أمنيةأوراق و دراساتسياسية

عام على الحرب الروسية الأوكرانية: السياقات والتحولات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية

د. عصام ملكاوي

بعد مضي عام على الحرب الروسية _ الأوكرانية، وما زالت الدولتان تتقاتلان وبشراسة، ومازالت خطوط التماس بين تغير ملموس لطرف على آخر وبين كر وفر وكل ذلك داخل حدود أوكرانيا، والتوقعات ما زالت غامضة، والحصيلة تتخطى كل ما كان مرسوم له.

     عام على الحرب الروسية _ الأوكرانية، والتي بدأت صغيرة ( عملية خاصة ) كما تصفها روسيا، لتمتد اليوم شرارتها إلى أفق أبعد وأطول، حرب تخطت التقديرات والتوقعات فأكلت اقتصادات وزادت من عجوزات دول كثيرة، تعهدت بالدعم العسكري والمالي، وأخرى اكتفت باتخاذ موقف إنساني وسياسي، فمن يدفع الثمن؟ ومن ستجبره الحرب على الاستسلام في وجه خسائر لا تحتمل؟

     وللدخول في صلب الموضوع لابد من الإجابة على على السؤالين السابقين بمايلي: أن من يدفع الثمن هو الجميع بدون استثناء، لكنها أثمان متفاوته في قيمتها، لكن الثمن الأكبر والخسارة التي ليس لها مثيل هي من ستدفعها أوكرانيا، فروسيا تقاتل الولايات المتحدة وحلف الناتو حتى آخر جندي أوكراني وآخر معقل استراتيجي فيها. لكن الذي يهمنا هنا هو لماذا بدأت الحرب؟  وحتى نصل للجواب لابد من فهم  السياق الذي نحن بصدده والمتعلق بالتحولات الأمنية والإستراتيجية والعسكرية التي شكلت الدافع لروسيا في شن حربها على أوكرانيا أو التي سُميت بالعملية الخاصة في أوكرانيا.

      ربما يمكن القول بأن فرضية ضم جزيرة القرم كان الطعم الذي ابتلعته روسيا عام 2014، وكان ذلك بداية توريط روسيا في تدخلات جيو استراتيجية تنهكها ولا تستطيع التخلص منها بسهولة، أو لا يمكن إنجازها، وإن تحقق بعضها في الجغرافيا القريبة من الحدود الروسية جورجيا كمثال، إلا أن هذ الإنجاز لم يكتمل ولم يتحقق في سوريا، وما زال غامضا وعليه تساؤلات كبيرة في الحرب على أكرانيا.

          وربما كانت الإشارة للنظام الروسي على أنه نظام لا يقوم على عمل مؤسسي، ولا يعترف بدولة المؤسسات، ولا يتقن الروس ما يتقنه الأمريكيون في “ فن إدارة التناقضات” داخل أجهزة الدولة، ويكمن دور الرئيس أو “القيصر” في إدارة هذه الصراعات بنفسه، وفي حالة ضعفه أو غيابه لأي سببٍ كان، تدخل البلاد- كعادتها- في حالة من الفوضى، وكما صرح بوتين نفسه عندما طرح البعض توليه منصب رئيس مجلس الدولة، مع منحه صلاحيات عليا قبل ترك منصب الرئاسة عام 2024، فكان رده على هذا المقترح بالقول: ” تعدد السلطات في بلد مثل روسيا لا يعني سوى الفوضى”، أو وفقًا للمثل الروسي: “الغابة لا تتحمل سوى دب واحد”، وأمام هذه المعضلة، طرحت رائدة الفضاء السوڤيتية السابقة، وعضو مجلس الدوما ڤالنتينا تريشكوڤا، تعديلًا دستوريًّا بخصوص مدد الرئاسة، سمح في النهاية بتصفير العداد لصالح پوتين، ليبقى فيما يبدو رئيسًا مدى الحياة، دون الإجابة عن سؤال “وماذا بعد پوتين؟”.

    مما تقدم يمكن ملاحظة أن بوتين أراد أن يستبق الوقت من خلال استشراف التغيرات الجيو استراتيجية المتسارعة في المجال الدولي والجوار الإقليمي، فأبدى معارضته لانضمام أوكرانيا والسويد وفنلندا لحلف النيتو، ربما يمكن القول أن هذه كانت أهم أسباب شن الحرب على أوكرانيا، لأن وجود النيتو على حدود روسيا يعني تهديدا حقيقياً للأمن القومي الروسي.

     من هذا المنطلق كانت التحولات الأمنية والاستراتيجية والعسكرية، هاجس مقلق للنظام الروسي وأركان أجهزته الأمنية والعسكرية.

Admin

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية. لا يتبنى المركز أية توجهات مؤسسية حول كل القضايا محل الاهتمام، والآراء المنشورة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المركز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى