أوراق و دراساتسياسية

الانقسامات السياسية وتوجهات السياسة الخارجية الليبية: (2011-2023)

الدكتور جمال عبد الرحمن يسن رستم

باحث وأكاديمي، متخصص في الدراسات الاستراتيجية، السودان.

الملخص:

ملخص البحث تسعى هذه الورقة إلى كشف طبيعة وأسباب الانقسامات الليبية الداخلية التي حدثت بعد ثورة 2011، ومعرفة الفاعلين الرئيسيين لعملية الانقسامات داخلياً وخارجياً، ودورها في خلق حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني، ومن ثمَّ تقصى انعكاساتها على سياسة ليبيا الخارجية. وتأتي أهمية الموضوع من أهمية الدولة الليبية الإستراتيجية وخطورة أزمة الانقسامات التي خلقت محاور سياسة خارجية متباينة حالت دون التوصل لتسوية سياسة لحكم ليبيا. يكمن جوهر المشكلة في أن الانقسامات السياسية في ليبيا عقب ثورة 17 فبراير 2011 أدت إلى تغيرات هيكلية في طبيعة النظام السياسي الاختلاف والانقسام حول حكم ليبيا أدى بدوره إلى اختلاف الرؤى في السياسة الخارجية الليبية، لعدم وجود نظام سياسي موحد وحكومة موحدة. تمَّ استخدم مناهج متداخلة حسب طبيعة الموضوع وهي المنهج الوصفي التحليلي والتاريخي والاستقرائي. جرى تناول الموضوع من خلال عدة محاور، شملت خلفية تاريخية عن طبيعة صيرورة الأوضاع السياسية في ليبيا. كذلك عملية الانقسامات السياسية الليبية أسبابها وفواعلها وتشكلاتها. ثمَّ تداعيات الانقسامات على سياسة ليبيا الخارجية. واخيراً مستقبل السياسة الخارجية الليبية في ضوء حالة الانقسام السياسي الداخلي . توصلت الدراسة إلى عدد من النتائج أهمها أن الانقسامات الليبية السياسية والمناطقية أدت إلى تعدد الفاعلين السياسيين، ووجود أكثر من حكومة خلقت معها اختلافات في توجهات وأهداف سياستها الخارجية. الكلمات المفتاحية، الانقسامات السياسية في ليبيا، السياسية الخارجية الليبية.

مقدمة:

التحولات السياسية في ليبيا عقب ثورة 17 فبراير وزوال نظام القذافي الذي حكم ليبيا لأكثر من أربعين عاماً انعكس على السياسة الخارجية الليبية وتوجهاتها التي كان من المفترض أن تعطيها ليبيا القدرة على الاستقرار والثبات والمحافظة على شخصيتها وهويتها وتمكنها من المحافظة على حماية مصالحها وأمنها الوطني.

المعلوم أن الدول لا تقوم بتغيير سياستها الخارجية حتى عند تغيير الحكومات الذي تشهده معظم دول العالم والذي يكاد أن يتم بصورة روتينية ومعلومة وإنما تتغير الأساليب والأدوات وطرق التعاطي مع القضايا والموضوعات ذات الصلة بالسياسة الخارجية التي ترتكز على قوة الدولة الشاملة التي تمكنها من العمل والتأثير، وهذا الأمر يمكن ملاحظته في حالة الانقسام التي تمر بها الدولة الليبية والتي تدخل عامها الثالث عشر. جادلت الدراسة حول مشكلة أساسية مفادها أن الانقسامات السياسية في ليبيا عقب ثورة 17 فبراير 2011م أدت إلى تعدد وتباين الرؤى في السياسة الخارجية الليبية، ويرجع ذلك لعدم وجود نظام سياسي موحد وحكومة موحدة.

قامت الدراسة حول فرضيتين أساسيتين مفادهما أن:

أولاً: حالة الانقسام وعدم الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا بعد ثورة 17 فبراير انعكس سلباً على سياسة ليبيا الخارجية وأضعفت من الدور الليبي في محيطه.

ثانياً: هناك فرق ما بين سياسة ليبيا الخارجية في عهد القذافي والعهد الذي يلي الإطاحة بنظامه خاصة في اعتمادها على البعد الإقليمي والدولي أكثر من ذي قبل.

منهج البحث:

استخدم الباحث المنهج الوصفي التاريخي التحليلي، وذلك لتقديم صورة واضحة لكل جانب من جوانب الموضوع محل البحث.

برغم أن الموضوع ذو صلة بالعلوم السياسية وبخاصة العلاقات الدولية السياسية الخارجية إلا أنه يتداخل مع علوم وتخصصات أخرى كالجغرافيا والتاريخ والتخصصات العسكرية والاستراتيجية، كما أنه يأتي في حقل الدراسات التنبؤية، عليه تم استخدام كل من المنهج الوصفي التحليلي والتاريخي والمنهج الاستقرائي، وقد تم استخدام أدوات أساسية لجمع المعلومات أهمها الملاحظة بنوعيها المباشرة وغير المباشرة.

تم تقسيم الدراسة لعدد من المحاور لتغطية جوانب الموضوع، فكان المبحث الأول خلفية تاريخية عن طبيعة الأوضاع السياسية الليبية، والمبحث الثاني الانقسامات السياسية الليبية الأسباب والتشكلات، والمبحث الثالث تداعيات الانقسام على سياسة ليبيا الخارجية، والمبحث الرابع تناول مستقبل السياسة الخارجية الليبية في ضوء حالة الانقسام.

المبحث الأول: خلفية تاريخية عن طبيعة الأوضاع السياسية الليبية

مرت السياسة الخارجية الليبية منذ الاستقلال عام 1951 بعدة مراحل رئيسية مفصلية أولها مرحلة الحكم الملكي (1951 – 1969)، ثم مرحلة الحكم العسكري الشمولي (1969 – 2011)، والمرحلة الثالثة والأخيرة وهي مرحلة لم تتبلور بعد برغم مضي أكثر اثني عشر عاماً ألا وهي مرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي في 17 فبراير 2011، ولقد كانت السياسة الخارجية خلال الستين عاماً ما قبل الثورة نتاجاً لعوامل بيئية مختلفة بعضها داخلي وأخرى خارجي، وكانت السياسة الخارجية الليبية خلال فترة الحكم الملكي تقوم على حسن الجوار والاحترام المتبادل، لذا لم تسجل أي حالات اشتباك دبلوماسي أو عسكري مع هذه الدول طيلة الفترة المشار إليها[1].

تميزت السياسة الخارجية الليبية خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي بتركيزها على القارة الأفريقية خاصة بعد الحصار والحظر الجوي الذي فرض عليها على ضوء تداعيات أزمة لوكربي مع الغرب حيث دعت إلى ليبيا في قمة سرت 1999 إلى تحويل منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي أو الولايات المتحدة الأفريقية، ويأتي هذا الاهتمام بأفريقيا لأنها تشكل عمق مهم لشعب ليبيا تستند عليه، كما تم إنشاء الخطوط الجوية الأفريقية، كما زادت الاستثمارات والمساعدات الليبية تجاه دول القارة الأفريقية.

السياسة الليبية تجاه الاتحاد الأفريقي هدفت لتحقيق العديد من الأهداف منها تحقيق وتوفير الدعم السياسي والاقتصادي والأمني لدول الاتحاد، بالإضافة إلى أن ليبيا ونسبة لما تتمتع به من موقع وموارد استراتيجية جعلتها في محل أطماع القوى الدولية الكبرى، كما أن أهداف السياسة الخارجية الليبية تجاه أفريقيا كمجال إقليمي للدولة الليبية لا تتعدى أهداف السياسة الخارجية لعموم الدول اتجاه الدول الأخرى في محيط البيئة الدولية.

الدور الليبي في دعم حركات التحرر والانحياز لقضايا ومشكلات القارة الأفريقية وتقديم السند للشعوب والأقاليم الأفريقية والكفاح المسلح ودعمها برزت بوضوح خلال السياسة الخارجية الليبية تجاه القارة الأفريقية وذلك ساهم في عكس صورة ذهنية جيدة عن ليبيا في أفريقيا ووفر عمقاً استراتيجياً لليبيا في أفريقيا.

اعتمد النظام السياسي الليبي خلال أكثر من أربعين عاماً (1969 – 2011) على وجود الرئيس أو القائد (القذافي) كطرف واحد لتشكيل توجيهات السياسة الخارجية في ليبيا فهو المسؤول النهائي في كافة جوانب السياسة الليبية داخلياً وخارجياً[2].

لكل دولة سياستها الخارجية التي تتناسب مع ثقافتها ومبادئها من أجل تحقيق الأهداف التي تسعى الدولة لتحقيقها والتي تتماشى مع مصالحها لذلك نجد أن الدول تتخذ أساليب ووسائل من أجل تحقيق أهدافها المتعددة، والسياسة الخارجية الليبية هي مجموعة من المبادئ والأسس التي من خلالها تتعامل الحكومة الليبية مع دول العالم الأخرى، ومن واقع الأهداف التي تسعى لتحقيقيها ومدى القوة التي في متناولها لإخراج تلك الأهداف من الحيز النظري المجرد إلى الواقع المادي الملموس.

هدفت ليبيا منذ وقت مبكر لتأمين مصالحها الحيوية بعدد من الوسائل منها علاقتها بمحيطها فجذور ذلك موغلة في القدم، ويأتي ذلك للمقومات الجغرافية التي تتمتع بها، بالإضافة إلى المقومات التاريخية والروحية والثقافية والحضارية وارتباطها بجيرانها على الصعيد الإقليمي.

تقوم السياسة الخارجية للدولة على عدد من الأسس التي تعطيها القدرة على الاستقرار والثبات، وذلك لأن طبيعتها لا تتغير على المدى القصير، فمثلاً تغيير الحكومات الذي نشهده في دول العالم كل وقت وآخر لا تتغير السياسة الخارجية للدولة وإنما تتغير الأساليب والأدوات وطرق التعاطي، وتعتبر حماية المصالح الحيوية والأمن الوطني والحفاظ على شخصية الدولة وهويتها الثقافية والحضارية وانتمائها ومشاركتها ضمن التنظيم الدولي من أهم الأسس لتلك السياسة الخارجية.

السياسة الخارجية لأي دولة لابد أن ترتكز على قوة الدولة الشاملة والطبيعية والمكتسبة، أي تلك العناصر التي تسندها وتعطيها القدرة على العمل والتأثير[3]، ويتوقف نجاح السياسة الخارجية على قدرة الدولة في حشد الطاقات الوطنية وتجنيدها ثم اختيار الأسلوب الأنسب في سبل تحقيقها على الساحة الدولية[4].

ويمكن تصنيف أهداف السياسة الخارجية إلى الأهداف القصيرة المدى والمتوسطة المدى والبعيدة المدى، وذلك بالوصول إلى نشر الدولة تقاليدها أو عقيدتها أو فلسفتها السياسية في العالم أجمع.

ليبيا عقب ثورة 17 فبراير 2011 لم تؤسس لسياسة خارجية مكتملة الملامح رغم أن ثمة مؤشرات أولية إلى تحولات غير مستقرة تجلت في التخلي عن سياسة التدخل في الشؤون الداخلية للدول التي تبناها نظام القذافي لأكثر من أربعة عقود من حكمة إلى جانب إقامة علاقات شراكة متوازنة مع المحيط الخارجي تراعي طبيعة المصالح الوطنية الليبية[5]، ولا يمكن فصل تلك المؤشرات عن التغيرات في البيئتين الداخلية والخارجية في مرحلة ما بعد الثورة وصعود نخبة جديدة متنوعة الأهداف لها مدركات جديدة اتجاه العالم الخارجي تؤثر في طبيعة توجهات السياسة الخارجية لليبيا بعد الثورة والإطاحة بنظام القذافي والتغير في دول الجوار مصر وتونس، حيث أن ثورة ليبيا أفرزت تداعيات ذات طبيعة تشابكية مع الإقليم بدت جلية في أزمة شمال مالي التي استدعت تدخلاً عسكرياً فرنسياً[6].

المبحث الثاني: الانقسامات السياسية الليبية الأسباب والتشكلات

عقب ثورة 17 فبراير برزت حكومتان تتنافسان على السيطرة، حكومة الوفاق الوطني وهي معترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والتي اتخذت من مدينة طرابلس في الغرب الليبي مقراً لها، والحكومة الثانية هي الحكومة المؤقتة المعترف بها فقط من قبل مجلس النواب ويدعمها قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وبهذا أصبح للدولة الليبية حكومتان تنفيذيتان مما جعل السياسة الخارجية الليبية في تخبط واضح وتوالت الأزمات عليها دونما عمل جدي فعلي وخاصة من طرف الوزارة التي محلها طرابلس حيث يظهر واضحاً القصور في الأدوات وعدم العمل بموجب دراسات وتحليلات استراتيجية لحقيقة المشهد الداخلي ولاسيما أنها الجبهة الرسمية الفاعلة في نقل الصورة الرسمية للدولة خارجياً[7].

بزوال نظام حكم القذافي تضافرت الصراعات القبلية مع المشكلة المناطقية التي جسدتها النزاعات الانفصالية في الشرق والجنوب بالاستقلال عن حكم الغرب الذي ترمز له طرابلس، وذلك بالعودة إلى الأقاليم الليبية الثلاث (طرابلس – برقة – فزان)، ولعل ذلك يعود إلى حالة الريبة والشكوك وعدم ثقة الأقاليم الليبية بإمكانية وجود إدارة مدنية عادلة من المركز (طرابلس) لإدارة موارد الدولة حيث عانت أقاليم برقة وفزان أو ما يعرف حالياً بالشرق الليبي والجنوب الليبي من التهميش والتخلف وعدم العدالة في السلطة والموارد من قبل السلطة الحاكمة في طرابلس إبان الحكم السابق خاصة خلال حكم القذافي.

كانت أهم عوامل انقسام ليبيا والليبيين طيلة الفترة الماضية وجود حكومتين برلمانين، وبنكين وأجهزة متنازعة أيدلوجية سياسية مختلفة، جيوش ومليشيات لكل طرف، بالإضافة إلى التراكمات القديمة والحساسيات حول مناطق النفوذ وحدود السلطة والسعي للسيطرة على مراكز القوة المتحكمة في موارد الدولة ومناصبها.

عقب ثورة 17 فبراير برزت تصفية الحسابات والثأرات القديمة في المجتمع الليبي وسقطت الدولة في أتون الفوضى والاضطرابات الأمنية وانتشار الحركات المسلحة والإرهابية وظهرت النعرات القبلية والمناطقية التي كانت غائبة خلال أكثر من أربعين عاماً خلال حكم نظام القذافي، كما ظهر التنافس بين ولايات شرق ليبيا وغربها على المكانة والسيادة وأثيرت قضية انفصال برقه (بنغازي) [8].

تزايد دور البعد القبلي والعشائري وانخراطه في الممارسات السياسية والعمل المسلح على حساب الدور الذي كان من المفترض أن تلعبه الأحزاب السياسية والتي تم حظرها طول فترة الرئيس السابق معمر القذافي في ليبيا، وبالتالي كان هناك تكريس أكثر لصراع المصالح الشخصية والقبلية[9] على حساب المصلحة العامة والدولة.

أدت تفاعلات الأزمة الليبية بكل تقاطعاتها إلى إحداث تأثيرات عميقة في علاقاتها الخارجية الأمر الذي جعل علاقاتها وسياستها الخارجية أكثر تحولاً واضطراباً مما أدى إلى فقدان ليبيا لوزنها الإقليمي الذي كانت تتمتع به إبان فترة حكم القذافي كدولة محورية في الفضاءات العربية والأفريقية والشرق أوسطية والدولية.

ساهم نظام القذافي وممارساته إلى تعميق الفجوة بين المجتمعات في الشرق والغرب الليبي ولم توجد معالجات لقضايا التوازنات الجهوية والإدارية والتنمويه مما انعكس لاحقاً على الحالة الليبية خاصة في ظل غياب سياسة الاندماج الوطني والذي يعتبر أكبر مهدد لمستقبل الدولة الليبية[10].

حالة الانقسام أصبحت السمة الغالبة للمشهد الليبي، حتى الشركة العامة للكهرباء لم تسلم من الانقسام السياسي والعسكري في ليبيا إذ انقسمت إلى شركتين وهي الشركة العامة للكهرباء في المنطقة الغربية وأخرى في المنطقة الشرقية.

فرغم الاتفاق على مجلس رئاسي وحكومة وفاق وطني فإنهما لم يستطيعا الحكم خارج العاصمة وبعض المدن الغربية منها لتستمر الحكومة الموازية شرق البلاد وكذلك المصرف المركزي ومؤسسة النفط زيادة على استمرار الانقسام الحاد في المؤسسة العسكرية والأمنية، ويلاحظ اختفاء الحكومة الموازية لأشهر ثم عادت بعد فشل تنظيم الانتخابات نهاية العام 2021 لتعود البلاد من جديد إلى المربع الأول[11].

الانقسام في ليبيا الذي تجسده حكومة الشرق وحكومة الغرب أصبح السمة العامة للمشهد السياسي الليبي، فأصبح المواطن العادي يتلقى القرارات والتوجيهات الخاصة بأحوال المواطن ومعيشته من حكومتين، فما بال السياسة الخارجية التي أصبحت متروكة لأهواء ورغبات كل طرف وأكبر شاهد على ذلك أزمة وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوشي واجتماعها مع وزير خارجية إسرائيل في إيطاليا أكبر معبر لتلك الحالة من الانقسام والتحكم والتصرف الشخصي في قضية حيوية (العلاقات مع إسرائيل) تعتبر واحدة من أهم الثوابت السياسية الخارجية الليبية والرأي العام الليبي.

الانقسام وصل إلى ما بين قوات رئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة في غرب ليبيا ومن جهة أخرى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد حيث تستمر المساعي لتوحيد القوة العسكرية والأمنية في سياق مساعي بعثة الأمم المتحدة في ليبيا لتحقيق هذا الهدف، حيث أن الصراع حول مؤسسات الدولة قائم بتحالف هذه الأجسام والشخصيات خليفة حفتر ومجلس النواب من جانب والدبيبة وشخصيات أخرى كمحافظ المصرف المركزي من جانب آخر.

أدى الانقسام إلى إطالة أمد الأزمة السياسية الليبية وفي نفس الوقت هو ناتج أساسي من هذه الأزمة، وأدى إلى إشعال الصراعات المسلحة في الداخل الليبي وتهديد للأمن الإقليمي وتفشي الجريمة المنظمة العابرة للحدود وعمليات التهريب وزيادة معدلات الهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا، وأدى لتوتر العلاقات مع دول الجوار.

المبحث الثالث: تداعيات الانقسام على سياسة ليبيا الخارجية

حالة الانقسام السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والمؤسساتي والاجتماعي والقبائلي والعشائري وبروز معسكر في غرب ليبيا ومعسكر في شرق ليبيا ومعسكر آخر لا ينتمي لهذين المعسكرين انعكس على السياسة الخارجية وأدى إلى الآتي:

أولاً: الانكفاء الداخلي والانشغال بالقضايا والمشكلات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية الداخلية: والانشغال والاهتمام من الأطراف الليبية ومعسكر شرق/غرب والداعمين لهم بالحصول على أكبر حصة أو نصيب في التسويات الجارية والمستقبلية للنظام الحاكم في ليبيا وقضية مستقبل الحكم والانتخابات والاهتمام بالمواجهات ما بين معسكر شرق/غرب خاصة المبادرات والمؤتمرات الإقليمية والدولية لبحث الحالة الليبية ومحاولة الوصول إلى تسوية سياسية، وكل ذلك كان على حساب وأولويات السياسة الخارجية الليبية فالمعلوم أن السياسة الخارجية هي مؤشر للسياسة الداخلية للدولة، كما أنه من الصعب الحديث عن تبادل وبناء سياسة خارجية للدولة الليبية في ضوء الأوضاع الأمنية والاضطرابات والصراعات الداخلية المتجددة.

هناك من يرى أن ليبيا تحولت إلى فريسة لمطامع دبيبة وحفتر حيث أن الأخيرين تخليا عن منطق القتال المباشر لصالح التقاتل على تقاسم ثروات البلاد، وكل ذلك في ظل حالة من الغموض الكامل، وتنازع الإرادات وصراع الضد وتأثرت ليبيا بتلك التطورات على مستوى القانون الدولي ومنظومة العلاقات[12].

ثانياً: ضعف وغياب أجهزة صنع القرار السياسي الليبي وازدواجيتها بسبب حالة الانقسام ما بين معسكر الشرق ومعسكر الغرب: وعدم وجود توجيهات ملزمة وواجبة التنفيذ عكس فترة حكم الرئيس المعزول القذافي فهو المسؤول عن السياسة الداخلية والسياسة الخارجية والذي حكم بموجب الشرعية الثورية[13]، والتي تعترف بأي أعمال يقوم بها في هذا الإطار فهي لصالح الجماهير والشعب الليبي، فحالة الانقسام الحالية والتي برزت بعد ثورة 17 فبراير 2011 أدت أيضاً إلى هيكلة النظام السياسي وتغيير منهجه ولكن ليس لنظام آخر يضع البديل بل إلى أنظمة وكيانات منقسمة ومتعددة تفتقر للدعم والتنسيق ما بين مؤسسات الدولة المختلفة والفاعلة في رسم وبناء السياسة الخارجية الليبية، وذلك لإنجاز المصالح الوطنية بالخارج فأصبحت سمة التضارب والازدواجية والتخبط هي التي تميز السياسة الخارجية الليبية، وشاهد على ذلك أيضاً الصراع والتنافس بين قبيلتي “البراعصة والدرسة” على منصب سفير الدولة الليبية في مصر، حيث اختارت قبيلة البراعصة إبنها “طارق سطيف البراعصي” الذي يشغل وظيفة المراقب المالي للسفارة بالقاهرة ليكون السفير، بينما اختارت قبيلة الدرسة إبنها “محمد صالح الدريسي” الذي يشغل منصب قنصل في مدينة الإسكندرية للمنصب ذاته. وكانت النتيجة أن أحدهما باشر وظيفة في مقر السفارة بحي الزمالك في القاهرة وباشر الآخر مهام نفس الوظيفة في مقر مندوبية ليبيا لدى الجامعة العربية في حي الدقي، وبالمقابل أدى ذلك إلى تخوف الدول والمنظمات الإقليمية والدولية وNOGS من الدخول في علاقات ومشروعات تخدم مصالح وقضايا ليبيا وتربطها بالمجتمع الدولي عموماً الانقسام وضعف وغياب أجهزة صنع القرار السياسي ،انعكس في التأثير على وجود وحضور ليبيا وتأثيرها في الساحة الإقليمية والدولية وحتى عن محيطها ومجالها الأفريقي، وكذلك في المنظمات والفعاليات والهيئات الدولية وأصبحت ليبيا الحاضرة الغائبة ولم تنجح الحكومات المتعاقبة في إقامة علاقة متوازنة أو تقديم أي مبادرات أو التأثير للحفاظ على مصالحها الوطنية.

ثالثاً: الانقسام بين المعسكرين الشرقي والغربي انعكس على إدارة الدولة النفطية والمالية: معارك الصراع حول منطقة الهلال النفطي وفي إدارة البنك المركزي وإدارة الموارد المالية والاستثمارات والصناديق المالية وعدم التوافق حولها بين معسكر شرق ومعسكر غرب أفقد الدولة الليبية موارد مالية ضخمة وحرمها من الاستفادة من الأموال المجمدة بالخارج، وهذه الأموال ضرورية من أجل سياسة خارجية فاعلة فحالت المشاكل المالية من فتح السفارات وإكمال أعداد البعثات الدبلوماسية الخارجية والتعاون والاستثمار مع الدول الصديقة والشقيقة بالمجتمع الدولي وتقليل المشاركات الخارجية للدولة الليبية في المحافل الإقليمية والدولية، فالأموال في السابق كانت ضرورية لبسط وتأثير السياسة الخارجية الليبية في القارة الأفريقية وفي دعم حركات التحرر أو التمرد التي كان يتبناها نظام الرئيس القذافي، بالإضافة إلى الشراكات الاقتصادية المتوازنة المشتركة والتدخل في القضايا والأزمات لاسيما الأفريقية، وتأثرت وتوقفت القروض والهبات والمساعدات الخارجية والمصارف الليبية المشتركة والتعاون الاقتصادي الذي كان أحد أدوات السياسة الخارجية الليبية، وتم استخدامها لتقريب المصالح والعلاقات مع دول المجتمع الدولي لاسيما دول القارة الأفريقية[14].

رابعاً: لجوء طرفي الصراع معسكر طرابلس (شرق) ومعسكر طبرق (غرب) إلى أطراف وساندين إقليميين ودوليين: حيث أصبحت ليبيا مسرحاً للصراع وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية حيث فرض ذلك جملة من المحددات والقيود على مخططي ومنفذي السياسة الخارجية الليبية وأضر بها حيث لجأ معسكر غرب إلى تركيا وإيطاليا وبعض الدول العربية الأخرى، بينما لجأ معسكر شرق إلى مصر وفرنسا والإمارات وأحياناً روسيا.

خامساً: الانقسام بين معسكرين شرق وغرب ليبيا أوجد تخوفات في التعامل والتعاطي الإقليمي والدولي مع الشأن الليبي وأدى إلى تجميد العديد من الدول والمنظمات الإقليمية والدولية لنشاطها وتعاملاتها مع الحكومات الليبية، فأصبحت كثير من مواضيع وأمور السياسة الخارجية والمصالح الليبية في انتظار إنهاء حالة الانقسام والوصول إلى حكومة ليبية موحدة تفي بالضمانات والالتزامات مع الأطراف الإقليمية والدولية حيث أن الظروف التي تمر بها الدولة الليبية بعد الثورة تستدعي توحد كافة الأطراف الليبية ومكوناتها للتعاون وإيجاد آليات لمواجهة التحديات القائمة التي تستهدف وجود الدولة الحيوية من خلال سياسة خارجية هادفة ومتسقة، ويلاحظ أحياناً عدم الالتزام بالالتزامات المادية والبشرية الخارجية والتضارب بين المعسكرات الليبية شرق/غرب حيالها لعدم وجود اتجاه أو رؤية موحدة للتعامل إزاء الأطراف الإقليمية والدولية، وذلك ناتج من اختلاف الرؤى والتوجهات لطرفي الحكم في ليبيا حكومة شرق وحكومة غرب، وهذا ترتب عليه إنعدام المصداقية والشفافية للأطراف الدولية تجاه الالتزام بالسياسات والتوجهات الليبية[15].

سادساً: الانقسام أثر على الكفاءات والقيادات من الدبلوماسيين والعاملين والمشتغلين بالسياسة الخارجية أو بالذين يمكن أن يعملوا فيها لأن كل معسكر عمل على استقطاب مجموعات له، كما أن هناك مجموعات كبيرة غير منتمية للعمل مع أي معسكر من تلك المعسكرات تم تجاوزها ولم تجد من يستوعبها لتوظيف ما لديها في خدمة السياسة الخارجية الليبية ورفد الدبلوماسية الليبية من الكوادر خاصة إذا علمنا أن هناك أعداد وكوادر كبيرة عملت مع نظام القذافي تم عزلها وفقاً لقانون العزل السياسي، كما أن الانقسام شرق / غرب أدى إلى عدم التفاعل الجاد والنشط (الغير منقوص) مع الأطراف المختلفة في المحافل الإقليمية والدولية ذات الصلة بليبيا، وذلك يعود للتسابق وتنافس المعسكرين (شرق/غرب) وذلك أثر في التعاطي الخارجي الليبي، وذلك إذا علمنا أن تلك الأطراف ليس لها القدرة الكافية للحضور الليبي بالصورة المطلوبة في الساحة الإقليمية والدولية وعدم الإدراك لتطورات ومستجدات الساحة الدولية حيث لم يتم تقديم شيء جديد والاستمرار في أثر المبادرات والتوجهات المتبعة منذ عهد حكم الرئيس القذافي.

المبحث الرابع: مستقبل السياسة الخارجية الليبية في ضوء حالة الانقسام السياسي

نظراً لارتباط السياسة الخارجية بالسياسة الداخلية للدولة فإنه من الأهمية بمكان توحيد الجبهة الداخلية والنظام السياسي الحاكم في ليبيا واستقرار الأوضاع الداخلية والقضاء على الأوضاع الأمنية السالبة، فبدون أن تكون الأوضاع الداخلية مستقرة ومنسجمة فإن ذلك ينعكس مباشرة على استقرار وانسجام السياسة الخارجية الليبية فهي علاقة تكامل وامتداد.

الوضع الحالي الانقسام الليبي شرق/غرب والتعقيدات التي برزت نتاج ذلك أدت إلى عدم توظيف القدرات والإمكانيات وقوى الدولة الشاملة.

انعكست الأوضاع المذكورة أعلاه على السياسة الخارجية ومجموعة الأفعال التي تقوم بها ليبيا في المحيط الإقليمي والدولي، وتعبر فيه عن أيدولوجيات النظام السياسي وتوجهاته الفكرية والفلسفية التي ترمي للمصالح الوطنية المعبرة عن التمازج بين خصائص شخصية صناع القرار ومدخلات النظام والظروف الدولية القائمة والموارد المتوفرة والتي تتحقق عبر وسائل سلمية وغير سلمية[16].

بالضرورة بمكان وضع أسس وأولويات للسياسة الخارجية الليبية التي أصبحت في ظل حالة الانقسام شرق/غرب غير معروفة، ولا يمكن أن تعرف حيث تراجعت عن أفريقيا واتجاه القضايا العربية، وأصبحت غير متفاعلة في الآونة الأخيرة مع قضايا الإرهاب واللاجئين والهجرة الغير شرعية وهي قضايا تعاني منها.

السياسة الخارجية جزء لا يتجزأ من العملية السياسية التي تميز السياسات الأخرى في المجتمع وفي حالة الانقسام الليبي معسكر شرق طبرق/معسكر غرب طرابلس انعكس ذلك على السياسة الخارجية الليبية لارتباط مصالح كل طرف بها وفي محاولة منه إقصاء أو إبعاد الطرف الآخر.

أهمية تزويد مؤسسات صنع القرار السياسي ومؤسسات العمل الخارجي ووزارة الخارجية الليبية بكوادر ليبية مؤهلة ومدربة لتمثيل الدولة في المحافل الدولية وقادرة على إبراز الصورة الليبية المشرقة، وهذا لابد أن يتزامن مع حالة الاستقرار والسلم الداخلي وتوحيد المؤسسات الليبية ووضع سياسات وتوجهات خارجية تعبر عن الشعب الليبي وتاريخه وتطلعاته.

أهمية تطوير معهد الدراسات الدبلوماسية بهدف تدريب الدبلوماسيين الليبيين وتأهيلهم للعمل الدبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية ولهم القدرة على عكس القضايا التي تهم المصالح الليبية.

مستقبل السياسة الخارجية الليبية ودورها الفاعل يعتمد على توحيد مؤسسات الدولة وإنهاء حالة الانقسام الذي تمر به الدولة الليبية منذ قيام ثورة 17 فبراير وإنهاء حكومة شرق وحكومة غرب في حكومة ليبية مركزية واحدة لها سياسة خارجية مرسومة ومخطط له تخدم مصالحها وفق رؤيتها وتطلعات شعبها.

حالة الانقسام الحاد الذي يجسده معسكر شرق / معسكر غرب أو على مستوى الجيش والمؤسسات الاقتصادية والمالية الأخرى أضر بالسياسة الخارجية الليبية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال خصائصها كالآتي:

أ-الطابع الرسمي: بمعنى أنها تتخذ من قبل جهة رسمية في الدولة، أي لا يمكن لأي جهاز غير رسمي في الدولة أن يكون له الفصل النهائي في توجيه السياسة الخارجية، وفي حالة الانقسام الليبي نجد أن هناك حكومة معترف بها في الغرب وأخرى غير معترف بها في الشرق تحاول أن تفرض كلمتها وفقاً لرؤيتها، بالإضافة إلى الأجهزة والمؤسسات البديلة الناشئة بسبب الانقسام من بنك مركزي، جيش، وزارات، مؤسسات … إلخ.

ب.الطابع الواحدي: بمعنى أن قرار الدولة إزاء موقف إقليمي أو دولي معين يكون موقفاً وحيداً ولا يمكن أن يتعدد إلى عدة مواقف متناقضة، وكم شاهدنا في الحالة الليبية المواقف ذات الطابع الثنائي ما بين معسكر الشرق والغرب.

جـ.الطابع الهادفي: وهي أن تكون موجهة لتحقيق أهداف تم التخطيط لها من قبل صانع القرار، ويتم تعبئة كل الموارد المتاحة لتحقيق تلك الأهداف، والملاحظ في حالة الانقسام الليبي أن الأهداف عديدة لكل طرف وبعضها متناقض وبعضها لم يتم التخطيط له (نموذج مقابلة وزيرة الخارجية الليبية لوزير الخارجية الإسرائيلي الأخير) وحالة الاضطراب التي أحدثها، وذلك أضر بالسياسة الخارجية في الداخل الليبي.

ولعل التجربة التي أظهرتها أزمة السيول والفيضانات التي مرت بها ليبيا في شهر سبتمبر الماضي تؤكد على أهمية الوحدة وإنهاء حالة الانقسام ونبذ الخلافات وتوحيد الجبهة الداخلية وحل المشكلات الداخلية، فالمتابع للشأن الليبي يرى بوضوح أن حالة الانقسام التي تعيشها ليبيا عقب ثورة 17 فبراير 2011 انعكست في التعامل الجاد والسريع والفاعل في تعبئة الموارد ولمواجهة الأزمة وعكس ذلك للمجتمع الإقليمي والدولي لتقديم المساعدة على الأقل بفرق الإنقاذ والبحث.

الخاتمة:

تعتبر السياسة الخارجية للدولة الليبية أحد أركان سياستها العامة الأساسية، ويقتضي هذا من ذوي الشأن والممارسين السياسيين الاهتمام بها، بالإضافة إلى كافة الفاعلين في المشهد السياسي توظيف الفرص المتاحة لتفعيلها وتطويرها والعمل على تقليص قيودها.

الأوضاع السياسية في ليبيا تحتم على جميع الأطراف السياسية والعسكرية توحيد الجبهة الداخلية وإنهاء حالة الانقسام الذي تمر به ليبيا، والاتفاق على تكوين حكومة ليبية موحدة معترف ومدعومة ومسنودة من الشعب، فبدون ذلك سيحكم عليها بالفشل والانقسام الكامل والتدخل الخارجي ونهب الموارد وظهور الأنشطة السالبة وغيرها.

 وفي مستوى آخر ربما كشفت الدراسة عن مدى خطورة تأثير الانقسامات الليبية على اختلافاتهم في سياستها الخارجية فيما يتصل بالصادرات الليبية وفى مقدمتها النفط والغاز، و شراكاتها الاقتصادية والتجارية وما كان مرجو منها في بناء وتنمية الدولة الليبية.

  وهنا تجدر الإشارة إلى أن ليبيا بما تمتلكه من مميزات الموقع والأهمية الاستراتيجية ومواردها الغنية خاصة الغاز والبترول وهو ما يجعلها محط أنظار أطراف دولية متعددة، جعلت الأطراف الداخلية في حالة استقطاب وشد أطراف ظهر جلياً في سياستها الخارجية التي أصبحت مسرحا لتنافس أو صراع وتوجهات قوى خارجية متعددة.

  ويبدو ان ذلك قد فرض عجز الأطراف الليبية من التوحد من أجل الاهتمام بقضاياها الإقليمية والدولية التي تتصل مباشرة بسياسة ليبيا الخارجية التي يمكن أن تخدم المحافظة على أمنها وقدراتها الاقتصادية وتحقيق مطلوبات المصلحة الوطنية الليبية.

  إن واقع السياسة الخارجية الليبية وتحدياتها يلخص بوضوح كل أوجه العجز الذى تعانيه السياسة والدبلوماسية الليبية بصورة متراكمة منذ أن نشأة الدولة الليبية الحديثة ولكن تضاعف العجز وتأصل منذ اندلاع الصراعات الداخلية فى 2011م، وتداخلها مع تصاعد وتيرة التدخلات الخارجية الأمر الذي أدى إلى تعقيد وتازيم السياسة الخارجية الليبية وتحقيق أهدافها.

 تاسيساً عليه، ذهبت الدراسة إلى أن سياسة ليبيا الخارجية في ظل هذه الوضعية من الانقسامات والتشظي تحتاج أن تراعي ضرورات تحقيق التوحيد والاندماج الوطني الليبي من أجل توحيد توجهات واتجاهات  سياستها الخارجية في كتلتين تؤثران في أوضاعها الداخلية المنقسمة ومستقبل نجاح تسويتها السياسية، وهي:

أولاً: كتلة الدول الكبرى المؤثرة والتي تمثل البيئة الإستراتيجية الدولية، لان وحدة الصف الداخلي يمكن ان توقف حالة التجازب والاستقطاب بما يضمن وقوفها إلى جانب ليبيا ودعم جهود المصالحة والاستقرار وإنهاء العنف والانقسام والتدخل الخارجى ووضع حدود ونهاية مقنعة لأي تنافس او الصراع حول مصالحها في ليبيا.

ثانياً: كتلة دول الجوار الليبي البري والبحري وهي مصر والسودان، تشاد، النيجر  الجزائر وتونس، ودول الجوار البحري المتوسطية التي تفتح على ليبيا العربية منها  والاوروبية لما لها من أهمية استراتيجية إقليمية و عالمية، حيث تتأثر سياسة ليبيا الخارجية في حالتي الجوار الجغرافي المباشر العربي الأفريقي، أو الجوار البحري المتوسطي بالتوترات السياسية والصراعات المسلحة كما في السودان وتشاد والنيجر، كما أن هذا الفضاء الحيوي يعاني من انعدام الاستقرار والهجرة غير الشرعية وتجارة البشر والإرهاب والجريمة العابرة للحدود والانشغالات حول الطاقة والبيئة، إضافة إلى أنها  مرتبطة بقضايا الصراع العربى الإسرائيلى، وغيرها.

 عليه، فإن سياسة ليبيا الخارجية فى هذه الكتلة وخاصة فى الجوار المباشر ترتبط بليبيا وبأمنها الوطنى بجميع مستوياته، لأنها تأثرت وأثرت بأشكال مختلفة فى الحالة الليبية، وهي ترتبط مع ليبيا بمصالح سياسية وأمنية واقتصادية وعلاقات ثقافية، الأمر الذي يحتم سياسة خارجية تمنع  امكانية استغلال الصراع الليبى والتنافس الاقليمى.

يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)


الهوامش:

[1]-  بشير علي الكوت، الثابت والمتحول في ظاهرة السياسة الخارجي الليبية، مجلة الجامعي، العدد 22، 2015، ص 103 – 128.

[2] خير الدين حسين، حول الربيع الديقراطي العربي، الدروس المستفادة، مجلة المستقبل العربي، بيروت، العدد 386، أبريل 2011، ص 10 – 15.

[3] محسن عبد الخالق، محاضرات غير منشورة في السياسة الدولية، جدة، معهد الدراسات الدبلوماسية، 1984، ص 3.

[4]– زباسل الخطيب، محاضرات غير منشورة في السياسة الخارجية، جدة، معهد الدراسات الدبلوماسية، 1984، ص 3.

[5] محمد رجب قدح، السياسة الخارجية الليبية تجاه أفريقيا ونموذج الاتحاد الأفريقي، 1991 – 2020، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، أيلول 2020، ص 45.

[6] مصطفى علوي، كيف يتعامل العالم مع الثورات العربية، مجلة السياسة الدولية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، العدد 184، 2011، ص 66.

[7] خالد التومي، السياسة الخارجية الليبية، نحو بدائل عملية، تم الاسترجاع بتاريخ 13/7/2020، http://www.minbarlibya.org?p-17350.

[8] جمال عبد الرحمن يسن رستم، التحولات السياسية في ليبيا بعد زوال نظام القذافي وانعكاساته على العلاقات العربية – العربية، السودان، الخرطوم، 2020، ص 62 – 72.

[9] بوشوشه سارة، د. مدوني علي، الانقسامات السياسية في ليبيا وانعكاساتها على التوازنات الاقتصادية بعد ثورة 17 فبراير 2011م، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، المجلد 6، العدد 2، ديسمبر 2021، ص 1689.

[10] عقل زياد، جذور الأزمة الليبية وآفاق التسوية السياسية، مركز الأهرام اللدراسات السياسية والاستراتيجية، 15 يوليو 2015، الرابط: http://machhid24.com/eudes/832hml، تم التصفح 21/8/2023.

[11] عبد العزيز الوصلي، بعد عقد من الانقسام كيف تبدو خارطة النفوذ السياسي بليبيا؟ aljazeera.net/politics/2023/8/30.

[12] جلال حرشاوي، باحث في المعهد البريطاني RUSL، لندن، 25 يوليو 2023، تقرير الأوضاع في ليبيا.

[13] وثيقة الشرعية الثورية 1990 الصادرة عن مؤتمر الشعب العام (الجهاز التشريعي في ليبيا قبل الثورة).

[14] حلقة نقاشية مركزة، جامعة أفريقيا العالمية، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، الأوضاع في ليبيا، 27/1/2018.

[15] جمال عبد الرحمن يسن رستم، الأزمة الليبية في ظل التنافس الإقليمي والدولي، دراسات أفريقية، جامعة أفريقيا العالمية،  ص 17.

[16] مصباح عامر، معجم مفاهيم العلوم السياسة والعلاقات الدولية، الطبعة الأولى، الجزائر، المكتبة الجزائرية، 2005، ص 106.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى