أوراق و دراساتسياسية

السياسة الخارجية الليبية: إعادة التغيير والهيكلة

الدكتور: أحمد مفتاح إبراهيم الفلاق

أستاذ محاضر في كلية الاقتصاد والعلوم السياسة جامعة مصراته، ليبيا

الملخص :

تعد السياسة الخارجية وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية العليا للدولة، خارج حدودها وهي المرآة التي تعكس السياسة الخارجية وتماسك القائمين عليها ومدى ادراكهم للأحداث الدولية المتغيرة لتحديد مصلحة بلادهم وسط التجاذبات التي تحدثها هذه المتغيرات المتسارعة. تحاول هذه الورقة وضع باراديغم تفسيري للمواقف والأحداث التي أحدثت وأنتجت التغيرات والهيكلة التي طرأت على السياسة الخارجية الليبية منذ استقلالها إلى الآن. وخلصت الورقة إلى أنه من الممكن الاستفادة من الأحداث التاريخية في صياغة السياسة الخارجية الليبية؛ لأنها تفسر الأحداث والسلوكيات المهمة التي تناولتها متغيرات الدراسة.

الكلمات المفتاحية: نخبة السياسة الخارجية الليبية. أهداف السياسة الخارجية الليبية. التغيير. الهيكلة في السياسة الخارجية الليبية.

المقدمة :

السياسة الخارجية هي العملية التي تصدر عن السلطة السياسة من داخل الدولة لتحقق بها أهدافها تجاه الدول والفواعل الأخرى داخل المجتمع الدولي، كما أن العامل الأعلى المؤثر فيها والمتأثر بها هو المصلحة العليا للدولة. كما يمكن اعتبارها الخطط والنهج والسلوك الذي تتبعه الدولة في علاقتها السياسية والاستراتيجية والاقتصادية المتنوعة مع مثيلاتها من الدول. وبالتالي قد تتحول السياسة الخارجية إلى مقياس يمكن به معرفة قوة الدولة وتأثيرها في محيطها الخارجي وقدرتها على إدراك الواقع الذي تتحرك فيه.

مرت السياسة الخارجية الليبية منذ الاستقلال إلى وقتنا الحالي بعدة تحولات كانت نتيجة للقيادة والنخب القائمة عليها كما ترجمت الأهداف والتغيرات والهيكلة التي أحدثها تغيير الأطوار الثلاثة التي مرت بها الدولة الليبية، وأيضا التغيير في توجهات العقيد القذافي بعد فتح باب العلاقات الخارجية مع الغربي بعد أن أخذت شكلاً من القطيعة والاتهامات المتبادلة لأكثر من عقدين كاملين كما حاول القذافي تصدير نفسه كزعيم ومفكر عالمي بعد ما انتهت حقبة الملك الذي لم ير في السياسة الخارجية إلا أداة للحفاظ على مكتسب الاستقلال وتوحيد البلاد بعد مرورها بفترات عصيبة من اختلافات داخلية واستعمار متعاقب كانت له عواقب على وحدة الدولة.

لم تسلم السياسة الخارجية الليبية من تأثير الحلفاء الدوليين عليها فبعد ما كانت ليبيا محطة من محطات الصراع في الحرب العالمية الثانية، وتحصلت من بعدها على الاستقلال اتجهت سياسة الملك للحفاظ على الاستقلال والاستقرار السياسي باختيار حلفاء له تربطه بهم علاقات قوية.

بما أن هذه الورقة هي من الدراسات التفسيرية فهي لا تهتم بدراسة العلاقة بين المتغيرات بقدر ما أنها تفسرها ولهذا فإن استخدام المنهج التحليلي والتاريخي كانا جزئين مهمين في هذه العملية التأصيلية، بالإضافة إلى المنهج المقارن الذي استخدم للمقارنة بين مراحل ثلاث عاشتها السياسة الخارجية الليبية لهذا فإن هذه الورقة تقوم على فرضية أن هناك أربع متغيرات تحدث تغيير وهيكلة السياسة الخارجية الليبية وتتمثل هذه المتغيرات في صانع السياسة الخارجية وأهدافها وأدواتها والحلفاء الدوليين.

أولاً:الإطار المفاهيمي

عندما يكون الحديث عن مفهوم التغيير والهيكلة في السياسة الخارجية؛ فإنه لا يوجد اتفاق كامل حولهما بين العلماء وهذا ربما ما يفسر عدم قدرة معظم أدبيات التغيير والهيكلة في السياسة الخارجية على تحديد عدة عوامل منها أشكال التغيير وأنماطه ومسبباته، وفي هذا المضمار تناولت الدكتورة زينب فرج في بحث لها بعنوان “تغير السياسة الخارجية مسح لأهم المقاربات النظرية” وقد اعتمدت في بحثها على وضع ثلاثة أسئلة متصلة لسبر أغوار التغيير والهيكلة في السياسة الخارجية، وهي:[1]

-ماهية التغيير والهيكلة في السياسة الخارجية؟

-كيف يحدث التغيير ومتى؟

-إلى أي مدى يساهم التغيير في إعادة هيكلة السياسة الخارجية وإلى فهمها أيضا؟

فمنها قدمت بدورها عدة تعريفات لكي تجيب على هذه الأسئلة الثلاث التأطيرية والتأصيلية في هذا المجال، فهي ترى أن التغيير هو إعادة التوجه في السياق بينما الهيكلة أشمل وأعمق في السياسة الخارجية، وتنتج بسبب عدة أمور منها التغير في السلطة السياسة أو النظام السياسي داخل الدولة أو التكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية من حولها[2].

كما تتضمن أدبيات السياسة الخارجية عند بحثها في موضوع التغيير والهيكلة البحث عن متى تختار الحكومات تغيير وهيكلة سياستها الخارجية، فقد تناول هذا الطرح تشارلز هيرمان Charles Hermann  موضحا إياها على أربعة مستويات: (أ) التوجهات العامة ومدى تغيرها في السياسة الخارجية  والتي تشمل تغير الوسائل والأهداف والخطط، (ب) التغير في الأهداف دون  تغير  الوسائل، (ج) تغير برامج السياسة الخارجية، ويقصد به اللجوء  إلى التفاوض (د) سياسات  التغير  والتكييف بقصد وهي بقاء الوسائل والأهداف دون تغير، والتركيز على مستويات معينه نحو قضايا محددة[3]. يستمر هيرمان في التفسير فيوضح أن الشكل الأول لا يعد تغييرا في السياسة الخارجية بينما الأشكال الثلاثة الأخرى هي التي يحدث فيها التغيير ضمن السياسة الخارجية، وأيضا فإن الشكل الرابع منها نادر الحدوث وبالتالي فان معظم أشكال التغيير تحدث في الشكل الثاني والثالث[4].

بينما هناك بعد أخر عند الحديث عن هيكلة السياسية الخارجية والذي تتناوله النظرية الواقعية البنيوية عند تفسيرها لسلوك السياسة الخارجية الذي تعتبر أنه عملية راشدة عقلانية يقوم بها صانع عملية السياسة الخارجية والتي تتأثر بدورها بفوضى وشكل النظام الدولي (أحادي أو ثنائي أو متعدد الأقطاب) والتوزيع النسبي للقوة[5].

ومن هنا فإن هذه الورقة تتناول التغيير والهيكلة في السياسة الخارجية الليبية على أربعة مستويات وهي النخبة والقيادة المنفذة لها وأهداف هذه السياسة وأيضا آليات تحقيقها وإعادة ترتيب الأحلاف في النظام الدولي المتغير.

ثانيا:نخب جديدة تتجه إلى العقلانية

بدون أدنى شك إننا عندما نتحدث عن القائد السياسي فإننا قد نتحدث عن فرد قد يصنع السياسة الخارجية ويترجمها داخل المجتمع الدولي غير أنه عندما يكون الحديث عن النخبة السياسة فإن هذا الأمر يتسع فيه الحديث عن مجموعة من الأفراد التي تمتلك القوة والتأثير في صناعة السياسة الخارجية سواء هذه النخبة عسكرية أو سياسية أو غير رسمية فتكون من خارج النظام مثل رجال الأعمال وغيرهم وبالتالي فإن الإعتماد على النخبة يقف على الموارد التي تقدمها المؤسسة للحد من دور القائد أي بمعنى أخر كلما زادت المؤسسة الاعتماد على النخبة السياسية في التأثير في صناعة السياسة الخارجية قل الحد من الاعتماد على القائد السياسي[6].

كما أنه عندما يتم الحديث عن القائد أو النخبة السياسة الصانعة للسياسية الخارجية يكون الحديث أيضا عن العامل النفسي والسيكولوجي الذي يؤثر في عملية صناعتها ومنها على سبيل المثال الانسجام المعرفي ومنظومة المعتقدات والعواطف والخيارات المتاحة وشخصية القائد ونمط القيادة[7].

بالنسبة لليبيا شهدت عدة نماذج للقيادات والنخب الصانعة للسياسة الخارجية منذ استقلالها عام1951 إلى الآن موزعة على ثلاث فترات من طور حياة الدولة منذ حكم المملكة مرورا بنظام أو جماهيرية العقيد إلى الدولة الحالية التي تمثلها ثورة 17 فبراير.

فقد أعطى الدستور الليبي الملك عدة صلاحيات سواء في السلطة التشريعية أو التنفيذية ومن بينها تنفيذ جزء من السياسة الخارجية المادة (73) من دستور المملكة الليبية، وبالتالي فقد تميزت حقبة الملك بالقيادة التقليدية التي بنيت على الثقة والاحترام والتي أظهرها الملك متخللة الطابع الديني الذي يعكس تنشئته الخاصة في أسرة ذات جذور دينية لهذا لم يكن للملك أي طموح شخصي سوى الحفاظ على كيان الدولة الليبية الذي شارك في تأسيسها من خلال سياسة خارجية انعزالية ومحايدة لمحيطها المحلي والدولي[8].

أما في مرحلة حكم العقيد القذافي قفد كان له دور كبير في السلطة التنفيذية بصفة عامة والسياسة الخارجية منها فتميزت حقبته في العموم بطابع البرغماتية والأيدولوجيا والتوازن بينهما وإن كان قد تخللها الطابع الراديكالي تجاه الغرب والولايات المتحدة الامريكية خاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي[9]. غير أن هناك العديد من العلماء المهتمين بالسياسة الخارجية الليبية Anderson, (1999) Hinnebusch, (1984) Robinson (1985) الذين يرون أن فترة حكم العقيد القذافي صبغت بالكاريزمية التي كان قد تميز بها عند تقديم نفسه على أنه قومي ناصري ليجد تأييداً كبيرا في الأوساط الشعبية في بداية حكمه[10].

بعد سقوط نظام سبتمبر وانتهاء استحواذ رئيسه العقيد القذافي على التدخل وفرض رأيه الوحيد ووجهاته الأيديولوجية، فقد مر على ليبيا ثمانية وزراء خارجية كان أغلبهم من داخل الوزارة باستثناء الوزيرة نجلاء المنقوش* وهي المرأة الوحيدة والأولى التي تتقلد هذا المنصب منذ استقلال ليبيا، جاءت الوزيرة على غرار ولادة حكومة الوحدة الوطنية وكان لها مواقف قوية وظاهرة ومختلفة عن زملائها السابقين. وهذا لو أمنا بفرضية الاختلاف الجنسي في أداء السياسة الخارجية فإن النساء منهن لا يرغبن في استخدام القوة أو اللجوء إلى الحرب[11]، أي بمعنى آخر قد تلجأ القيادات النسائية للأدوات السلمية لأداء السياسة الخارجية.

حاولت الوزيرة نجلاء المنقوش عند وصولها إلى الوزارة عدة مرات استعمال نموذج الفاعل العقلاني[12] عن أي نموذج أخر في السياسة الخارجية، فقد تحدثت عن خروج القوات الأجنبية عن الأراضي الليبية بدون استثناء، غير أن هذا الموضوع ليس من المواضيع البسيطة أو العابرة لأن هناك اتفاقيات قد وقعت بخصوص التعاون والدفاع بين المجلس الرئاسي الذي وقعه السيد: فائز السراج مع أطراف أخرى. وكما أن الوزيرة استخدمت العقلانية مرة أخرى في عملية التفاوض التي أجرتها فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل بدون أن تنظر إلى البعد العقدي الذي يعتمد عليه الشارع الليبي والذي من المفترض أن يكون أحد ركائز الأيديولوجيا التي تعتمد عليها السياسة الخارجية الليبية.

ثالثاً:إعادة ترتيب الأهداف

مع اختلاف المهتمين بدراسة السياسة الخارجية في تحديد الطبيعة الهدفية لعملية السياسة الخارجية إلا أنها تتضمن اختيار مجموعة من الأهداف وتسخير كل الموارد المتاحة لتحقيقها، وهذا يعكس أن السياسة الخارجية ليست مجرد رد فعل لما يحدث في البيئة الخارجية بقدر ما هي عملية واعية تحاول التأثير والوصول إلى الهدف في البيئة الخارجية[13]. غير أنه من أصعب الأمور المتعلقة بأهداف السياسة الخارجية هي كيفية تحديد هذه الأهداف، وبالتالي طرحت عدة تساؤلات حولها: هل هي الأهداف المعلنة؟، أو أن هناك أهدافاً أخرى (كامنةً) وهي الحقيقية؟ ومنها وضع العلماء إجابة تصورية على أنها عملية استنباط الأهداف المعلنة لصانعي السياسة الخارجية في الوحدة الدولية عبر فترات طويلة [14].

فيما يتعلق بالحالة الليبية فإن مرحلة حكم الملك كما ذكر سابقاً قامت السياسة الخارجية على الاحترام لطبيعة تكوين شخص الملك وانطلق الهدف الأكبر في اتجاه الاقتصاد إذ أن الدولة الوليدة حديثاً كانت فقيرة للموارد الاقتصادية مع انتشار الجهل بين السكان في مساحة أرض كبيرة تحويهم، فاتجهت السلطة لتأجير مساحة من الأراضي لتقام عليها قواعد عسكرية لبعض الدول منها بريطانيا وأمريكا وهذا قد صرح الملك دريس حينها في مقولته الشهيرة “المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله”[15]. وبالتالي فإن السياسة الخارجية الليبية في حقبة الملك تميزت بالتعامل المحدود والموجه لها للحفاظ على الاستقلال في مرحلة تعرف بانها مرحلة التأسيس.

أما بالنسبة للمرحلة الثانية في طور عمر الدولة الليبية والتي حكمها العقيد القذافي فقد تغيرت أهداف السياسة الخارجية الليبية كل التغير عن المرحلة السابقة بل أخدت تتغيير عدة مرات وتتباين في مرحلة العقيد نفسه.

اعتمدت السياسة الخارجية الليبية من بداية حكم العقيد إلى نهاية الثمانينيات على خمس ثوابت يحاول ذكر بعض منها في خطاباته الموجهة للداخل الليبي أو الخارج وهي معاداة الإمبريالية، والوحدة العربية، ومعاداة إسرائيل ونشر أيديولوجيا الكتاب الأخضر ودعم حركات التحرر غير أن فشله في بناء وحدة عربية تنطلق من مبدأ وجود حل للقضية الفلسطينية جعله يتجه بسياسته الخارجية إلى القارة الإفريقية ودعمه للاتحاد الافريقي وتأييده لفكرة ولادة ولايات متحدة أفريقية بديلة عن الاتحاد[16]، كما أنه حاول الاتجاه إلى تكوين اتحاد مغاربي كرد فعل على مجلس التعاون لدول الخليج غير أن اتحاد دول المغرب العربي ولد ضعيفاً بسبب الخلافات البينية التي كانت بين دوله[17].

دخلت ليبيا مرحلةً من العزلة إثر اتهامها بتدبير تفجير طائرة بان آم 103 لوكربي فأصبح هدف السياسة الخارجية الليبية هو السعي لكسر هذا الحصار الاقتصادي الذي أثر على مصدر الدخل الوحيد في ليبيا[18]. كما أن الموقف الليبي من التدخل الأمريكي في العراق نتيجة حرب الخليج الثانية جعل الدول الخليجية تأخذ موقفاً من القيادة الليبية. كل هذه الأحداث جعلت من العقد القذافي يغير من سياسته الخارجية فبدأ في الانفتاح على الغرب الذي كان يصفه بالإمبريالية كما أنه حاول التقرب إلى الدول العربية الخليجية وإنهاء مرحلة من الخلافات والعلاقات الفاترة وعدم ضم ليبيا إلى محور الشر الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي جورج بورش[19]. وبالتالي نستطيع وسم أهداف السياسة الخارجية حقبة العقيد بأنها اعتمدت على إظهاره في صورة البطل القومي والعالمي الذي يحمل على عاتقه حل مشاكل المستضعفين في المعمورة.

بعد سقوط نظام القذافي وبداية مرحلة جديدة تعلقت بثورة 17 فبراير دخلت الدولة الليبية مرحلة جديدة وقد تعد غريبة بين الدول أي وكأن عملية ولادة حديثة أحدثتها ثورة فبراير للدولة الليبية وبالتالي كما يطرح الدكتور مصطفى خشيم مسألة إعادة ترتيب أهداف السياسة الخارجية الليبية بما يتماشى مع مبادئ ثورة 17 فبراير[20].

عموماً تغيرت السياسة الخارجية وربما نستطيع وصفها بالانعزال أو الانكفاء على الذات وذلك لطبيعة المرحلة التي تمر بها الدولة من انقسامات سياسة ومؤسساتية ومن بينها انقسام وزارت الخارجية نفسها لفترات طويلة بوجود حكومتين واحدة في طرابلس والأخرى في المنطقة الشرقية بين مدينة البيضاء وبنغازي من بعد عملية الكرامة\فجر ليبيا. غير أن هذا الحال تغير قليلاً مع وصول حكومة الوحدة الوطنية رافقه تعيين امرأة على رأس الوزارة بالتالي هذا ما عكس التزام ليبيا بقرارات مجلس الأمن الرّئيسيّة التي تُعزّز دور المرأة وتدعم السّلام والأمن، مثل القرارَيْن 1325 و2467[21]. ومع تكليف حكومة جديدة في المنطقة الشرقية عن طريق البرلمان بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية المستقرة في طرابلس إلا أن وزارة الخارجية في طرابلس هي التي تسيطر على المشهد في السياسة الخارجية الليبية.

وتظهر أهداف السياسية الخارجية من خلال عدة مشاكل أضفت صبغتها على السياسة الخارجية ومنها التدخلات الخارجية والقوى العسكرية غير الشرعية التي تغيرت وتيرة وجودها بالزيادة والنقصان بعد ثورة 17 فبراير مما ساعد على استمرار عدم الاستقرار السياسي[22] واظهار بعض الظواهر السلبية منها استمرار ظاهر الهجرة غير الشرعية[23].

رابعاً:التذبذب في أدوات صناعة السياسة الخارجية

يقسّم العلماء المهتمون بأدبيات السياسة الخارجية أدواتها إلى قسمين رئيسيين هما الملموسة والرمزية أي غير الملموسة، حيث تندرج تحت الصنف الأول الدبلوماسية والأدوات الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية والعلمية والتكنولوجية والموارد الخام التي تملكها الدولة، أما القسم الثاني منها فيضم أدوات الثقافية والدعائية والأيديولوجية [24]. تتناول هذه الورقة بشكل مبسط ثلاث أدوات مما تم ذكرها فقط، وهي العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.

عسكرياً، قد تستخدم الدولة الجيش في السياسة الخارجية كنوع من الهجوم أو الردع أو التهديد لغرض إنجاح المفاوضات العسيرة[25]. في الحالة الليبية لم تستعمل ليبيا المملكة جيشها ضد أي دولة خارجية وربما السبب أنها دولة حديثة الاستقلال ويعد جيشها حديث التنشئة، بعكس ليبيا القذافي فقد استخدم العقيد الجيش الليبي في عدة أمثلة بديل عن الدبلوماسية كانت أولها الحرب الليبية التشادية التي فضل العقيد فيها استعمال القوة العسكرية قبل لجؤه دبلوماسيا للمحكمة الدولية للفصل في موضوع الخلاف[26]. والنموذج الثاني عندما اتهمت تونس ليبيا العقيد بزعزعة أمنها في عام 1974 وذلك بعد حشد الجيش الليبي على الحدود التونسية، ويرجع هذا لعدم توافق الأيديولوجية التي يتبعها القذافي مع رفض الرئيس التونسي لدعوات القذافي بالوحدة وتبني البعد القومي[27]. أما في فترة ثورة 17 فبراير فعدم استعمال الجيش كأداة في السياسة الخارجية لا يدل على عدم الإرادة السياسية أو عدم التدخل في شؤون الغير وإنما ناتج عن تفكك الجيش من الأساس نتيجة الوضع السياسي القائم والحروب الأهلية التي مرت على ليبيا بعد ثورة فبراير وفقدان أيديولوجيا توحيد الجيش مع انتشار السلاح بين أيادي المدنيين.

اقتصادياً، لم يحالف الحظ دولة ليبيا في عهد الملك الاستفادة من هذه الأداة إذ كانت تصنف من أفقر الدول عالمياً حيث كانت تعتمد على المساعدات الدولية بالدرجة الأولى في تغطية ميزانيتها كما أنها تعتمد على تأجير قطع الأرض التي أقيمت عليها القواعد الغربية الإنجليزية والأمريكية[28].

مقارنة بعهد الملك فإن الاقتصاد لعب دوراً كبيراً ومهماً في السياسة الخارجية إبّان عهد القذافي بل عول عليه في نشر أهداف العقيد وأيديولوجية الكتاب الأخضر الذي كان قد سطره، وقد استخدم نظام القذافي أموال العائدات النفطية كأداة مهمة من أدوات السياسة الخارجية، من خلال الهبات والمساعدات والرشاوي والاستثمار في الدول النامية أو الصفقات التجارية والعسكرية والأرصدة في الدول المتقدمة[29]، والأمثلة على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر دعم انتخابات الرئيس الفرنسي ساركوزي وهذا دليل بارز ما يزال ينظر فيه أمام القضاء الفرنسي. ناهيك عن استخدام جمعية الدعوة الإسلامية والتي تستر بها لإقامة القيادة الشعبية الاسلامية العالمية وهو جسم سياسي في اسلامي يرأسه القذافي نفسه وله أمين عام وأمانة عامة ومكتب تنفيذي وكان أغلب عناصره من غير المواطنين الليبيين وتشرف على دعم الجماعات الإرهابية تحت ذريعة نشر الإسلام وفتح مراكز تحفيظ القرءان وبناء المساجد في الدول الفقيرة[30].

أما في عهد ثورة 17 فبراير، ومع وجود الانقسامات السياسية الداخلية فقد استخدمت الحكومات الليبية الاقتصاد كنوع من أدوات السياسة الخارجية لتعكس حسن الجوار والتعاون مع الدول العربية الجارة ومنها على سبيل المثال ما صرح به رئيس الوزراء الليبي على زيدان ان المصرف المركزي حر في تعامله في وضع وديعة بقيمة 2 مليار دولار في البنك المركزي المصري وهو نوع من المساعدات في الفترة التي يمر بها المركزي المصري بنقص في قيمة العملات الأجنبية[31].

كما أن ليبيا استعملت هذه السياسة واستمرت في استعمالها عدة مرات منها مع الجارة العربية تونس مرتين الأولى كانت في عهد المؤتمر الوطني حين وافق رئيسه محمد المقريف على وضع منحة قدرها 200 مليون دولار في البنك التونسي حسب ما صرح بها الرئيس المنصف المرزوقي[32]. أما الأخرى منها حين بداية الأزمة الاقتصادية التونسية في عهد السيدة بودن وهذا ما تعهد به رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بمساعدة الجارة الشقيقة تونس للخروج من أزمتها[33].

دبلوماسيا، كون أن الدبلوماسية تعد من أفضل أدوات السياسة الخارجية ذات التكلفة الأقل للوصول إلى الأهداف المرجوة، وكونها تحتوي على عملية التفاوض والتمثيل بين الكيانات والمؤسسات الدولية[34].

استخدم القذافي الدبلوماسية بعد أن كانت دولته من الدول المارقة مثل العراق وكوريا الشمالية غير أن القذافي حاول تفادي الحرب عليه وفك الحصار بعد محاولته لامتلاك السلاح النووي واتهامه بدعم الجماعات الإرهابية وقد كان من قبلها تفادى عواقب وتبعات تفجير الطائرة الأمريكية فقد استخدم المفاوضات السرية المباشرة التي بدأت في السنوات الأخيرة من إدارة كلينتون واستمرت في إدارة جورج دبليو بوش، وبلغت ذروتها في اتفاق 19 كانون الأول (ديسمبر) بشأن أسلحة الدمار الشامل (1999-2003)[35].

أما بعد ثورة فبراير فقد انكفأت الدبلوماسية الليبية على نفسها نتيجة الانقسامات السياسية إلى أن وصلت  الوزيرة نجلاء المنقوش إلى وزارة الخارجية فقدمت دبلوماسية ناجحة أعادت الهيبة للمؤسسة الدبلوماسية في المحافل الدولية فشاركت في انشاء الجمعية العالمية النسوية لتعطي انطباعاً جيداً دولياً على قدرة المرأة الليبية في المشاركة في العملية السياسة واستمرت في فرض شخصيتها كقيادية ودبلوماسية ناجحة  فتح باباً أخطر وهو فتح قنوات دبلوماسية والتفاوض مع الدبلوماسية الإسرائيلية لمناقشة موضوع التطبيع وهو من المواضيع الحساسة وغير المرغوب فيها داخل الرأي العام الليبي غير أنه ربما فشلها في إدارة المفاوضات دفع مثيلها الإسرائيلي ليصرح عن هذه المفاوضات التي عقدت في روما والتي أثارت حفيظة الرأي العام في ليبيا مما أدى برئيس الحكومة الليبية إلى إيقاف الوزيرة واحالتها للتحقيق.

خامساً:إعادة ترتيب الأحلاف في النظام الدولي

تتعدد المحددات الخارجية المؤثرة في صناعة السياسة الخارجية كما هو الحال في المؤثرات الداخلية، غير أن الخارجية منها بطبيعتها خارج نطاق ممارسة السلطة أو تنشأ نتيجة للتفاعل مع وحدة دولية أخرى منها التفاعلات والمواقف الدولية والنسق وحالة الاستقطاب فيه وتوزيع القوى التي تعورف عليها بالنظام الدولي [36]. بطبيعة الحال إن ابسط مدرك للتحول في النظام الدولي هو عبارة عن عملية نهاية النظام الدولي القائم وبداية لتبلور ملامح نظام جديد، حيث تحدث تحولات جذرية في مختلف عناصر النظام القائم، وعلى سبيل المثال انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو مما أدى إلى نهاية الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي وسيطرة القطب الواحد على النظام الدولي القائم[37]. ومن ناحية أخرى جرت العادة أن صناعة القرارات السياسة الخارجية تصنع في بيئة خاصة استراتيجية وبالتالي فإنها تتأثر بسلوك الخصوم والحلفاء ومنها فإن إحدى أهم هذه المؤثرات الدولية هو تكوين الأحلاف وهو من أكثر الاشكال شيوعا[38]. كما أن أنصار مبدأ توازن القوى في المدرسة الواقعية يرون أن الأحلاف هي عنصر مهم وفعال في عملية الاستقرار الدولي وبالتالي فإن ظاهرة الأحلاف الدولية تعد أداة تلجأ إليها لتحقيق أهدافها في النظام الدولي[39].

بعد الاستقلال عام1951 مرت ليبيا بعدة ظروف تتعلق بواقع السياسة الخارجية منها قلة الأشخاص المتعلمين الذين يستطيعون القيام بأعمال دبلوماسية لتمثيل البلاد في الخارج، واعتماد ليبيا على المساعدات الخارجية. تميزت العلاقة الليبية بفتور العلاقة بالاتحاد السوفييتي الذي لم ينكر أطماعه في صناعة نفوذ له داخل طرابلس[40]. بينما في المقابل ارتباطها بالمعسكر الغربي جعلها توقع مع بريطانيا في 29 يوليو 1953 معاهدة للصداقة والتحالف سخّرت فيها الأراضي الليبية لتكون قاعدة للقوات العسكرية البريطانية لمدة عشرين عاما[41].

مع وصول العقيد القذافي للسلطة في عام1969 بدأ عهده بإنهاء معاهدات 1953 و1954 التي أعطت للمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية الحق في قيام قواعد جوية على الأراضي الليبية، كما تم طرد المقيمين الإيطاليين كنوع من بناء أيديولوجيا جديدة تعتمد على مناهضة الاستعمار[42]. بالمقابل اعتمد العقيد القذافي الاشتراكية جزءاً من ايدولوجيا الدولة وبذلك ابتعد كثيراً عن الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وخاض معهم عقدين من التباعد الذي فرضت فيه الولايات المتحدة الامريكية عقوبات جزئية طيلة السبعينات وحصار شامل على قطاع النفط طيلة الثمانينات، غير أن سياسة العقوبات تتراجع تدريجياً مع منتصف التسعينات كما ذكر سابقا.  قدم العقيد تنازلات وتغييراً في السياسة الخارجية الليبية فقد قام بتحرير جزء من التجارة الخارجية كما قام بتسليم المواطنين الليبيين المسؤولين عن تفجير لوكربي، وأخذت السياسة الخارجية طابعاً جديداً فقد قادت وساطة ناجحة مع مجموعة أبو سياف الإرهابية في الفلبين بعد قيام الأخيرة بخطف العشرات من المواطنين الأوروبيين في الفلبين هذا ما فتح الطريق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي. كما أنها قدمت معلومات عن الجماعة الإرهابية (أغلبها معارضة لنظام القذافي) وأيضا صرّح وزير الخارجية الليبي بأن ليبيا “قبلت المسؤولية المدنية عن تصرفات مسؤوليها في قضية لوكربي”، وفي سبتمبر/أيلول 2003، وبذلك رفع مجلس الامن رسميا العقوبات التي فرضها على ليبيا بموجب القرارين: (829 و957)[43]. وبذلك شهدت السياسة الخارجية الليبية تغييراً في الأولويات والحلفاء بالانفتاح على الغرب بعد فترة من القطيعة.

مع تميز حقبة ثورة فبراير بالانشقاقات السياسة أخذ التعاون بين الدول والجهات الخارجية أشكال علاقات متنوعة مبنية على نوع المصالح لهذه الدول بالدرجة الأولى ثم على مصلحة الطرف السياسي الليبي في الصراع، فعلى سبيل المثال  جاء التعاون بين روسيا وليبيا بشكل مختلف عند تعاون روسيا مع المشير خليفة حفتر بمده بالسلاح وقوات الفاقنر وأيضا من الناحية الاقتصادية بطباعة عملة ورقية في روسيا،[44] وهذا يعد من الأشياء غير المتعارف عليها في ليبيا مسبقا لأن هذه العملة لم يكن لها رصيد من الذهب، غير أن مع وصول حكومة الوفاق استفادت من هذه العملة بالاعتراف بها لحل جزء بسيط من أزمة عدم توفر السيولة النقدية التي كانت تمر بها البلاد.

بالمقابل استعان المجلس الرئاسي بالقوات التركية لصد الهجوم الذي قام به المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس، ثم تطورت العلاقات بين المجلس الرئاسي والدولة التركية لتوقيع معاهدة صداقة رسّمت بها الحدود الليبية التركية. وقد تظهر هذه المعاهدة رداً للجميل لما قام به الجيش التركي في صد العدوان عن مدينة طرابلس، غير أن العلاقات التركية لم تقتصر في اتجاه طرابلس بقدر ما وثقت تركيا علاقاتها مع جميع الأطراف المتصارعة، وبالتالي وصول رئيس حكومة الوحدة الوطنية إلى المنطقة الشرقية كان بالتنسيق مع السفارة التركية ورعايتها لإنجاح الاستقرار النسبي في ليبيا طيلة فترة حكومة الوحدة الوطنية.

الخاتمة :

للسياسة الخارجية الليبية محطات غامرة بالأحداث والمواقف السياسة التي دعت للوقوف عليها والخوض في عملية تفسيرها وصولاً إلى تعميمات قد تساعد صانع هذه السياسة على الاستفادة منها في التاريخ القريب. فبالرغم من أن الدستور الليبي أعطى الملك سلطاتٍ واسعة في تشريع القوانين وتنفيذ السياسات والمشاركة في السياسة الخارجية، إلا أن الملك لم يحاول استغلال هذه المعطيات لبناء أمجاد شخصية له ليبني تاريخ شخصي له على أنه قائدٌ عربي قومي أو أممي عالمي، وبالتالي فإن أهداف السياسة الخارجية للملك كانت الحفاظ على استقلال البلاد والعمل على بنائها باختيار حلفاء دوليين مناسبين لعملية التنمية المستدامة في ليبيا.

 أما بالنسبة للمرحلة الثانية في طور عمر الدولة الليبية والتي حكمها العقيد القذافي فقد تغيرت أهداف السياسة الخارجية الليبية كل التغير عن المرحلة السابقة، بل أخدت تغيرات عدة مرات وتباينت في مرحلة العقيد نفسه ليظهر أمام العالم أنه القائد والمفكر الأممي والذي يحمل على عاتقه هموم البشرية والقوميات المضطهدة.

بينما في المرحلة الثالثة من طور وعمر الدولة الليبية وهو العهد الحالي الذي تقوده ثورة 17 فبراير فقد طبعت الانقسامات السياسة على تركيب المؤسسة الدبلوماسية في البلاد لوجود وزارتي خارجية واحدة في الغرب وأخرى في الشرق لفترة طويلة نستطيع وصفها بالانعزال والانكفاء تخللها تميز لفترة حكومة الوحدة الوطنية التي لم يصمد رأسها المتمثل في وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش التي اتبعت نهجاً عقلانياً أكثر من زملائها السابقين في بناء أهداف السياسة الخارجية العليا واعطاء انطباع جديد على مقدرة المرأة الليبية في القيادة والمشاركة داخل المحافل والمؤسسات الدولية.

وفيما يتعلق بأدوات وآليات السياسة الخارجية الليبية فقد تباينت في الأطوار الثلاثة من عمر الدولة الليبية فالملك فضل العزلة والحياد في القضايا الإقليمية والدولية لهذا كانت دبلوماسيته مبنية على الاحترام لخصوصيات الدول. ليتميز العقيد القذافي بتصدير نفسه قائد قوميا عربيا وأمميا فيستخدم بكل برغماتية أدوات السياسة الخارجية بين التهديد باستعمال القوة إلى استعمالها من قبل واستخدام الموارد النفطية لنشر الأيديولوجيا التي نبعت من الكتاب الأخضر لدعم بعض حركات التحرر التي رصدت دوليا بأنها حركات إرهابية تؤثر على الأمن والسلم الدوليين. والطور الثالث من عمر الدولة الليبية كان استخدام المساعدات الاقتصادية هو أبرز أدوات السياسة الخارجية استعمالات في فترات متقطعة وإلى جهات عربية تربطها بالقيادات السياسة علاقات متميزة رغم إن الدولة تمر بخلاف سياسي مستمر.

هذه الأهداف والأدوات الخاصة بالسياسة الخارجية الليبية طيلة الأطوار الثلاثة كانت تستقر في المجتمع الدولي مستندة على حليف قوي قد يكون له شراكة في التنمية الداخلية في ليبيا لزيادة الترابط البيني وهذا ما كشفت عنه سياسة الملك بإبرام معاهدات مع بريطانيا وأمريكا رغم سياسته الحيادية فيما يدور حوله من قضايا إقليمية ودولية، وأيضا مارس القذافي اختيار حليفه الاتحاد السوفيتي الاشتراكي ليكون الركيزة الأولى في انطلاقه نحو المجتمع الدولي بعد وصوله للسلطة، إلى أن أعاد النظر في سياسته وعلاقته مع الغرب والتي مارس فيها الدبلوماسية للخروج من نفق الدول المارقة والراعية للإرهاب، ليحاول القفز على الماضي قبل أن يجرفه التيار الذي أحلّ ثورة فبراير مكانه في السلطة والتي بدورها ما تزال حائرة في البحث عن الحليف الدولي في وسط نظام عالمي سريع تغيير القوى في زمن انتشار عدوى الازمات الاقتصادية.

التوصيات:

-إن عملية إعادة النظر في أهداف السياسة الخارجية والتي تعد أهدافا عليا للدولة تقف وتعتمد على وجود نخب وقيادات تعتمد على عقلنة الأهداف أكثر من اعتمادها على الايدولوجيا في مرحلة تمر بها ليبيا بصراعات واختلافات سياسية لهذا توصي الورقة بالاعتناء بعملية تكوين النخب والقيادات المتعلقة بصناعة السياسة الخارجية.

-باعتبار أن ليبيا لا يتسنى لها في هذا الوقت استخدام كل أدوات السياسة الخارجية لهذا توصي الورقة بالاعتماد على الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى ومشاركة هذا في عملية الاستقرار والاعمار المقبلة.

-إن عملية ترتيب الأولويات في أهداف السياسة الخارجية الليبية قد تعتمد على الحليف الدولي في مرحلة فقدت فيها ليبيا مكانتها الدولية وربما تتشابه بمرحلة الاستقلال عندما بدأت الدولة في عملية البناء من الصفر لهذا توصي الورقة باختيار حلفاء يكون لهم وضع الجيوسياسي في المنطقة يساعد على الاستقرار.

-إن عملية التموقع في المجتمع الدولي تحتاج الى عدة حلفاء قد يكونون مختلفين من حيث الاعتماد على البعض في الجانب الاقتصادي والبعض الأخر في الجانب السياسي أو العسكري، وأفضل مثال في الحاضر هو اشراك الجانب التركي في ضمانات عملية سياسة مستقبلة بعد أن تحصل على الثقة من الأطراف السياسة الليبية المتصارعة وبعد المساعدة في إنهاء الهجوم على طرابلس تم فتح الطرف التركي علاقة مع كل الأطراف، ناهيك عن تمتع تركيا مع أغلب الأطراف الدولية المتصارعة في ليبيا بعلاقة جيدة لهذا توصي الورقة بزيادة تطوير العلاقات البينية مع الدولة التركية واشراكها استراتيجيا في عملية الاستقرار والاعمار.


[1] -زينب فريح، “تغيير السياسة الخارجية: مسح لاهم المقاربات النظرية” دفاتر السياسة والقانون، الجزائر، جامعة قاصدي مرباح، السنة الحادية عشر المجلد 11 العدد الأول، ص 18-19.

[2] -زينب فرج، المصدر السابق، ص ص 20-22.

[3] – ميلاد مفتاح الحراثي، تأثير العامل الخارجي على سياسة الدول: دراسة حالة السياسة الخارجية الاوروبية تجاه ليبيا خلال فترة الحرب الباردة 1970-1990, المركز الديمقراطي العربي, 19. نوفمبر 2018, تاريخ الزيارة 22\8\2023, https://democraticac.de/

[4] – محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، الطبعة الثانية (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية, 1998) ص 100.

[5] –  Knutsen, T. L. (1999). Kenneth Waltz’ theory of international politics. INTERNASJONAL POLITIKK, 57(2), 338-361.‏

[6]محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره 187-188.

[7] – أليكس منينتس، كاول دي روين الابن، فهم السياسة الخارجية، ترجمة أحمد ياسين، (أبوطبي, مركز الامارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2016) ص 159.

[8] – البشير علي الكوت، الثابت والمتحول في ظاهرة السياسة الخارجية الليبية، الجامعي، طرابلس، النقابة العامة لأعضاء هيئة التدريس الجامعي، عدد 22 (2015) ص 112.

[9] –  Joffé, G., & Paoletti, E. (2011). The foreign policy process in Libya. The Journal of North African Studies, 16(2), 183-213.

[10] –  Stottlemyre, S. (2012). Tactical flexibility: Libyan foreign policy under Qadhafi, 1969–2004. Digest of Middle East Studies, 21(1), p179.‏

* نجلاء المنقوش: هي وزيرة الخارجية الليبية في حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها السيد: عبد الحميد الدبيبة، والسيدة المنقوش أوقفت واحيلت للتحقيق على إثر تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي بانه أجرى مفاوضات للتطبيع مع الدولة الليبية بقيادة الوزيرة، وهذه الاحداث تزامنت مع كتابة هذه الورقة وربما تحمل الأيام القادمة بعد التغيرات والمواقف المفاجئ. 

[11] – أليكس منينتس، كاول دي روين الابن، فهم السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص ص 237-238.

[12] – يعد نموذج الفاعل العقلاني جزء محوريا في صناعة قرارات السياسة الخارجية والذي يفترض بدوره أن يكون صانع القرار قادرا على ترتيب الافضليات. للتوسع في هذا المدرك والانتقادات التي وجهت له انظر فهم السياسة الخارجية، ص 95.

[13] –  محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره ص23.

[14] – المرجع السابق ص25.

[15]البشير علي الكوت، الثابت والمتحول في ظاهرة السياسة الخارجية الليبية، مرجع سبق ذكره، ص113.

[16] –  Stottlemyre, S. (2012). Tactical flexibility: Libyan foreign policy under Qadhafi, Op. cit.  pp182-183.‏

[17] –  St. John, R. B. (1986). Terrorism and Libyan foreign policy, 1981-1986. The World Today42(7), pp 112-113.‏

[18] –  Zoubir, Y. H. (2006). The United States and Libya: from confrontation to normalization. Middle East Policy, 13(2), pp50-51.‏

[19] –  ibid. pp 58-55.‏

[20] –  مصطفى خشيم، المفهوم الجديد للسياسة الخارجية ومدى علاقة ذلك بالسياسة الخارجية الليبية الجديدة، ليبيا المستقبل 22/2/ 2012 تاريخ الزيارة 21\8\2023. https://archive2.libya-al-mostakbal.org/

[21] – نوران رقراق، ماذا تعني السّياسة الخارجيّة النّسويّة لليبيا؟، التحرير، 17 ماي 2022, وقت الزيارة 26\8\2023. https://timep.org/

[22] – يوسف محمد الصواني، السياسة الخارجية الليبية.. نحو رؤية انتقالية تحقق المصلحة الوطنية، الشروق 20 \5\ 2021 وقت الزيارة 26\8\2023 https://www.shorouknews.com/

[23] – محمد ارتيم، اتفاق ليبي أوروبي للحد من الهجرة غير النظامية، وكالة الأناضول للأنباء، 29.05.2021، وقت الزيارة 27\8\2023، https://www.aa.com.tr/ar

[24] –  محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص ص 92-95.

[25] –   محمد مسعود عاشور، الحرب كأداة من أدوات السياسة الخارجية، مجلة العلوم الإنسانية والتطبيقية، المجلد الخامس والعشرون (ديسمبر،  2014) ص 92.

[26] – أمين محمد، الحدود الليبية التشادية ملاذ القذافي، الجزيرة نت، 29/3/2011 وقت الزيارة 10\9\2023. https://www.aljazeera.net/news

[27] – أحمد علي الأطرش، العلاقات الليبية-التونسية: الواقع والمآلات وآفاق التطوير، مركز الجزيرة للدراسات، 4 مارس 2021 وقت الزيارة 10\9\2023. https://studies.aljazeera.net/

[28] –  جون رايت، تاريخ ليبيا منذ أقدم العصور، ترجمة: عبد الحفيظ الميار وأحمد اليازوري (طرابلس: مكتبة الفرجاني، الطبعة الأولى 1972) ص 226

[29]البشير علي الكوت، الثابت والمتحول في ظاهرة السياسة الخارجية الليبية، مرجع سبق ذكره، ص 114.

[30] – محمد عبد الله، جمعية الدعوة الاسلامية بين الحقيقة والادعاء، ليبيا المستقبل، 20/1/2012 وقت الزيارة 10\9\2023

https://www.libya-al-mostakbal.org/

[31] – ليبيا تودع ملياري دولار في البنك المركزي المصري، عربي BBC NWES 14 \4\2013، وقت الزيارة 10\9\2023. https://www.bbc.com/arabic

[32] – منحة ليبية لتونس بمائتي مليون دولار، الجزيرة نت، 22/11/2012 وقت الزيارة 10\9\2023.  https://www.aljazeera.net

[33] – الحكومة التونسية تستنجد بليبيا من شروط “صندوق النقد” (تحليل) الأناضول، 31.05.2021 وقت الزيارة 10\9\2023. https://www.aa.com.tr/ar

[34] – زايد عبيد الله مصباح، السياسة الخارجية، (طرابلس: دار تالة للطباعة والنشر، الطبعة، الثانية 1999) ص 173.

[35] – Jentleson, B. W., & Whytock, C. A. (2005). Who “won” Libya? The force-diplomacy debate and its implications for theory and policy. International Security, 30(3) PP 50-54.‏

[36]محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مرجع يبق ذكره، ص138.

[37] –  خليل عرنوس سليمان، الأزمة الدولية والنظام الدولي 2011, الدوحة المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية ص ص 4-5.

[38] – – أليكس منينتس، كاول دي روين الابن، فهم السياسة الخارجية، مرجع سبق ذكره، ص ص 199-207.

[39] – محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجي، مرجع سبق ذكره، ص ص 279-281.

[40] –  Cecil, C. O. (1965). The determinants of Libyan foreign policy. Middle East Journal, 19(1), p21.‏

[41] –  فوزي أحمد تيم، عطا محمد صالح، النظم السياسة العربية المعاصرة، بنغازي دار الكتب الوطنية الثانية 1426 ص373

[42] –  St John, R. B. (1981). Libya’s Foreign and Domestic Policies. Current History, 80(470), p 264.

[43] –  Mateos, E. S. (2005). Libya’s Return to the International Scene: Profiles. Mediterranean politics, 10(3), pp 441-442.‏

[44] –  Sánchez-Mateos, E. (2020). Internal dystrophy and international rivalry: the (de-) construction of Libyan foreign policy. In Foreign Policy in North Africa. p12.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى