المشهد السياسي الليبي: آفاق التسوية ومرتكزات الحل
د ماجدة الفلاح
عضو المجلس الأعلى للدولة، نائب رئيس اللجنة السياسية بالمجلس، وعضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، ونائب رئيس حزب العدالة والبناء للشئون السياسية، عضو مجلس الإدارة لمنظمة الدولية- برلمانيون ضد الفساد، رئيس فرع برلمانيون ليبيون ضد الفساد.
الملخص:
يزداد المشهد السياسي الليبي تعقيداً يوماً بعد يوم، وذلك رغم المحاولات المتكررة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا للوصول إلى تسوية بين الفرقاء، وكذلك تدخل بعض الدول الكبرى لدعم قوات اللواء المتقاعد حفتر، في هجومه على العاصمة في محاولة فاشلة للانقلاب والعودة لحكم العسكر بقوة السلاح. بينما اللاعبون المحليون يختزلون الحل في كل مبادرة لتسوية في تقاسم السلطة والمال والنفوذ من خلال تشكيل حكومة جديدة، مما أدى إلى وصول عدد الحكومات في الفترة الانتقالية الممتدة منذ( 2011 – 2023 ) إلى ثماني حكومات، دون أن ينعكس ذلك في حل للإشكاليات العميقة التي تمنع من الوصول إلى استقرار دائم.
ورث المجتمع الليبي تركة ثقيلة من الإشكاليات التي ظهرت بعد سقوط نظام القذافي، وفي ظل غياب واضح لوجود نخبة سياسية يجمع عليها الشعب الليبي، وحالة من انعدام الثقة بين الليبيين، وسلاح منتشر ومسيطر على القرار السياسي، زاد المشهد تعقيداً وأصبح من الصعب إيجاد تسوية حقيقية بين المتصارعين. أما القوي الخارجية الإقليمية والدولية، فقد تضاربت مصالحها وزادت مخاوفها، فانعكس ذلك في تعدد المؤتمرات التي عقدت في عواصم أوروبية وإفريقية لإ يجاد تسوية للنزاع في ليبيا، دون أن يتمخض عنها أي نتائج ملموسة على أرض الواقع. في هذه الورقة نحاول الإجابة على بعض التساؤلات الآتية: ما هي المحطات السياسية التي شكلت المشهد السياسي الليبي الحالي؟، ما دور بعثة الدعم الأممية في ليبيا؟، هل هي لإدارة الصراع أم لتسويته؟، ما تأثير التدخل الإقليمي والدولي على الأزمة في ليبيا؟، وهل هناك أي آفاق للتسوية ومرتكزات الحل؟. وقد خلصت الورقة إلى أن أية مقاربة للتسوية لابد أن تتناول إشكاليات الخلاف وتصل إلى توافقات حولها من خلال عقد اجتماعي، يحدد نظام الحكم، ويقوم على الحكم المحلي، وإحداث توازن في اشراك الأطراف الإقليمية والدولية في أي مقاربة لتسوية النزاع، كما أن تقاسم السلطة بين أطراف الصراع أثبت عدم جدوته.
الكلمات المفتاحية: ليبيا، البعثة الأممية، التسوية، الصراع، التدخل الخارجي، القبيلة، الأزمة.
مقدمة:
يتزايد تعقد المشهد السياسي الليبي كل يوم بسبب الإنقسام الداخلي الحاد، وسيطرة السلاح، والصراع الدولي بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي، في كل من سوريا وأوكرانيا، وأخيراً الحرب الدائرة رحابها على الحدود الجنوبية للدولة الليبية، فما يحدث في السودان له تداعيات مباشرة على المشهد السياسي الليبي.
إن ليبيا ومنذ أن قرر الشعب الليبي أن يزيح نظام حكم استبدادي قائم عل حكم الفرد بقوة السلاح، وهي تعيش حالة من الإنقسام وعدم الإستقرار السياسي والإقتصادي والعسكري، بسبب صراعات وخلافات داخلية منها ما هو موروث وتاريخي، ومنها ما هو مستجد بفعل ظروف الثورة المسلحة والثورة المضادة، وتدخل القوى الإقليمية والدولية بشكل مباشر وغير مباشر في الحالة الليبية، مما زاد من حالة الإنقسام والإستقطاب الحاد، إضافة لتعاقب الحكومات التي وصل عددها إلى ثمان حكومات، وما صاحب هذه الحكومات من فساد واهدار للمال العام. وعملت البعثة الأممية مبكراً على لعب دور الداعم لتسوية الصراع بين الأطراف المتنازعة وإعادة توحيد البلاد، مستعينة في ذلك بقرارات من مجلس الأمن، قبل أن يطاله الإنقسام هو الآخر بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا، ولكنها فشلت حتى الآن في تحقيق أي نجاح يصل بالبلد إلى الإستقرار.
إن قراءة المشهد السياسي الليبي يتطلب استحضار أسباب الصراع المحلي، وتأثير التدخل الإقليمي والدولي على تأجيج هذا الصراع وتغذيته، والبحث على مقاربات للحل تراعي الواقع وتصنع معادلة توازن بين القوي المحلية والخارجية التي يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها، وتسهم في تحقيق الإستقرار الدائم وبناء الدولة. وهذه الورقة تهدف إلى الإجابة على الأسئلة التالية: ما هي المحطات السياسية التي شكلت المشهد السياسي الليبي الحالي؟، ما دور بعثة الدعم الأممية في ليبيا، هل هي لإدارة الصراع أما لتسويته؟، ما تأثير التدخل الإقليمي والدولي على الأزمة في ليبيا؟، وهل هناك أي آفاق للتسوية؟. سيتم الإجابة على هذه التساؤلات من خلال العناصر الآتية:
أولاً-سقوط النظام والبداية المتعثرة
ثانياً-محاولة الانقلاب وبداية الانقسام
ثالثاً-الجهود الأممية لتسوية الصراع أم لإدارته
رابعاً-التدخل الإقليمي والدولي بين المخاوف والمصالح
خامساً-آفاق التسوية ومرتكزات الحل
أولاً- سقوط النظام والبداية المتعثرة:
لقد عاشت ليبيا تحت حكم شمولي استبدادي بقيادة العقيد القذافي لمدة 42 سنة، فرض فيها على الشعب نظريته “الديمقراطية المباشرة” وجرم ممارسة أي عمل ميداني أو حزبي بقوة القانون، وجعل تهمته الخيانة العظمي وعقابه الإعدام، وعلقت المشانق في ساحات الجامعات والساحات العامة، وأصبح هناك فكر واحد (الفكر الجماهيري) المسموح باعتناقه، والنقاش حوله، ونشره في العالم من خلال المراكز والدورات والمعسكرات، وأسس لهذا الفكر حركة اللجان الثورية التي تولت دور الداعية والحارس لنشر هذا الفكر والقضاء على أي فكر يخالفه.
عندما اشتعل فتيل الثورة في 17فبراير 2011 رفع الليبيون شعار الحرية، وهتف المتظاهرين “ارفع رأسك فوق أنت ليبي حر”[1]، بسبب حرمانهم من وجود عقد اجتماعي يحمي حقهم في المواطنة، وتحولت الإحتجاجات إلى ثورة مسلحة وفتح القذافي مخازن السلاح للقضاء على الثوار، وجاء ذلك في خطاباته الذي وصف فيها الثوار بالجرذان، ولم يعي أن الشعب انتفض على حكمه الذي قام على اللاءات: لا للأحزاب، لا لتنظيمات خارج التنظيم الرسمي، ولا لصحافة مستقلة، ولا لمجتمع مدني.
إن الثورة قامت في مجتمع غابت عنه حقوق المواطنة، ووظفت القبيلة فيه للعب دور سياسي وأمني من خلال وثيقة الشرف التي تتعهد فيها القبائل بمراقبة أبنائها من الإنحراف والدخول في المعارضة، وعزز من دور القبيلة فقدم قبيلته (القذاذفة) علي سائر القبائل، وسار على نهجه النخبة، فأصبح الأساس القبلي هو معيار تولي المناصب في الدولة، هذا أدى إلى زيادة عدد الموظفين في الدولة، من أجل الحصول على راتب دون أن يكون هناك تقيد بممارسة العمل، وقد تعمد القذافي اتباع نظام التغيير المستمر في النظام الإداري، ومنع المأسسة والاستدامة، وفرض حالة من البدونة والتدمير الإداري، إضافة إلى اتباعه نظام المربعات الأمنية في احكام سيطرته مما زرع الخوف وعدم الثقة بين الليبيين[2]. سقط النظام الشمولي وسقطت معه المركزية، وانهارت مؤسسات الدولة التي كانت مرتبطة بوجوده، نتج عنها غياب للسلطة السياسية، وبسبب غياب الدستور ومؤسسات دستورية وسياسية وأمنية، أدى هذا الوضع إلى فراغ سياسي وفرض اللجوء من جديد لمنطق القبيلة، وموازين القوي القبلية وتأثيرها على الوضع السياسي والأمني في ليبيا[3]. فكان للقبيلة دور في انتخابات 2014 لمجلس النواب، التي قامت على أساس فردي، ووفرت دعم قوي لعملية الكرامة في المنطقة الشرقية من ليبيا. أما غياب المؤسسات الأمنية فقد أدت إلى فوضى أمنية عززت بقرار خاطئ من المستشار مصطفي عبد الجليل يوم التحرير20أكتوبر 2011، وربما بداية تعثر المشوار نحو بناء الدولة، وهو دفع مكافآت للثوار، مما شجع على اقبال الشباب على رفع السلاح، وضعف عددهم إلى عشرات الأضعاف، فمن 30 ألف ثائر بداية الثورة سنة 2011، ارتفع العدد إلى 300 ألف مسلح سنة 2014،وعدد المليشيات إلى 1700 ميليشية مسلحة [4]، ورغم أن معظم التشكيلات المسلحة أصبحت تبعيتها للحكومة[5]، إلا أنها مازالت تلعب دور سياسي وأمني وعامل عدم استقرار بسبب تدخلها في اتخاذ القرار بقوة السلاح، واستعانة الأطراف السياسية المختلفة بها لتأمين والحماية. وفي ذات السياق، تسرع المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في الذهاب لإجراء الانتخابات التشريعية، حرصاً منه على الإنتقال الديمقراطي في البلد، قبل أن يضع أساساً دستورياً، فلم يسترجع دستور الاستقلال، ولم يمنح وقت لتهيئة المجتمع وتوعيتهم حول ماهية الانتخابات، خاصة أنها أول انتخابات يخوضها الشعب الليبي بعد أكثر من خمسين سنة. أما الأحزاب السياسية فلم يسعفها الوقت لإعداد كوادرها وبرامجها ومد جسور تواصل مع مجتمع كان يردد لأكثر من 40 سنة، مقولة “من تحزب خان” “والحزبية اجهاض للديمقراطية”.
وربما التخوف من الأحزاب انعكس في وضع المشرع لقانون أول انتخابات لأكثر من خمسين سنة، فجاء قانون انتخابات المؤتمر الوطني العام (قانون رقم 4 لسنة 2012) ليأزم الوضع ويعقده، فخصص 80 مقعداً فقط للأحزاب من 200 مقعد، بينما الفرد خصص له 120 مقعد، وهكذا لم يتمكن أي حزب أو ائتلاف حزبي من الحصول على أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة وتحمل مسئولية أدائها، أو القدرة لفرض سياسات أمنية أو اقتصادية، مما أدى إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي[6].
لقد خلف غياب القذافي إلى فراغ على مستوي القيادة السياسية والعسكرية وذلك بسبب تجريمه للنجومية أو الزعامة في المجتمع الليبي، فقد كان الزعيم الوحيد (أو الصقر الوحيد كما كان يلقب)، مما نتج عنه غياب القيادة السياسية المؤثرة في تجربة المؤتمر الوطني وظهرت صراعات سياسية قللت من فاعليته. أما غياب القيادة العسكرية، مع كثرة عدد التشكيلات المسلحة جعل من الصعب ضبط أدائها، والسيطرة على تحركاتها.
في إطار هذا المناخ تم اعتماد قانون العزل السياسي الذي يقصي رموز النظام السابق من الحياة السياسية في ديسمبر 2012، مما ولد صراعاً بين الثورة والثورة المضادة، تبعه حراك لا لتمديد الذي جعل المؤتمر يشكل لجنة فبراير لوضع قانون انتخاب مجلس النواب الذي تم استبعاد الأحزاب، وفتح المجال أمام القبيلة لتتصدر المشهد مرة أخرى وتلعب الدور الرئيسي في الانتخابات التي أجريت في 25 يونيو 2014، ونتيجة لتعثر عملية التسليم والاستلام بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنتخب، بدأت مرحلة الأزمة الدستورية وانتهت بحكم الدائرة الدستورية في 6 نوفمبر 2014 بعدم شرعية مخرجات لجنة فبراير وببطلان القانون المنشأ لمجلس النواب، لتبدأ مرحلة الإنقسام السياسي الحاد في المؤسسات التشريعية والتنفيذية بعد رفض مجلس النواب لحكم المحكمة.
ثانياً- محاولة الانقلاب وبداية الانقسام :
عبر خروج اعلامي على قناة العربية يوم 14 فبراير2014، خروج اللواء المتقاعد خليفة حفتر بانقلاب متلفز على المؤسستين التشريعية والتنفيذية، دعى فيه لتجميد الإعلان الدستوري، وهدد نواب المؤتمر الوطني العام بأنهم أهداف مشروعة له، قُبل هذا الانقلاب المتلفز بالاستنكار والرفض من القيادات السياسية في المنطقة الغربية، فقام في نفس السنة، يوم 16 مايو 2014، ببدء عملية الكرامة في بنغازي، المنطقة الشرقية من البلاد والتي كانت تشهد فوضى أمنية وموجة من الاغتيالات، بهدف التخلص من الإرهاب والمتشددين الإسلامين، وحماية مجلس النواب في طبرق كما أعلن.
ولقد لاقت هذه العملية دعم من القبائل في الشرق وتأييد من الفيدراليين، وقوات الصاعقة، الرافضين للكتائب الثوار والإسلاميين، وبعض القبائل في الغرب في الزنتان وكتائب الصواعق والقعقاع والمدني. تصدي كتائب الثوار في المنطقة الغربية لهذه العملية وأكدوا أنها عملية انقلاب على الثورة، وأطلقوا عملية فجر ليبيا في 13يوليو 2014، لدعم شرعية المؤتمر الوطني، ومواجهة عملية الكرامة والمليشيات الموالية لها في الغرب، وهذه العملية لاقت تأييد من المنطقة الغربية ومن الجهات الرسمية فيها، المؤتمر الوطني العام، ودار الإفتاء، والحكومة، ونجحت العملية في السيطرة على مطار طرابلس الدولي الذي كانت تسيطر عليه كتائب الصواعق والقعقاع الموالية لعملية الكرامة[7]. هذه المواجهات المسلحة، مع ظهور أزمة الشرعية، وحكم المحكمة الدستورية ببطلان القانون المنشئ لمجلس النواب، شكلت مشهد سياسي جديد من الاستقطاب والصراع المسلح والانقسام في المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
ثالثاً- الجهود الأممية لتسوية الصراع أم لإدارته:
بدأت بعثة الأمم المتحدة عملها مبكراً في ليبيا في 16 سبتمبر2011، بقرار من مجلس الأمن رقم 2009 لسنة 2011، وتناوب على تمثيل الأمين العام للأمم المتحدة ما يقارب سبع ممثلين، إضافة لسيدة ستيفاني وليامز، مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا.
إن مهمة البعثة هي استعادة الأمن والنظام، وتعزيز سيادة القانون، وإجراء حوار سياسي يجمع الفرقاء، وتعزيز المصالحة الوطنية، وعملية وضع الدستور، والعملية الانتخابية، وبناء الدولة وفرض سيطرتها واحتكارها استعمال القوة، وتعزير حقوق الإنسان[8].
انخرطت البعثة الأممية وتحت رئاسة المبعوث الثالث، برناردينو ليون، الممثل للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، في إدارة مفاوضات غير مباشرة بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني انتهت بالتوقيع على الاتفاق السياسي “الصخيرات” في 17 ديسمبر 2015 وبرعاية المبعوث الرابع، مارتن كوبلر، تضمن الاتفاق بنود لتعزيز الثقة، وآلية لتوحيد المؤسسات التشريعية والتنفيذية، وتشكيلة لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، التي تكونت من مجلس رئاسي وطاقم وزاري.
أيد مجلس الأمن هذا الاتفاق بقرار يحمل رقم 2259 في 23ديسمبر 2015، وكان المتوقع أن يدعم مجلس النواب الاتفاق الذي شارك في التوقيع عليه، ويلغي الحكومة التابعة له، إلا أنه لم يعترف بهذا الاتفاق ولم يضمنه للإعلان الدستوري، ورفض تشكيلة الحكومة فلم يمنحها الثقة، بسبب اعتراض مجلس النواب وخليفة حفتر( المكلف من مجلس النواب بمنصب القائد العام)، على المادة الثامنة من الاتفاق السياسي التي تمنح مجلس رئاسة الوزراء مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومهام تعيين رئيس المخابرات، وتعيين السفراء، مما يقلص مهام ونفوذ مجلس النواب، مما دفع التوافق الأمريكي- الأوروبي إلى فرض عقوبات على المعرقلين منهم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح[9]. وتعثر تطبيق اتفاق الصخيرات واستمر الانقسام السياسي والعسكري حتى تولى المبعوث الخامس، غسان سلامة مهامه، فتح ثلاث مسارات للحوار بين الفرقاء الليبيين، وهي المسار السياسي، والاقتصادي والعسكري ودعى إلى مؤتمر جامع يكون فيه تمثيل لجميع الأطراف الليبية في 4 أبريل 2019. لكن اللواء المتقاعد خليفة حفتر كان يستعد للهجوم على طرابلس، بعد أن تلقّى الضوء الأخضر الأمريكي خلال اتصال هاتفي مع «جون بولتون» مستشار الأمن القومي ذلك الوقت، وباتصال مع الرئيس السابق «دونالد ترامب» أكد الدعم الأمريكي للعملية، مشروطاً بالحسم العسكري السريع[10]. مما دفع غسان سلامة وفي احاطته لمجلس الأمن في 4 سبتمبر 2019 يقول “بأن العديد من الليبيين يشعرون بتخلي المجتمع الدولي عنهم واستغلالهم من قبل الآخرين”.
بعد وقف العدوان على طرابلس الذي استمر أكثر من سنة ونصف لم يستطع فيها حفتر دخول طرابلس وتم صده لتراجع لمدينة سرت، قامت البعثة وتحت اشراف مستشارة الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني وليامز، وبناءا على قرار مجلس الأمن 2510 لسنة 2020 الذي صادق علي مخرجات برلين الدولي بخصوص ليبيا، برعاية ملتقي حوار بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وشخصيات مستقلة، حيث اجتمع 75 شخصية ليبية في ملتقى للحوار السياسي الليبي في نوفمبر 2020 في تونس، ثم في فبراير 2021 في جنيف، انتهي ملتقى الحوار بوضع خارطة طريق توصل للانتخابات في 24 ديسمبر 2021، وتم اختيار مجلس رئاسي برئاسة محمد المنفي، ورئيس وزراء لحكومة الوحدة وطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبه، مهمتها توفير الخدمات والاشراف على الانتخابات. وحسب خارطة الطريق، فإن ملتقى الحوار السياسي يمتلك، منح الثقة للحكومة في حالة تعذر منحها من مجلس النواب[11]، وصلاحيات تشريعية وقانونية، في حالة فشل المجلسين من الوصول إلى قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وذلك حسب ما جاء في المادة الرابعة من وثيقة البرنامج السياسي الوطني للمرحلة التمهيدية للحل الشامل. بعد استقالة غسان سلامة وتولي المبعوث يان كوبيش لمهام بعثة الدعم في ليبيا، تجهل أعضاء ملتقى الحوار السياسي والمهام المناط به، وعول على دور المجلسين في الوصول إلى اجراء الانتخابات، ليفشل هذا المسار مرة أخرى، ويتولى عبد الله بثيلي مهام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، فعرض على مجلس الأمن خطته في تشكيل لجنة رفيعة المستوي للحوار والاتفاق على اجراء الانتخابات وتجديد الشرعية.
إن البعثة وبعد أكثر من 12 سنة من العمل في ليبيا، لم تنجح في رعاية تسوية حقيقية للأزمة رغم تعاقب عليها أكثر من 8 مبعوثين، كل مبعوث كان يضع خطته الخاصة دون أن يكون للبعثة استراتيجية معتمدة، أو خطة عمل واضحة ومستمرة لحل الأزمة الليبية، هذا جعل من بعثة الأمم المتحدة لدعم في ليبيا جهة تدير الصراع لا تعمل على تسويته.
رابعاً- التدخل الإقليمي والدولي بين المخاوف والمصالح:
عرفت الساحة الليبية تدخلاً دولياً واقليمياً مبكراً، تمثل في توفير حماية للمدنيين من خلال السماح لحلف شمال الأطلسي للتدخل بقرار من مجلس الأمن رقم 1973 في 17 مارس 2011، بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، وإن كان لفرنسا السبق في التدخل حتى قبل صدور القرار. وسعت الدول الأوروبية المتنافسة على ضمان مصالحها في ليبيا من خلال التدخل الناعم المتمثل في دعم سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، أو الدعم الخشن المتمثل في تدخل مباشر في العملية السياسية أو المشاركة في المعارك الدائرة بين الأطراف المتصارعة.
فقد شاركت كل من مصر والامارات وفرنسا في دعم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في عملية “الكرامة”، وقدمت كل من أمريكا وإيطاليا الدعم لقوات البنيان المرصوص في محاربة داعش في مدينة سرت، وبطلب من حكومة الوفاق شاركت تركيا في صد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الدخول إلى طرابلس، بعد توقيعها اتفاقية مع حكومة الوفاق الوطني، تنص على ذلك. وجاء في تقرير لفريق الخبراء من الأمم المتحدة معنيه بمتابعة الأوضاع في ليبيا، في 1 يوليو2017، اثبات مشاركة كل من مصر والإمارات في تسليم حفتر طائرات والمشاركة في المعارك، كما جاء في التقرير تهريب السودان لمعدات حربية لقوات فجر ليبيا وكذلك دعم من كل من قطر وتركيا[12].
وشهدت ليبيا تصعيد لمظاهر التدخل الدولي والإقليمي مع بداية العدوان على العاصمة، ما بين مؤيد ومعارض لهذا العدوان، ليتطور إلى التدخل الروسي، والتركي في العمليات، فشاركت قوات الفاغنر الروسية بطلب من اللواء المتقاعد خليفة حفتر في المعارك الدائرة على أبواب العاصمة، ثم تدخلت تركيا بقوات على الأرض بعد توقيع اتفاقية الدفاع مع حكومة الوفاق الوطني في 2019.
إن التدخل الإقليمي والدولي هو أحد أسباب تعقيد المشهد السياسي الليبي بسبب تضارب المصالح الإقليمية والدولية، والتي ظهرت في شكل ثنائيات متنافسة بدعمها أحد الأطراف الليبية المتصارعة، فإقليميا دعمت كل من مصر والإمارات العربية والسعودية والأردن مجلس النواب والحكومة الداعمة له، منها دعم تقنياً وفنياً لعملية الكرامة، من كل من مصر والإمارات العربية المتحدة، وصل إلى حد المشاركة في العمليات من خلال طائرات امارتية تخرج من قواعد عسكرية في مصر. بينما دعمت كل من تركيا وقطر عملية فجر ليبيا والمؤتمر الوطني والحكومة التابعة له في الغرب[13].
دولياً ظهر تنافس حاد بين كل من فرنسا وايطاليا وصل إلى حالة من تضارب المواقف في التعامل مع الأزمة[14]، مما أربك الاتحاد الأوربي في اتخاذ المواقف، فمصالح إيطاليا ودعمها كان في الغرب الليبي، بينما فرنسا مصالحها في الجنوب الليبي ودعمها القوي لعملية الكرامة، وكانت قد أعلنت عن مقتل ثلاثة فرنسيين جنود غرب بنغازي بسبب تحطم مروحيتهم سنة 2016[15]. كما ظهر تضارب المواقف في سياسة باريس وروما، برعاية كل منهما مؤتمر يجمع الأطراف المتصارعة، دون أن يكون هناك تنسيق بينهما، فقامت إيطاليا باستضافة مؤتمر باليرمو ردًّا على استضافة فرنسا مؤتمر باريس عام 2018.
وبرعاية من المستشارة الألمانية انديره ميركل، عقد مؤتمر برلين في 19 يناير2020، في محاولة لتوحيد موقف الدول المتداخلة في الشأن الليبي، ولتسهيل الوصول للتسوية تنال موافقة الدول المتداخلة في ليبيا، وقد تم إقرار مخرجات برلين بقرار من مجلس الأمن 2510، وعقد فيما بعد إعلان القاهرة في 6يونيو2020، ومؤتمر برلين (2) في 23يونيو2021.
من جانب آخر شكل ما يقارب ألفين من مرتزقة “فاغنر” في سرت والجفرة، مصدر قلق كبير للولايات المتحدة، وتهديد مباشر لمصالح حلف شمال الأطلسي (الناتو)[16]. وهذا ما أحدث تحولًا في الموقف الأمريكي، فتبنت استراتيجية لمنع الصراع وتعزيز الاستقرار في ليبيا “الخطة الاستراتيجية العشرية”، في 24 مارس 2023[17]، وتمثل هذه الاستراتيجية تطبيق لقانون الهشاشة العالمية الصادر عن الكونجرس في 2019 لمعالجة الأوضاع الهشة في أماكن الصراع في العالم، وقد أعلن البيت الأبيض في أبريل 2022، أن ليبيا ستكون أحد دول المشمولة بهذا القانون، وقد أشارت الاستراتيجية لخطر التواجد الروسي في ليبيا على واشنطن وعلى الجبهة الجنوبية لدول حلف الناتو.
إن ليبيا تمثل أحد ساحات التنافس الجيواستراتيجي بين موسكو وواشنطن، لتقاسم النفوذ وفتح قنوات للتفاوض حول القضايا الاستراتيجية والدولية، وتحقيق هدف بوتن الذي صرح به وهو “إعادة روسيا إلى قلب القرار الدولي”[18]، وهي تمثل صراع استراتيجي بين إيطاليا التي تعتبر ليبيا امتداداً لأمنها القومي، بسبب الهجرة التي تتدفق عبر مياه البحر المتوسط من دول جنوب الصحراء عبر ليبيا، وفرنسا التي ترى في الجنوب الليبي تهديد لوجودها في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية. وبين مصر التي ترى أن ليبيا تمثل عمقاً للأمنها القومي، وتركيا التي تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في افريقيا والعلاقة التاريخية التي تربطها بليبيا.
إن التدخل الإقليمي والدولي المبكر يرجع لأهمية الموقع الجيواستراتيجي لليبيا، واستمرار الصراع فيها يمثل تهديد للأمن القومي، والمصالح الاستراتيجية للدول الإقليمية والدول الأوروبية، كما أن التواجد الروسي في البحر المتوسط هو تهديد مباشر لواشنطن ودول جنوب الناتو، ولهذا أي تسوية للصراع في ليبيا لابد أن تراعي التوازنات الإقليمية والدولية في المنطقة.
خامساً- آفاق التسوية ومرتكزات الحل:
إن المشهد السياسي الليبي يشهد انقسام داخلي حاد وحالة من الاستقطاب المدعومة من دول إقليمية ودولية، وأي تسوية للأزمة الليبية تستوجب تقارب بين الأطراف المتداخلة في الشأن الليبي على المستويين الإقليمي والدولي. ومقاربات التسوية أحادية الجانب أثبتت فشلها، كما حدث في تعيين باشاغا رئيسا للحكومة، بعد تفاهمات في القاهرة، دون اشراك الدول الإقليمية الأخرى المتدخلة في الملف الليبي، ورغم منح مجلس النواب الثقة والميزانية لهذه الحكومة، إلا أنها فشلت في دخول العاصمة وتحولت إلى حكومة ثانية في الشرق، وانتهت بسحب الثقة من رئيس الحكومة وتعيين بديل عنه.
كما أن حل الأزمة الليبية لا يكمن في تقاسم السلطة، وترحيل الإشكالات، بل يستلزم طرح الإشكاليات الرئيسية على طاولة الحوار بين الليبيين، فالمشهد السياسي الليبي ومنذ تولي المجلس الوطني الانتقالي المؤقت يشهد ترحيل لأي اشكال، وآخرها ما نتج عن لجنة(6+6) من ترحيل نقطة الخلاف حول معايير ترشح الرئيس للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وجعلوا نفاذ القوانين بعد تشكيل حكومة مصغرة تشرف على الانتخابات، مما يعني تبني نفس الآلية في التعامل مع الأزمة، ترحيل المشكلة، وإعادة تقاسم السلطة بين الأطراف المتصارعة وبنفس المعايير، المحاصصة، والمناطقية، والقبلية، والمدن، أي الصراع من أجل المال والنفوذ، مما يؤدي إلى المزيد من الفساد واهدار المال العام بسبب غياب الرقابة والمحاسبة.
هناك العديد من الإشكاليات التي تتطلب حوار مجتمعي حولها منها ما هو موروث من النظام السابق، كالهوية الليبية، وحقوق المكونات، ودور القبيلة، والمركزية، وغياب الثقة، وأخرى مستجدة، كالانقسام السياسي والمؤسساتي، والعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، وسيطرة السلاح، وعدم شرعية الأجسام، والفساد المالي الذي وصل لحد النهب بسبب غياب المراقبة والمحاسبة وتعاقب الحكومات وتعددها.
إن أية مقاربة لتسوية الصراع، على المستوي المحلي، في المرحلة الانتقالية القادمة، تتطلب عدة مرتكزات أساسية وهي:
1-مشاركة السلطة بدل تقاسمها، لغياب عامل الثقة بين الأطراف الليبية من خلال انتخابات مجلس رئاسي جديد، بدل انتخاب رئيس وتجنب المعادلة الصفرية، فائز وخاسر، إلى أن يتم اعتماد دستور للبلاد.
2-تفتيت المركزية من خلال الحكم المحلي، واستعادة نظام المحافظات بميزانية واختصاصات كاملة، لتوفير جميع الخدمات الأساسية على مستوي المحافظة، وهذا من شأنه تعزيز حقوق المواطنة، وتفعيل المراقبة والمحاسبة على مستوى المحافظة، كما أن الحكم المحلي يحقق العدالة في توزيع الموارد، ويعزز التنمية المكانية التي تقلل من ازدحام السكان في العاصمة.
3-توحيد القوة العسكرية تحت السلطة المدنية، وإخراج التشكيلات المسلحة من المدن وسحب السلاح، وإعادة تشكيلها بأرقام عسكرية من خلال دمجها في مؤسستي الجيش والشرطة.
4-العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، باعتماد استراتيجية وطنية مقبولة من مكونات المجتمع، تحقق العدالة وجبر الضرر وتقصي الحقائق والمصالحة.
5-اشراك الأطراف الإقليمية والدولية في التسوية المحلية شريطة الحفاظ على التوازن الإقليمي والدولي دون الإخلال بسيادة الدولة ومصالحها.
الخاتمة:
إن المشهد السياسي الليبي معقد، لعدة أسباب بداية من تركة ثقيلة من ضعف في مؤسسات الدولة السياسية والأمنية، وهيمنة القبيلة، وغياب للعمل المدني والحزبي وغياب الثقة بين الليبيين، وهذا ما صعب من الوصول إلى تسوية بين الأطراف المتصارعة، والعمل على الإستمرار في ترحيل الإشكاليات منذ انطلاق الثورة الأمر الذي أسهم في إطالة المراحل الانتقالية. كما أن ليبيا أصبحت ساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية بسبب مصالحهم المتضاربة، انعكس ذلك في دعم الاصطفاف الحاد بين الأطراف المحلية وفي الانقسام المؤسساتي، وفي عدد المؤتمرات الدولية والإقليمية التي عقدت من أجل تسوية الأزمة الليبية.
بالرغم من وجود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلا أنها لم تنجح في دعم تسوية حقيقية بين الليبيين وإنما اكتفت بإدارة الصراع. إن أية تسوية للحل لابد أن تتوفر فيها عدد من المرتكزات أهمها، مشاركة السلطة، فالمعادلة الصفرية من الإنتخابات الرئاسية ستجدد الصراع المسلح، الحكم المحلي الذي يعالج التهميش وضعف الخدمات في المناطق البعيدة عن العاصمة، تنظيم المؤسسة العسكرية وحل التشكيلات المسلحة وادماج أفرادها في مؤسسات الأمنية تحت القيادة المدنية، والتركيز على ملف العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
إن النخبة السياسية في ليبيا مازالت ترى أن تقاسم المال والنفوذ والسلطة أسهل الحلول وأسرعها ولهذا في كل محطة من المحطات نجد أن تشكيل حكومة جديدة هو سقف التطلعات، وهذا كان أحد مخرجات (6+6) في بوزنيقة، رحلت إشكالية ازدواجية الجنسية لمرشح الرئاسة للجولة الثانية من الانتخابات واشترطت تشكيل حكومة مصغرة للإشراف على الانتخابات قبل نفاذ القانون!.
[1] مصطفي عمر التير، الثورة الليبية – مساهمة في تحليل جذور الصراع وتداعياته ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة 2020، ص 35.
[2] المصدر السابق، ص 26-57.
[3] خننو فاتح، الأمة في ليبيا: الفاعلون والسيناريوهات المحتملة، المجلة الجزائرية للدراسات السياسية، الجزائر، المجلد 9، العدد 1))، 2022، ص ص 168-169.
[4] محمد عبد الحفيظ الشيخ، ليبيا بين الصراع السياسي والصراع المسلح: التحديات والآفاق، مجلة دراسات شرق أوسطية، المجلد 15، العدد (71)، 2015، ص ص4-10.
[5] حمد قاسم حسين، دور القوي الخارجية في العملية السياسية: حالة ليبيا بعد الاتفاق السياسي “الصخيرات”، سياسات عربية، العدد (36)، يناير 2019، ص 63.
[6] هشام الشلوي، المشهد السياسي والأمني الليبي: الدوائر المفخخة، مركز الجزيرة للدراسات، 15 أبريل 2014،أنظر في الرابط:
[7] محمد عبدالحفيظ الشيخ، مصدر سابق، ص 7-8.
[8] أحمد مصطفي فتحي، هشام محمد بشير، دور بعثة الأمم المتحدة في ليبيا: النجاحات والإخفاقات، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، المجلد 16، العدد (15)، يوليو 2022.
[9] أحمد قاسم حسين، مصدر سابق، ص 64-68.
[10] جمال طه، عملية الانتقال السياسي في ليبيا ودور القوي الخارجية، 6/مايو/ 2021، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار،أنظر في الرابط: https://urlz.fr/nyz6
[11] https://unsmil.unmissions.org/sites/default/files/lpdf_-_
[12] أحمد قاسم حسن، مصدر سابق، ص
[13] اسوشيتد برس، تدخل مصر العسكري يفاقم الصراع في ليبيا، 25/أكتوبر/ 2014، أنظر في الرابط :
http://almydan.tv/archives/45709
[14] محمد عبدالحفيظ الشيخ، مصدر سابق، ص 7.
[15] أحمد قاسم حسين، مصدر سابق ص 72.
[16]الأناضول، بايدن يرسم استراتيجية جديدة في ليبيا، أنظر في الرابط:
[18]يونس مسكين، ليبيا.. حلبة عربية لمعارك دوية بالوكالة علي عدة محاور، الجزيرة الوثائقية، 2019، أنظر في الرابط: https://doc.aljazeera.net/reports/2019/7/18