إنعكاسات الحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الأوروبي
د. سعد حقي توفيق
أكاديمي ومفكر عراقي، أستاذ العلوم السياسية معهد العلمين للدراسات العليا، العراق، من مؤلفاته: “النظام الدولي الجديد: دراسة في مستقبل العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة”، “مبادئ العلاقات الدولية”، “علاقات العرب الدولية في مطلع القرن الحادي والعشرين”، “الاستراتيجية النووية بعد انتهاء الحرب الباردة”، “تاريخ العلاقات الدولية”.
مقدمة:
أثارت الحرب الروسية-الأوكرانية مخاطر كبيرة على الأمن العالمي نتيجة لآثارها الكبيرة على مختلف دول العالم، ومن بين أبرزها آثارها السياسية والاقتصادية، كما أصبح لها آثار مباشرة على الأمن الأوروبي بسبب القرب الجغرافي بين أوكرانيا ودول الإتحاد الأوربي، حيث تعد أوكرانيا الإطلالة الروسية على أوروبا الشرقية، وبسبب الترابط والتشابك الإقتصادي بين روسيا والإتحاد الأوروبي، تركت الإعتمادية الأوروبية على مصادر الطاقة الروسية آثار مهمة على الأمن الأوروبي.
وسنحاول في هذا البحث إلقاء الضوء على آثار الحرب على الأمن الأوروبي من خلال تناول العناصر الآتية: روسيا والحرب على أوكرانيا، الاتحاد الاوربي والحرب الروسية-الأوكرانية، تطور أهداف روسيا والولايات المتحدة من الحرب، آثار الحرب على الأمن العسكري للإتحاد الأوربي، آثار الحرب على الأمن الاقتصادي والطاقة، تقييم آثار الحرب على الأمن الأوربي.
أولاً- روسيا والحرب على أوكرانيا:
لقد تغير المركز الجيوستراتيجي في روسيا بعد إنتهاء الحرب الباردة في غير صالحها، وتمثل ذلك في انضمام دول المعسكر الاشتراكي السابق في أوروبا الشرقية إلى حلف شمال الأطلسي مما شكل تحدياً كبيراً لها. وعلى الرغم من عدم وجود رد فعل روسي قوي على هذا التطور، وقبولها بالأمر الواقع في عهد الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، فقد تغير الأامر في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
أصبحت روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في مرحلة تراجع وضعف، وكانت تعول على مساعدة الغرب لها اقتصادياً، ولكن لم يكن ما قدمه لها الغرب يلبي طموحاتها. وشهدت روسيا حالة انكفاء دامت ما يقارب العقدين من الزمن لإنشغالها بمشاكلها الداخلية التي تمثلت في الأزمة الاقتصادية ومشكلة الشيشان[1].
وشكَّل هذا الواقع أول إنتكاسة للإستراتيجية الروسية، إذ قبلت روسيا بمعاهدات خفض الأسلحة النووية الاستراتيجية مثل معاهدات (ستارت1) و(ستارت2) و(ستارت الجديدة2010)، وقبلت بقرارات مجلس الأمن التي عبرت عن مساندة للسياسة الأمريكية، إذ أن وضعها الداخلي لم يكن يسمح لها باتخاذ مواقف وقرارات من شأنها أن تقف بوجه الولايات المتحدة، ولم يكن لها رد فعل قوي على الهجوم الذي شنه حلف الأطلسي على صربيا في العام 1999 بسبب أزمة كوسوفو، وقبلها عدم ردها على هجمات حلف الأطلسي أيضا على القوات الصربية في البوسنة والهرسك[2].
ومع صعود بوتين إلى السلطة في العام 2000 استمرت روسيا في تبني مواقف مهادنة ومؤيدة للولايات المتحدة، ولاسيما تجاه أحداث 11 سبتمبر 2001، وكذلك التعاون معها في الهجوم على أفغانستان في خريف ذلك العام، ومحاربة الإرهاب الذي عانت منه روسيا في بعض مدنها[3].
ولكن تغير موقف روسيا تدريجياً بسبب أحداث لاحقة مثل الحرب على العراق في العام 2003، والحرب في جورجيا في العام 2008، حينما وجد بوتين أن الولايات المتحدة والغرب عموماً لا يريدان أن تعود روسيا إلى مكانتها العالمية التي كانت عليها سابقاً، حيث أخذت الاختلافات في وجهات النظر تظهر تدريجياً حول العديد من القضايا الدولية والاقليمية، ولاسيما أن روسيا في عهد بوتين استطاعت أن تستعيد قدراتها العسكرية وتنظيم جيشها، وتحسين وضعها الإقتصادي نتيجة قيامها بتصدير النفط والغاز، مما أضفت إدارة بوتين استقرارا على الحياة السياسية الروسية ونمواً اقتصادياً[4].
ولكن مساعي الولايات المتحدة لضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي منذ العام 2008 في مؤتمر الحلف في بوخارست شكَّل مرحلة فاصلة في استراتيجية روسيا تجاه الغرب، حيث رفضت روسيا إنضمام أوكرانيا إلى الحلف وعدّت ذلك خطراً وجودياً عليها. وعلى الرغم من أن هذا الانضمام شمل أيضا إدخال جورجيا في الحلف ولكن قضية انضمام هذه الأخيرة يختلف عن انضمام أوكرانيا. فأوكرانيا هي المنفذ الرئيسي الذي يطل على أوروبا الشرقية، وهي المنطقة المفتوحة على أراضيها، وبدون شك كان الترابط التاريخي بين روسيا وأوكرانيا سبباً للرغبة الروسية بعدم التخلي عنها. بالإضافة الى ذلك، وجود أقليات روسية في شرق أوكرانيا وفي المنطقة المجاورة لروسيا والتي يتكلم سكانها اللغة الروسية ويرغبون بالانضمام إلى روسيا. كما أن شعور روسيا بالظلم الذي تعانيه هذه الأقليات من حكومة أوكرانيا واضطهادها لهم، دفعهم إلى التمرد على سلطة كييف منذ العام 2014، وهو العام الذي شهد بداية الأزمة اذ ضمت روسيا إليها شبه جزيرة القرم[5].
شعرت روسيا بأن مساعي الحكومة الأوكرانية بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يهدد وجودها، وأن هذه الحكومة قد طوّرت علاقاتها مع الولايات المتحدة وأصبحت أفضل تسليحاً وغدت علاقاتها مع الغرب وثيقة، ولم تعد روسيا تتحمل خسارة أوكرانيا، فضلاً عن مساعي إدارة بايدن لتحطيم والقضاء على المكاسب الإقليمية التي تحققت لروسيا والعمل على اضعاف الحكومة الروسية بشكل دائم[6].
لقد قبل بوتين بصعوبة توسيع حلف الأطلسي ليشمل دول البلطيق ودول أوروبا الشرقية، والمشكلة بدت صعبة حينما واجه مسألة انضمام أوكرانيا إلى الحلف. وقد مارس بوتين ضغوطا على الحكومات الأوكرانية المتعاقبة من أجل عدم الانضمام إلى الحلف، ولكنه واجه صعوبات مع حكومات تميل إلى الغرب والولايات المتحدة خصوصاً، وتنظر بلهفة لإنضمامها إلى الاتحاد الأوربي. وقد واجه الأخير تحديات خطيرة عندما اندلعت الحرب وخشي من وصولها إلى أراضيه ولهذا لم تقبل بعض دول أوروبا انضمام أوكرانيا لحلف الأطلسي طالما أن ذلك لا يهدد أمنها بشكل مباشر، ومن بينها حكومات ألمانيا وفرنسا[7].
لقد ارتبطت قضية الأمن الأوروبي بالحرب الباردة السابقةـ، وكذلك ببناء الإتحاد الأوروبي، فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية واجهت أوروبا خطراً جديداً تمثل بالتحدي السوفيتي الذي هيمن على أوروبا الشرقية، وطرح تحديا في مواجهة أوروبا الغربية التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي. وظهرت مشاريع كثيرة لضمان الأمن الأوروبي خلال الحرب الباردة منها انشاء جيش أوروبي، ولكنها مشاريع لم تتحقق وبقيت حبرا على ورق، وظهرت مشاريع جديدة بعد نجاح التجربة الأوروبية لإقامة بنية أمنية أوربية جديدة[8].
ثانياً- الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية-الأوكرانية:
لقد تميزت مساعي الإتحاد الاوربي في ايجاد سياسة أمنية ودفاعية مشتركة بوجود تيارين في داخل الاتحاد:
1-التيار الأول: كان يسعى إلى إيجاد هوية أمنية ودفاعية خاصة بالاتحاد الاوربي ولكن ضمن إطار حلف الأطلسي.
2-التيار الثاني: وكان يريد ايجاد سياسة دفاعية وأمنية خاصة بالاتحاد الاوربي خارج حلف الأطلسي، تقوم على بناء قوة عسكرية خاصة بالاتحاد الاوربي.
ومن خلال هذه الرؤية، فقد استمرت المحاولات لبناء سياسة أمنية وعسكرية خاصة بالاتحاد الاوربي، ولكنها لم تكن في الواقع خارج الترتيبات العسكرية والتزامات الدول الأعضاء في حلف الأطلسي. وبقيت المسألة الأساسية في علاقة الحلف بالاتحاد الأوروبي تتمثل في ايجاد وسائل وأطر تعاون في المجال الأمني والدفاعي بين دول الاتحاد دون الانتقاص من الدور المركزي للحلف والتزامات الدول الأعضاء خاصة، وكانت الادارة الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة (ادارة كلنتون) ترغب في ترك أوروبا وحدها تتصرف ولكن ضمن هياكل التحالف معها عبر حلف الأطلسي[9].
ومنذ اتفاقية ماستريخت لعام 1992، والتي ولد منها الإتحاد الأوروبي في العام 1993، بدأت خطوات صياغة سياسة أمنية ودفاعية خاصة بالاتحاد، علما أن معاهدة ماستريخت قد أوكلت إلى اتحاد غرب أوروبا، بموجب الفقرة (4) من الإتفاقية مهمة تطوير وتنفيذ القرارات والمواقف التي يتخذها الاتحاد ذات البعد الدفاعي[10].
وقد تبع ذلك قيام الاتحاد الأوروبي باتخاذ اجراءات أمنية ودفاعية لتأسيس بنية عسكرية له، مثل انشاء يورو كورب (القوة الاوربية) 1993[11]. وفي قمة تولوز 1999 الفرنسية-الألمانية اقترحت الدولتان ايجاد قوة عسكرية تدخل تحت تصرف الاتحاد الاوربي في وقت الازمات[12]. وانشاء قوة الرد السريع الأوروبية[13].
وفي العام 2009 شكلت اتفاقية لشبونة مرحلة فاصلة على صعيد السياسات الأمنية والدفاعية، حيث أدخلت تعديلات هامة على السياسة الأمنية والدفاعية لتصبح بعنوان السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة، وقامت هذه الاتفاقية بتوسيع مهام بيترسبورغ في السياسة الأمنية والدفاعية بإضافة مهام انسانية ومهام الإنقاذ إضافة إلى مهام قتالية، وكان قد تم إنشاء عدد من المؤسسات الأمنية والدفاعية مثل: وكالة الدفاع الأوروبية وهيئة أركان الاتحاد الإوروبي بالإضافة إلى إنشاء عدد من اللجان[14].
ثالثاً- تطور أهداف روسيا والولايات المتحدة إزاء الحرب:
لقد تغيرت الأهداف خلال الحرب، نتيجة تغير الخارطة العسكرية على الأرض. في البداية توقع الزعماء الروس إمكانية الحاق الهزيمة بأوكرانيا خلال أيام، ولكن صمود أوكرانيا جعلهم يراجعون استراتيجيتهم، وهذا الصمود الأوكراني ناجم عن دعم الولايات المتحدة والدول الأوربية لها[15].
في البداية اتجهت القوات الروسية نحو العاصمة الأوكرانية كييف، ولكنها تراجعت وغيرت خططها في اعادة التموضع نحو شرق أوكرانيا، وبعد معارك شديدة تمكنت القوات الأوكرانية من استعادة مناطق في الشرق وتحقيق تقدم عسكري مهم فيها[16].
كان هدف الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوربيون في البداية دعم أوكرانيا منعاً لتحقيق نصر روسي والمساعدة في اجراء المفاوضات لإنهاء القتال، ولكن عندما استطاع الجيش الأوكراني من التصدي ومقاومة الجيش الروسي، لاسيما في كييف، غيرّت إدارة بايدن طريقتها وأسلوبها والتزمت بتقديم الدعم لأوكرانيا حتى تحقق هذه الأخيرة النصر[17].
أما روسيا فقد اتسعت طموحاتها مع تطور الحرب ومع تصاعد الدعم الغربي لأوكرانيا. وتوسعت أهدافها من هدف رئيسي يتمثل في منع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف الأطلسي مع التزامها بتنفيذ بنود اتفاقية مينسك الثانية لعام 2015، و مع ابقاء اقليم الدونباس جزءا من أوكرانيا وتمتعه بالحكم الذاتي، إلى اجراء استفتاءات في الإقليم لغرض ضمه إلى روسيا[18].
وهكذا أصبح الصراع أكثر تعقيداً وتصلباً، ولا يبدو أن أي طرف يريد تحقيق تسوية للحرب إلا بعد حسم نتائجها لصالحه. فأصبحت روسيا تواجه تهديداً أكبر مما كان عليه الوضع قبل الحرب، ويعزى ذلك إلى أن ادارة بايدن تريد تدميره والقضاء على المكاسب الإقليمية التي تحققت لروسيا، والعمل على اضعاف القوة الروسية بشكل دائم. والواقع أن أوكرانيا غدت أفضل تسليحاً، وأصبح تحالفها مع الغرب وثيقاً. ولم تعد روسيا قادرة على تحمل خسارة أوكرانيا التي أخذت تستخدم كل الوسائل المتاحة لتجنب الهزيمة. وأن إصرار كل طرف منهما الغرب وأوكرانيا من جهة وروسيا من جهة أخرى على تحقيق النصر وتجنب الهزيمة يجعل مسألة التسوية ضعيفة. فلا أوكرانيا ولا الولايات المتحدة تقبل أوكرانيا محايدة كما تريد روسيا، ولا روسيا اصبحت تقبل أن تعيد جميع الأراضي التي استولت عليها في أوكرانيا[19].
سعت روسيا إلى تفادي المواجهة المباشرة مع حلف الأطلسي، وأن استراتيجية الحرب أخذت تتعدى حدود إدارة المعارك مع القوات الأوكرانية إلى رؤية أوسع تتمحور حول الصراع مع الولايات المتحدة وحلفاءها. حيث أصبحت روسيا تربط بين الموقف الميداني في المعارك الجارية الآن وبين أهدافها الاستراتيجية في الصراع مع الغرب. ولم تعد كما كان في بداية الحرب حين تصوّر الروس أن بإمكانهم كسب المعركة سريعاً بالقضاء على نظام الحكم الموالي للغرب في كييف، واستبداله بنظام آخر موال لروسيا، أو على الأقل نظاماً يحافظ على حياد أوكرانيا ويمنع دخولها في حلف الأطلسي[20].
فبعدما أظهرت القوات الأوكرانية قدرة عالية على المقاومة والتصدي للجيش الروسي لم تكن محسوبة بدقة من قبل القادة العسكريين الروس الذين حاولوا مفاجأة الرئيس الأوكراني باحتلال كييف، والذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها إلى دعم أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً[21]. وتبين أن الهدف الروسي أبعد من ذلك، إذ تسعى روسيا إلى تغيير النظام الدولي لتصبح طرفاً فاعلاً فيه بوصفها دولة كبرى، وأنها تريد استعادة مركز الدولة العظمى في العالم، وأن يصبح النظام الدولي متعدد الأقطاب، والعمل على إنهاء الهيمنة الأمريكية في ظل القطبية الأحادية، غدت روسيا دولة تعديلية تريد تغيير الوضع الراهن لصالحها.
رابعاً- آثار الحرب على الأمن العسكري للاتحاد الأوروبي:
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى دفع دول الاتحاد الاوربي لمراجعة قضية الأمن الأوروبي، ومراجعة دراسة الحرب غير التقليدية في الحسابات الأمنية الأوربية لصالح التهديدات الأمنية التقليدية. كما تأكدت أن روسيا لاتزال وستظل طرفاً مؤثراً في توازن القوى الأوروبي بشكل مباشر بسبب قدراتها العسكرية الضخمة، وبشكل غير مباشر من خلال دعمها لدول معينة في شرق أوروبا[22].
ولقد أصبح إهتمام دول الإتحاد الأوروبي بضرورة ايجاد بنية أمنية خاصة بها على مدى السنوات المنصرمة، ولاسيما بعد ضم روسيا للقرم الأوكراني لها في العام 2014. وفي مؤتمر سياسات الأمن الذي عقد في ميونيخ بألمانيا في شباط من العام 2015 ظهرت خلافات أمريكية-أوروبية حول الأمن المطلوب لحماية أوروبا أثناء الأزمات والحروب، وبرز رأي قوي تؤيده الولايات المتحدة بأن الوحدة الأوروبية-الأطلنطية أصبحت ضرورة وأكثر أهمية من ذي قبل[23].
لقد اتهمت أوروبا روسيا بكسر نظام ما بعد الحرب الباردة حين تم خرق ما اتفق عليها في مؤتمر هلسنكي للأمن الأوروبي لعام 1975 الذي حضرته دول الغرب والشرق، وهو مبدأ أكد على حرمة الحدود للمنطقة الأورو أطلسية، إذ لا يمكن تعديل الحدود إلا باتفاق الأطراف. وتم انتهاك هذا المبدأ عندما غزت روسيا جورجيا في العام 2008، واعترافها باستقلال ابخازيا واوسيتيا الجنوبية[24] وشعر الغرب وأوكرانيا بأن روسيا وجهت ضربة قوية لاتفاق بودابست الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول 1994 بين الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا حول اخلاء أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا من الأسلحة النووية التي ورثتها من الإتحاد السوفيتي الذي تفكك في أواخر العام 1991، والموافقة على إنضمام هذه الدول الثلاث إلى معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية لعام 1968. وقد تضمنت المذكرة أن تتخلى الدول الثلاث عن أسلحتها النووية. وإعترفت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا بأن هذه الدول الثلاث أصحبت أطرفاً في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية[25] واتفقت على الالتزام بما يلي:
1-إحترام الاستقلال والسيادة البيلاروسية والكازاخية والأوكرانية على الحدود القائمة.
2-الإمتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا.
3-الإمتناع عن استخدام الضغط الاقتصادي على بيلاروسيا وكازخستان وأوكرانيا.
4-التماس اجراءات فورية من مجلس الأمن لتقديم المساعدة إلى أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان إذا أصبحت ضحية لعمل عدواني أو هدف لعدوان تستخدم فيه الأسلحة النووية.
5-الإمتناع عن استخدام الأسلحة النووية ضد أوكرانيا وبيلاروسيا وكازخستان.
6-تتشاور أطراف الإتفاق إذ أظهرت أسئلة بخصوص تلك الألتزامات[26].
أن استيلاء القوات الروسية على شبه جزيرة القرم وضع روسيا في حالة انتهاك لمذكرة بودابست[27]. وقد أثار الرئيس الأوكراني زيلنيسكي في مؤتمر ميونخ للأمن في شباط/ فبراير 2022 انسحاب بلاده من المذكرة لإخلال روسيا بالضمانات الممنوحة لها، بعد اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك[28] [29].
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في العام 2014 نظم حلف شمال الأطلسي عدة اجتماعات وأصدر بياناً مشتركاً في 1 نيسان/ أبريل من العام نفسه، يدين تصرفات روسيا ويدعو إلى اتخاذ تدابير ملموسة لتعزيز قدرة أوكرانيا على ضمان أمنها وتطوير قواتها المسلحة[30].
لقد كان من نتائج حرب أوكرانيا أن قويت فكرة اقامة سياسة أمنية ودفاعية مشتركة للأمن الأوروبي في تشكيل قوات أمنية منفصلة عن حلف شمال الأطلسي الذي تهمين عليه الولايات المتحدة مما يسمح لدول الإتحاد بتطوير رؤية استراتيجية موحدة ومستقلة[31].
ولمواجهة الغزو الروسي اتخذ الإتحاد الأوروبي قرارات تقضي بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، وقرر تقديم المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، وقد نجم عن الغزو تنسيق أوروبي مع الولايات المتحدة كي يبدو موقفاً موحداً أمام روسيا. في حين سعت روسيا إلى إثارة الخلافات بين الولايات المتحدة والحلف الأوروبي لأضعاف الجبهة الغربية في مواجهة غزوها.
وعلى الرغم من إدانة الاتحاد الأوروبي للغزو ووقوفه إلى جانب أوكرانيا لمواجهته، فأنه أكد على أن قرارات الإنضمام إلى الأحلاف الدولية هي محض قرارات سياسية وسيادية خاصة بكل دولة، وشدد في الوقت نفسه عن عدم تغير سياسة “الباب المفتوح” الخاصة بانضمام أعضاء جدد إلى حلف الأطلسي. ولكن في حقيقة الأمر كان هناك القليل من الحماس بين دول الإتحاد بشأن إنضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي، وترى بعض حكومات الإتحاد أن الإلتزام تجاه أوكرانيا هو إلتزام أمني فقط[32].
وأكدت دول الحلف بأنه على الرغم من رغبة أوكرانيا في الإنضمام إلى الحلف، إلا أنها في الوقت الحالي لا تندرج تحت مظلته الدفاعية لأنها ليست عضواً في الحلف[33].
وبسبب كون الحرب تقليدية قد أصبح من الواضح أن الإتحاد الأوروبي سيتجه خلال الفترة المقبلة للاعتراف بالحرب التقليدية كأحد التهديدات الرئيسية التي يمكن أن يتعرض لها أمن الدول الأعضاء بعد فترة من الزمن من عدم تضمينها كتهديد محتمل في استراتيجيات الإتحاد المتعلقة بأمنه. وسيستتبع ذلك استحداث قوة عسكرية للانتشار السريع، كما ورد في وثيقة “التوجه الاستراتيجي 2022″، لذلك شهدت المرحلة الحالية مشاورات بين الدول الأعضاء حول كيفية تشكيل هذه القوات والتي من المرجح أن تدخل حيز التنفيذ في هذا العام 2023[34].
وبالنظر لعدم وجود قوة عسكرية أوروبية جاهزة في الوقت الراهن، فمن المتوقع أن يتجه الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة إلى إقامة علاقات تكاملية مع حلف الأطلسي تسمح له بشكل رئيسي الإستفادة من قدرات الحلف العسكرية التي تطورت انعكاساً للمفهوم السياسي-العسكري للأمن الذي يتبناه الحلف منذ سنوات سواء في التصدي لأي حروب تقليدية في المستقبل أو في تعزيز قدرات قوة الإنتشار السريع التي يعمل على انشاءها، وهو ما يعني استمرار تأثير الولايات المتحدة على الحسابات الأمنية الأوربية من خلال حلف الأطلسي. ويرجح أن هذه المحاولات ربما تثني الإتحاد الأوروبي حالياً عن فكرة الإستقلال التام عن حلف الأطلسي وعن الولايات المتحدة والتي دعت إليها بعض دول الحلف في الفترة السابقة على الحرب[35].
لقد نجم عن تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية على الأمن الأوروبي نتائج كبيرة، أولها أنها سعت لإعادة النظر في نظامها الأمني والدفاعي، وهذه الحرب كانت مبرراً لتطوير دول الاتحاد الأوروبي لنظام أمنى أوروبي خالص ومستقل عن حلف الأطلسي ولا يتأثر بالسياسات الأمريكية، وقد يكون هذا الغزو الروسي متغيراً مهما قد يدفع الأوروبيين لأحداث نقلة نوعية في ترتيبات الأمن الأوروبي فيما يتعلق بالتهديدات والمخاطر الأمنية المشتركة التي تواجههم. لقد كشفت الحرب أن هناك قصوراً في ترتيبات الأمن الأوروبي على الرغم من الجهود التي بذلت في ايجاد قدر من الإجراءات والمؤسسات لحماية أمن الدول الأوروبية، حيث بدا واضحاً أن هناك ضعفاً في الجانب العسكري لتلك الترتيبات الأمنية[36].
ومن بين آثار الحرب على الأمن الأوروبي هو سعي بعض الدول الأوربية المحايدة مثل فنلندا والسويد، إلى التخلي عن سياسة الحياد والانضمام إلى حلف الأطلسي بسبب عدم قناعتها بجدوى الحياد في الحفاظ على أمنها القومي نتيجة للغزو الروسي لأوكرانيا وخشية من وقوعها ضحية لهجوم روسي، لاسيما، أن فنلندا الدولة المجاورة لروسيا وقعت سابقاً تحت الاحتلال الروسي.
خامساً- آثار الحرب على الأمن الإقتصادي والطاقة للإتحاد الأوروبي:
إن آثار الحرب على أمن الإتحاد الأوروبي ليست ذات طبيعة عسكرية فقط وإنما ذات طبيعة إقتصادية أيضاً. فبالنظر لإعتماد دول الإتحاد الأوروبي على روسيا في مجال الطاقة، ولاسيما في مجال الغاز أدى إلى إيجاد تبعية أوروبية لروسيا. وهناك بعض الدول الأوروبية التي تعتمد إعتماداً كبيراً جداً على روسيا في مجال استيراد الغاز، وأصبح لروسيا شبكة من الأنابيب التي تنقل الغاز من أراضيها إلى دول الاتحاد الأوروبي. وأصبح تخلي دول الاتحاد عن الغاز الروسي مسألة صعبة، لأن روسيا هي الممول الخارجي الهام للغاز الطبيعي إلى الإتحاد بما يعادل (50%) من إمداداتها الإجمالية، ويساوي (25%) من مجمل استهلاك دول الاتحاد من الغاز[37].
أن قرار الإتحاد الأوروبي بالاستغناء تدريجياً عن استيراد الغاز الروسي الحق خسائر كبيرة بالدول الأوروبية تفاوتت ما بين دول تعتمد اعتماداً كبيراً على الغاز الطبيعي الروسي وبين دول تعتمد عليه بنسبة قليلة[38].
أن الدول الأوروبية التي تعتمد اعتماداً حصرياً على الغاز الروسي هي مقدونيا الشمالية والبوسنة والهرسك ومولدافيا. والدول التي تجاوز اعتمادها على الغاز الروسي نسبة (90%) هي فنلندا ولاتفيا، و(89%) بالنسبة لصربيا. أما بلجيكا فبلغت تبعيتها للغاز الروسي نسبة (77%) وألمانيا بنسبة (49%) وايطاليا بنسبة (46%) وبولندا بنسبة (40%) أما فرنسا فوصلت النسبة إلى (24%)[39].
ويجري تسليم معظم الغاز الروسي الذي تشتريه أوروبا من روسيا لتزويد مرافقها الكهربائية بالطاقة عبر خطوط الأنابيب، بينما سيدفع الإنتقال إلى موردين آخرين إلى التحول إلى الغاز المسال الذي يكلف أكثر في عمليات نقله أو تحويله من صورته السائلة إلى صورته الغازية. كما أن الكثير من الدول الأوروبية لا تحظى بمرافق لإتمام عمليات التحويل التي لا تتمتع بها سوى دول قليلة مثل اسبانيا وايطاليا وليتوانيا وفرنسا وهي تقود دعوات للتخلي عن الغاز الروسي. وقدرت بعض المعاهد الاقتصادية التي تقدم المشورة للحكومة الألمانية في تقرير مشترك من أن ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوروبا ستتكبد وحدها خسائر تقدر بنحو (220) مليار دولار ما يساوي (240) مليار يورو على مدى العامين القادمين في حالة الوقف الفوري لإمدادات الطاقة الروسية[40].
وبعد اندلاع الحرب تبنى الإتحاد الأوروبي وثيقة التوجه الاستراتيجية (2022) التي أشارت إلى أن إعتماد الطاقة والأمن الاقتصادي في أوروبا على مصادر الطاقة الروسية يخلق علاقة تشابك بين الإتحاد الأوروبي وروسيا على نحو يجعل تكلفة المواجهة العسكرية المباشرة مع روسيا عالية جداً، خاصة وأن إثار هذه المواجهة تمتد إلى مجالات اقتصادية وتكنولوجية تمس أمن الدول الأعضاء[41].
وفي 11 مارس/ أذار 2022 صدر اعلان فرساي التي هي وثيقة مهمة صدرت عن الإتحاد الأوروبي بعد اندلاع الحرب تدعو إلى تقليل الإعتماد على روسيا في تغطية احتياجات الإتحاد من الغاز والنفط من خلال العمل على تقليل اعتماد دول الإتحاد على مصادر الطاقة الأحفورية[42].
وكانت التوقعات حول تكلفة آثار الحرب الروسية-الأوكرانية الإقتصادية تصل إلى تريليوني دولار، ولم تأخذ هذه التقديرات للخسائر في الحسبان تكاليف ايواء اللاجئين الأوكرانيين في الدول الأوروبية، والمساعدات التي ستدفعها أوروبا لمواطنيها من محدودي الدخل والفقراء لمقابلة فواتير أسعار الطاقة المرتفعة، كما تسود مخاوف كبيرة في حالة عدم اليقين بشأن توقيت انهاء الحرب. وقد أشار تقرير للبنك المركزي الاوربي بأن الحرب ستؤدي إلى خفض معدل النمو الاقتصادي لمنطقة دول اليورو (19) دولة بنسبة (1,4%) للعام 2022[43].
لقد رفعت الحرب أسعار الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية إلى مستويات غير مسبوقة، وساهمت بشكل مباشر في ارتفاع معدل التضخم لأول مرة بنسبة أعلى من المعدل الأمريكي، وتشير بيانات يوروستات إلى أن التضخم بلغ (7,4%) في منطقة اليورو، إذ قفزت أسعار الطاقة في المتوسط بنسبة (45%) منذ بداية عام 2022 إلى اذار/ مارس من نفس العام، بينما من المتوقع أن يسفر أي حظر أوروبي على النفط الروسي عن رفع تكاليف المحروقات إلى مستويات أعلى خلال المدة اللاحقة، لاسيما أن روسيا زادت قبالة ذلك من استخدام ورقة الغاز والضغط على الأوروبيين[44].
ومن آثار الحرب في المجال الأمني هي هجرة أعداد كبيرة من الأوكرانيين إلى دول الاتحاد المجاورة لأوكرانيا، وأخذت تشكل هذه المشكلة أحد أعباء الحرب على الإتحاد لما يتطلب ذلك تخصيص موارد كافية لإستيعابهم في دول الاتحاد المجاورة مما يشكل استنزافاً لقدرات الاتحاد الاقتصادية.
سادساً-تقييم آثار الحرب على الأمن الأوروبي:
لقد استفادت الولايات المتحدة من الحرب، حيث أخذت أوروبا تدفع الثمن لصالح الأولى، ورأى البعض بأن الولايات المتحدة لا تدعم أوروبا تجاه إنعكاسات الأزمة، حيث أخذت الولايات المتحدة تبيع الغاز بأسعار أعلى، كما تبيع المزيد من الأسلحة، وهي غير مهتمة بآثار الأزمة على الإقتصادات الأوروبية، وأن استمرار التضخم المرتفع والواسع النطاق، واستمرار الخلل في الإمدادات وانعدام الأمن الغذائي سيلحق بأوروبا ضرراً بالغة في النمو وسيرفع نسبة التضخم الذي إن استمر إرتفاعه قد يؤدي إلى زيادات أكبر في سياسة أسعار الفائدة وزيادة التشديد على الأوضاع المالية العالمية[45].
لذلك أشار بعض المعنيين بأن هذه الحرب قد ربطت أوروبا بالولايات المتحدة بشكل كبير وأن بدون هذا الترابط فإن روسيا ستشعر بأنها نالت شيك على بياض[46].
لقد أدت الحرب إلى تقارب روسي-صيني بسبب توافق المصالح في مواجهة الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة سعت إلى تحييد الصين ومنعها من تقديم مساعدة عسكرية واقتصادية إلى روسيا. والصين تعتبر الولايات المتحدة أكبر مصدر لتهديد السلام في العالم، كما أثارت الحرب مخاوف الولايات المتحدة بشأن تايوان التي تراها الصين مقاطعة متمردة، وأنه يجب إعادة توحيدها مع البر الصيني، وحتى لو تطلب الأمر استخدام القوة. وأن تحذير الصين لتايوان لمنعها من السعي للاستقلال عنها هو ما يشبه تهديدات ومطالب الرئيس الروسي بوتين لأوكرانيا بالإبتعاد عن حلف الأطلسي.
لقد أكدت الحرب الأوكرانية أن العالم يعيش في مخاض لنظام دولي جديد، أخذت تدعوا إليه روسيا والصين ودول أخرى يقوم على نظام دولي متعدد الأقطاب ورفض القطبية الأحادية.
والحقيقة أن هذه الحرب تختلف عن الحروب والأزمات السابقة، لقد دعم الغرب أوكرانيا عسكرياً مما ساعد على تعزيز قدرة أوكرانيا على الصمود في وجه الهجمات الروسية، وأن طول مدتها شكَّل أيضاً استنزافاً للقدرات الروسية، وعُدَّ ذلك بمثابة سيطرة للغرب على أوكرانيا مما يعني لروسيا تحقيق مكاسب غربية على حساب الأمن القومي الروسي، وهذا ما تعده تهديداً وجودياً لها.
كما شعر الغرب، لاسيما دول الإتحاد الأوروبي بأن سيطرة روسيا على أوكرانيا يعني تحقيق مكاسب كبيرة، أي أنها ستكون على مشارف دول أوروبا الشرقية والتي كانت تحت سيطرة الإتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.
لقد شعرت أوروبا الشرقية بخطورة وضعها الأمني بسبب موقعها الجغرافي المجاور لساحة الحرب وهي أكثر الدول تضرراً ولاسيما في أمنها الاقتصادي، ولهذا فليست كل دول شرق أوروبا تريد استمرار الحرب بسبب المصالح والترابط الاقتصادي ولاسيما في مجال الطاقة مع روسيا. لذا حاولت بعض دولها الوقوف موقف الحياد من الحرب مثل المجر.
مع ذلك حاولت الولايات المتحدة وروسيا ضبط النفس في الامتناع عن أي مواجهة مع الآخر، وبينت روسيا أنها لا تريد توسيع الحرب لتشمل أراضي دول أوروبا الشرقية الحليفة للولايات المتحدة في حلف الأطلسي. وأنها لا تريد توسيع الحرب خارج أوكرانيا واكتفت بقصف المساعدات العسكرية الغربية المقدمة لأوكرانيا.
ونوهت الولايات المتحدة في خطابها السياسي الى المادة (5) من ميثاق حلف الأطلسي التي تشير بأن “أي هجوم على دولة من دول الحلف يعد هجوما على كل دول الحلف” ولا دلالة عن أن روسيا تريد استخدام السلاح النووي، الذي أشار اليه بوتين سابقا كونها دعت قوات احتياطية اضافية يبلغ تعدادها (300) ألف عسكري أي إعلان تعبئة جزئية.
لقد دفعت الحرب الدول الأوربية لإعادة تسليحها ولاسيما ألمانيا التي قررت تخصيص إنفاق عسكري هائل (100) مليار دولار لتعزيز قدراتها العسكرية. وهذا كان أيضا موقف الدول الأوروبية الأخرى في زيادة انفاقها العسكري. وقد أصدر الإتحاد الأوروبي وثيقتين مهمتين الأولى هي “إعلان فرساي” في 11 مارس 2022، والثانية هي وثيقة “التوجه الإستراتيجي لتقوية الإتحاد الأوروبي في مجالي الأمن والدفاع خلال العقد القادم”. وأكدت هاتين الوثيقتين على ضرورة تعزيز القدرات الدفاعية من خلال زيادة الإنفاق العسكري وتعزيز قدرة الإتحاد الأوروبي على التدريب العسكري في مواجهة الأزمات الأمنية التي تهدد اوروبا، وتخطط وثيقة التوجه الإستراتيجي لاستكمال الإتحاد الأوروبي في عام 2030 انشاء ما يعرف باسم قدرة الاتحاد الأوروبي للإنتشار السريع، وتتألف من خمسة آلاف جندي قادرين على التدخل السريع للتعامل مع الأزمات الأمنية[47].
لقد بينت الوثيقتين المشار إليهما أعلاه أن الاستراتيجيات الدفاعية والأمنية للاتحاد الأوروبي هي استراتيجيات ذات أبعاد عسكرية وإقتصادية في آن واحد، لأنهما بقدر ما أكدتا على ضرورة تطوير الإتحاد الأوروبي لإستراتيجيات أمنية وعسكرية جديدة، فإنهما قد ربطتهما في الوقت نفسه بإستراتيجيات اقتصادية تدعو إلى تنويع مصادر الطاقة لدول الاتحاد وتنويع الموردين والتخلص من الوقود الأحفوري وتحقيق انتقاله كبيرة في مجال الطاقة المتجددة.
- الهوامش
(1) أنظر : عاطف معتمد عبد الحميد، استعادة روسيا مكانة القطب الدولي: أزمة الفترة الانتقالية، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون – مركز الجزيرة للدراسات، بيروت، 2009، ص22 وص56-57.
وأنظر أيضاً ألكسندر رار، روسيا والغرب لمن الغلبة؟، ترجمة محمد نصر الجبالي، ط1، المركز القومي للترجمة، العدد 3200، القاهرة، 2019، ص34-36.
[2] بول دانييري، أوكرانيا وروسيا: من طلاق متحضر إلى حرب همجية، ترجمة يزن الحاج، ط1، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، الدوحة، 2022، ص55-91 .
-أنظر أيضاً في : ليليا شيفتسوفا، روسيا بوتين، ترجمة بسامشيحا، ط1، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2006، ص247- 249.
-الكسندر رار، مصدر سبق ذكره، ص66.
[3] ليليا شيفتسوفا، المصدر السابق، ص414- 415 و 430- 421، 463- 464.
[4] المصدر نفسه، ص470- 471.
[5] آمال زرنير، الأوراسية الجديدة وتأثيرها في الفكر الإستراتيجي الروسي، دوافع التدخل في أوكرانيا وسوريا، ط1، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ط1، أبوظبي، دولة الامارات العربية المتحدة، 2022، ص86-91.
[6] حسام الدين إبراهيم، اللعبة الكبرى، الفاعلون الأساسيون في مسار الحرب الأوكرانية، كتاب الحرب الروسية- الأوكرانية، عودة الصراعات الكبرى بين القوى الدولية، تحرير أحمد عاطف، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ط1، أبوظبي، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2023، ص58- 59.
[7] ستيفن لي مايرز، القيصر الجديد، بزوع عهد فلاديمير بوتين، نقله الى العربية تيسير نظمي خليل، راجعه محمد ابراهيم عبد الله، ط1، العبيكان، السعودية، الرياض، 2015، ص350- 365.
[8] عاطف أبو سيف، الاتحاد الأوروبي في القرن الواحد والعشرين، أوروبا والبحث عن دور، ط1، الأهلية للنشر والتوزيع، عمان، 2016، ص162- 168.
[9] المصدر نفسه، ص168- 169.
وحول تطور سياسة الإتحاد الأوروبي لبناء قوة عسكرية ودفاعية، أنظر د. فيليب تاول، الأمن الأوروبي بدون الولايات المتحدة، ترجمة د. محمد مصالحة، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بدون 1985، ص13-22.
[10] عاطف ابو سيف، مصدر سبق ذكره، ص172- 173.
[11] المصدر نفسه، ص178.
[12] المصدر نفسه، ص179.
[13] المصدر نفسه، ص180.
[14] المصدر نفسه، ص193- 194.
[15] اكرم هلال الكناني، الحرب في أوكرانيا واحتمالات التصعيد، قراءة تحليلية لمقال جون ميرتشايمر، 22 أيار 2022.
[16] المصدر نفسه.
[17] المصدر نفسه.
[18] المصدر نفسه.
[19] المصدر نفسه.
[20] المصدر نفسه.
[21] المصدر نفسه.
[22] ايمان رجب، ترتيبات الأمن الاوربي على ضوء الحرب الروسية- الاوكرانية، ابعادها والتأثير ومسارات المستقبل، 9 اغسطس، 2022.
https://trendsresearch.org/ar/insight/
[23] عباس عقيلة، تداعيات الأزمة الأوكرانية على الأمن الأوربي – اطلنطي، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، 3، ص311.
https://www.asjp.cerist.dz/en/downArticle/209/4/1/61760
[24] المصدر نفسه، ص311.
[25]مذكرة بودابست بشأن الضمانات الأمنية فيما يتعلق بإنضمام بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا الى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 5 ديسمبر 1994.
[26] المصدر نفسه.
[27] المصدر نفسه.
[28] بعد تلوحيها بالانسحاب من “مذكرة بودابست” هل تعود اوكرانيا الى النادي النووي أم تبحث عن ضمانات أمنية جديدة”.
[30] أ. عباس عقيلة، مصدر سبق ذكره، ص311.
[31] المصدر نفسه، ص312.
[32] جاك باروك وبيرندر ريجيرت، ما تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا على الاتحاد الأوربي؟
https://www.dw.com/ar/ما-تداعيات-أي-غزو-روسي-لأوكرانيا-على-الاتحاد-الأوروبي/a-60582814
[33]المصدر نفسه.
[34]د. ايمان رجب، مصدر سبق ذكره.
[35] المصدر نفسه.
[36] المصدر نفسه.
[37] ادم ي. سينسكي، افاق الطاقة العالمية ، في كتاب الأمن والطاقة، نحو استراتيجية سياسية خارجية جديدة، ترجمة حسام الدين خضور، ط1، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق- سورية، 2011، ص64.
[38] خسائر اوربا في الحرب الروسية بأوكرانيا تتجاوز تريليوني دولار، 9 مايو 2022.
https://www.alaraby.co.uk/economy/
[39] المصدر نفسه.
[40] المصدر نفسه.
[41] د.ايمان رجب، هل يصبح الأمن الاوربي طرفا فاعلا في الأمن الاوربي بعد الحرب الروسية- الاوكرانية.
https://acpss.ahram.org.eg/News/17688.aspx
[42] المصدر نفسه.
[43] خسائر أوروبا في الحرب الروسية بأوكرانيا تتجاوز تريليوني دولار، مصدر سبق ذكره.
[44] المصدر نفسه.
[45] أكرم القصاص، آلام أوروبا وفاتورة الحرب في أوكرانيا، 30 نوفمبر 2022.
https://www.youm7.com/story/2022/11/30/ /5994499
[46] جاك باروك وبيرندر ريجيرت، مصدر سبق ذكره.
[47] أسامة فاروق مخيمر، تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية على الأمن الأوروبي، دراسة للتغيرات في مفهوم وقضايا الأمن بعد الحرب البادرة، كلية السياسة والاقتصاد، جامعة بني سويف، مجلة السياسة والاقتصاد، المجلد 18، العدد 17 يناير 2023، ص21.
https://jocu.journals.ekb.eg/article_279650.html
– أنظر أيضا في: ايمان رجب، ترتيبات الأمن الأوروبي، مصدر سبق ذكره.