أمنيةسياسية

قراءة في جيوبوليتيك وفسيفساء دولة الأمر الواقع في ليبيا

د. بوقراس رقية

أستاذة محاضرة أ / قسم العلوم السياسية

كلية الحقوق و العلوم السياسية ؛ جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم

مقدمة:

إن الشكل الذي أضحت تشكله ليبيا هو  فسيفساء جامعة وعاكسة لحجم الصراعات الأفقية والعمودية المسيطرة على عمود الحياة السياسية والمجتمعية في ليبيا. فالظاهر حالياً أزمة سياسية متجذرة يحاول بكل الطرق إيجاد مخارج لها وفق حسابات هي بالأساس جوهر تلك الفسيفساء المذكورة أعلاه ، أي ضمن حلقة تظهر أنها مفرغة.

دولة ليبيا هي انعكاس وتطور منطقي لسقوط نظام معمر القذافي، ليس ذلك فقط بل أيضاً انعكاس لحجم تعقد مستويات التدخل الأجنبي في كامل منطقة شمال افريقيا ودولها وعبرها نحو باقي دول منطقة العمق الإفريقي، على غرار ما يحدث في دول التشاد ومالي ونيجيريا والسودان وغيرها من باقي الدول الافريقية الأخرى.

إن أية محاولة لتفكيك أو محاولة إستقراء الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية والثقافية المعقدة في ليبيا لا يمكن إدراكها أو فهمها إلا من خلال ذلك التصور المذكور أعلاه ، والمبني بالأساس على فرضية أن ليبيا جزء أو قطعة داخل مصفوفة معقدة تقع ضمن حدود سياسية متداخلة ومتأثرة ببعضها البعض، وكذا هشة إلى درجة أوجدت صور وواقع سياسي أضحى يسمى بـــ”دولة الأمر الواقع” ؛ وهو حال الدولة الليبية حالياً بمختلف الأطياف التي تحاول فرض منطقها السياسي والأمني والعسكري.

وعليه ؛ سنعمد في هذه الدراسة  إلى معالجة الإشكالية التالية:

ماهي جيوبوليتيكية التفاعلات الحاصلة في دولة الأمر الواقع اللليبية ؟، وما هي المتغيرات المكونة والمتحكمة في مصفوفتها ذات التعقيدات الأمنية و السياسية؟ .

إن حجم التعقيد الأمني في ليبيا اليوم والموازي لمستواياتها السياسية بلغ درجة وصورة فرضت منطقها على كل المحاولات السياسية والدبلوماسية الإقليميه والعالمية أو الدولية الرامية لإيجاد مخارج وحلول دبلوماسية والسياسية سلمية، قد تكون كفيلة على الأقل كمستوى أول من إقناع مختلف الأطياف الليبية على بناء والاقتناع بسلم موحد من التوافقات الأولية والقادرة على تحقيق مبدأ الرغبة في الجلوس على نفس طاولة المفاوضات، وذلك دون الحاجة المستمرة للاقتناع والعمل بمدأ الرفض أو اللعبة الصفرية، وبالتالي الإبقاء على دورية الحرب و التنافر و نشر النزاع.

بالإضافة إلى كل ذلك تكمن الميزة الليبية أو دولة الأمر الواقع الليبية في كونها ذات حركيات مستمرة ودورية-بالقياس على الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية-، تصعب من محاولات استقراء الأوضاع السياسية  والعسكرية والأمنية المعقدة بالأساس، وهو التصور نفسه الذي يجب التركيز عليه عند محاولات ايجاد حلول أو طرحها وقبلها ضرورة التمييز الدقيق لفسيفساء المشهد الليبي و مختلف فواعله.

ومع ذلك، هناك بعض التطورات الإيجابية في الوضع الليبي، في أكتوبر 2020، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة بين الفصائل المتنازعة في البلاد؛ كما تم استئناف إنتاج وتصدير النفط، والذي يعتبر مصدر رئيسي للإيرادات في ليبيا.

أولاً- التصورات الجيوبوليتيكة لحالة الحرب في دولة الأمر الواقع الليبية:

تعتبر التصورات الجيوبوليتيكية لحالة الحرب في ليبيا متعددة ومعقدة، وتتأثر بتداخل العديد من العوامل السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وحتى الثقافية منها في كامل منطقة تماس الحدود اللييبية أو الحدود المشتركة؛ أي دول الجوار الأفروعربية؛ الجزائر؛ تونس؛ التشاد؛ مصر؛ النيجر والسودان. كما تتعداها خارج حدود تماس الحدود المشتركة أو المباشرة ، في إشارة إلى موقع ليبيا الجيوإستراتيجي.

لقد أكدت الأطروحات السائدة التي أعقبت الثورة الليبية ضد نظام القذافي استعانت ذلك الأخير بتحالفاته الليبية [1]الإفريقية الغير رسمية والرسمية، في محاولاته-آنذاك-للسيطرة على الوضع الأمني في ليبيا وحتى العبر الليبي؛ عبر

توظيف الميليشيات على طول المحور التشادي السوداني [2]حيث تتواجد قبائل التشادية والقبائل السودانية ، على غرار قبائل دارفور والجنجاويد والزغاوة[3] وحركة العدل والمساواة في شمال السودان[4].

إن حجم التحديات الأمنية التي أضح يطرحها ذلك النزاع ؛ هي بالأساس معقدة ومترابطة، جامعة بين مستويات المدخلات السياسية والجيوبوليتيكية، والممتدة من العمق الليبي إلى الفضاء الساحلي الإفريقي أو الساحلوإفريقي بتجاذب الثنائية الإقليمية والدولية؛ ولتتجاوزه إلى حدود الفضاء الساحلوسوداني.[5]

لقد شكلت معالم ذلك الفضاء الساحلوسوداني مدخلاً إقليمياً للنزاع وتطبيق مبدأ الإبقاء على قانون تواتر توظيف الحرب في الجنوب الليبي، بين قبائل التوارق وقبائل التبو. حيث وصلت امتداداته إلى إقليم أزواد أو القضاء الساحلوإفريقي في شكل انتشاري للنزاع القبلي، وليستمر انتشاره إلى كل نقاط التماس ومراكز الاستقطاب للنزاع في شمال مالي، وعبره بشكل أفقي و/أو عمودي في إفريقيا. على إعتبار أن دول إفريقيا ومناطقها الجيوسياسية هشة خاضعة لتطبيقات نظرية الفراشة[6] و مبدأ زئبقية الأزمات[7].

ثانياً-تطبيقات نظرية الفراشة و مبدأ زئبقية الأزمات الناجمة عن أزمة دولة الأمر الواقع الليبية:

عبر محاولات اسقاط وتطبيقات نظرية الفراشة على الحاصل في ليبيا نحو دول الجوار، وعبر تصور عاكس أيضاً، فإن حجم المعادلات التي يمكننا استقراؤها عبر كل ذلك تنشأ لدينا التصورات الصراعية التالية، ذات المبدأ المبني على زئبقية الأزمات:

1-حرب مباشرة بين قبائل التبو والقبائل العربية الليبية ؛

2-حرب مباشرة بين قبائل التبو والقبائل التارقية الليبية ؛

3-حرب مباشرة بين قبائل التبو والقبائل التارقية والعربية معاً ؛

4-حرب غير مباشرة بين قبائل التبو والحركات الأزوادية ؛

5-حرب غير مباشرة بين النظام التشادي والقبائل الأزوادية ؛

6-حرب غير مباشرة بين النظامين التشادي والأطراف السياسية والقوى العسكرية الليبية؛[8]

7-حرب غير مباشرة بين القوى الليبية والتشادية والسودانية (دولة الشمال والجنوب السوداني).

8-رفع التوتر بين تونس وليبيا ووصولا إلى الجزائر[9]؛

9-التأثير على الواقع الجيوأمني لدول الشمال الإفريقي ؛

10-رفع مستويات تهديد بالنسبة للجنوب الأوروبي أو الفضاء المتوسطي؛ أي تهديد مصفوفة الأمن الإقليمي و الدولي.

و انطلاقاً من النتائج الموضحة أعلاه يمكننا استقراء مسارات تنازعية أخرى في /أو عبر منطقتي الساحل الإفريقي والشمال الإفريقي، وبالتماس مع المنطقة المتوسطية صعوداً نحو أوروبا، تتشكل لدينا مركبات أمنية وبمستويات أكبر ، ناشئة لما ورد أعلاه، تزيد أو ترفع الحاجة إلى توظيف مقاربات صلبة أو عسكرية أمنية بغية إيجاد مخارج حتمية للأوضاع الليبية، وهو التصور الأكثر عقلانية والذي ينشأ تلقائياً ، ولكن في نفس الوقت تكون الاحتمالية المتصاعدة لحروب وتوترات أخرى بين دول السودان وجنوب السودان، التشاد وليبيا. وهو الأمر الواقع حالياً.

فالذي كان مبدأ التنازع بين ثتائية سياسة-أمن؛ وهو الأمر الطبيعي عندما تكون الدولة هشة أو تعمل وفق مبدأ دولة الأمر الواقع على غرار الواقع السياسي الليبي الحالي، وعليه يمكن حصر التالي:

مشكلة القبائل الليبية وأبعاد التحالفات / الصراعات البينية والمشتركة؛

-مشكلة الأسلحة والميليشيات المتعددة والتنظيمات الإرهابية؛ و سلم الولاءات والأجندة الخارجية، الإقليمية والدولية؛

-انعدام الأمن ودورية الحرب في ليبيا؛ بين الصراع على مناطق النفوذ والصراع الجيوإقتصادي على مناطق النفط و الموانئ؛

-الأطياف السياسية الليبية الداخلية والتوجهات و/أو الإملاءات الخارجية.

وعلى ما ورد أعلاه يمكننا تجميع أو حصر فواعل النزاع في الجنوب الليبي كمدخل لفهم أو كمحاولة للوقوف على أحد أهم الجوانب المحددة لمخرجات الصراع في ليبيا هي كالتالي:

الأطراف المباشرة الأطراف الغير مباشرة
قبائل توارق ليبياالمجلس الاجتماعي الأعلى الممثل لقبائل التوارق في ليبيا: تشكيل لجنة للتواصل مع القوة المحايدة لتطبيق اتفاقية السلام تظم : -العيساوي الصديق سعيد -مختار أحمد مسعود -محمد عمر عبد القادر -عمر الصالحين أعظيم -الغزالي عبد الجبار  الدول حسب رؤية الأطراف المباشرة-قطر، التشاد، فرنسا، الإمارات العربية المتحدة، السودان، جنوب السودان(تأكيد على لسان الرئيس السوداني الذي قال بأن مسلحي دارفور يستغلون الوضع في ليبيا)، مالي، النيجر، حتى كينيا وزامبيا. -اتهامات لحكومة طبرق وحفتر ولقبيلة القذاذفة والفزازنة
حراك شباب التوارق في أوباري والذي دعم اتفاق الدوحة وفي حين طالب من قبائل التبو التحقيق في أحداث مدينة أوباري بتاريخ 10 يناير 2016.  الحركات الأزوادية، المجلس الأعلى للتوارق
منظمة شباب إيموهاغ الدولية من أجل العدالة والمساومة والتي رأت في الحرب فيما بين التوارق و التبو تطهيراً عرقياً لعنصر التارقي. والتي ترى في التشاد والسودان و النيجر أطراف معادية للتوارق في شخصيات باركا وردجو و سيدا أٌلي.ورد في بيان رقم 3 بخصوص جرائم التطهير العرقي بحق الطوارق في أوباري التالي: 1-أن ما يحدث في أوباري ليست حرب قبلية (….)إنما هو تطهير عرقي لمكون الطوارق عبر تحالف قبلي ولأطراف إقليمية ودولية. 2-نطالب الأمم المتحدة بفتح تحقيق. 3-التأكيد على ضرورة الحوار الداخلي.
    القبائل العربية في أوباريقبيلة أولاد سليمان والزوية 
أولاد خريص التي قامت برعاية المفاوضات بين قبائل التبو و قبيلة أولاد سليمان حول تبادل الأسرى
قبيلة الحساونة التي تتولى عملية الوساطة فيما بين التوارق والتبو برعاية مجلس حكماء الحساونة. نص الإتفاقية: 1-الإيقاف التام والفوري لإطلاق النار. 2-انسحاب كامل التشكيلات والمظاهر المسلحة بين الطرفين. 3-الالتزام لكل الطرفين والتعهد بالسيطرة على شبابها. 4-دخول قوة محايدة من قبل قبيلة الحساونة في الطريق الرابط بين سبها وأوباري. 5-تشكيل قوة عسكرية (كتيبة  456 بقيادة أحمد الحسناوي )محايدة تابعة لقبيلة الحساونة. 6-تباشر القوة عملها بتاريخ 27/01/2016
حكومة المؤتمر الوطني العامسرايا ثوار أوباري
قبائل التبوالجنجاويد 
الزغاوة 
حركة العدل والمساواة السودانية 

المصدر: جدول معد من قبل الباحثة اعتمادا على مصادر متنوعة.

لقد حاولت أطراف متعددة لعب دور الوساطة لإدارة النزاع فيما بين القبائل التارقية وقبائل التبو التشادية، وكانت في مقدمة تلك الأطراف دولة قطر، في شكل استكمال للدور القطري في ليبيا وخارجها، وهي المقاربة التي كللت بتوقيع اتفاقية الدوحة بين قبائل التبو و التوارق[10].

إن تصور الصراع بين قبائل التبو التشادية والطوارق في الجنوب الليبي هو تركيز جغرافي على محور مدينة أوباري الليبية[11]، حيث الظاهر هو لعبة جيوإستراتيجية قطرية قصد تحقيق السيطرة على منطقة جنوب غرب ليبيا. إن فرضيات ذلك التصور هي مبنية بالأساس على امتدادات التواجد الفرنسي من الجنوب الليبي نحو الشمال التشادي أين تنشط شركة توتال Total الفرنسية؛ في شكل يزيد من التقارب القطري الفرنسي كمشاريع عسكرية وجيوإستراتيجية تستهدف ليبيا وكل المنطقة.

إن نشاط شركة توتال الفرنسية في الجنوب الليبي هو محاولة من تلك الأخيرة للإستفادة عبر فكرة تعظيم المكاسب وتأمينها عسكرياً عبر تحالفات دولية وقُطرية محلية تستهدف الغاز الطبيعي الليبي[12].

بالقياس على تلك الفكرة أو الفرضية فإننا نفتح الباب أمام تصورات كثيرة ولقراءات متعددة مقبلة على ليبيا، كلها تزيد من التأكيد على تفسيرات ما يحدث في مدن زنتان وأوباري وغيرها والهلال النفطي الليبيي والتموقع والتحركات العسكرية الجغرافية لقوات فجر ليبيا. إضافة إلى مكونات الميليشيات ذات المعالم الضبابية والقيادات الهلامية والمكونة من فيسفساء تلامس انتماءات جماعة أنصار الحق[13] وتمتد إلى عمق منطقة الساحل الإفريقي .

يشكل مدخل الصراع القبلي في ليبيا مدخلاً لفهم حالة اللاأمن التي تشهدها ليبيا، وكذا تصوراً شاملاً يمكننا عبره بناء تصورات الدولة الليبية الحالية أو دولة الأمر الواقع لما بعد نظام معمر القذافي؛ و أيضاً مدخلاً لاستقراء مسارات التفاوض الليبية-الليبية (وخارجه) لأجل التوصل إلى بناء حكومة وفاق وطني ليبية محتملة، وعبرها الولوج نحو تحقيق الأمن في ليبيا.وللتبسيط إلينا الشكل الموضح لمستويات الدول أو المركبات الإقليمية والدولية المعنية بدولة الأمر الواقع في ليبيا :

يجمع ويلخص هذا الشكل تصورات الدول والفواعل لمقاربة الأزمة الليبية عبر محاور مختلفة، سواءاً في شكلها التنافسي أو التعاوني عبر مصفوفة الثنائية سياسة-أمن في دولة الأمر الواقع الليبية.

وللتعبير عن ذلك كان الشكل الموضح أعلاه بسهمين وبلونين:

1-اللون الأحمر التعارض.

2-اللون الأزرق التوافق.

وعليه يمكننا تلخيص ما ورد في الشكل المذكور أعلاه المحاور التالية:

1-محور فرنسا إيطاليا ألمانيا  (الشراكة الاقتصادية واستمرارية التواجد):

إن الحديث عن سقوط نظام القذافي هو استحضار حتمي لسياسة الرئيس الفرنسي السابق “نيكولا ساركوزي Nicolas Sarkozy “، وأيضاً استحضار لمفهوم الإستراتيجية الفرنسية في إفريقيا ككل. إن فرنسا هي التي سعت إلى استصدار القرار الأممي الذي أقر بتوظيف القوة العسكرية عبر حلف الناتو وبموافقة أممية[14].

2-المحور الألماني الليبي: بالنسبة لألمانيا فقد كانت مواقفها حول الحرب في ليبيا في البداية رافضة لمبادرة التدخل العسكري المباشر، وهو ما بينه موقفها من القرار الأممي رقم 1973 ومع تسارع الأحداث لجأت ألمانيا إلى مقاربة المعضلة الليبية بمبادرة إعادة الإعمار، في شكل مقاربة بزاوية بعيدة عن التدخل العسكري.

ولكن مع تطور أوضاع السياسية والأمنية التي واكبت سقوط نظام معمر القذافي وتوالي الإعترافات الدولية وجدت ألمانيا نفسها في نوع من الحرج السياسي على المستوى الدولي بالنظر إلى الحالة الليبية ومواقف السياسية الخارجية الألمانية في شكلها العام وفي إفريقيا بشكل خاص.

وعليه فقد وجدت ألمانيا نفسها في موقف استدعى موازنة مواقفها الدولية بالنسبة للحالة الليبية، حيث قالت وزيرة الدفاع الألمانية ” أورسولا فون دير لاين Ursula Von Der Leyen ” أن ألمانيا “ليس بمقدورها التهرب من مسؤوليتها وتقديم مساعدة“، ولكن ذلك لن يتم إلا في حالة تشكيل حكومة ليبية وطنية كاملة السيادة في إشارة إلى حالة الانفلات الأمني والصراع السياسي في ليبيا[15].

وبتسارع الأحداث السياسية والأمنية وتعقيداتها التي ظهرت على مستويات متعددة،
وفي إطار التوجهات الدولية العامة نحو الوضع الأمني في ليبيا (الإدارة الأمنية) من خلال” تقوية المؤسسات الأمنية الليبية وقوات الشرطة من أجل أن تكون قادرة على ضبط الأمن والتصدي للجماعات الإرهابية”[16].

3-المحور الإيطالي الليبي: إن العلاقة التي تجمع بين إيطاليا وليبيا هي تاريخية في الأساس، وقد تمكن القذافي من نيل اعتراف إيطاليا بجرائمها خلال الفترة الاستعمارية، وأيضا تحصل على تعويضات لتبقى ليبيا أحد أهم محاور التواجد الليبي في إفريقيا، وإلى غاية اسقاط نظام القذافي كانت ايطاليا حريصة على الإبقاء على مصالحها الحيوية هناك[17].

4-المحور القطري التركي مع المحور الإماراتي المصري: يشكل المحور الليبي نقطة تركيز لمحور الصراع القطري التركي ضد التقارب الإماراتي المصري في ليبيا وفي عبر كامل منطقة الشمال الإفريقي ، وذلك كنتيجة للوضع السياسي في ليبيا عبر دعم تلك القوى لمتخلف التيارات السياسية المختلفة في ليبيا[18].

إن مقاربة دولتي الإمارات العربية المتحدة وقطر ودورهما في ليبيا، يعكس جزءاً من المعضلة الأمنية والسياسية الليبية من خلال الدور التنافسي لتلك الدولتين معاً؛ فالظاهر أن المكون الأساسي للتنازع على السلطة في ليبيا بين مختلف الأطراف خاصة تلك المدعومة و المعترف بها هو الإسلام السياسي والتنازع على السلطة[19].

ثالثاً-إشكالية التدخل العسكري الخارجي في ليبيا ومعضلة الإدارة الأمنية والعسكرية / البدايات لما بعد سقوط نظام معمر القذافي:

للوقوف على تصورات مشاريع التدخل العسكري في ليبيا يجب النظر إليها وفق زوايا تاريخية أي منذ بداية التخطيط للإطاحة بنظام معمر القذافي[20]، وللتواصل الفكرة لما بعد ذلك في ظل نظام دولي قام بتفويض فرنسا كإنابة عن الولايات المتحدة الأمريكية وبقبول كل الأطراف الأخرى على غرار إيطاليا وبريطانيا والبقية.

فرنسا في وقت “ساركوزي”[21] كانت تنظر إلى نفسها على أنها قادرة على لعب أدوار عالمية تستطيع عبرها توظيف قوتها العسكرية إلى جانب تواجدها الاقتصادي والإستخباراتي واللوجيستيكي عبر الفضاء المغاربي والإفريقي، بما يخول لها تحقيق كل ذلك. ولكن الذي حدث كان عكس ذلك في ليبيا، حيث أصبحت المعضلة السياسية والأمنية الليبية لما بعد الإنتهاء من نظام القذافي ذات بناءات ولوغاريتيميات معقدة إلى درجة لم تستطع فرنسا ساركوزي لعب الدور العسكري والسياسي الذي إفترضت أن لها القدرة على تأديته.

وهو التصور الذي أوجد دول الحلفاء في ليبيا ضمن معضلة الأدوار خاصة منها الأمنية والعسكرية والسياسية؛ حيث كان الرئيس الأمريكي السابق “باراك أوباما” ينظر إلى الوضع في ليبيا بعيداً عن مقاربة التدخل العسكري الوحدوي الأمريكي[22]، بالنظر إلى أعباء الحروب الأمريكية الحالية ورفض الكونغرس تأييده في حرب جديدة في ليبيا[23].

كما أن تصورات “أوباما ” لملف إدارة ليبيا لما بعد نظام القذافي كان مبنياً على دعائم التوجهات الأمريكوأوبامية، والتي كان الهدف منها إعادة بناء الصورة النمطية للولايات المتحدة الأمريكية في مقارباتها الدولية عبر توظيف القوة العسكرية.

حيث كان ذلك التركيز الأمريكي الأساسي مبني عبر ذلك التصور على الحد من توظيف القوة والنزعة العسكرية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية، من خلال زيادة ثنائية تفعيل المحاور الدبلوماسية وزيادة أدوار المنظمات الدولية ومنح المزيد من المكتسبات لدول الحلفاء[24].

وأما عن إيطاليا فقد كانت تنظر إلى مشاريع ساركوزي في ليبيا على أنها تهديد لمصالحها في ليبيا، وهو التصور الذي أدى بإيطاليا إلى عدم تأييد فرنسا في تلك الخيارات العسكرية[25].

تشكل فكرة المشاريع العسكرية في ليبيا، طرحاً ينظر إليه بتوجسات متعددة المنظارات بالنظر إلى حالة ليبيا حالياً، والتي أضحت تجسيداً لمختلف المشاريع الخارجية التي تستهدف تقاسم المنافع والموارد الطاقوية.  وكما أن نفس تلك المشاريع أوجدت ليبيا-حاليا- في مأزق الدولة الهشة الغير قادرة على تحقيق الوحدة ولا طرح مشروع الدولة الوطنية، وهو التصور الذي ألق بتهديداته على كل دول الجوار وبدون إستثناء.

لقد أثبتت كل المشاريع العسكرية الراغبة في مقاربة الوضع في ليبيا عجزها وفشلها في إعادة بناء ليبيا الدولة الوطنية، بل العكس تماماً حيث قامت بترسيخ فكرة تناثر المصالح السياسية في ليبيا بمستويتها الداخلية والخارجية عبر جغرافيا أمنية هشة. كما أنه لا يجب أن نسقط فكرة التواجد العسكري التاريخي لمعظم القوى العسكرية الدولية الحالية في إشارة إلى القواعد العسكرية الأجنبية السابقة الأمريكية والبريطانية والإيطالية وحاليا الفرنسية والإسرائيلية[26] في إشارة إلى تواصل التواجد العسكري عبر اللعبة الإستخباراتية.

الخاتمة:

أردنا مما ذكر أعلاه ، التعريج على فسيفساء الواقع السياسي والأمني و العسكري و المجتمعي المعقد في دولة الأمر الواقع الليبية، والتي أضحت تحدياً واضحاً لكل المحاولات الرامية للمرور من شكل الدولة الهشة أو دولة التوافقات نحو دولة واحدة موحدة، ذات مؤسسات سياسية سيادية متفق حول أحقيتها في تمثيل كل أطياف المجتمع الليبي ذو الطابع الفسيفسائي .

كما أردنا ، طرح تصورات مختصرة لمصفوفة أولية لبناءات وحركيات جيوبوليتك واقع الحرب في ليبيا، هذه الدولة التي أضحت تحدياً عاكسا ومحركا ، مؤثرا ومتأثرا بكل ما يحدث حولها من حركيات قادمة من الوسط الإفريقي ، وحتى من أقصى تخومات الحدود الجيوسياسية لكل المناطق الإفريقية، على غرار منطقة الغرب الإفريقي ودون أن ننسى منطقة الساحل الإفريقي.


[1]

[2]  لا يمكن اسقاط ما يحدث في كل من دول التشاد و السودان الشمالية و الجنوبية من جملة الحسابات المؤثرة و الموجهة و المحددة لمخرجات اللعبة السياسية و الأمنية و العسكرية في ليبيا ، فحالة الحرب الحالية في السودان لديها تداعياتها ، وأيضا الأوضاع السياسية في التشاد لما بعد فترة حكم إدريس ديبي ومقتله على يد قوات أرادت السيطرة على العاصمة نجامينا ، حيث كانت متمركزة بالقرب من الحدود التشادية الليبية وليتولى نجله محمد كاكا سدة الحكم في الوقت الحالي هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب إعادة قياس حجم إنسيابية العلاقات الشادية السودانية ، ومدى التوافق في الرؤئ حول مختلف القضايا في المنطقة ، على غرار الحرب في السودان ، ودارفور سابقاُ وعلى غرار ؛ النزاع حول أونيدا في عام 2006، حيث وقعت معارك بين الجيشين التشادي والسوداني في منطقة أونيدا الحدودية، وتبادل الجانبان آنذاك الاتهامات بشن هجمات عبر الحدود. وبعده النزاع حول إقليم حجلة في عام 2008، حين وقعت اشتباكات عنيفة بين الجيش التشادي والجماعات المسلحة السودانية في إقليم حجلة الحدودي واتهم تشاد السودان بدعم المتمردين واستخدام الأراضي السودانية كقاعدة لشن هجماته. وليحاول الطرفان بعد كل ذلك نحو ضبط علاقاتهما الدبلوماسية و السياسية والأمنية و العسكرية بشكل أكثر استقراراً من خلال الشراكات الأمنية و العسكرية حول قضايا تأمين الحدود و الحرب على الإرهاب وانتشار الميليشيات والأسلحة . وليضاف إلى كل ما تم ذكره تواجد القواعد العسكرية الأجنبية ومستويات التدخل الأجنبي العسكري والإستخباراتي ، بالأخص الفرنسي و الصيني و التركي و القطري و الإماراتي و الأمريكي و الإسرائيلي ، و الروسي وقوات فاغنر وإنسحاب القوات الفرنسية من شمال مالي ، فالصورة ذات أبعاد جيوأمنية إنتشارية.

[3] القبيلة التي ينحدر منها الرئيس التشادي السابق إدريس أنتو ديبي.

[4]  حاول معمر القذافي الإستعانة بتحالفاته الإفريقية الرسمية والغير الرسمية التي شكلها طيلة فترات حكمه والتي وظفها في الكثير من المرات لصالح مشاريعه الخارجية في الفضاء الإفريقي (PanAfrique بدل مشاريعه السابقة PanArabisme)على غرار استثماراته في التشاد، ومن أمثلة تلك الإستثمارات مشاريع شركة أوربيتال Orbital سابقاً، وحتى أن حجم استثماراته العقارية وصلت إلى حدود إمتلاك بنوك في التشاد وضواحي عقارية كاملة، ووصل الأمر إلى حد تشكيل ذلك عقبة أمام فرنسا، كونها كانت دائما تنظر إلى توجهات القذافي نحو التشاد تهديد لمصالحها هناك، ولتوضيح التصور أكثر يمكننا الإستعانة بالخريطة رقم : خريطة الإستثمارات العقارية الليبية في التشاد سابق أيام حكم معمر القذافي ؛ وأيضاً مشروع تجمع دول الساحل والصحراء (أو مشروع دول س.ص) ومشروع دولة أمم إفريقيا المتحدة( قام القذافي بالإعلان عن مشروع الأمم المتحدة الإفريقية يوم 9 سبتمبر 1999 في إطار القمة الاستثنائية لمنظمة الإتحاد الإفريقي التي عقدت في مدينة سرت الليبية)؛ حيث أن الفواعل الرسمية  أو الدول الإفريقية التي ساندت معمر ودعمته في مشاريعه وتوجهاته تلك لم تستطع الوقوف ضد التدخل الفرنسي والدولي لإطاحة بنظام معمر القذافي. ولكن في المقابل لعبت الفواعل الغير رسمية الإفريقية الأخرى دوراً في محاولاتها لدعم ذلك الأخير، حيث طرحت فرضية لجوء معمر القذافي ونظامه في حربه الليبية ومع حلف الأطلسي إلى تزويد قبائل التبو وحلفائها بالأسلحة في محاولاته لتحقيق التفوق العسكري، وأيضاً تشكيل تحالفات عسكرية إقليمية قادرة على تشتيت والتقليل من حجم التفوق العسكري الدولي والفرنسي ضد نظام ذلك الأخير. (وقد أشارت بعض من التقارير الدولية إلى أن اللواء السابق مسعود عبد الحفيظ آمر منطقة سبها العسكرية هو من تولى تلك المهمة).

[5]  إن المقصود من الفضاء الساحلوسوداني هو حدود الفضاء المداري الجغرافي الجامع بين دولة السودان و مصر؛ فالغاية من التركيز على هذا الفضاء هو استحضار للجيوب الجغرافية التي يمكن عبرها رصد جملة من التفاعلات الجيوسياسية فيما بين محاور دول التنازع على الحالة الليبية من الجنوب الليبي مروراً بالتشاد ووصولاً إلى الجنوب السوداني. فهنالك فرضيات كثيرة تصب في ضلوع دول قطر وتركيا عبر السودان للولوج إلى النزاع في الجنوب الليبي الدائر بين قبائل التبو و القبائل التارقية وذلك في شكل مدخل قطري تكاملي للتأثير في مسارات النزاع في شمال مالي. فالفرضيات هي نفسها بمعنى ميول قطر نحو القضية التارقية. و ما زاد من تلك الفرضيات هو الدور القطري في لعب دور الوساطة في النزاع الدائر بين القبائل التارقية الليبية و التبو.

[6]  نظرية الفراشة هي مصطلح يستخدم في سياق نظام الديناميكا غير الخطية وتنبؤ حالات الطقس وتأثيرها المحتمل على المدى البعيد. تعتمد هذه النظرية على فكرة أن تأثير صغير جدًا في الحالة البدئية لنظام ما يمكن أن يؤدي في المستقبل إلى تغييرات كبيرة وغير متوقعة في الحالة النهائية للنظام. اسم “نظرية الفراشة” يشير إلى الفكرة المشهورة التي تقول أنه إذا ارتفضت فراشة في البرازيل جناحها في مكان ما، فقد تتسبب هذه الحركة الصغيرة في تأثير سلسلة من الأحداث تؤدي في النهاية إلى حدوث إعصار في مكان آخر من العالم. وفي سياق أوسع، تُستخدم نظرية الفراشة لوصف فكرة أن الأحداث المترابطة والصغيرة يمكن أن تتسبب في تأثيرات هائلة وغير متوقعة في نظام معقد. وتُعد هذه النظرية جزءًا من نظرية الفوضى والديناميكا غير الخطية. وهو التصور الحاصل بين ما يحدث في ليبيا ودول الجوار الجيوسياسي ـ سواءاً المغاربي أو الساحلوإفريقي ، وحتى ما يحدث في صحراء سيناء المصرية و العمق الإفريقي.

[7]  يشير هذا المصطلح إلى فكرة ؛ أن الأزمات والتحولات السياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية يمكن أن تكون غير متنبأ بها وغير قابلة للتنبؤ بشكل دقيق، حيث يمكن للأحداث أن تتطور بسرعة وتتغير بشكل مفاجئ ومتقلب. وهو التصور الحاصل داخل ليييا وخارجها ، أي تأثير متبادل ، وعير قابل للقياس بشكل دقيق . فعند وقوع أزمة ما، قد يكون من الصعب تنبؤ نتائجها وتأثيراتها ، حيث تتداخل العديد من العوامل والمتغيرات المعقدة. وبالتالي، فإن التحليل الزمني للأزمات وتقدير النتائج المحتملة يمكن أن يكون صعبًا وغير مستقر. والمقصود أيضاً تشبيه حالة ليبيا بإنتشارية ومستوى تفكك مادة الزئبق إلى جزيئات وانشطاريات مؤثرة ومتأثرة.

[8]  على غرار الحرب التشادية الليبية التي كانت حول إقليم أوزو سابقاً ؛ تاريخياً قامت ليبيا بالمطالبة بإقليم أوزو الحدودي مع التشاد سنة 1973، وهو ما أدخل الدولتين آنذاك في حرب مباشرة، وهي المنطقة التي سميت ب ” منطقة تضامن بينية ليبية تشادية، ولينتهي النزاع بعد حرب 5 أكتوبر 1988(ولكن العلاقات الليبية التشادية لم تستقر إلا مع تولي إدريس ديبي الحكم سنة 1990 في أعقاب الإنقلاب على نظام حسين هبري)؛ حيث إعتبر القذافي آنذاك دولة التشاد امتداد للعمق الأمني الليبي. وليعاود النزاع الظهور بعد سقوط نظام معمر القذافي فيما بين قبائل التوارق وقبائل التبو على محور تحالف قبائل التشادية وقبائل جنوب السودان(انتماء الرئيس التشادي إدريس ديبي إلى قبائل الجنوب السوداني: إقليم دارفور سابقاً)، على غرار الجنجاويد والزغاوة و حركة العدل و المساواة في شمال السودان(بقيادة “بركة وردجو”). وللمزيد عن الحرب الليبية التشادية على إقليم أوزو راجع:

سالم حسين البرناوي، العلاقات العربية-الإفريقية دراسة حالة العلاقات الليبية-الإفريقية 1969-2003(ليبيا: منشورات أكادمية الدراسات العليا،ط.1، 2005)، صص. 81، 82.

Karine Bennafla,” De la guerre à la Coopération : les dangereuses liaisons Tchado-Libyennes, “ in Olivie pliez (ed.), La nouvelle  Libye – Sociétés, espaces et géopolitique au lendemain de l’embargo ( Paris : Karthala-Iremam, 2004),p.114.

[9]  راجع خريطة الجدار ليبيا تونس والحدود الثلاثية تونس الجزائر ليبيا ؛ المدرجة في ملف الخرائط.

[10]  تأتي تلك الإتفاقية في أطار استكمال الإستراتيجية القطرية عبر الحالة الليبية والصراع التارقي وقبائل التبو التشادية. وفيما يتعلق بتنفيذ بنود الاتفاق وآليته، فإنه تم تكليف قوة لتأمين مناطق الجنوب، من قبل رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي التابعة للمؤتمر الوطني العام، للإشراف على سحب التشكيلات المسلحة من المدينة وإنهاء كافة مظاهر انتشار المليشيات فيها، وفتح الطرق العامة وعودة اللاجئين والنازحين إلى بيوتهم مرة أخرى، إلى جانب وجود لجنة من الحكماء الليبيين مكونة من أعيان القبيلتين المتصالحتين لمراقبة تنفيذ الاتفاق والرجوع إليهم في حال وجود أي مخالفة لبنوده. حسب بيان وزارة الخارجية القطرية وبنود الإتفاقية نفسها.(راجع نص البيان الصحفي لوزارة الخارجية القطرية في: وزارة الخارجية القطرية، “قطر ترعى توقيع اتفاق مصالحة شامل بين قبيلتي “الطوارق” و”التبو” في ليبيا،”(23 نوفمبر 2015 الدوحة)،

https://www.mofa.gov.qa/

 ولكن تم تقويض تلك الإتفاقية حسب ما صرح به “محمد الأنصاري” عضو المجلس الاجتماعي لقبائل التوارق بتاريخ 8 ديسمبر2015 أن قبائل التبو التشادية قامت بخرق تلك الإتفاقية. وكما أن التصورات السياسية الداخلية الليبية بين قبائل التبو والطوارق يتم النظر إليها على أنها امتداد للصراع الليبي الداخلي بين مجلس النواب المنحل في طبرق والذي تؤيده قبائل التبو والمؤتمر الوطني الليبي العام الذي تؤيده التوارق. وإضافة إلى المشاريع الفرنسية في ليبيا وعبر التشاد، حيث يرفض التوارق ذلك التواجد الفرنسي. وهو ما توج فيما بعد “بوثيقة المصالحة والسلام الأهلي بين قبائل التبو وقبائل الطوارق برعاية مجلس قبيلة الحسناوة الليبية”. بتاريخ 24 جانفي 2016 في مدينة الشاطئ الليبية. وقد نصت تلك الوثيقة على البنود التالية:

1-حيث أن قوة الحساونة المحايدة اختصاصها الأصيل هو تنفيذ اتفاقية السلم والمصالحة بين قبائل التبو والطوارق، لذا يصبح لازماً وضروريا توفير كافة الامكانيات لها وفق رؤية اللجنة الفنية العسكرية للقوة المحايدة لقبيلة الحساونة، على أن تتلقى أوامرها وتعليماتها من ضباطها، كما أن الرقعة الجغرافية المبينة بالإتفاقية سالفة الذكر ليس لأي جهة كانت التحرك أو التواجد العسكري فيها بشكل فردي أو جماعي أو منظم في كتائب عسكرية.

2-كل سكان المنطقة من الأبيض وحتى غات معنيون وشركاء في سلامة وأمن المنطقة جميعاً وفقا للتنسيق المشترك مع القوة المحايدة لقبيلة الحساونة.

3-تخول البوبات والدوريات المتحركة للقوة المحايدة بإتخاذ ما يلزم من اجراءات ضرورية بشأن استتباب الأمن.

4-أن كل فعل أو سلوك مسلح قد يزعزع الأمن أو يخل به أو يعمل على إضعاف أو إفشال المهمة هو من مسؤوليات منفذه أو الجماعة وللقوة المحايدة حق التعامل معه وفقاً لما تراه مناسبً، ويبقى مفهوما واضحاً وجلياً أنها قوة أمنية تؤدي دورها وواجباتها وليست قوة قبلية وأن ظروف تكوينها أساسه رغبة قبائل التبو والطوارق.

5-تلتزم لجان التواصل من قبائل التبو والطوارق بعمل كل ما من شأنه تحقيق السلم والأمن بالمنطقة من خلال ما تعرضه وتتبناه القوة المحايدة لقبيلة الحساونة في معالجة كل ما يطرأ من الجانب العسكري لضمان نجاح المهمة.

[11]  تشكل منطقة أوباري خليط من قبائل التوارق و العرب و التبو، وهو التصور القبلي الذي يشكل نواة الصراع بين مختلف تلك القبائل في عقدها لتحالفاتها البينية والأفقية. سواءا الداخلية والخارجية منها، وهو التصور الذي يزيد من تعقيد المسألة في الجنوب الليبي ليمتد الصراع من مدينة أوباري إلى مدينة سبها أين تتواجد قبائل الزوية الليبية و أولاد سليمان.

[12]  الغاز الممتد من مدينة غات الليبية غرباً إلى غدامس وحمادة الحمراء.

[13]  وهي الجماعة المصنفة ضمن تنظيمات الدولة الإسلامية الإرهابية. وزد على ذلك كل الأحداث السياسية والأمنية في مدن؛ تراغن، مرزق، الديسة الليبية. وحتى أن الميليشيات التشادية قامت بالسيطرة على مدينة الديسة الليبية، و شكلت ما سمته بميليشيات حرس المنشآت الطاقوية و كما قامت بالسيطرة على مدينة مرزق هي أيضا في تفسير جغرافي يشرح توجهات تلك القبائل وطبيعة المشاريع الخارجية في ليبيا. وحتى أن القيادي القبلي التشادي عيسى عبد المجيد طالب بتدخل القوات العسكرية الفرنسية لدعم التبو في الحدود ليبيا.

[14]  مراجعة نص القرار الأممي رقم 1973.

[15]  حوار لوزيرة الدفاع الألمانية السابقة ” أورسولا فون دير لاين ” لصحيفة “بيلد” الألمانية كانت محاوره الأساسية احتمال التدخل العسكري في ليبيا لمحاربة التنظيمات الإرهابية ولمساعدة الحومة الليبية على استعادة الأوضاع الأمنية. أنظر: موقع DW ،”مهمة عسكرية ألمانية في ليبيا بدوافع خفية؟”، في:

www.dw.com/ar /a-18998810

[16]  ورد ذلك في بيان “لأنجيلا ميركل Angela Merkel ” آنذاك عبر لقاء ثنائي مشترك مع رئيس الوزراء الإيطالي “ماتيو رينزي Matteo Renzi “، في برلين كان حول القضايا الدولية و المسألة الليبية؛ والذي تم الإعلان فيه عن مبادرة ألمانيا إيطاليا بالقيام في تدريب قوات الأمن الليبية في تونس، ولكن دون تحديد موعد إنطلاق العملية.

[17]  عبر شركة إيني Eni الإيطالية للنفط والغاز، التي تدير نسبة كبيرة من العمليات النفطية بليبيا. وعن النشاط الرسمي لتلك الشركة في ليبيا راجع الموقع الرسمي للشركة في:

شركة إيني للبترول والغاز،

https://www.eni.com/en_IT/home.page

[18]  وهو ما أكده سابقاً “محمود جبريل”، رئيس الوزراء الليبي السابق ورئيس تحالف القوى الوطنية الليبية. كما يمكن التركيز أيضاً على دور دولة الإمارات العربية مثلاً في إنشاء ونشاط مجموعة الاتصال الدولية حول ليبيا. أنظر:

” أميرة البربري” ندوة مسارات الخروج من الأزمة الليبية الراهنة، السياسية الدولية، في:

www.siyassa.org.eg/NewsContent/6/51/4887.aspx                                         

[19]  في 27 نوفمبر 2019، وقّعت تركيا مع حكومة الوفاق الليبية السابقة مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري. وقد بُني ذلك أيضًا على اتفاق 2019، الذي رسم الحدود البحرية المشتركة بين البلدين، لكنه أثار غضبًا في اليونان وقبرص ومصر. وتعداه أيضاً إلى خلق توترات مع الدول الأوروبية أيضاً بعد توقيع اتفاقية ثتائية أخرى للتنقيب عن النفط والغاز ، وهو الأمر الذي رفضه من البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له، ويدعم حكومة بديلة برئاسة فتحي باشاغا .

[20]  تشكل فكرة التدخل العسكري في ليبيا بعداً تاريخياً إرتبط بممارسات القذافي نفسه عبر سياق تاريخي سياسي حاول عبره معمر القذافي لعب أدوار سياسية إقليمية ، وحتى دولية منها، أدت إلى محاولات عديدة لإغتياله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت بداياتها الضربة الجوية سنة 1986. وللتواصل تلك المحاولات عبر دعم أجهزة الإستخبارات الأمريكية والبريطانية لمعارضي نظام القذافي، وعبر إقرار جملة من العقوبات الإقتصادية على ليبيا، وعبر الإبقاء على ممارسات الضغط من خلال قضية طائرة لوكاربي في إتهام لليبيا برعاية الإرهاب؛ ولتتواصل تلك الممارسات من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ، والتي اتهمت نظام القذافي بالسعي إلى الحصول على أسلحة للدمار الشمال وبما فيها النووية والتقنيات الخاصة بها سنة 2003. وذلك كإستجابة لقانون “داماتو أو ILSA”، والذي كان قد وقعه الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون Bill Clinton” بتاريخ 4 أوت 1996، المقر للعقوبات على ليبيا وإيران معاً. وذلك بعد أن أقره الكونغرس بعد مسودة السيناتور الأمريكي” داماتو الفوستي ” تحت بنود تجفيف مصادر دعم الإرهاب. وليتم سنة 2006 شطب العقوبات على ليبيا مع الإبقاء عليها على إيران وليصبح بذلك القانون معروفا بتسمية “ISA”. ولكن وعلى الرغم من تلك الحقائق هنالك تأكيدات أمريكية أخرى كانت على لسان الرئيس الأمريكي السابق ” ريشارد نيكسون “، والذي أوضح في مذكراته أن معمر القذافي هو من صنيعة جهاز الإستخبارات الأمريكية وليضيف في مذكراته دائماً :” لقد صنعنا الإنقلاب في ليبيا لمواجهة المد اليساري في شمال إفريقيا” في إشارة إلى تولي معمر القذافي للحكم في ليبيا.

[21]  وهو التصور الذي أثبتته تصريحات ساركوزي آنذاك للقناة الفرنسية فرانس 2 بتاريخ جوان 2017، حول الأوضاع في ليبيا قائلاً:” نحن من وضع تاريخ 17 فبراير 2011 كتاريخ للانطلاق، بل إن الاستخبارات الفرنسية هي من وضعت هذا اليوم لتسهيل التدخل في ليبيا عسكريا (…) نحن من أوقف رتل الجيش الليبي تجاه بنغازي، وطائرات فرنسا دافعت عن مصراتة 8 أشهر (…) وأن الطائرات الفرنسية دمرت 90% من القوة العسكرية للنظام السابق، حيث قصفت رتل القذافي بسرت، وألقت القبض عليه عندما اختفى عن كتائب مصراتة، وبعد تخديره سُلّم لهم”.

[22]  هنا تجدر الإشارة إلى التواجد الأمريكي العسكري في ليبيا هو تواجد تاريخي عسكري عبر قاعدة ويليس الجوية في طرابلس أو Wheelus Air Base، والتي كانت سنة 1945، وإلى غاية 1969 ومجيء معمر القذافي والذي فاوض على إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في ليبيا عبر أكبر قاعدة عسكرية أمريكية آنذاك. حيث تم إنهاء التواجد العسكري البريطاني عبر قواعده العسكرية الثلاث بتاريخ 28 مارس 1970، وذلك قبيل سنة تقريبا من انتهاء كل العقود العسكرية الأجنبية التي كانت قد وقعت مع النظام الملكي السنوسي الليبي سابقاً. وقد تعرضت تلك القاعدة الأمريكية سابقا إلى ضربة جوية أمريكية سنة 1986، وهي العملية العسكرية التي حملت اسم عملية إلدورادو كانيون Operation El Dorado Canyon.

[23]  لقد شكلت ليبيا محوراً أساسا في دورة ما سمي “بالربيع العربي” عبر سياقات إعادة بناء أنظمة دول العربية، في شكل يتوازىمع متطلبات وتوجهات الولايات المتحدة الأمريكية. وهو التتصور الذي حاول الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” التغطيعة عليه بما سماه ب” Obama Doctrine” كنوع من حالة الإستحداث في إعادة صنع وتوجيه للسياسة الدولية؛ والذي عبر عنه في خطاب ذلك الأخير في القاهرة. راجع حول خطاب أوباما :

White House ,”President Obama’s Speech in Cairo: A New Beginning,”, In:

http://www.white-house.gov/blog/newbeginning/transcripts

[24]  وهو التصور الذي عبرت عنه الرؤية الإستراتيجية للأمن القومي الأمريكية الصادرة في 2010، والتي ركزت على مقاربة “تجنب المخاطر” عبر تفعيل أكبر للدبلوماسية وإعادة بعث أدوار المؤسسات والمنظمات الدولية على غرار منح الدور العسكري لحلف الناتو في ليبيا بعد تحصيل موافقة مجلس الأمن الدولي حول ذلك. ثم منح أداة التجسيد لدولة حليفة كانت فرنسا. وحول مقاربة وتصورات الرئيس الأمريكي “أوباما ” حول التدخل العسكري في ليبيا راجع:

  • White House ,”Remarks by : the President on Libya,” (19 March 2011), In: http://www.whitehouse.gov/the-pressoffice/2011/03/19/remarks-president-libya.
  • White House ,”President Obama’s Speech on Libya,” (28 March 2011), In: http://www.white-house.gov/photos-and-video/video/2011/03/28/president-obama-s-speech-libya

[25]  وهو ما ذهب إليه رئيس الوزراء الإيطالي السابق “برلسكوني” في إتهاماته لنيكولا ساركوزي على أنه يعمل على تحقيق أطماعه في ليبيا . و كما أن حلف الناتو كان قد إعترف هو أيضاً أن مقاربته في إدارة الأزمة الليبية في فترة إسقاط نظام القذافي كانت غير فعالة وحتى خاطئة بالنظر إلى نفس توجهات نيكولا ساركوزي آنذاك.

[26]  يبقى التواجد الإسرائيلي في إفريقيا حقيقة لا يمكن نكرانها عبر سياق تاريخي حركته بالأساس الحرب العربية على إسرائيل ثم الحرب بين مصر وإسرائيل، ومحاولات تلك الأخيرة محاصرة المد القومي الناصري عبر تدعيم تواجدها على طول المحور الإفريقي المحادية لمصر والعمل على عزل تمدد القوة المصرية آنذاك، والعمل أيضا على التواجد عبر الفضاء المغرب العربي من خلال التركيز على محوري تونس والمملكة المغربية. وهو تصور الأمر الواقع حالياً. وأما عن ليبيا فقد أشارت بعض من الكتابات وعلى رأسها كتاب جاك تيلور (اسم مستعار لضابط مخابرات أمريكي سابق حسب ما جاء في مقدمة الكتاب نفسه) والذي نسب في كتابه “أوراق الموساد المفقودة” بأن جذور القذافي هي يهودية من حيث الأم اليهودية. حيث دلل المؤلف على ذلك بنشره لعدة دلائل نذكر منها تحقيق نشر سنة 1970 في صحيفة أوجي Oggi الإيطالية يؤكد نسب معمر القذافي، وأن أمه كانت يهودية عاشت في مدينة سرت الليبية. ودلل على ذلك بالرسالة التي وردت إلى الخارجية الليبية سنة 1972 للقذافي، والتي ترجمها سفيره “خليفة عبد المجيد المنتصر”، وهي الرسالة التي أرسلت من قبل كاردينال مدينة ميلانو الإيطالية؛ والتي حملت في فحواها تذكير لمعمر بأصوله اليهودية والمسيحية وحثه على العمل على تقريب التصورات بين ديانات اليهودية والمسيحية والإسلام. وليأتي معمر نفسه بمشروع “إسراطين” كتصور خاص ضمن كتابه المعنون بالكتاب الأبيض-من جملة تصوراته الخاصة والكثيرة حول مختلف القضايا الدولية والإقليمية- منه لحل معضلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن تبقى تلك التصورات إلى اليوم بعيدة عن التأكيد وحتى النفي بالنظر إلى بعض من جوانب الغموض التي اكتنفت الحياة الشخصية لمعمر القذافي، والتي امتزجت بجوانب تسييره للحكم آنذاك. وللمزيد عن ذلك كتاب :

جاك تيلور، تر: إلياس توفيق، أوراق الموساد المفقودة(بريطانيا: أكسفورد، دار الأستاذ نادر للترجمة والنشر).

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى