرد المنهجي والأكاديمي في دراسة الموضوع.

نسعى من خلال هذه الدراسة إلى تقديم مفهوم للأمن على أنه مفهوم يحمل الكثير من الدلالات والمعاني كان من الضروري تتبع ذلك من خلال، إما تتبعه وفق ما تم تقديمه من طرف منظري العلاقات الدولية؛ أي داخل الإطار المنهجي والأنطولوجي الذي ساقته مختلف نظريات العلاقات الدولية، أو من خلال ما ساقه لنا منظري الدراسات الأمنية؛ أي داخل سياقات ما أفرزته الدراسات الأمنية، وعلى هذا الأساس وحتى تكون الدراسة أكثر عمقاً وأكثر إنصافاً للمفهوم كان من المجدي تتبع المفهوم من خلال كلا الزاويتين، عبر تقديم إجابة مقنعة للإشكالية التالية: عبر أي مجالية منهجية ونظرية يمكن تتبع تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية؟ وكل ذلك من خلال المحاور التالية:

-القراءة الإبستمولوجية لمفهوم الأمن في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية.

-علاقة مفهوم الأمن بمفهوم السلام.

-الخارطة المفاهيمية للأمن وفق إسهامات منظري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية.

-الأمن وفقا للأستاذ “ستيفن وولت”:

-مفهوم الأمن من خلال طرح الأستاذة “هيلقا هافتادورن”:التوسيع في إطار مفهوم قديم.

-مراجعة مفهوم الأمن من خلال طرح الأستاذ “إدوارد كولودزيج”

-مركزية الدولة والأمن الموسع عند “باري بوزان”

المطلب الأول: القراءة الإبستمولوجية لمفهوم الأمن في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية

تتطلب معالجة مفهوم مهم الأمن، الذي يعد أحد أكثر المفاهيم استخداماً في حقل العلاقات الدولية  سواء نظرياً أوممارساتياً، إعداداً  دقيقاً للمنهجية والأسس الواضحة للتحقق من تعريف المصطلح واستخداماته للتعبير على الظواهر المراد توصيفها به. وبعد ذلك ينبغي التركيز على السياقات المختلفة له التي يتم توظيفها للدلالة والتعبير على ظواهر قد تنتمي إليه أو لا تنتمي إليه.  

ومن المفترض أن يؤدي  هذا الأسلوب إلى إنتاج مفاهيم متفرعة للأمن تنسجم مع تعدد السياقات التي تم إدراجه فيها، وكل هذا يقود ويؤسس لمنظورات جديدة تعاملت مع مفهوم الأمن على أنه “جديد”، وهو الطرح الذي يعالج الأمن بطريقة لا نمطية غير تقليدية تقترب أكثر من النهج الجديد للدراسات الأمنية انسجاماً مع ظهور الأساليب الجديدة المعالجة للقضية الأمنية بشكل عام، والتي تتمحور أساساً حول  موضوع” الأمن الجديد” The New Security“، التي نادت بها “مدرسة الأمن الموسع” The Broad Security School ” الداعية إلى معالجة مفهوم الأمن بطريقة لا تقليدية تأخذ في الاعتبار العلاقة بين النظرية والممارسة في التعاطي مع مصطلح الأمن وبين التركيب المفاهيمي الإبستمولوجي والسياسي له. يجب أيضاً أن نأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأخلاقية القيمية المعيارية للأمن، وهو ما يستوجب الحديث عن الدراسات النقدية في العلوم الاجتماعية عموماً[1]؛ حيث تم  صقل هذا المفهوم من خلال الانتقادات الموجهة لنظرية العلاقات الدولية. كما  يجب التركيز أيضاً على مجموعة من المؤشرات التي تعطي توضيحاً وافياً له، وتجعله مفهوماً نقياً غير مختلط بالشوائب التي قد تفرزها التفسيرات النظرية المقدمة لمختلف الظواهر الدولية، حيث تكون المؤشرات المتحدث عنها على النحو التالي:

1-أن التحقق من مفهوم الأمن وممارساته وتطبيقاته يجب أن يركز على سياقه “Context “، وهو ما يعني ضرورة تلقف خصوصية السياق الذي وضع ووظف فيه مما يتيح نحت مفهوم أقرب للقبول يعبر في اتجاهين، الأول يركز على السياق ومعناه، والثاني يركز على المفهوم في حد ذاته مجرداً عن سياقه؛ غير أن السياق هو الذي يقدم لنا المعاني المختلفة للمفهوم هذا الأخير الذي يختلف باختلاف السياق الذي وظف فيه.

2-ضرورة الانتباه إلى أن هناك تعاريف مختلفة للأمن انطلاقاً من وجود سياقات مختلفة.

3-البحث في إمكانية التوفيق بين الرؤى التحليلية  المتناقضة في فهم الأمن، حيث تعتبره احدى الرؤى بأنه  “مفهوم ثابت”، بينما تعتبر الأخرى بأنه قابل للتغير بناءاً على السياقات المختلفة التي يكون فيها بالرغم من وجود “استمرارية” لمفهوم واحد[2].

4-النظر في كيفية تغير التعاريف المقدمة للأمن، هل كانت انطلاقاً من الممارسات أم من المعاني التي يؤول لها، وبمعنى أدق هل يكون استقاء دلالة مفهوم الأمن من خلال معناه أو من خلال الفعل المرتبط بتطبيقات الأمن.

5- أيضاً من الضروري توضيح أن الأمن عادة ما يكون مبنياً على معطيات مسبقة مهدت لوجوده، مرتبطة أساساً إما بالحاجة أو بالتهديد.

وبناء على ما سبق، فإن “السياق” و”البناء” و”التغير” و”الاستمرار” ستكون بمثابة المؤشرات الخطية لمجمل التعاريف التي ستقدم لمفهموم الأمن، إما داخل حقل نظريات العلاقات الدولية أو داخل حقل الدراسات الأمنية، وعلى الرغم من هذا فإنه من الضروري التنبيه إلى أن الدراسات المقدمة حول الأمن ستُظهر حتماً الاختلافات بين التعاريف المقدمة بشأنه، ومنه فإن التحليل المنطقي الذي يقوم على أساس فحص وتتبع وتوضيح دلالات المفاهيم ومدى تجردها ونقاوتها الدلالية باستخدام أدوات معينة ومعايير محددة بذاتها يفترض أن يقدم مفهوماً يطمح إلى أن يكون صائباً ومطلقاً وتعميمياً وأيضاً دالاً على الظاهرة المراد تسميتها[3].

في هذا الصدد يحاجج الأستاذ “دافيد بالدوين،  David Baldwin” -على أن الأمن مفهوم لا يمكنه أن يكون مطلقاً –  أن فهم الأمن فهماً دقيقاً، وتقديم تعريف محدد له هو في الحقيقة غير متاح إلا من خلال الفصل بين مضامينه النظرية والسلوكات الناتجة عن الممارسة التطبيقية له، وكذا عدم بتره عن المفاهيم الأخرى خاصة منها التي تنتمي لنفس الحقل المعرفي[4].

في طرح مغاير ويكاد يكون مناقضاً يرى الأستاذ “ميكائيل ديلان،Michael Dillon ”  أنه من الضروري البحث أولاً في إيتمولوجية وجينالوجية مصطلح الأمن من خلال الخطاب الأمني وتوظيف مصطلحاته المستعملة ووضعها في سياقها الذي وضعت فيه وعدم إخراجها عما وظفت من أجله، ومن ثمة تحديد معانيها الحقيقية والمقصودة، ثانياً البحث في توظيف مصطلح الأمن واستعماله في الخطابات المفاهيمية، وهنا يتفق “ديلان” مع “بالدوين ” في كون مفهوم الأمن مفهوما ذو معنى مزدوج قد يوظف في سياق ما غير أن دلالته قد تفهم خارج هذا السياق[5].

إن المتابع لتطور المفهوم في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية خاصة يؤكد على أنه متعدد التعاريف التي سيقت بالتزامن مع تطوره غير أنها – التعاريف- لم تخرج عن سياق الفلسفة الناظمة لهراركية تطور المفهوم في حد ذاته (قيمة معيارية- سلعة مادية)؛ إذ أن هذه التوليفة حملت معها معان نقية للأمن أو معان قيمية معيارية معلومة وملموسة، حيث يعرفه الأستاذ “أرنولد وولفرز” Arnold wolfrs” مثلا على أنه “موضوعياً يرتبط بغياب التهديدات ضد القيم المركزية، وأما ذاتياً فهو غياب الخوف من أن تكون تلك القيم محل هجوم” وبالتالي فالملاحظ من خلال هذا التعريف أنه ركز على نقطتين أساسيتين: الأولى/ متعلقة بالجوانب الموضوعية الكامنة في البيئة الخارجية للوحدة المركزية للأمن وهي التهديدات التي تتعرض لها أو يمكن أن تتعرض لها القيم المكتسبة ووحدتها المركزية، أما الثانية: فمتعلقة بالجوانب الذاتية وهي الخوف من الهجوم من أي جهة كانت وهي الكامنة ذاتياً[6].

لكن على الرغم من المصداقية العلمية التي تتمتع بها هذا التعريف – حيث يعد أقدم تعريف لاقى إجماعاً بين الدارسين وتم تداوله على نطاق واسع خاصة في  الدراسات الأمنية، إلاّ أن العبارات المستخدمة فيه قد شابها بعض الغموض فاستعمال كلمة غياب بالمعنى المطلق  لها قد عرض التعريف لجملة من الانتقادات أثرت على تماسكه وأفقدته الرواج الأكاديمي الذي حظي به لفترة من الزمن؛ ذلك أن الغياب المطلق والتام للتهديدات أمر غير وارد من الناحية الموضوعية، وعليه كان من المجدي استعمال كلمة احتمال تلف القيم المكتسبة التي تؤول أيضاً لمعنى وجود تهديد ما دون أن تمس بمصداقية وقوة التعريف.

بالإضافة إلى ذلك، نجد أن التعريف المذكور لم يحدد أي من القيم أو المرجعيات التي تكون محل تهديد أو محل خوف رغم أنه تحدث عن وجود تهديدات إما موضوعياً أو ذاتياً، وعليه يوحي لنا هذا التعريف بضرورة البحث في الأسئلة التالية: ما هي القيم المركزية التي يتعين على الوحدة المرجعية حمايتها؛ هل هي بقاء الدولة أو الاستقلال الوطني أو الوحدة الترابية، أم الرفاه الاقتصادي أو الهوية الثقافية أو الحريات الأساسية ؟، وما هي الوحدة المرجعية للأمن؟ هل هي الدولة أو الأمة أو البشرية والمجتمع الدولي أو الأفراد؟ وفيما تتجسد التهديدات؟ هل هي عسكرية أم غير عسكرية التي يتعين على الوحدة المرجعية حماية نفسها منها التصدي لها ؟ ومتى نحكم على أن التهديدات موضوعية ومتى نحكم عليها  بالذاتية؟ كل هذه الأسئلة جعلت من التعريف السالف محل انتقاد بل محل مراجعة فكرية عميقة أسست لتكون أرضية جديدة لنهج جديد يتناول الأمن وحقل الدراسات الأمنية[7].

من هذا المنطلق فإن تعريف “ولفرز” كان عبارة عن صياغة لمعادلة ركزت على الحفاظ على القيم المكتسبة بغض النظر عن كنهها وموضوعها، ولم تركز على وجود أو عدم وجود تهديدات على الرغم من مفصلية هذه الجزئية في قوة أي تعريف، ثم أن التعريف ذاته لم يشر إلى الحدية الفلسفية للأمن، وهنا يتساءل الأستاذ “باري بوزان”” Barry buzenحول ما إذا كان الأمن مطلق أم نسبي؟، وحتى نكتشف ذلك ينبغي البحث عن الوحدة المرجعية للأمن، على الرغم من أن هذا التساؤل مقبول ولكن يبقى مبهم، “فالأمن لمن” هل للفرد أم لبعض الأفراد أم لمعظم الأفراد أم لجميع الأفراد؟ ، وإذا كان “الدولة” هل هو لدولة واحدة أم لبعض الدول أم لمعظم الدول أم لجميع الدول؟ وفي النظام الدولي، هل هو لبعض النظم الدولية أم لمعظم النظم الدولية أو لجميع النظم الدولية؟، وبالتالي فإن اختيار الإجابة على أي من هذه الأسئلة ستحدد بطبيعة الحال الوحدة المرجعية للأمن أولاً، ثم قيمها بغض النظر على نسبية المرجعية أو شموليتها لأن الهدف هنا بحث الوحدة المرجعية وقيمتها وليس البحث عن حدود من يشملهم الأمن[8].

ويشير “بوزان” في هذا الصدد إلى أن كلمة الأمن ترد في الحالة المطلقة عادة، لأن الكلمة واردة لوحدها دون تفسير أو تحديد، وبالتالي حتى يكون الأمن مقصود يحتاج إلى كلمة ملحقة تحدد المعنى والمرجعية المقصودة، وأن أي استعمال لهذا المفهوم خارج الحالة المطلقة له – دون الحاجة إلى أي توضيح بعدي- يسبب عدم “الارتياح المفاهيمي” للمعاني التي يؤول لها أو يحتملها، وبالتالي وجب التعامل مع المفهوم بالحالة المطلقة له، فإما أن تكون آمنا أو غير آمن وبين الأمن واللاأمن توجد حالة الانتقال وهي ما أطلق عليها الأستاذ بوزان “الطيف المتدرج” الذي يوحي بوجود درجات متفاوتة من الأمن تشكل مرحلة انتقالية بين الأمن واللاأمن في الاتجاهين نزولاً وصعوداً، رغم أنه لا يسلم بوجود منطقة وسطى بين الأمن واللاأمن[9].

وعلى الرغم من هذا الطرح فإن “بوزان” يقرّ بأن “الأمن المطلق” هو ضرب من الخيال ويكاد أن يكون غير موجود ومع هذا ينبغي التعامل مع المفهوم على أنه “المشكلة المنطقية” الناشئة عن غياب الحدية الفلسفية وطبيعة الاختلافات الموجودة بين وصف وتصوّر مفهوم الأمن على أنه مفهوماً مطلقاً، وبين اعتباره مفهوما نسبياً، وهي في الحقيقة أسئلة بلا إجابات موضوعية لأنها تبحث عن الإجابة على تساؤل “كم يكفي” و” كم نحتاج ” وهو تساؤل يوحي بوجود نوع من النزعة الذاتية في تصور ووضع الإجابة لمثل هذه الأسئلة، ولهذا من غير الممكن البحث عن إجابة موضوعية منطقية ثابتة لتساؤلات ذاتية معيارية[10].

المطلب الثاني: علاقة مفهوم الأمن بمفهوم السلام

قبل الحديث عن إسهامات المنظرين حول مفهوم الأمن نجد من الضروري الفصل بين مفهوم الأمن ومفهوم السلام باعتباره مفهوما ملحقا به.

يرتبط مفهوم السلام مع مفهوم الأمن في كثير من القراءات حتى إنه في كثير من الحالات يستعمل أحدهما مكان الأخر للدلالة على حالة ما، على اعتبار أنهما مرتبطان بمفهوم القوة، غير أن الاستعجال الموضوعي يشير إلى الاختلاف الواضح بينهما، فعلى سبيل المثال نسمع كثيرا عن ” حركات السلام ” ولا نسمع عن “حركات الأمن “، وفي المقابل نجد الحكومات عادة ما تستعمل لفظة ” المشاكل الأمنية ” ولا تستعمل لفظة ” مشاكل السلام”، وهو ما يعني وجود خلط مفاهيمي بين المصطلحين ناتج عن التداخل في المعاني بين المصطلحين، لكن ومع الحركة التوجيهية التي حدثت سنوات الثمانينيات في الحقول المعرفية منها الأمن أصبح الحديث عن “بحوث السلام والأمن ” كمجال مشترك في الدراسات الاستراتيجية  والأمنية، ما يعني في ذات الوقت أنه تم الفصل بين المصطلحين ليستقل كل مصطلح بمعناه الخاص به دون تشبيك لهما[11].

وإذ نحن نبحث في الارتباطات بين المفهومين كان يجب سحب المفهومين على المجالية التاريخية التي من شأنها أن تزودنا من خلال سياق مركزية المفهومين في التعبير عن الأحداث بالفروقات الواردة بينهما سواء كان ذلك من خلال المعنى أو من خلال السياق الحدثي.

وعليه يشير السياق التاريخي لمفهوم ” السلام ” إلى الاستقرار الذي يدل على غياب العنف من خلال ضبط النظام ووجود سلطة مركزية قائمة على أساس قبول الهيمنة والعدالة التوزيعية[12].

كما كانت الحرب هي القضية الأولى للسلام على مر العصور، وكلما كانت الحرب تراجع السلام وبالتالي ارتبط وفقا لهذا مفهوم ” السلام ” بمفهوم ” الأمن الخارجي ” على الأقل بسياق مفردات القرن الثامن عشر، وعلى الرغم من أن الحرب كانت قديمة قدم الإنسان، إلا أن مفهوم السلام بالمعنى الاصطلاحي له كان حديثاً ووجد مع العصر التنويري وأصبح يروج له كنقيض للحرب بينما يشير الأمن كمصطلح نقيض ” للخوف” وعليه فقد عرف “السلام من خلال المجتمع الهادئ – المجتمع الدولي أو المجتمع الداخلي- أو المجتمع الساكن وبالتالي يكون المعنى الجوهري للسلام وفقا لسكون المجتمع وحراكه[13].

بينما يعرف الأمن من خلال غياب الخوف من أن تكون الدولة محل تهديد خارجي بحسب سياق وخصوصية الحقبة أنداك، وهو ما سيتم التفصيل من خلال إسهامات منظري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية.

    *الخارطة المفاهيمية للأمن وفق إسهامات منظري العلاقات الدولية والدراسات الأمنية:

* الأمن وفقاً للأستاذ “ستيفن وولت، Stephan Walt

في مقاله “النهضة في الدراسات الأمنية” الذي حاول “ستيفن وولت” من خلاله مراجعة العديد من المنطلقات في الدراسات الأمنية؛ إذ يرى أن الأمن هو في الحقيقة كل ما يتعارض مع الحرب، “وهو التعريف الذي يقترب من تعريف الأستاذ “جوزيف ناي” Jozef Nye والأستاذ “لين جونس” “Lyn Jonce“- إذ يقول [….] أن الأمن يمكن أن يعرف عن طريق دراسة التهديدات واستخدام القوة العسكرية”، وهو ما يدل على أن الأمن يعرف من خلال القوة، وأن مفهوم الأخيرة متضمن في مفهوم الأمن، خاصة وأن مفردات ومجريات العلاقات الدولية حينها كانت تستند إلى مفاهيم القوة خاصة العسكرية منها.

غير أن هذه النظرة الضيقة والمختزلة لمفهوم الأمن حسب “وولت” دفعته إلى إعادة مراجعته بإدخال عناصر تعريفية جديدة وتدعيمه ليكون أكثر دقة وتحررا عن المصطلحات الأخرى المصاحبة مثل: مراقبة التسلح، والدبلوماسية، وإدارة الأزمات، التي تعتبر عنده عناصر تكميلية لمفهوم الأمن تزده قوة في الدلالة عن المعاني المقصودة منه،  ذلك أن القوة العسكرية ليست هي الضامن الوحيد للأمن ولا تعبر عنه، من منطلق وجود تهديدات لا يمكن التعامل معها بالقوة العسكرية كالمشاكل المتعلقة بالمناخ والصحة والهجرة غير الشرعية…إلخ[14].

إن توصيف الأمن بهذا المعنى المرتبط بالتهديدات في شقها العسكري فحسب يعيق النقاش الموضوعي حول المفهوم الموسع له، ذلك أن التهديدات التي تتهدد الوحدة المرجعية والتي تحدث عنها “وولت” هي في حدّ ذاتها تطرح إشكالية هل هي واقعة ذاتيا أم موضوعيا، وهل هي إيديولوجية أم غير ذلك، على الرغم من أن “وولت” سعى لتوسيع المفهوم واجتهد في ذلك عبر تجاوز النظرة التقليدية الستاتيكية له غير أنه لم ينجح في إخراجه تماماً من الثنائية الإستراتيجية الأمنية المتعلقة بالنظرة العسكرية المرتبطة بالدولة والقوة[15]. التي نصت عليها الواقعية، وهذا في الحقيقة ليس إخفاقاً بقدر ما هو التزام بما نصت عليه مجريات العلاقات الدولية حينها.

هنا ندلل على أن المفارقة الموجودة عند “وولت” تكمن في اعترافه بوجود العديد من المظاهر غير العسكرية مثل، الفقر والجريمة المنظمة والأسباب الهيكلية غير القابلة للرصد لبعض التهديدات التي يمكنها أن تسحب في شكل كرة الثلج، كل ما يمكنه أن يشكل تهديدا للأمن مثل التلوث والأزمات الاقتصادية والمجاعة من جهة، ومن جهة أخرى نجده ينتقد إدخال العناصر غير العسكرية مثل مشكلات البيئة والمناخ في أجندة توسيع مفهوم الأمن، وهذا كتبرير  لما من شأنه تدمير البناء الفكري المتماسك لحقل الدراسات الأمنية[16].

وعلى هذا الأساس حاول “وولت” استدراك تطورات البيئة الدولة أثناء حديثه في مقاله: “النهضة في الدراسات الأمنية” التي ضمنها توسيع مفهوم الأمن غير أنه احتفظ بالمفهوم العسكري التقليدي له الذي يعتمد القوة كمؤشر أساسي ومحوري لتوصيف الإشكالية الأمنية ومن ثمة مفهوم الأمن، وقد أنتج التناقض الوارد في تعريف “وولت” – التوسع مع الحفاظ على المفهوم العسكري المركزي له-  الصدام بين الرغبة في الحفاظ على القوة كمحدد أساسي في تفسير تفاعلات السياسة الدولية، والتطورات الموضوعية الجديدة المحددة لتفاعلات السياسة الدولية من خلال ظهور فاعلين غير نظاميين في هذه السياسة استطاعوا توجيه المسألة الأمنية نحو أبعاد غير عسكرية [17].

*مفهوم الأمن من خلال طرح الأستاذة “هيلقا هافتادورن” Helga Haftedorn: التوسيع في اطار مفهوم قديم

ترى الباحثة الألمانية “هيلقا” أنه من الضروري مراجعة المفهوم التقليدي  للأمن؛ إذ تقول “[…] مفهوم الهوبزيينن والكانطيين للأمن لم يعد كافياً لشرح برادايم الأمن، ولم يعد يقدم تفسيراً مرضياً لتغيرات العلاقات الأمنية التي أصبحنا نشهدها في الكثير من أجزاء العالم”[18] ، وهو ما دفعها للبحث عن مفهوم موسع للأمن في إطار براديم يكون أكثر ملاءمة وتفسيرات أكثر مصداقية للمستجدات الحاصلة والمواكبة لمسائل الأمن.

 وفي هذا السياق قامت “هيلقا” بالبحث عن مفهوم الأمن السائد (المفهوم الموسع له) محاولةً التأسيس لمفهوم متعد للتخصصات وللثقافات inter disciplinary and inter cultural  أو من خلال المزاوجة بين حقلي الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية[19]، وهو ما يعني عدم فصل المفهوم عن الجوانب النظرية له المتعلقة أساسا حول كيفية التشكل وتاريخ الحرب والسلم والقيم والثقافات ومفاهيم الأمن الإقليمية والدولية والجماعية والإرهاب والمشكلات الاقتصادية والبيئية والفساد وتجارة المخدرات وتأثير التطورات التكنولوجية، وسوء الاستغلال للمعلومات في الصراعات والنزاعات الدولية، وسياسات الدفاع الدولتية والإستراتيجيات النووية، وهي كلها أبعاد ترى الأستاذة “هيلقا” أنها ضرورية في صياغة مفهوم صحي غير أعرج للأمن، ذلك أن إهمال أي من هذه الأبعاد يعد إخلالاً بمفهوم الأمن ولا يرقى لان يكون مفهوماً دالاً عن المعنى المقصود والمراد الإشارة له[20].

وتلخيصا لما جاء سابقا على ضوء مراجعة الأستاذة “هيلقا” لمفهوم الأمن، نرى بأن هذا الأخير لم ينسلخ من مفهومه التقليدي ذي البعد العسكري القائم على الثنائية الأمنية /الاستراتيجية، وأبقاها في مضمار التصور العقلاني للأمن وبهذا تتفق مع “وولت” حينما رأت أن توسعة مفهوم الأمن ستخل بإبستمولوجية البرادايم الواقعي العقلاني ويجعله أكثر صعوبة خاصة وأنه أي هذا التصور قد بدأ في الترنح عن الطرح الواقعي عبر إدخال عناصر بعيدة عما تأسس عليها أول مرة[21].

*مراجعة مفهوم الأمن من خلال طرح الأستاذ “إدوارد كولودزيجEdward Kolodziej.

ينطلق الأستاذ “إدوارد” في تعريفه للأمن من خلال توسعته للمفهوم ليتجاوز بكثير ما ذهبت إليه الأستاذة “هيلقا” وذلك انطلاقاً من اعتبارين، الأول منهما: يتعلق بتوسعة المفهوم ليشمل الجوانب الاستراتيجية والجوانب التسلحية للفاعلين غير الدولتيين مثل حركات التحرر ومختلف الجماعات التي تمتهن العمل المسلح كجماعات الجريمة المنظمة، أما الثاني: فيطمح إلى توسعة المفهوم ليشمل التهديدات المتصلة بالجوانب المعيشية للفرد مثل غياب التنمية الاقتصادية والتنمية التقنية والعلمية، وعلى هذا الأساس يرى “كولودزيج” أن الدولة لم تعد مهدّدة من مثيلاتها من الدول بل من الفاعلين والتهديدات الناشئة والكامنة داخل الدولة نفسها كالحركات الانفصالية وصولاً إلى الإخفاق الاقتصادي الذي قد يصيب الدولة فيجعلها فاشلة وغير قادرة على ضبط الأجندة الأمنية داخلياً وخارجياً[22].

إنه من الضروري التأكيد على أنّ الأستاذ “كولودزيج” قد ربط بين أمن الدولة داخلياً  المرتبط بالرفاه الاقتصادي الذي يجب أن يتمتع به الفرد، الذي كلما كان عالياً كلما كان الأمن مضموناً والأمر نفسه على المستوى الدولي بالنسبة للاقتصاد العالمي في ظل تزايد الاعتماد المتبادل بحيث كلما زاد رفاه الدولة الاقتصادي كلما قلت حاجتها لافتعال الحروب وما شابه، كما اعتبر التعقيدات والمتغيرات النفسية والاجتماعية لا تقل أهمية عن المقدرة العسكرية في إحداث الضرر بالأمن سواء كان ذلك داخلياً أو خارجياً[23]. وهذا يقودنا إلى الجوانب النفسية لدى صناع القرار والساسة، فالحالة النفسية السيكولوجية تلعب دوراً حاسماً في السياسة الدولية، إذ أن الحواضر التاريخية في هذا الشأن حاضرة بقوة في المخيال الدولي وما مر به من حروب التي هددت الأمن والاستقرار الدوليين.

وعلى الرغم من أن الأستاذ “كولودزيج” قد حاول الربط بين المسائل الداخلية للدولة والمعضلة الأمنية فيها، إلاّ أنه من غير الممكن التسليم بتعميم الفكرة، ذلك أن البعض من المسائل الخارجة عن حدود الدولة  أدّت في كثير من الحالات إلى الإخلال بالأمن مثل النزاعات بين الدول لما لها من تقويض وتعطيل الحصول عما يضمن توفير الحاجات الأساسية للدولة ومواطنيها على حد سواء، وعليه وجب التخلص من مركزية الدولة في تشخيص المسألة الأمنية[24].

* مركزية الدولة والأمن الموسع عند  “باري بوزان” Barry Buzan

إن المتتبع لمسار إسهامات “باري بوزان” في مراجعة وتطوير مفهوم الأمن، يلاحظ بأنه قد نحا منحا أكثر عمقاً من سابقيه، وفي نفس الوقت حافظ على الاهتمامات والافتراضات الإبستمولوجية للواقعية، وقد تجلى ذلك واضحاً في كتابه “الدول، الأفراد والخوف” People, States and Fear ” في سنة 1983، وفي مقاله المنشور سنة 1997 في كتاب “Security: A new framework Analysis “، كما كان أول من طرح فكرة القطاعية في إعادة تعريف الأمن، نافياً بذلك فكرته السابقة حول ضرورة تناول الدراسات الأمنية في إطار المقاربة العسكرية فقط حيث قال في هذا الإطار: “من الضروري توسيع مفهوم الأمن ليتجاوز المسائل العسكرية، لأن الدولة ليست الموضوع المرجعي الوحيد للأمن،  كما أنها ليست مصدر التهديد الوحيد لباقي الوحدات المرجعية وقيمها الأخرى”[25].

إن الأمن في نظر “بوزان” يحدد على أساس الكشف عن المسائل المبيّنة للتهديدات الكامنة أو المحتملة التي تحتاج إلى أن تقاس بمعيارية منطقية بعيدة عن التقديرات الذاتية في توصيفها، وعليه فإن الأمن من هذا المنطق ينبغي أن يحدد على أساس موضوعي وبالتالي يتم التعامل معه وفقاً لهذه الموضوعية، وليس وفقاً لتقديرات قد تصيب أوقد تخطئ، هنا بإمكاننا فتح قوس متعلق بما يقوم به صناع القرار والساسة في تقدير المسألة الأمنية والتهديدات أساساً؛ ذلك أنهم يقدرون التهديد وفقاً لميولات ذاتية بعيداً عن الواقع فيما أطلق عليه “الأمننة ” التي سيأتي الحديث عنها لاحقاً[26].

يرى  “بوزان” أنه يمكن  تقديم تعريف مقبول وموثوق للأمن يكون أكثر دلالية وأكاديمية، إذا تم مراعاة شروط ثلاثة وهي:

-السياق السياسي، Political Context– القطاعات، The Sectors-المسألة الخلافية حوله في العلاقات الدولية.[27]

في السياق  السياسي يعتبر “بوزان” ” الأمن” كـ “السعي للتحرر من التهديد”، ويعتبر هذا التعريف الذي أورده عاماً وليس خاصاً ولا نسبياً، ليشمل ضمنياً المسائل الاقتصادية والتنموية[28]. فالأمن لدى “بوزان” هو أيضاً: “قدرة الدول والمجتمعات على المحافظة على استقلالها وهويتها وسلامتها الوظيفية”. تعريف بوزان للأمن بإلحاق المجتمعات بالدول يقيد مفهوم الأمن بالجماعة البشرية في مقابل الأمن الشخصي، مما يعني أن الوحدة المرجعية والقياسية للأمن هي الدولة وسيادتها الإقليمية كجماعة بشرية موحدة، وبهذا التقدير يصر “بوزان” على تصور أن الدولة القومية وحدة مرجعية أساسية للأمن وتكون هي الهدف وفي ذات الوقت الضامن الأساسي له[29]، وعليه فالأمن  عنده هو حزمة واحدة متمركزة في الدولة وليس مجزأ ومشتت بين وحدات مرجعية مختلفة، وهي النقطة المفصلية التي على أساسها أورد المفهوم مطلقاً وليس نسبياً طالما أن الدائرة الموسعة للأمن هي الجماعة البشرية بغض النظر عن الحيز أو التمايزات الفاصلة بين المجموعات المنضوية داخل الدائرة الكبرى الموسعة للأمن[30].

بينما في مقاله “أنماط جديدة للأمن العالمي في القرن الحادي والعشرون” تحدث “بوزان” عن الأبعاد السياسية والعسكرية والاقتصادية والمجتمعية والبيئية التي رأى أنها تشكل شبكة متسلسلة للخريطة المفاهيمية للأمن، لما لها من قدرة التأثير على بعضها البعض، هذه المنهجية مكّنت من بلورة مفهوم أكثر شمولاً للأمن، كما مكّنت من اكتساب أفضل كيفية للتعامل مع ما يسميه بوزان “مشكلة الأمن القومي”[31]، الذي يمكن أن يُفهم من خلال ربطه مع الأمن الفردي الذي يرتكز بالأساس على “الحياة الصحية وحالة الحرية والثروة” المتكاملة فيما بينها غير أنه لا يمكن سحب مفهوم الأمن الفردي على مستوى الأمن القومي ونتوقع أن نحصل على المفهوم ذاته، وبالتالي لا يتأتى أمن الدولة إلاّ من خلال فهم أمن كيانات أكبر وأكثر تعقيداً بعد فحص الروابط بينه وبين الأمن الفردي الذي يعد مصدراً متميزاً لتبصر إشكالية الأمن القومي وكل هذا داخل الدائرة الموسع للمفهوم[32].

 ويقدم الأستاذ بوزان خمسة أبعاد أو قطاعات أساسية للأمن تعمل في حركية متناسقة مع بعضها استقاها من مصادر التهديدات في حد ذاتها؛ فعلى مستوى القطاع العسكري يحاجج “بوزان” بأن التهديدات تكون أكثر حدّة لأنها تشكل التهديد الأكبر للدولة وتؤثر في مكوناتها، وهو ما يطرح التساؤل حول مدى قدرة الدولة على توفير الأمن لمواطنيها عبر التفاعل على مستويين إثنين، القدرات الهجومية والدفاعية المسلحة للدولة، وتصورات الدول لنوايا بعضهم البعض المتعلقة بالمسائل الأمنية[33] ،أما عن القطاع السياسي فالتهديدات تكون أكثر تعقيداً إذا ما قورنت بالتهديدات العسكرية؛ حيث يكمن مصدر التهديد فيها من منطلق المنافسة بين الإيديولوجيات الموجودة إما داخل الدولة أو بين الوحدات الدولية وباقي الفواعل الأخرى، غير أنه من الضروري التمييز بين التهديدات السياسية من الشاكلة السابقة وتلك التي تنشأ هيكلياً من تأثير الفواعل الخارجية على شرعية الدولة وسيادتها كما في حالة الدول القائمة على الأساس الأيديولوجي غير المعترف به دولياً[34].

 أما عن مستوى القطاع المجتمعي للأمن، حيث الوحدات المرجعية للأمن هي المجتمع والهوية والأقليات (القبائل والعشيرة والأمة والحضارة والأديان والعرق)، فإن التهديدات لا تستهدف هذه الوحدات  في تواجدها المادي أو استقلالها الاقتصادي والسياسي وإنما في تواجدها الهوياتي، وبالتالي مسألة التهديد تبنى على أساس التمييز بين “نحن” كجماعة و”الآخر” كجماعة مختلفة[35]،وبالتالي الخوف هنا يكون من المنافسة الأفقية حيث التأثير الثقافي واللغوي الذي تسببه الثقافة المجاورة وتفوقها على ثقافة السكان الأصليين، إضافة إلى الخوف من المنافسة العمودية التي تمارسها الهوية الناتجة عن مشاريع التكامل والاندماج كما هو حاصل في الإتحاد الأوروبي، غير أن “بوزان” يرى أنّ الهوية لن تكون محل تهديد أو منافسة –عمودية أو أفقية- إذا كانت قادرة على تصميم وبناء وصيانة هويتها بتبنيها لمقاربة “منفتحة”، Open-minded” أو “مغلقة” ،Close-minded” التفكير[36].

في القطاع البيئي يرى الأستاذ “بوزان” في هذا الصدد أن التفكير في التهديدات الإيكولوجية يكون بالتفكير فيما أحدثه الإنسان فوق هذا الكوكب والذي أثر سلباً على الكوكب ومن يعيشون فوقه مثل الاحتباس الحراري والتلوث وثقب طبقة الأوزون، حيث يمكننا أن نرى بوضوح الانعكاسات الخطيرة والأضرار المحدقة بالبيئة جراء ذلك الأمر الذي سيحتم على الأسرة الدولية لتضطلع بالمبادرات الممكنة لمعالجتها والتي سوف يكون لدور الأمن الاقتصادي والأمن السياسي أهمية قصوى فيه لإيجاد الحلول على اعتبار أنها تمس على نطاق واسع جميع مكونات المجموعة الدولية[37] ،والوحدة المرجعية في الأمن الإيكولوجي بحسب “بوزان” لا تتجلى بوضوح كما هي في القطاعات السابقة وإنما هي مركبة من وحدتين أولهما البيئة في حد ذاتها (الكوكب والمحيط الحيوي له)، أما الثانية فهي كل الذين يشكلون جزء من العلاقة البيئية ويكونون في تماس مباشر مع ما يمس هذه البيئة من تهديد أو خطر[38].

بينما البعد الاقتصادي للأمن، يقدر “بوزان” أن له وحدات مرجعية أكثر تعدّداً على خلاف باقي القطاعات السابقة الذكر، تبدأ من الفرد وطبقات المجتمع والدول وتنتهي إلى النظام المركب والشامل للأسواق بكل قواعده ومعاييره ومبادئه، وأما تهديداته فهي كل ما ينتج الموت أو تلك التي “تمنع الحصول على الحاجات الأساسية لبقاء الإنسان حياً مثل المياه والغذاء والملبس والمأوى….إلخ، حيث يعتبر الفرد في الدرجة الأولى من مرجعيات الأمن الاقتصادي فقضايا المعيشة والبطالة أو تراجع القدرة على الحصول على الموارد الحيوية كلها تهدد الفرد أكثر مما تهدد الدولة في كيانها والمجتمع في هويته[39]، إذ يمكننا الاستدلال على وجودها من خلال آثار عولمة الإنتاج والأسواق التي أدت بدورها إلى إحداث عواقب اقتصادية وسياسية وعسكرية أدت إلى تعريض الحاجيات الحيوية للأفراد للخطر أكثر فأكثر، إلا أنها غير واضحة تماماً كباقي التهديدات الأخرى على اعتبار أنها متداخلة ومتشابكة، ومع هذا يقر بأن أكبر تهديد هي العولمة في حد ذاتها لما توفره من آثار جانبية تمس الأفراد والدول والجماعات والنظم الدولية[40].

الأمن الإنساني: الإنسان أولاً، Human security

أدت نهاية الحرب الباردة وتغير طبيعة النظام الدولي وفواعله إلى إعادة التفكير في مفهوم الأمن وتجاوز المسلمات التي طبعته خلال الحرب الباردة وضرورة أن يتحول الاهتمام الدولي مستقبلاً إلى التركيز على الأمن الإنساني بدلاً من الأمن النووي، خاصة وأنه – الأمن الإنساني – المصدر الأول للقلق الدولي لصلته المباشرة بالفرد البشري، خاصة وأن التهديدات هي مشتركة بين الجميع وأنه سهل التحقيق وذو مجالات واضحة هي الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والبيئي والشخصي والمجتمعي والأمن السياسي، أما عن تهديداته فهي متنوعة ومتعددة هي النمو السكاني المفرط والتفاوت في الفرص الاقتصادية وضغوطات الهجرة والتدهور البيئي والاتجار بالمخدرات والبشر   والإرهاب الدولي[41].

وقد عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على المفهوم في تقريره لسنة 1997 بإدخاله عناصر جديدة له مثل الدخل المحدود والفقر ومتوسط العمر المتوقع وزيادة حجم الأمية بين البشر[42].

تجدر الإشارة أن أول استخدام لهذا المفهوم كان في كل من كندا واليابان؛ وهنا برز لدينا تعرفين جديدين حيث ركز الطرح الكندي على بناء إجراءات تكون قادرة على حماية الفرد البشري في حالات الحروب والصراعات كإنشاء محاكم دولية لمحاسبة المتسببين في جرائم الحرب والتأسيس لما عرف فيما بعد بالعدالة الانتقالية، وفرض حظر على الألغام الأرضية المضادة للأشخاص، أما الطرح الياباني فقد ركز على ضرورة تجاوز التفكير القائل بأن الأمن الإنساني هو التحول من أمن الدولة إلى أمن الفرد ما يعني ضرورة تلبية الحاجيات اليومية الأساسية للفرد حتى يتحقق الأمن الإنساني ولا يكون ذلك في نفس الوقت مدعاة إلى تجاوز أمن الدولة[43].

 تأسيساً على ما سبق نجد أمامنا ثلاثة مفاهيم أساسية للأمن الإنساني؛ الأول يركز على الاحتياجات الضرورية للإنسان في مسار التنمية المستدامة، بينما يؤكد المفهوم  الثاني على الإجراءات التي من شأنها تحييد الفرد البشري أثناء الحروب والصراعات، في حين نجد المفهوم الثالث يركز على  الحقوق بالمعنى المطلق سواء كان ذلك أثناء الحرب أو أثناء السلم[44].

من الناحية النظرية، كانت “الواقعية الأكثر أهمية” في تفسير المعضلة الأمنية، حيث أنتجت مفهوماً أكثر ارتباطا بالدولة كوحدة مرجعية أساسية، على الرغم من أن أفرادها لا يشعرون بالأمن، حيث تكون الدولة آمنة  بناء على معطيات ومتطلبات الحقبة الزمنية في ذلك الوقت- بينما يكون أفرادها أقل أمناً. هذا الوضع دفع  إلى إعادة مراجعة هذا المفهوم مع تطور مجريات السياسة الدولية، خاصة مع تصاعد فكرة التعاون في العلاقات الدولية، والحروب والنزاعات الدولية، وظهور تهديدات جديدة الأمر الذي قاد إلى إنتاج مفاهيم جديدة مثل التحول من مفهوم أمن الدولة إلى مفهوم الأمن الإنساني.

المطلب الثالث: الأمننة كمفهوم أكثر اتساعا للأمن وقضاياه: شخصنة المعضلة الأمنية

يجمع العديد من متتبعي الدراسات الأمنية على أن مدرسة كوبنهاجن لبحوث السلام والأمن كانت أول من تحدث عن “الأمننة” كمفهوم ومصطلح جديد في الدراسات الأمنية، مع كتابات الأستاذ “أوول وايفر” “Ole Waeverحول الأمننة واللاأمننة Securitazion and desecuritization التي حث فيها على توسيع مجال الدراسات الأمنية، وتناول مفهوم الأمن بناء على المخاطر التي تتحول إلى مشكلات أمنية في أذهان صناع السياسات، وهي العملية التي أطلق عليها الأستاذ “وايفر” “الأمننة” “Securitization لتكون بذلك الأرضية المفاهيمية لدورة جديدة المنظور في الدراسات الأمنية تقوم على فهم دقيق لطبيعة التهديدات والوحدات المرجعية والأسباب الكامنة وراء عملية الأمننة وظروفها[45].

إنّ مفهوم الأمننة كما أتى به “وايفر” يكمن في “تحول قضية ما إلى مشكلة أمنية عندما تعلن النخب ذلك” حيث تلاقى هذه المشكلة قبولاً واسعاً من قبل الشعوب، وذلك عبر عملية خطابية ترويجية بالأساس تكون الوحدة المرجعية فيها “ذاتية” أو “المرجعية الذاتيةself-seferential نابعة من تصور شخصي تقديري لقضية معينة.

وفي هذا الصدد يطرح الأستاذ “بوزان” سببين للتحول نحو هذا النهج الجديد في تحديد المسألة الأمنية، أولهما: متعلق بالعولمة وإفرازاتها الإقليمية والدولية، أما الثاني: فيكمن في الاعتماد على الإيديولوجية العالمية بعد نهاية الحرب الباردة، التي كانت قادرة على إعادة هيكلة المنظومات الأمنية داخل الدولة -المجتمع- أو بين الدول، ويتساءل “بوزان” هنا حول ما إذا كانت الأمننة ستتحول إلى جزء من العمل اليومي للدول خاصة مع غياب التهديد المباشر النظامي[46]،وهو ما طرح ضرورة البحث عن مفهوم جديد يتناسب أكثر مع المستجدات ويعطي مصداقية أكثر عقلانية لما يتم تداوله وإعلانه من تهديدات خاصة وأن المسألة بهذا الطرح ستتحول من دراسة أكاديمية علمية إلى عملية عشوائية غير مدروسة ما تؤثر على تماسك حقل الدراسات الأمنية[47].

الخاتمة:

من الضروري التنبيه بعد هذه المحاورة النظرية أن الأمر لم يكن متعلقاً بالحاجة إلى ابتكار التهديدات أو إلغاء المفاهيم بقدر ما كان مرتبطاً بالحاجة إلى “تطوير المفاهيم” الموجودة وإضفاء صيغة جديدة عليها للتعبير عن قضية جديدة قصد تحقيق فهم أعمق وأفضل وأدق وأكثر معيارية لعالم ما بعد الحداثة، وهو ما حدث لمفهوم الأمن إذ تحول من مفهوم “أمن الدولة” إلى مفهوم “الأمن الإنساني” إلى الأمننة عبر خطاب سياسي نخبوي.

تأسيساً على ما سبق، يمكن القول بأن النقاشات التقليدية وغير التقليدية لمفهوم الأمن -بتجاوز الاصطفاف الذي كان بين المنظرين- شكلت أسساً منطقية ومعرفية ومنهجية وأنطولوجية ومعيارية وإبستمولوجية في بناء حقل الدراسات الأمنية، وبالتالي أصبح المفهوم بالمعنى التقليدي له غير كاف لبناء الحقل، كما أن أخذ المفهوم بالمعنى الموسع له لا يعدّ إيجابياً بالمطلق في تفسير المعضلة الأمنية في السياسة العالمية، وعليه فالمفهومان لم يكونا إقصائيين لبعضهما البعض بل جاء المفهوم الأول ليكمل المفهوم الثاني، وأن الثاني حافظ على نواة الأول، ولم يكونا نقيضا بعضهما بل كانا وثيقي الصلة بمفردات وفواعل العلاقات الدولية (الدولة والفرد الإنساني والنظام الدولي) والتي تعتبر مواضيع العلاقات الدولية الدسمة النقاش في هذا الحقل من جهة والمستويات المشتركة في الدراسات الأمنية من جهة أخرى.


[1]-Felix Ciuta,” Contexts of security “,or security from concept to context to policy: ‘securitization theory to the max’, Paper prepared for The 5th Pan-European International Relations Conference, Constructing World Orders; Section New Security and the role of Europe; Panel ‘New Approaches to Security’, The Hague, 9 September 2004,    P01.

[2]– Ibid, P02.

[3]-Ibid,P02.

[4]-Helen Forbes-Mewett, “The concept of security and its relevance to the international education market sur le site web:

https://urlz.fr/q1vd

[5]-Ayse Ceyhan,”Analyser la sécurité : Dillon, Waever, Williams et les autres” , revue, Cultures & Conflits 31-32 (printemps-été 1998), P07.

[6]-David A. Baldwin, «The Concept of Security», in Review of International Studies, vol 23, no. 1, 1997, P14.

[7]– عبد النور بن عنتر، ” تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية “، السياسة الدولية، العدد، 160، ص56

[8]– David Baldwin, op cit, P13.

[9]– Ibid,P15.

[10]– Ibid,P16.

[11]-Ole Waver, Peace and security Two concepts and their relationship in ” Contemporary Security Analysis and Copenhagen Peace Research”, Edited by Stefano Guzzini and Dietrich Jung, published in the Taylor & Francis e-Library, 2004.P 54.

[12]– Ibid, P 56.

[13]– Ibid, P 57.

[14]– Stephen M. Walt, ” The Renaissance of Security Studies “, op. cit., P. 213.

[15]– Ibid,P213.

[16]– Alam Saleh, ” Broadening the Concept of Security: Identity and Societal Security” , Geopolitics Quarterly, Volume: 6, No 4, Winter 2010, PP 228-241,P235.

[17] – Ken Booth,” Theory of World Security”,  Cambridge University Press, First published  2007,P161.

[18]– Helga Haftendorn, ” The Security Puzzle: Theory-Building and Discipline-Building in International Security”, International Studies Quartely, vol. 35, 1991, PP. 3-17.

[19]– Ibid, P,15.

[20]– Ibid, P17.

[21]– Alam Saleh, op cit,P235.

[22]-Edward A. Kolodziej, ” Renaissance in Security Studies? Caveat Lector! “, International Studies Quarterly, vol.36, 1992, P. 421-438.

[23]– Ibid, P.433.

[24]– Edward A. Kolodziej, op cit, p,423.

[25]– Barry Buzan, “People, States and Fear”, London, Harvester Wheatsheaf, first published 1983,P36.

[26] -Barry Buzan, Ole Waever, Jaap de Wilde, “Security A New Framework For Analysis”, London, Lynne Rienner Publishers, 1998,P36.

[27]-Barry Buzan, Ole Waever, Jaap de Wilde, “Security A New Framework For Analysis” ,PP21-22.

[28]-Josefina Echavarría Alvarez,” Re-thinking (in)security discourses from a critical perspective”cite web:http://echavarria.wissweb.at/fileadmin/echavarria/Rethinking_insecurity_Asteriskos_01.  pdf,P03 .  .

[29]– Ibid,P04.

[30]-Marianne Stone,” Security According to Buzan: A Comprehensive Security Analysis”, Groupe d’Etudes et d’Expertise,“Sécurité et Technologies” GEEST-2009,  security discussion paper series, spring09, P02

[31]– Ibid,P04.

[32]– Ibid, P03.

[33]-Barry Buzan, “New Patterns of Global Security in the Twenty-First Century”, International Affairs (Royal Institute of International Affairs 1944-), Vol. 67, No. 3(Jul., 1991), pp. 431-451,P433.

[34]– Ibid,P433.

[35]– Barry Buzan, Ole Waever, Jaap de Wilde, “Security A New Framework For Analysis” ,op cit,P120.

[36]-Barry Buzan, ” Rethinking Security after the Cold War”Cooperation and Conflict 1997, 32,5,P17.

[37]) Marianne Stone, op cit, P06.

[38]– ibid,P06.

[39]– Barry Buzan, Ole Waever, Jaap de Wilde, “Security A New Framework For Analysis” ,op cit,P100.

[40]– Marianne Stone, op cit,P05.

[41]-Steve Smith and Amitav Acharya,”  The Concept of Security Before and After September 11″,  Institute of Defence and Strategic Studies Singapore, May 2002,P08.

[42] – Ibid,P09.

[43]– Ibid,P09.

[44]– Ibid,P10.

[45]– Ibid,p02.

[46]– Marianne Stone, op cit, p09.

[47]-David A. Baldwin, Security Studies and the End of the Cold War, World Politics 48.1 (1996) 117-141.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)

admin 2

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى