أمنيةأوراق و دراسات

تحديات ومعوقات الأمن الأوروبي المشترك

د. بن خليف عبد الوهاب

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية العلوم السياسية العلاقات الدولية، جامعة الجزائر3.

تعالج هذه الدراسة التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في بناء قوة عسكرية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، وأهم الأفكار التي طرحتها الدول الأوروبية الفاعلة في هذا السياق مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وذلك قبل تحولات الحرب الروسية على أوكرانيا 2022.

وكانت هناك محاولات أوروبية مختلفة من أجل بلورة سياسة أمنية وعسكرية أوروبية مشتركة منذ بداية المشروع الأوروبي في عام 1957، خاصة مبادرة تأسيس مجلس الدفاع والأمن في عام 1988 وكذا مبادرة أركان جيش أوروبي في عام 1992، أي في نفس السنة التي أنشئ فيها الاتحاد الأوروبي، والتي ستتحول فيما بعد الذراع العسكري للسياسة الأوروبية للأمن والدفاع، بالإضافة إلى مبادرات أخرى كالإستراتيجية الأوروبية الأمنية عام 2003 والوكالة الأوروبية للدفاع في 2004 وغيرها،…إلخ.

لكن بالرغم من كل هذه المحاولات، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي فشلت في بناء قوة أمنية أوروبية مستقلة تكون قادرة عل تحقيق الأمن داخل أوروبا وفي البحر الأبيض المتوسط وغيرها من المناطق الحيوية في الجوار الجغرافي الأوروبي المباشر وغير المباشر.

الكلمات المفتاحية: الاتحاد الأوروبي-الأمن-التحديات-العلاقات الخارجية.

مقدمة:

يظل بناء قوة عسكرية أوروبية في إطار الاتحاد الأوروبي مستقلة عن الهيمنة الأمريكية من أكبر التحديات التي تواجه الدول الأعضاء والحلقة الأضعف في المشروع الأوروبي منذ تأسيسه عام 1957، بالرغم من المحاولات العديدة التي بادرت بها دول أوروبية على رأسها فرنسا، لكن كلها باءت بالفشل.

إن الاتحاد الأوروبي لم يعد يسير كما خطط له المؤسسون الأوائل للمشروع الاندماجي الأوروبي على رأسهم جان مونيه، وهو بناء قطب سياسي واقتصادي وتأكيد جديد لأوروبا كقوة عالمية، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية في العلاقات الدولية.

تكمن أهمية الدراسة في أنها تعالج موضوعا مهما يتعلق بتحديات ومعوقات بناء قوة عسكرية وأمنية أوروبية مشتركة ومستقلة عن التدخلات الخارجية خاصة الأمريكية منها، بالنظر للأهمية الجيواستراتيجية التي تكتسيها هذه المنطقة، التي يجمعها بدول الجنوب الفضاء المتوسطي، الذي يشكل عمقا إستراتيجيا متبادلا بالنسبة للضفتين الشمالية الجنوبية.

كما تتعرض هذه الدراسة إلى العلاقات الإستراتيجية التي تربط دول الاتحاد الأوروبي مع قوى فاعلة في العلاقات الدولية وهي الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، تركيا، في حين تراهن دول جنوب المتوسط على ضرورة استعادة الأوروبيين لزمام المبادرة في منطقة المتوسط تحقيق الأمن السلم، التي تبدأ بالمساهمة في حل الأزمات التي تعصف بالكثير من دول جنوب المتوسط، في مقدمتها الأزمتين الليبية السورية، بالإضافة إلى القضيتين الفلسطينية والصحراوية، هي من الأهداف المتوخاة من هذه الدراسة.

بناءًا على ما سبق، تتمحور الإشكالية التالية حول ما يلي: ما هي التحديات والمعوقات التي تواجه دول الاتحاد الأوروبي في بناء قوة عسكرية مشتركة مستقلة. وما هي تداعيات ذلك على علاقاتها مع جوارها الجغرافي القريب والبعيد؟ .

  وتتفرع هذه الإشكالية إلى مجموعة من التساؤلات التالية:

-لماذا فشلت دول الاتحاد الأوروبي في تحقيق الاستقلالية العسكرية عن الولايات المتحدة الأمريكية؟

-هل بإمكان دول الاتحاد الأوروبي تحقيق الأمن الأوروبي في الفضاء الأوروبي؟

-هل ستتغير نظرة الأوروبيين للمنطقة المتوسطية لتكون أكثر فعالية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار؟

-ما هي طبيعة العلاقات الأوروبية مع قوى فاعلة دولية وإقليمية كالولايات المتحدة، روسيا وتركيا،…إلخ؟

هل ستتحوّل طبيعة العلاقات الأوروبية مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط من علاقات هيمنة إلى علاقات شراكة؟

سنعتمد في هذه الدراسة على نظرية الدور باعتبار أن الموضوع يركز على أهمية الدور الذي بإمكان دول الاتحاد الأوروبي أن يلعبه، بالرغم من التحديات والمعوقات التي تحول دون إنشائه لقوة عسكرية وأمنية قادرة على مواجهة التهديدات الأمنية في الفضاءين الأوروبي والمتوسطي.

أما المنهج المستخدم في هذه الدراسة فهو منهج دراسة الحالة الذي يعد من أهم المناهج التي تصلح لدراسة مثل هذه المواضيع، خاصة وأن هذه الدراسة تركز على حالة دول الاتحاد الأوروبي العسكرية والأمنية التي لم تعد تواكب التطورات الحاصلة داخل الفضاء الأوروبي وفي المنطقة المتوسطية.

أولاً: الهندسة الجديدة للأمن الأوروبي:

إن التطور الذي عرفته العلاقات الدولية وبروز قوى دولية جديدة على غرار الصين، روسيا، الهند، اليابان، البرازيل،…إلخ، بالإضافة إلى الانكفاء الأمريكي وتركيزه على مشاكله الداخلية خلال السنوات الماضية، أي منذ عام 2017، حيث وجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام تحديات مختلفة فشل في التعاطي معها بشكل جماعي، نذكر من أهمها أزمة الهجرة غير الشرعية منذ عام 2015، وما انجر عنها من تداعيات خطيرة على العلاقات بين الدول الأعضاء كإيطاليا، فرنسا، ألمانيا، النمسا، المجر، اليونان،…إلخ، وكذلك أزمة كورونا التي أحدثت شرخا كبيرا بين دول الاتحاد الأوروبي، بعدما أغلقت هذه الدول حدودها الجغرافية وعدم الاكتراث بما يحدث خارج حدودها، وهو ما وضع مستقبل الاتحاد على المحك.

  فهناك العديد من الأسباب التي ساهمت في تراجع أداء ودور الاتحاد الأوروبي في جميع الميادين، والتي تحتاج إلى إعادة النظر في هيكليته المؤسساتية وإستراتيجياته الأمنية وعلاقاته مع محيطه الخارجي وغيرها من المجالات. ويمكن التطرق إلى هذه الأسباب في النقاط التالية:

1ـ غياب مشاريع كبرى مشتركة تعزّز من التقارب والاندماج أكثر بين الدول الأعضاء.

2ـ تغّلبت الاعتبارات البيروقراطية على روح المبادرة داخل المؤسسات الأوروبية.

3ـ لم يعد الاتحاد الأوروبي قادرا على مواجهة القوى الاقتصادية الصاعدة، خاصة الصين، الهند…

4ـ غياب سياسة صناعية أوروبية قادرة على منافسة القوى الاقتصادية الكبرى.

5ـ غياب إستراتيجية أوروبية مشتركة في قطاع الطاقة[1].

وقد سعت قيادة الاتحاد الأوروبي عدة مرات من أجل مسايرة التطورات الحاصلة على المستويين الإقليمي والدولي، من بينها انعقاد القمة الرباعية غداة الغزو الأمريكي للعراق، في 2003، والتي ضمّت أربع دول هي فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، لوكسمبورغ، في غياب دول فاعلة مثل بريطانيا، إيطاليا، إسبانيا…، محاولة أوروبية جادة من أجل إنشاء قيادة أوروبية للنقل الإستراتيجي ونواة للقدرة المشتركة للتخطيط وقيادة العمليات  وغيرها من المشاريع العسكرية [2]. هذه الخطوات في مجال التسليح، التي كان بإمكانها أن تؤسس لتقاليد عملية بين الدول الأوروبية، سعيا إلى الوصول إلى بناء جيش أوروبي مشترك مستقل.

وقد أثارت الأزمة العراقية في عام 2003، انقساما أوروبيا بين الدول الفاعلة إلى مجموعتين: المجموعة المؤيدة لاحتلال الولايات المتحدة للعراق وتقودها بريطانيا وإيطاليا، والمجموعة الثانية المعارضة لهذا الاحتلال وتتزعمها فرنسا وألمانيا. كان لهذا الانقسام انعكاسات سلبية على مشروع أوروبا السياسي والدفاعي، الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الحديث عن “أوروبا العجوز” ويقصد بها فرنسا وألمانيا وغيرها و”أوروبا الجديدة” ويعني بها بولونيا، بلغاريا ورومانيا وغيرها.

  سيكون الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الممتدة ما بين 2020-2030 أمام تحديات كبيرة تفرض عليه إدخال تغييرات عميقة على مؤسساته ورسم إستراتيجية أوروبية متوسطة وبعيدة المدى لضمان استمرار المشروع الأوروبي.

ثانياً: العلاقات الأوروبية-الروسية:

تسعى الإستراتيجية الأمريكية في أوروبا إلى الاستمرار في إضعاف روسيا من خلال تشجيع الاستقلال في القوقاز وضمان تواجد عسكري أمريكي في آسيا الوسطى، وإفشال أي تقارب بين أوروبا وروسيا. وتشكل أوكرانيا إحدى الأوراق، التي وظّفتها الولايات المتحدة الأمريكية من أجل استمرار الشرخ الأوروبي-الروسي، خاصة منذ عام 2014، بالإضافة إلى السعي الأمريكي المستمر من أجل محاصرة روسيا عن طريق إقامة الدرع الصاروخية في شرق أوروبا لاسيما في بولونيا، جمهورية التشيك ودول البلطيق.

تهدف دول الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا وألمانيا لأن تكون روسيا شريكا اقتصاديا وسياسيا للاتحاد الأوروبي، وذلك بما يخدم إستراتيجية كل دولة، لأن ألمانيا، بحكم موقعها الجيو- سياسي في قلب أوروبا، تعتبر روسيا عمقاً إستراتيجياً لأوروبا من الناحية الشرقية. بالمقابل، فإن فرنسا ذات المرجعية الديغولية والمعروفة بتوجهاتها الحذرة من السياسة الأمريكية في أوروبا والعالم، فإنها من المدافعين دوماً عن ضرورة بناء علاقات قوية مع روسيا باعتبارها قوة إقليمية وبإمكانها أن تصبح قوة عالمية، وذلك بهدف الحد من الهيمنة الأمريكية وتحقيق توازن إستراتيجي في أوروبا.

 وقد تحدّث الجنرال ” شارل ديغول”  على ضرورة بناء “أوروبا من الأطلنطي إلى الأورال”، لكن من الناحية الجيو- سياسية، تبدو صعبة التحقيق على المدى القصير والمتوسط، خاصة إذا علمنا أن نهر الأورال يقسم روسيا  إلى قسمين، بالإضافة إلى أن هذه الأخيرة يحدها من الناحية الشرقية حدود جغرافية تصل إلى آلاف الكيلومترات مع الصين ذات الكثافة السكانية العالية، التي قد تكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الأوروبي في حالة انضمام روسيا إلى الاتحاد الأوروبي[3].

يشكل تموين دول الاتحاد الأوروبي الخارجي بالطاقة، لاسيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، رهاناً كبيراً بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي. وازداد القلق الأوروبي بعد الأزمة الروسية-الأوكرانية، منذ عام 2014، حول أنبوب الغاز الروسي الذي يمر عبر الأراضي الأوكرانية، علماً أن روسيا تغطي تقريباً نصف الاحتياجات الروسية من الغاز الطبيعي[4].

  وبالرغم من المشاكل التي ما تزال تعاني منها روسيا، فإنها تملك من الإمكانيات المادية والبشرية والجغرافية، التي تؤهلها لأن تعود إلى المسرح الدولي كقوة سياسية واقتصادية، بالنظر إلى بداية تحسن اقتصادها الوطني، لاسيما إذا علمنا أنها تحتل المرتبة الأولى في إنتاج الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أن ترسانتها العسكرية الضخمة[5].

  ورغم ما يتردد عن تراجع القوة الروسية دولياً، فإن الغرب الرأسمالي لم يقتنع بأن تفوّقه في الحرب الباردة كان كاسحاً لصالحه كما كان يعتقد ذلك في بداية التسعينيات، وهو ما يفسّر استئناف الحرب الباردة مع روسيا، خاصة منذ العشرية الأولى من الألفية الثالثة، وذلك بعد بنشر القواعد العسكرية التابعة لحلف الناتو في الدول المجاورة لها وتوسيع الاتحاد الأوروبي ومشروع نشر الدرع الصاروخي في بلغاريا وجمهورية التشيك[6].

نصل إلى أن العلاقات الروسية الأوروبية تمثل قاعدة قوية لإعادة هيكلة النظام العالمي وجعله أكثر عدلاً واستقراراً وهي فرصة بالنسبة للقوى الصاعدة على غرار الصين، الهند، البرازيل، إيران، تركيا وغيرها لفرض وجودها على الساحة الدولية. كما تمثل الأبعاد الجيوستراتيجية في السياسة الروسية الجديدة مؤشرا هاما للوقوف في وجه السياسة الأمريكية المهيمنة على العلاقات الدولية.

ثالثاً: الانتشار الأمريكي الجديد في أوروبا:

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن إستراتيجيتها الجديدة في أوروبا، التي ترمي إلى إعادة النظر في انتشار الوجود العسكري الأمريكي، الذي يتمركز بنسبة 80 %  في ألمانيا، وتموقعه من جديد في دول أوروبية جديدة انضمت في عام 1999 إلى حلف الناتو، وهي جمهورية التشيك، المجر، بولونيا وانضمّ عدد آخر من دول أوروبا الشرقية في عام 2004 وهي رومانيا، إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا وبلغاريا،…إلخ، وكان أهم ما جاء في هذه الإستراتيجية العسكرية الأمريكية الدرع الصاروخي المزمع نصبه في دول أوروبا الشرقية، وذلك لمواجهة الخطر النووي الإيراني[7]، وكذا السعي إلى عزل روسيا القريبة جغرافياً من هذه الدول. وتأكد ذلك خلال الأزمة الأوكرانية في عام 2014، والتي انجر عنها التدخل الروسي في شبه جزيرة القرم.

ما حدث في أوروبا خلال عام 2007 من نشر للدرع الصاروخي الأمريكي في دول شرق أوروبا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وما انجر عنه من فراغ جيوسياسي في هذه المنطقة ومشاريع توسيع عضوية الانضمام لمنظمة حلف شمال الأطلسي عام 2008، التي شملت دولا… كانت تعتبر إلى وقت قريب عمقاً إستراتيجياً مباشراً لروسيا، بحكم القرب الجغرافي، والتي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي سابقاً، هو تأكيد جديد للأوروبيين بأن روسيا غير قادرة على ضمان الأمن الأوروبي في حالة ما إذا تراجع الدور العسكري الأمريكي في أوروبا.

إن نظرة واشنطن للعالم تختلف عن نظرة الأوروبيين، فمن الناحية الغربية، فإن حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية يضمن استمرار الزعامة الأمريكية على أوروبا وبالتالي فرض هيمنتها على علاقاتها مع روسيا في أوروبا ومع دول أخرى مثل اليابان، الصين في القارة الآسيوية[8]. هذه الوصاية الأمريكية التي أصبحت تطال حتّى علاقات دول الاتحاد الأوروبي مع العالم الخارجي كان لها تأثير سلبي على حجمه السياسي والأمني الذي لا يساوي حجمه الاقتصادي.

رابعاً: الاتحاد الأوروبي والأمن في المتوسط:

يُفترض أن تكون دول الاتحاد الأوروبي أكثر حرصاً على تحقيق الأمن في حوض البحر الأبيض المتوسط، لكن الواقع يؤكد في الكثير من الحالات أن بعض الدول الأوروبية الفاعلة كانت سبباً في حروب وتوترات وخلافات حدثت في المنطقة الجنوبية والشرقية من البحر المتوسط، فعلى سبيل المثال: كانت فرنسا من الدول التي قادت التدخل العسكري ضد ليبيا عام 2011 عبر استصدار القرار 1973 من مجلس الأمن وتحت إشراف حلف الناتو، ونفس الشيء بالنسبة الأزمة السورية في نفس السنة…وغيرها.  وهو ما تسبّب في حدوث هجرة غير مسبوقة نحو شمال المتوسط وكانت لها انعكاسات سلبية على الدول الأوروبية، أحدثت خلافات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخصوص كيفية التعامل والتعاطي مع قضية الهجرة غير الشرعية.

كما أن الدور السلبي لدول الاتحاد الأوروبي تجاه بعض القضايا الدولية، كانت له تداعيات خطيرة على منطقة المتوسط، بسبب الحسابات السياسية الضيقة لبعض الدول الفاعلة على غرار فرنسا وألمانيا وبريطانيا قبل انسحابها في جانفي 2020،…،إلخ، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي لم تعد طرفاً فاعلا فيها، وفسحت المجال لانفراد الولايات المتحدة الأمريكية لكي تكون الراعي الوحيد لهذه القضية، والنتيجة هو الوصول إلى ما يُعرف إعلامياً بصفقة القرن ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية بصفة نهائياً، وطبعاً ستكون لها نتائج كارثية في الشرق المتوسط. ونفس الشيءبالنسبة لقضية الصحراء الغربية التي ما تزال تراوح مكانها منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بسبب التواطؤ الأوروبي وعدم لعب دور فاعل في حل هذه القضية بشكل عادل.

إن تراجع دول الاتحاد الأوروبي في منطقة البحر الأبيض المتوسط، فسح المجال لدول غير متوسطية لكي تكون أكثر حضوراً في هذه المنطقة الحيوية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية خاصة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكذا روسيا التي أصبحت حاضرة بقوة بعد تدخلها العسكري في شبه جزيرة القرم في 2014 واحتلال سوريا في 2015.

كما أن هناك دولاً إقليمية تسعى لأن تكون حاضرة كذلك في منطقة المتوسط خاصة تركيا بعد تقربها أكثر من دول شمال أفريقيا خاصة الجزائر، باعتبارها أكبر دولة في أفريقيا وتمثل بوابة القارة، وكذا ليبيا الغنية بالموارد لاسيما بعد التوقيع على معاهدة الحدود البحرية بين البلدين في 27 نوفمبر 2019، والتي اعترضت عليها قبرص، مصر واليونان، بالإضافة إلى إسرائيل.

إن غلبة الاهتمامات الأوروبية بالجوانب الاقتصادية على حساب الأبعاد الإستراتيجية والعسكرية خاصة من 1992، أي تاريخ تأسيسه، جعلت من الاتحاد الأوروبي لأن يكون قطباً اقتصادياً فاعلاً بقيادة ألمانيا، لكنه بالمقابل، لكن موازاة مع ذلك لم يتمكن من بناء قوة عسكرية مشتركة مستقلة عن الهيمنة الأمريكية قادرة على حماية حوض البحر المتوسط وجعله منطقة أكثر أمناً واستقراراً خالية من التدخلات الخارجية. 

يمتاز الاتحاد الأوروبي عن غيره بقربه المباشر للمنطقة المتوسطية وامتلاكه أوراقا هامة، إذا ما أحسن استثمارها جيداً، فإنه سينجح في جعل هذا المجال الجيو إستراتيجي منطقة أمن واستقرار  ورخاء اقتصادي، وذلك من خلال المساهمة في حل بعض النزاعات العالقة في هذه المنطقة، خاصة الصراع العربي- الإسرائيلي ومشكلة الصحراء الغربية، بالإضافة إلى قضايا أخرى مثل الانفتاحالسياسي والحوار الثقافي للمجتمعات المتوسطية وخلق سوق اقتصادي متوسطي على غرار ما طرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي  بخصوص وحدة دول البحر المتوسط.

هذه الفرضية إن بدت صعبة التحقيق من الناحية السياسية، فإنها قابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية في إطار اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية، التي جاءت في إطار مؤتمر برشلونة[9]، حيث تطالب بعض دول جنوب المتوسط وعلى رأسها الجزائر بضرورة إعادة النظر في بنودها.

إن دولاً آسيوية سيكون لها حضور اقتصادي قوي في المنطقة العربية وآسيا الوسطى، خاصة الصين ومشروع طريق الحرير الذي يربط ثلاث قارات كبرى آسيا، أفريقيا وأوروبا، وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن الصين مثلا ستستورد 10 ملايين برميل يوميا عام 2030. فإذا علمنا أن المنطقة العربية وآسيا الوسطى (كزاخستان، قيرغيزيا، طاجيكستان…) تمتلكان أكبر الاحتياطات النفطية، فإن ذلك يعني توفر شروط تعاظم التنافس الصيني-الأمريكي على المنطقة العربية[10].

وتبقى منطقة حوض المتوسط تحتل مركزاً هاماً في أولويات السياسات الأوروبية، بالنظر إلى الأهمية التي تكتسيها هذه المنطقة بالنسبة للقارة الأوروبية ليس فقط فيما يخص المحروقات، ولكن كذلك لمصالح دول الاتحاد الأوروبي مع هذه الدول المتوسطية، لاسيما المغاربية منها. وإذا ما استمر الوضع على حاله في هذه المنطقة، فإن الدول الأوروبية قد تفقد مكانتها الجيو-إستراتيجية والاقتصادية لصالح قوى إقليمية أخرى مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، الصين، اليابان، الهند. 

خامساً: توسيع الاتحاد الأوروبي:

تقرّر خلال المجلس الأوروبي بكوبنهاجن  في يونيو 1993 الموافقة على انضمام دول أوروبية وسطى وشرقية للاتحاد الأوروبي على أن تتقيد بشروط معاهدات الاتحاد الأوروبي، لاسيما ما يتعلق باحترام الديمقراطية، حقوق الإنسان، حقوق الأقليات، والتزامها بمتطلبات اقتصاد السوق والوحدة الاقتصادية والنقدية، بالإضافة إلى قدرتها على أن تكون في مستوى المنافسة داخل الاتحاد الأوروبي.

فالدول الأوروبية الأولى المعنية بعملية التوسيع هي الدول الشريكة من أوروبا الوسطى والشرقية، التي وقعت اتفاقيات شراكة مع الجماعة الاقتصادية الأوروبية  في إطار ” برنامج فار”، مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ويتعلق الأمر خاصة بدول بولونيا، المجر  وتشيكوسلوفاكيا وهي دول أقرب إلى شرق الجماعة الاقتصادية الأوروبية من حيث الجغرافيا والثقافة الأوروبية، بالإضافة إلى رومانيا، بلغاريا، سلوفينيا ودول البلطيق.

لقد فرضت التحوّلات العميقة، التي شهدتها الجماعة الاقتصادية الأوروبية في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ثمّ فيما بعد الاتحاد الأوروبي بعد معاهدة ماستريخت (1992) ، على الدول الأعضاء اعتماد سياسة أوروبية وسطى وشرقية ومحاولة التكيّف مع عمليات الانضمام الجديدة الأخيرة بالتحاق عشر دول في 2004 ثمّ رومانيا وبلغاريا في بداية 2007، وكرواتيا في 2013، الأمر الذي يطرح تحديات جديدة أمام الاتحاد الأوروبي وقدرته على أن يكون قوة اقتصادية عالمية وفاعلا سياسياً وعسكرياً مستقلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية.  انعقد الاجتماع الأول للمجلس الفرنسي-الألماني في 26/10/2004، بعد أكبر عملية توسيع عرفها الاتحاد الأوروبي. خصّص هذا الاجتماع لدراسة الرهانات الأوروبية المتعلقة خاصة بالنمو الاقتصادي، الإبداع في أوروبا، دورها في العالم، ترقية اللغات،إلخ… إلخ.

ساهم الاتحاد الأوروبي في تقليص هذه الفجوة العميقة  مالياً وتجارياً بتكثيف عمليات الاستثمار في هذه الدول، بالإضافة إلى المساعدات التي استفادت منها في إطار الصناديق الهيكلية.  فمثلا: استفادت ألمانيا الشرقية قبل الوحدة وبعدها بمبلغ مالي يصل إلى 75 مليار “أورو” سنويا من أجل إنجاح عملية الاندماج في الاقتصادي الرأسمالي[11].

تواجه قيادة الاتحاد الأوروبي وجود دول صغيرة ودول كبيرة، فإذا كان هذا المشكل لم يكن مطروحاً بنفس الحدة عند بداية إنشاء الجماعة الاقتصادية الأوروبية بوجود دول ” صغيرة وهي بلجيكا، هولندا، لوكسمبورغ”  ودول ” كبيرة وهي فرنسا، ألمانيا وإيطاليا”، فإن الأمر اليوم أصبح مختلفاً تماماً بوجود ” دول كبيرة” وهي الدول التي ذكرناها سابقاً بالإضافة إلى بريطانيا، إسبانيا وبولونيا و”إحدى وعشرين دولة صغيرة”. فهذا الكم الهائل من الدول وقائمة العضوية ما تزال مفتوحة لا تقبل بنفس القاعدة السابقة التي كان يصنع على أساسها القرار الأوروبي.

بالمقابل، فإن هناك قراءة أخرى وهي أن توسيع الاتحاد الأوروبي لا يمثل عبئاً على حركة العمل الاندماجي الأوروبي، وإنما سيكون تعزيزاً للقرار الاقتصادي والسياسي، من منطلق أن دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها الدول الفاعلة منها فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وبريطانيا قبل خروجها من الاتحاد،  باعتماد برامج تنموية جهوية لفائدة هذه الدول لتهيئتها هيكليا واقتصاديا وتكييفها مع المعطيات الجديدة التي تعترضها بعد عملية الانضمام للاتحاد الأوروبي[12] .

تتخوّف الدول الأوروبية الغربية من أن دول أوروبا الوسطى والشرقية لن تستثمر من الاتحاد الأوروبي إلا الجانب الاقتصادي من خلال تحويل هذا الأخير إلى منطقة للتبادل التجاري الحر في حين تبقى معتمدة اعتمادا كليا في سياستها الأمنية والدفاعية الأوروبية والدولية على منظمة حلف الناتو والقوة العسكرية الأمريكية، وهو أكبر تحدي مازال يواجه الاتحاد الأوروبي.

وهنا يطرح المشكل من الناحية الديمغرافية، بحكم أن روسيا ذات كثافة سكانية عالية لم يتجاوز عدد سكانها 150 مليون نسمة في عام 2020، وهو ما سيمثل تحديا كبيرا بالنسبة للدول الأوروبية، لاسيما ” الدول الصغيرة” مثل قبرص، التي لا يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة أو مالطا بتعداد سكاني يصل إلى نصف مليون نسمة[13].

اقتصادياً، فإن مسألة التوسيع في بعدها الاقتصادي تثير إمكانية إدماج مجموعة من الدول داخل المجال الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، وينطبق الأمر على تركيا، دول المغرب العربي والشرق الأوسط. هذا ما دفع ببعض الدول الأعضاء والولايات المتحدة الأمريكية إلى دعم ترشح تركيا ، بحكم أنها الحليف الإستراتيجي لإسرائيل في المنطقة، الذي قد يفتح المجال بالنسبة لهذه الأخيرة أي إسرائيل لطلب عضوية الاتحاد الأوروبي، من منطلق أن عددا كبيرا من سكانها من أصول أوروبية، وهنا تطرح مشكلة استمرار المنطقة الاقتصادية للتبادل الحر تحت تأثير الهيمنة الأمريكية.

أما ثقافياً ودينياً، تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى أن تكون الديانة المسيحية الكاثوليكية في الغرب هي السائدة داخل حدود الاتحاد الأوروبي . لذلك، فإن قبول انضمام دول إسلامية من شرق أوروبا على رأسها تركيا التي يتجاوز عدد سكانها أكثر من سبعين مليون نسمة بنسبة  % 99 مسلمين، بالإضافة إلى دول أخرى مثل ألبانيا وغيرها، قد يهدد الثقافة الإغريقو- رومانية والوجود الأوروبي المسيحي باختلال التوازن الديني لصالح الديانة الإسلامية.

إستراتيجياً، نتساءل عن حدود الاتحاد الأوروبي في بعدها الجيو-إستراتيجي خلال العشرين أو الثلاثين سنة القادمة، فإن كل المؤشرات تؤكد أن أوروبا مهما قلّصت من الهيمنة الأمريكية أوروبياً وعالمياً، فإنها ستظل تقيم تحالفات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان ذلك في إطار حلف الناتو أو خارجه. أما بالنسبة لروسيا، فإن الأمر يختلف معها، لأن هذه الأخيرة هي دولة أوروبية، قد تكون مستقبلا عضوا في الاتحاد الأوروبي، وفي حالة ما إذا لم يتحقق ذلك، فإنها ستكون عل الأقل قوة دولية تربطه معها مصالح إستراتيجية تتجاوز العلاقات الطاقوية [14].

  أما أمنياً، فإن مسألة توسيع الاتحاد الأوروبي نحو دول وسط وشرق أوروبا قد أثارت قضايا أمنية عديدة مرتبطة بالجريمة المنظّمة خاصة من دول بولونيا والمجر،…إلخ، هذه الدول أصبحت مصدر تهديد بالنسبة للدول الأعضاء .

  كما أن فرنسا وألمانيا لا يملكان سياسة أوروبية شرقية مشتركة وليس لهما مصالح متوافقة تجاه المجال الأوروبي الشرقي [15]. فبالنسبة للفرنسيين، من الناحية الجيو- سياسية، فإن أوروبا الشرقية هي بعيدة ولا تشكل عمقاً إستراتيجياً لفرنسا. فماعدا الإشعاع الثقافي الفرنسي المنتشر في بعض دول أوروبا الشرقية، لاسيما بولونيا وروسيا، لا يوجد توجه جيو- سياسي، اقتصادي وتجاري فرنسي نحو دول هذه المنطقة من أوروبا. كما تفضل فرنسا منح الأولوية لتعميق وتأصيل البناء الأوروبي على حساب التوسيع[16]، بالإضافة إلى أنها تميل أكثر لجنوب المتوسط كعمق إستراتيجي لها.

سادساً: العلاقات الأوروبية-التركية:

مرّت العلاقات الأوروبية-التركية بمراحل مختلفة تميّزت تارة بالتعاون والتنسيق الكبيرين كادت أن تثمر بانضمام تركيا للمشروع الأوروبي، لكنها تارة أخرى تميّزت بالتوتر والاختلاف، بسبب العديد من الملفات المرتبطة بالقضية القبرصية، قضية الأكراد، المجازر الأرمينية ومسائل أخرى مرتبطة بحقوق الإنسان،…إلخ، ووصلت إلى أسوأ مراحلها بعد محاولة الانقلاب التي تعرّض لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوليو 2016.

وتراجع الاهتمام التركي خلال السنوات الأخيرة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس التركي، وما تبعها من مواقف غربية أمريكية وأوروبية متخاذلة وفهمت من قبل القيادة التركية على أنها متواطئة مع عملية الانقلاب الفاشلة. كما كانت هناك تصريحات من مسؤولين أوروبيين خاصة من فرنسا وألمانيا، التي أعقبت سلسلة الاحتجاجاتوالاعتصامات التي شهدتها تركيا في مايو 2013، تطالبها بمزيد من الإصلاحات واحترام حقوق الإنسان إذا أرادت فعلا الاستمرار في مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي[17].

كما تظل مشكلة قبول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من عدمه تشكل تحدياً بالنسبة للدول الفاعلة على رأسها فرنسا وألمانيا، بالنظر إلى وضعية حقوق الإنسان التي ما تزال تنظر إليها هذه الدول بأنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، والتأخر المسجّل في تكييف إصلاحاتها مع المؤسسات الأوروبية، وكذا خصوصية مجتمعها ذي الأغلبية الساحقة المسلمة، وتتخوّف الدول الأوروبية الفاعلة خاصة فرنسا من إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لاعتبارات عديدة، وتعمل على إفشال كل مساعي الانضمام، لاعتبارات عديدة أهمها:

1- الاختلاف الديني بين دول أوروبية تدين بالمسيحية وتركيا ذات الأغلبية المسلمة الساحقة.

2- تداعيات القضية القبرصية منذ عام 1974 وانقسامها إلى شطرين: الشطر التركي والشطر اليوناني.

3- القضية الكردية وما نجم عنها من حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي وتوظيفها من قبل الأوروبيين كورقة ضغط ضد الأتراك.

4- الإرث التاريخي خلال الحقبة العثمانية وما انجر عنها من عداوات وصراعات وحروب مع دول أوروبية، خاصة ما تثيره هذه الدول من جرائم ارتكبت ضد الأرمن في عام 1915.

بالمقابل، يمكن لتركيا أن تشكل عنصرا جيو-استراتيجياً قوياً لدعم الأمن الأوروبي وتعزيز المساحة العالمية للاتحاد الأوروبي. وبالتعاون مع أنقرة، فإن الاتحاد الأوروبي، وفي إطار السياسة الخارجية للأمن المشترك والسياسة الأوروبية للأمن والدفاع، أن يكون له تأثير سياسي على منطقة الشرق الأوسط وعلى المسألة الكردية ومكافحة الإرهاب الدولي وغيرها من القضايا[18].

سابعاً: الاتحاد الأوروبي-حلف الناتو: شراكة أم هيمنة:

إن التعرض لمستقبل العلاقات القائمة بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو يثير مسائل عديدة مرتبطة باستمرار الهيمنة العسكرية الأمريكية داخل الحلف الأطلسي وخارجه، التي تبقى هاجسا يقلق الأوروبيين، الذين يسعون للحد من هذه الهيمنة الأمريكية وجعلها أكثر توازنا، ولاسيما وأن الاتحاد الأوروبي قد تبنّى السياسة الأوروبية للأمن والدفاع مستقلة، ويسعى إلى تجسيدها في سياق العلاقة العابرة للأطلنطي  ودعمها بمؤسسة خاصة بالحوار ما بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حفاظا عن الهوية الأوروبية[19].

في هذا الإطار، بيّن فريق عمل “لجنة التحليل والتفكير حول الوضع الراهن”، الذي عالج قضية التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وتحقيق التوازن بين الطرفين. كما أبرز دور أوروبا المتعاظم في المستقبل للوصول إلى تحقيق الهوية العسكرية الأوروبية، بالاعتماد على مجموعة من الوسائل المرتبطة بأمنها الداخلي (Europol, Eurojust, Schengen, Contrôle des frontières…) وكيفية التعامل والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار سياسة أمنية عابرة للأطلنطي يجسدها التعاون في مراقبة بؤر التوتر الدولية، وصولا إلى التقليل من الاختلافات والخلافات التي قد تنجم من حين لآخر والمحافظة على رهانات التعاون المتعددة المجالات وفي مقدمتها مكافحة الإرهاب الدولي[20].

من جهتها، تسعى فرنسا، باعتبارها من الدول الفاعلة داخل هياكل حلف الناتو، وبالتنسيق مع ألمانيا إلى اعتماد “سياسة مؤثرة” أو سياسة محاولة “إعادة التوازن”  على مستوى حلف الناتو، وذلك بإشراك الطرفين الرئيسيين  حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال “السياسة الأوروبية للأمن والدفاع”، اللذين يتكاملان فيما بينهما.

هذا التعاون هو ضرورة فرضتها ظاهرة الإرهاب الدولي[21]، بحيث شهدت العلاقات الأوروبية- الولايات المتحدة الأمريكية بعد 11 سبتمبر 2001 نوعا من ” التضامن العاطفي” ، لكنه سرعان ما تراجع غداة غزو العراق في 2003، وصل إلى حد الانشقاق بين أقطاب الاتحاد الأوروبي فرنسا وألمانيا من جهة وبريطانيا، إيطاليا وإسبانيا من جهة أخرى[22]

إن استمرار حلف الناتو كمنظمة عسكرية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، سيجهض حتما أي مبادرات أمنية وعسكرية أوروبية مشتركة مستقلة، لأن أمريكا لن تقبل أبدا أن يكون الاتحاد الأوروبي قطبا أمنيا وعسكريا مستقلا، لأن ذلك تعتبره تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية في أوروبا والعالم.

إن استمرار حلف الناتو كمنظمة عسكرية تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، سيجهض حتما أي مبادرات أمنية وعسكرية أوروبية مشتركة مستقلة، لأن أمريكا لن تقبل أبدا أن يكون الاتحاد الأوروبي قطبا أمنيا وعسكريا مستقلا، لأن ذلك تعتبره تهديدا مباشرا للمصالح الأمريكية في أوروبا والعالم.

ثامناً: خروج بريطانيا وانعكاساته على الاتحاد الأوروبي:

 يُطرح سؤال كبير، كيف سيؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟. الجواب: هو أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي لا تتأثر كثيرا في حالة ما إذا استمر التنسيق والتعاون بين أعضاء الاتحاد الأوروبي خاصة الدول المؤثرة فرنسا وألمانيا لتعويض هذا النقص. ويمكن القول إن بريطانيا بالرغم من أنها كانت دولة كبيرة داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، إلا أنها لم تكن عضوا فاعلا، بالنظر إلى توجهاتها الأطلسية وقربها الأكثر للمصالح الأمريكية على حساب المصالح الأوروبية. كما أن بريطانيا لم تكن أحد الأعضاء المؤسسين الستة لجماعة الفحم عام 1951 والسوق الأوروبية المشتركة عام 1957. وانضمت رسميا لهذه السوق في عام 1973، ولم تكن جزءًا من العملة الأوروبية اليورو، ولا عضوا في فضاء شنغن.

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تخشى من قيام وحدة سياسية أوروبية تكون قادرة على تعزيز التقارب والوفاق السياسي بين الاتحاد الأوروبي وروسيا على غرار العلاقات الاقتصادية المتميزة القائمة على المحروقات، وبالتالي فإن واشنطن، التي كانت تسعى، من خلال بريطانيا عندما كانت عضوا في الاتحاد، والتي لم تكن تعترف ” بالسيادة الأوروبية”، للحيلولة دون إقامة شراكة سياسية روسية-أوروبية، لأن هذه الأخيرة بإمكانها قلب المعادلة الأوروبية التي تتحكم فيها الأحادية الأمريكية إلى نظام إقليمي أوروبي متحرر من هذه الهيمنة[23].

تاسعاً: مستقبل العلاقات الأوروبية الأمريكية:

السؤال المطروح هو كيف سيكون مستقبل العلاقات الأمنية الأوروبية- الأمريكية والوجود العسكري الأمريكي وفي مقدمته انتشار السلاح النووي في مناطق مختلفة من أوروبا؟

لقد كان هذا الملف دائما مصدر تجاذبات وتناقضات وحتى صدامات في بعض الأحيان بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وأوروبا ممثلة في فرنسا خاصة من جهة أخرى، ومن بين الاحتمالات المطروحة هي [24]:

السيناريو الأول: يتمحور حول فكرة أن الحلفاء الأوروبيين بقيادة فرنسا وألمانيا لا يمكن أن تصل اختلافاتهم الإستراتيجية إلى حد الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية في ظرف يتميز بتزايد ظاهرة الإرهاب الدولي في أوروبا وخارجها. لذا، فإن هذا الوضع الاستثنائي يتطلب تحالفا عسكريا وأمنيا في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي. ويتحوّل هذا الأخير من منظمة إقليمية إلى منظمة للأمن العالمي[25].

كما يوجد هناك تفهم أمريكي للانشغالات الأوروبية بخصوص الوجود العسكري الأمريكي المكثّف في أوروبا، وما يؤكد هذا الطرح هو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تتراجع عسكريا سواء ذلك لأسباب مالية أو أمنية. وذلك من خلال سحبها من أوروبا لقنابل من نوع “ب- 61 ” (B – 61) من ألمانيا. وهناك بعض القواعد العسكرية الأمريكية في أوروبا شاغرة في أيام السلم، في حين في أيام الأزمة تتجهّز بطائرات “ب-61” (B-61)[26].

زيادة على كل ذلك، فإن حلف الناتو لم يعد منظمة دفاعية فحسب، بل تحوّل إلى حلف أوكلت إليه مهام التدخل لحل النزاعات الدولية بالتعاون مع دول أخرى من خارج الحلف من شرق أوروبا ومن حوض المتوسط[27]، وبالتالي فإن النتيجة التي نصل إليها هي حدوث تراجع عسكري أمريكي جزئي من أوروبا واستمرار الوضع العسكري الراهن وفقا للمستجدات الإقليمية والدولية.

السيناريو الثاني: يذهب إلى أن هناك اهتمام أوروبي ببناء قوة عسكرية أوروبية مستقلة أكثر من أي وقت مضى، لأن المؤشرات المستقبلية بخصوص ” السياسة الأوروبية للأمن والدفاع قد “تصطدم بالوجود العسكري النووي الأمريكي في أوروبا. وقد ظهر مسار سياسي في دول أوروبية فاعلة كألمانيا، فرنسا، إيطاليا وإسبانيا يدعو الحكومات لاتخاذ إجراءات فعّالة ضد الوجود العسكري الأمريكي وسحب السلاح النووي التقليدي (ANT) من أوروبا.[28]

في هذا السياق، أعلنت المفوضية الأوروبية بداية من عام 2007، عن انطلاق “برنامج أوروبي للبحث والأمن” في سياق البرنامج السابع الإطار للبحث والتنمية. هذا الأخير يشكل بالنسبة لأوروبا، إستراتيجية أوروبية حقيقية للأمن الشامل[29]، زيادة على دورهما في إطار مهام الأمم المتحدة. ونصل إلى نتيجة مفادها أن هاتين الدولتين اللتين تمثلان القاطرة الأوروبية بإمكانها الوصول يوما إلى تحقيق الاستقلالية العسكرية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

فقد صدرت وثيقة في ألمانيا  عن مكتب التصميم لقيادة الأركان القوات البرية الألمانية، وأخرى صادرة في فرنسا عن مكتب التصميم لقيادة الأركان القوات البرية الفرنسية حول مستقبل القوات البرية الألمانية، الأولى بعنوان :” أهداف القوات البرية في 2020 “، والثانية بعنوان:” مستقبل القوات البرية 2025″.

هذا الاهتمام العسكري المشترك الفرنسي- الألماني يترجمه الدعم الكبير للسياسة الأوروبية للأمن والدفاع، التي أصبحت عنصرا هاما في المعادلة الأمنية الأوروبية، لاسيما مع بداية الألفية الثالثة، التي عرفت إنشاء الوكالة الأوروبية للدفاع، بالإضافة إلى العديد من الهياكل الدفاعية التابعة  لقيادة الأركان العسكرية.

كما أن هناك إقراراً أوروبياً بأنه في حدود 2020 و2025،  ستصل القوات العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي، بالاعتماد خاصة على القوات الفرنسية، الألمانية والبريطانية إلى مستوى عال من الفعالية العملية للاستجابة إلى كل التحديات التي قد تعترض دول الأعضاء. [30] وعليه، فإن النتيجة التي وصل إليها هذا السيناريو هو الانسحاب العسكري الأمريكي الكامل من أوروبا الذي سيكون على المدى البعيد.

السيناريو الثالث: يُركز على تكثيف التواجد العسكري الأمريكي في أوروبا، لاسيما في الناحية الشرقية منها، ويرتبط ذلك بالتهديد النووي الإيراني الجديد وإمكانية اكتسابها لقنبلة تحمل رؤوسا نووية قد تشكل تهديدا  مباشرا على الأمن الأوروبي بحكم القرب الجغرافي، حسب التبرير الأمريكي المدعّم سياسيا وعسكريا من دول أوروبية كثيرة أعضاء في حلف الناتو، ولذلك فإن الحديث عن انسحاب عسكري أمريكي من أوروبا لا يكون مطروحا لا على المدى القصير ولا على المدى المتوسط. ويدعم هذا الطرح الافتقار إلى النقل الجوي الإستراتيجي لايزال يقف عائقا أمام قدرة الاتحاد الأوروبي على القيام بعمليات دعم السلام بالاستقلال عن الولايات المتحدة الأمريكية.[31]

كما أن التفاهم والتنسيق الفرنسي- البريطاني حول مسألة السلاح النووي الأمريكي في إطار “السياسة الأوروبية للأمن والدفاع” قد أحدث نوعا من الهدنة الأمريكية- الأوروبية، وهو ما يضفي الشرعية الشعبية في الدول الفاعلة الأوروبية، بالإضافة إلى كل ذلك هناك الدرع المضاد للصواريخ الذي ستقيمه الولايات المتحدة الأمريكية في أوروبا الشرقية وتحديدا في جمهورية التشيك وبولونيا، الذي أثار استياء وغضب السلطات الروسية ووصفته بأنه موجّه إلى روسيا.

وفي إطار هذه السيناريوهات يمكن القول إن العلاقات الأوروبية-الأمريكية تحكمها العلاقات العضوية بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، ومدى قدرة الاتحاد على بلورة سياسة دفاعية أوروبية مشتركة، تبقى هدفا صعب التحقيق على الأقل في المدى القصير، بالنظر للمعطيات الأمنية المتوفرة واستمرار الهيمنة الأمريكية على السياسة الدفاعية لحلف الناتو في أوروبا .

النتيجة التي نصل إليها هي الهيمنة شبه المطلقة الأمريكية على الشؤون الأمنية والعسكرية الأوروبية سيستمر لسنوات. يبدو أن هذا السيناريو هو الأكثر دقة على الأقل خلال العشر سنوات القادمة.

الاستنتاجات:

1ـ فشل الاتحاد الأوروبي منذ عام 1992، أي منذ التوقيع على معاهدة ماستريخت، على بلورة سياسة دفاعية وأمنية مشتركة مستقلة.

2ـ فشل الاتحاد الأوروبي في التكيّف مع سياسة التوسّع المعتمدة خاصة منذ عام 2004 وانضمام عشر دول جديدة، وبالتالي أصبح هذا التوسّع يمثل عبئا على المؤسسات الأوروبية.

3ـ أصبح الانقسام الأوروبي أكثر حضوراً في المواقف الأوروبية بخصوص العديد من القضايا المطروحة أوروبيا ودوليا، نذكر منها، القضية الفلسطينية، الملف النووي الإيراني، الأزمات العربية منذ عام 2011، في ليبيا، سوريا، اليمن، بالإضافة إلى القضية الصحراوية…

4ـ سعي أمريكي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لأن تكون أوروبا متطورة اقتصاديا وتابعة عسكريا وأمنيا للولايات المتحدة الأمريكية.

5ـ إن استمرار منظمة حلف شمال الأطلسي سيحول دائما دون الوصول إلى بناء قوة عسكرية أوروبية موحدة وتحقيق الاستقلالية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

6ـ أصبح من الضروري إعادة النظر في علاقات الاتحاد الأوروبي مع دول الضفة الجنوبية من المتوسط من أجل المحافظة على الأمن والسلم في المتوسط.

7ـ هناك ضرورات جيوسياسية، تفرض على دول الاتحاد الأوروبي تعزيز علاقاته مع جواره الجغرافي من الناحية الشرقية خاصة روسيا وتركيا…

8ـ ما بعد أزمة كورونا ستفرض التطورات الحاصلة في العلاقات الدولية على دول الاتحاد الأوروبي تغيير سياساته وإستراتيجياته لضمان استمراريته كقطب فاعل في الساحة الدولية.


الهوامش:

[1] Laurent WAUQUIEZ, Europe : Il faut tout changer. Paris : Odile Jacob, 2014, P.41-

[2] -François CHAUVANCY, Quelles forces militaires pour quelle Europe de la defense. défense nationale, Janvier 2005, PP.36-37-

[3] Bernard de BRESSY, Des frontières de l’Europe. Defense nationale, mars 2006, P.07-

[4] – Mathias RUETE, La politique énergétique de l’Union européenne. défense nationale, avril 2006, P.09-

[5] Emmanuel TODD, Après l’Empire : Essai sur la decomposition du système américain . Paris: Editions Gallimard, 2002 P.180-

[6] جميل مطر، تطويع الخصم: الضغوط الغربية على روسيا . المستقبل العربي، العدد 323، يناير 2006، ص46.

[7] Maxime LEFEBVRE, Quel avenir pour l’Union européenne ?, in RAMSES: “Rapport Annuel Mondial sur le système économique et les stratégies, -sous la direction de Thierry De MOTBRIAL et Philippe DEFARGES. Dunob : IFRI, 2004, P.91.

[8] Bernard DE MONTFERRAND, Défendre l’Europe . Paris : Economica, 1999 , P.134-

[9] Dominique DAVID, Giovanna TANZARELLA et Thierry FABRE, La Méditerranée : un espace conflictuel ou communautaire ?. défense nationale, août – septembre 2006, P.140.

[10] وليد عبدالحي، العلاقات العربية-الصينية . المستقبل العربي، العدد 322، ديسمبر 2005، ص56.

[11] – Maxime LEFEBVRE, Quel avenir pour l’Union européenne ?, in « RAMSES : Les grandes tendances du monde 2004 », sous direction de Thierry DE MONTBRIAL et Philippe MOREAU DEFARGES. DUNOD : IFRI, 2004, P.78.

[12] Michel FOUCHER, Quelles frontières et quel projet pour l’Europe . Le monde diplomatique, mai 2007, P.22.

[13] Jean-Marc BALENCIE et Armand de la Grande, Mondes rebelles, présenté par Jean-Christophe RUFIN . Paris : Editions Michalon, 1999, P.1277-

[14] Bernard De BRESSY, Des frontières de l’Europe, défense nationale, mars 2006, PP. 05 – 09-

[15] Hans STARK, La France et l’Allemagne face à l’Europe de l’Est, Allemagne d’aujourd’hui, mai 2006, PP.105-106-

[16] Henrik UTERWEDDE, Allemagne : À la recherche d’un nouveau rôle . notes et études documentaires, n°5128-29, février 2001, PP.165-166-

[17] Joseph RICHARD, Turquie: la révolte de la generation AKP, dans:Thierry DE MONTBRIAL et Philippe MOREAU DEFARGES.ParisDunob, ramses 2014, P.13.

[18] Cemal KARAKAS, UE -Turquie : L’hypothèse de l’intégration graduelle, politique étrangère, mars 2006 P.670-

[19] Paul-Marie DE LA GORCE, Les rapports franco-allemands à l’ombre de la tutelle américaine, revue recherches internationales, n°54, automne 1998, P. 85.

[19] – Groupe de travail du CARA, Défense européenne UE et Otan, défense nationale, mars 2006, P.13-

[20] Groupe de travail du CARA, Défense européenne UE et Otan, défense nationale, mars 2006, P.13-

[21] André DUMOULIN, La France et l’Otan : entre méfiance politique et rapprochement doctrinal, défense nationale, mai 2006, PP.54-55-

[22] Jean-Jacques PATRY et Nicole VILBOUX, Les organisations européennes et l’Otan : Quatre ans de relations transatlantiques. in revue Les études de la documentation française, intitulé : La défense en Europe, sous la direction de Patrice BUFFOTOT, n°5218, 2005, P. 221.

[23] Jean-Paul JOUBERT, A propos « des » frontières de l’Europe.défense nationale,août-septembre 2006, P.91-

[24] André DUMOULIN, Dissuations française et américaine : scénarios pour l’Europe, défense nationale, mars 2006, PP.53-54-

[25] – عماد حمّاد، حلف الأطلنطي: مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة . القاهرة: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، 1998، ص9.

[26] -Ibid, P.48.

[27] أليساندرو فيجيس، مستقبل الناتو وتوسعه شرقا وفي البحر الأبيض المتوسط، ترجمة رضوة حسن، السياسة الدولية، العدد 152، أبريل 2003، ص21.

[28] كاظم هاشم نعمة، حلف الأطلسي . طرابلس : منشورات أكاديمية الدراسات العليا، 2003، ص144.

[29] Laurent WAUQUIEZ, Europe : Il faut tout changer. Paris : Odile Jacob, 2014, P.41-

[30] Klaus SCHIRRA et Heiko THIESER, Réflexions sur l’évolution des armées de terre française et allemande, défense nationale, mars 2006, P.143-

[31] مركز الخليج للأبحاث، التوازن العسكري 2004-2005 . دبي: المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، 2005، ص66.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى