أوراق و دراساتسياسية

تطوّر السياسة المتوسطية للاتحاد الأوربي: السياسة الأوربية للجوار نموذجاً

د. أمينة حلال

كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية/جامعة الجزائر3

مقدمة:

عمد الاتحاد الأوروبي، على مدار العقدین الماضیین، إلى استحداث آلیات للتعامل مع  تغیّرات الوضع الدولي، ومع تطور وتوسیع هذا الاتحاد وفقا للتحدیات السیاسیة، الأمنية، الاقتصادية وحتى الاجتماعية، وتُعد السیاسة الأوروبیة للجوار واحدة من بین هذه الآلیات، حیث أنها جاءت إثر الفشل الذي عرفه مسار برشلونة في تحقیق الأهداف التي جاء من أجلها، ومن أبرزها إقامة منطقة رخاء واستقرار في الفضاء المتوسطي، حیث أن التصعید العسكري الإسرائیلي تجاه الفلسطینیین وفشل مسار برشلونة في حله، ساهم في ضرب مصداقیة هذا المسار الذي حمل آمالا كبیرة عند الإعلان عنه. 

كما أن التوسع الكبیر الذي شهده الاتحاد الأوروبي سنة 2004 بانضمام 10 دول من أوروبا الشرقیة، رسم حدودا جدیدة للاتحاد الأوروبي وبرزت تحدیات جدیدة في جمیع المجالات. هذا المعطى الجدید فرض على الاتحاد الأوروبي التفكیر في وضع سیاسة جدیدة، من خلال الاستفادة من أخطاء وإیجابیات مسار برشلونة، وتجلى ذلك في السیاسة الأوروبیة للجوار. یرتكز هذا التصور أیضا على احتواء تهدیدات یمكن تصنیفها في خانة التهدیدات الاجتماعیة والاقتصادیة، كالهجرة السریة والجریمة المنظمة.

ویبدو أن هذه السیاسة  تسبّبت في حدوث دینامیكیة جدیدة لدى صانعي القرار الأوروبیین، ویتضح ذلك من خلال بروز سیاسات أخرى منافسة أحیانا، كمبادرة الاتحاد من أجل المتوسط، ومكملة أحیانا أخرى.

دخل مفهوم “الجوار” جدول الأعمال الأوروبي في الآونة الأخيرة لأن العلاقات مع دول الجوار – باستثناء روسيا جزئياً – لم تكن ولفترة طويلة ضمن أولويات الاتحاد. لكن تغيّر هذا الوضع جذريا مع التوسيع الهائل الذي عرفه الاتحاد الأوروبي بين عامي 2004 و2007، والذي جعله معرضا لمجموعة من الجيران الجدد، لذلك ظهرت حاجة الاتحاد الأوروبي من أجل ضمان حمايته واستقراره وأمنه إلى الاهتمام بالجوار. فالعلاقات التي أقامها الإتحاد الأوربي على مدى العقد الماضي مع جيرانه نشأت بشكل خاص من ضرورة متابعة نفس الأهداف التي رسمتها سياسة التوسيع الأوربي (أي تأمين واستقرار الفضاء على حدود الاتحاد) دون الالتزام بإعطاء العضوية للدول المعنية.

تلعب سياسة الجوار الأوروبية دوراً مركزياً في الأعمال الخارجية للاتحاد، خاصة وأن إستراتيجية الأمن الأوروبية لعام 2003 –التي هي قيد المراجعة حاليا – تشير إلى أنّ سياسات التقارب بين الأولويات الإستراتيجية الاتحاد الأوروبي[1].

كما تؤكّد معاهدة لشبونة سنة 2009 هذا الدور، حيث تنص المادة 8 منها على ما يلي: “يقوم الاتحاد بتطوير علاقات خاصة مع دول جواره بهدف إقامة منطقة رخاء وحسن جوار تقوم على قيم الاتحاد وتتميز بعلاقات وثيقة وسلمية تقوم على أساس التعاون”.[2]

يعتبر “الجوار” اليوم مفهوما رئيسيا للمشروع الأوروبي، يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه اختبار لقدرة الاتحاد الأوربي على تأكيد نموذج النظام الدولي الذي صمّمه منذ البداية (أي نظام قائم على القانون وعدم الاستخدام القوة) من جهة، وقوّته المعيارية من جهة أخرى. بالفعل، فإن إحدى خصائص سياسة الجوار الأوروبية هي أن تكون سياسة خارجية هيكلية، أي عمل ونشاط طويل المدى يستخدم مجموعة من الأدوات أوسع من العلاقات الدبلوماسية بين الدول، والتي تهدف إلى تغيير هياكل الدول المستهدفة أو النظام الدولي نفسه بطريقة دائمة[3] .

في الواقع، تهدف مقاربة سياسة الجوار الأوروبي إلى الوصول إلى أبعد من السياسة الخارجية التقليدية في دعمها للتحول الهيكلي للشركاء في مجالات الديمقراطية وسيادة القانون واقتصاد السوق،…إلخ[4].

تضمّ سياسة الجوار الأوروبية حالياً ستة عشر دولة، منها ستة دول من أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز (الجوار الشرقي: أرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا) وعشرة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط (الجوار الجنوبي: الجزائر، مصر، إسرائيل، الأردن، لبنان، ليبيا، المغرب، فلسطين، سوريا، تونس).  

إن السّمة الأولى التي تنبثق عن هذه المجموعة من الدول هي عدم تجانسها، وهذا ما يسبب آثار عميقة على أي سياسة يضعها الاتحاد الأوروبي تجاه المنطقة، والتي لا يمكن أن تتبع منطق “نفس المعاملة تناسب الجميع” ولكن يجب على العكس أن تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات البلدان المعنية. لذلك نطرح الإشكالية التالية: ما هو الدور الذي تلعبه سياسة الجوار الأوروبية في إستراتيجية الاتحاد الأوروبي؟ وما هي أوجه القصور التي تميّز هذه السياسة في دول جنوب البحر الأبيض المتوسط؟.

تهدف هذه الدراسة إلى تحليل السياسة الأوربية للجوار: تاريخها وتنفيذها في دول جنوب المتوسط، وكذلك الإصلاح الجاري منذ بداية عام ، كما تسعى إلى تقييمها وضبط الآثار السلبية للجوار خاصة بالنسبة لدول الضفة الجنوبية للمتوسط، والذي يعكس تفضيل الأوربيين لمنطق تمركزي يرسّخ الاختلاف.

1- نشأة وتطور سياسة الجوار الأوروبية:

أدت أحداث 11 سبتمبر2001 بالاتحاد الأوروبي إلى إعطاء الأولویة للرهانات الأمنیة وصرف الجهود نحو الخارج، خاصة وأن هذه الرهانات الأمنیة متمركزة حول الجوار الأوروبي، سواء تعلق الأمر بالنزاعات المفتوحة أو المجمّدة (شیشینیا، القوقاز الجنوبي، الصحراء الغربیة) أو بالتهدیدات الجدیدة مثل الإرهاب والهجرة غير الشرعية. 

لقد ارتبطت السیاسة الأوروبیة للجوار بالمستجدات التي طرأت على الساحتین الأوروبیة (سیاسة التوسیع) والعالمیة. فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 والانقسامات التي نتجت عن الحرب في العراق سنة 2003، كان الدور المنوط بهذه الإستراتیجیة هو محاولة جمع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول موقف موحّد بخصوص أمن الاتحاد الأوروبي. بحيث تحدّد السياسة الأوربية للجوار المخاطر الرئیسیة التي یتوجب على الاتحاد الأوروبي أن یحضّر نفسه لمواجهتها، مثل الإرهاب، انتشار أسلحة الدمار الشامل، الجریمة المنظمة، النزاعات الإقلیمیة،…إلخ.

لقد كان من المرجح أن يكون لسياسة التوسيع عواقب بعيدة المدى ليس فقط على إدارة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي ولكن أيضاً على ديناميكياته الداخلية. والواقع أن عضوية هذا العدد الكبير من البلدان غير المتجانسة والناشئة عن تجارب تاريخية مختلفة تماماً عن دول أوروبا الغربية يمكن أن يعيق عمل الاتحاد وإجراءاته ذاتها، وهذا ما أدى إلى نقاش كامل حول “القدرة الاستيعابية” للاتحاد الأوروبي و “إرهاق التوسيع”. بالتالي أصبح من الواضح أنّ قدرة الاتحاد الأوروبي على التوسّع إلى ما لا نهاية مع الحفاظ على أهدافه (ضمان السلام والاستقرار والازدهار الداخلي) ستصل قريباً إلى حدودها.

من ناحية أخرى، وجد الاتحاد الأوروبي نفسه محاطاً ببلدان مختلفة تماماً عن دول وسط وشرق أوروبا في التسعينيات، والتي لم تكن مستعدة للعضوية حتى على المدى الطويل، وكان من الممكن أن تخلق تهديدات لأمن الاتحاد الأوروبي مثل الهجرة والاتجار غير المشروع والإرهاب والنزاعات التي لم تحل. إلى جانب هذا القرب المفاجئ مع المناطق غير المستقرة، هناك روابط تاريخية وثقافية قوية بين هذه الدول والأعضاء الشرقيين الجدد في الاتحاد الأوروبي، لذلك ظهرت الحاجة إلى تجنب إنشاء “خطوط تقسيم جديدة في أوروبا”[5] بعد سقوط الستار الحديدي، أي بين أوروبا الموسعة وجيرانها.

بما أن الإتحاد الأوربي لم يكن قادراً إلى اللجوء إلى مزيد من التوسعات للتعامل مع هذا الواقع الجديد، أصبح من الضروري تطوير أداة جديدة لإثبات الاستقرار والأمن في الجوار الجديد. يضاف إلى ذلك الضغط الذي قام به بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل بولندا من أجل اعتماد الاتحاد “سياسة شرقية”[6].

كانت نقطة البدایة في الاقتراب الشامل للإستراتيجية الأمنیة الأوروبیة ھي الاعتراف بالاعتماد المتبادل بین كل أبعاد الأمن السیاسي، العسكري، الاقتصادي، الاجتماعي، الثقافي  والبیئي، ومن ثمة الحاجة إلى تشكیل مجموعة سیاسات متكاملة لكل هذه الأبعاد. تمت ترجمة هذا الاقتراب إلى هدف عام في الإستراتیجیة الأمنیة الأوروبیة عرف بالتعددیة الفاعلة  في حین تمت ترجمة هذا الاقتراب، فیما یتعلق بجیران الاتحاد الأوروبي، من خلال هدف رئیسي للاتحاد الأوروبي، وهو تطویر دائرة من الدول ذات الحكم الراشد في شرق الاتحاد الأوروبي وعلى حدود المتوسط، وذلك عبر إقامة علاقات تعاونیة أعمق وأقوى[7]

بالتالي، تمثل سیاسة الجوار الأوروبي تطبیقاً للإستراتیجیة الأمنیة الأوروبیة على المستوى الإقلیمي، حیث یمكن اعتبار الاتحاد الأوروبي وجیرانه على أنهم “مجمع أمني متشابك”، أي مجموعة من الدول ترتبط مخاوفها الأمنیة الأساسیة لدرجة أنه لا یمكن إدراك الأمن القومي لأي منها بمعزل عن الأخرى. لقد استطاع الاتحاد الأوروبي تأمین استقرار القارة (دول وسط وشرق أوروبا) وعليه الآن أن یوسّع أو یمتد بهذا النجاح إلى الجیران الجدد للاتحاد الأوروبي الموسّع[8] .

بالتالي، یتمثل الهدف الرئيسي للاتحاد الأوروبي من خلال سیاسة الجوار الجدیدة في توسیع دائرة الأمن حول أوروبا. 

تقوم سیاسة الجوار الأوروبي على فكرة بسیطة طرحت في قمة المجلس الأوروبي في كوبنهاغن دیسمبر 2002، حیث رأت الدول الأوروبیة الأعضاء أنه یجب على الاتحاد الأوروبي الموسّع نحو الشرق أن یحسّن علاقاته مع دول الجیران على أساس من القیم المشتركة وفي نفس الوقت،  تجنّب ظهور حدود تقسیم جدیدة داخل أوروبا، لهذا، دعا المجلس الأوروبي إلى ضرورة إیجاد علاقات أقوى مع أوكرانیا ومولدوفیا وبیلاروسیا ودول جنوب المتوسط[9].

فحسب اللجنة الأوروبیة، “تتعلق السیاسة الأوروبیة للجوار بالمصلحة المشتركة للاتحاد الأوروبي مع جیرانه من أجل تقاسم منطقة استقرار، أمن ورفاهیة، فالأمر یتعلق ببرنامج مشترك یرمي إلى ترقیة الحكامة من أجل تسییر أفضل للجوار المشترك، فهي ترتكّز على مبادئ ومصالح مشتركة، من بینها الرغبة في إیجاد رد جماعي للتحدیات المشتركة، مثل الفوارق في مجال الرفاهیة، الهجرة، الجریمة، القضایا البیئیة، الصحة العمومیة، التطرف والإرهاب. في ھذا الإطار، تساهم السیاسة الأوروبیة للجوار أیضاً في إرساء الاستقرار والأمن الدولي والإقلیمي”[10]. 

بالتالي، تهدف سیاسة الجوار الأوروبي إلى مشاركة فوائد توسّع الاتحاد الأوروبي مع دول الجوار، من أجل تقویة الأمن والاستقرار في كل الدول، فهي مصمّمة على منع ظهور خطوط تقسیم جدیدة بین الاتحاد الأوروبي الموسّع وجیرانه، وفي نفس الوقت، تعرض علیها الفرصة للمشاركة في أنشطة الاتحاد الأوروبي المختلفة، من خلال تعاون سیاسي، أمني، اقتصادي وثقافي، فهي تسعى لبناء الأمن مع دول الجوار. 

تعرض سیاسة الجوار إقامة علاقات متمیزة مع دول الجوار، تقوم على الالتزام المتبادل بالقیم المشتركة، خاصة في مجالات حكم القانون والحكم الراشد واحترام حقوق الإنسان، بما فیها حقوق الأقلیات، تقویة علاقات الجیرة الحسنة، ومبادئ اقتصاد السوق والتنمیة المستدیمة، بمعنى أن تتمتع الدول غیر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمزایا العضویة دون الدخول فیها، خاصة حریة انتقال السلع ورؤوس الأموال والخدمات والقوة البشریة[11].

لقد رأت الدول الأوروبیة أن الشراكة الأورومتوسطیة بحاجة إلى إعادة تنشیطها، من خلال سیاسة الجوار الأوروبي، حیث تهدف إلى إقامة منطقة من الرخاء المشترك والقیم المشتركة، وذلك عبر إیجاد شراكات أعمق مع جیران الاتحاد الأوروبي، واقترحت المفوضیة الأوروبیة مجموعة من الحوافز لتحقیق هذا الهدف، منها:[12] 

توسیع السوق الداخلیة، ووضع نظام تفضیلات تجاري، وفتح الأسواق، ووضع إطار للهجرات القانونیة وحركة الأشخاص، والتكامل في مجالات النقل والطاقة وشبكات الاتصالات ومنطقة البحث الأوروبیة، وإیجاد مؤسسات جدیدة لتطویر وحمایة الاستثمار، وكذلك دعم التكامل في النظام التجاري العالمي، على أن یتم ربط هذه الفوائد بالتقدّم في الإصلاح السیاسي والاقتصادي في هذه الدول، فیما یمكن تسمیته بالمشروطیة الإیجابیة. 

 یُقصد بالمشروطیة الإیجابیة أنه كلما قامت الدول الشریكة بتنفیذ الإصلاحات في المجالات ذات الأولویة الرامیة إلى الاقتراب من قیم الاتحاد الأوروبي (إصلاحات اقتصادیة، احترام حقوق الإنسان، الدیمقراطیة، دولة القانون، الحكامة، مكافحة الإرهاب، عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، بذل جهود من أجل الحل السلمي للنزاعات الإقلیمیة، الهجرة،…إلخ)، كلما زاد حجم المساعدة الأوروبیة، هذه المشروطیة تخص التمویل وكذا التعاون التقني والمساهمة في البرامج الأوروبیة[13]

یظهر من تحلیل سیاسة الجوار الأوروبي، أن اهتمام الاتحاد الأوروبي بالأبعاد الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة للتعاون المتوسطي ینبع في المقام الأول من اهتمامها بالأمن السیاسي، بمعنى أن الاتحاد الأوروبي  یوظّف العلاقات الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة، لتحقیق هدف الأمن والاستقرار في دول الجوار، ومن ثمّة انعكاس هذا الاستقرار على أوروبا الموسّعة. 

 ومن هذا المنطلق، یمكن فهم التقریر الذي أصدرته المفوضیة الأوروبیة في بروكسل في 23 مارس 2004 حول المشاركة الإستراتیجیة للاتحاد الأوروبي مع جنوب المتوسط والشرق الأوسط، حیث تضمن اقتراحا بمشاركة إستراتیجیة جدیدة مع دول الشمال الإفریقي والشرق الأوسط تأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة بین هذه الدول، وكذلك تطویر آلیات التعاون القائمة بالفعل ومنها الشراكة الأورومتوسطیة، وقد أكد هذا التقریر بشكل صارم على ما یسمى المشروطیة السیاسیة، بمعنى توظیف كون أوروبا الشریك التجاري والتنموي الأهم لمجتمعات شمال إفریقیا والشرق الأوسط في وضع تصوراتھا حول مستقبل المنطقة موضع التنفیذ[14].  

تضع سیاسة الجوار الأوروبي، التي أعلنت رسمیا من قبل المفوضیة الأوروبیة، في ورقة أوروبا الموسّعة في مارس 2004 أولویة بناء مستقبل علاقات الاتحاد الأوروبي مع جیرانه، وقدّ مت المفوضیة الأوروبیة ما یسمى بورقة إستراتیجیة وتقاریر عن الدول تضع فیها شروطا محدّدة، وعلى أساس الورقة الإستراتیجیة، قدّمت المفوضیة الأوروبیة في 9 دیسمبر 2004 أول مجموعة من مسودات خطط العمل مع الدول المشاركة، كما تم تقدیم آلیة مالیة للمساعدة سمیت الجوار الأوروبي وأداة الشراكة[15].(European Neighborhood and Partnership Instrument)

2- عناصر سیاسة الجوار الأوروبي: 

هناك محاور رئیسیة  تطبّق أوروبا من خلالها سیاسة الجوار الجدیدة، وأهم هذه المحاور: [16] 

أولا: الورقة الإستراتیجیة (مايو 2004) التي تضع المبادئ والنطاق الجغرافي ومنهجیة (طریقة) تنفیذ سیاسة الجوار الأوروبي والقضایا المتعلقة بالتعاون الإقلیمي، كما تحدّد طریقة تمویل هذه السیاسة، وكیف سیتم دفع التعاون بدرجة أعمق في المناطق، مثل التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة والتجارة والطاقة.

ثانیا: خطط العمل، وتمثل خطط العمل هذه أدوات رئیسیة في عملیة تقارب جیران الاتحاد الأوروبي وجعلهم أكثر تفاعلا معه، من خلال ترجمة أهداف سیاسة الجوار إلى واقع، فهي عبارة عن وثائق سیاسیة یتم الاتفاق علیها بین الاتحاد الأوروبي والدول المعنیة، وتقوم على مبادئ مشتركة وتأخذ في الاعتبار خصوصیات كل دولة جارة وعملیات الإصلاح الوطني وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حیث تحدّد خطط العمل والأولویات لكل من الطرفین، بهدف تكثیف التكامل الاقتصادي وتعمیق التعاون السیاسي، بمعنى آخر، تقوم خطط العمل على الأطر التعاقدیة القائمة (اتفاقیات الشراكة والتعاون) وتدعیمها وإعطاءها قوة دفع، على أن تتم عملیة مراجعة دوریة لمراقبة تنفیذ خطط العمل.  

ثالثا: الجوار الأوروبي وأداة الشراكة: وھي أداة مالیة جدیدة  حلّت محل برنامج میدا بالنسبة للدول المشاركة في سیاسة الجوار بدایة عام 2007. 

رابعا: تقاریر الدول تقوم بإقرار حالة التقدم في تنفیذ الاتفاقیات الثنائیة والإصلاحات المرتبطة بها، وتعكس الوضع السیاسي والاقتصادي والمؤسسي في الدول، وتركّز على المناطق ذات الأولویة في سیاسة الجوار الأوروبي. 

تكمّل سیاسة الجوار الأوروبي عملیة برشلونة، لديها أهداف عامة تعتمد علیها وتتمثل في[17]

تخفیض الفقر، وإیجاد فضاء من الرخاء والقیم المشتركة یقوم على التجارة الحرة، وتكامل اقتصادي متزاید وروابط سیاسیة وثقافیة أكبر، وتعاون عبر حدود أكبر، ومسؤولیات مشتركة في منع وحل الصراعات، وقد تتشابه أو تختلط هذه الأهداف مع أهداف مسار برشلونة، ولكن سیاسة الجوار تؤكد على المشاركة التدریجیة في السوق الداخلیة للاتحاد الأوروبي، والقضایا المتعلقة بالتنمیة المستدیمة (الصحة، حمایة البیئة،حمایة المستهلك)، وكذلك تركیز أكبر على التكامل في مجالات النقل والطاقة وشبكات الاتصالات. 

إن التمییز هو أساس السیاسة الجدیدة للاتحاد الأوروبي تجاه جیرانه، وهذا ما نلاحظه في خطط العمل، حیث ستكون مفصّلة وتضع أهدافا إستراتیجیة وجدولا زمنیا لتنفیذها.

سیتم تمویل هذه السیاسة من خلال أداة تمویل جدیدة تحل محل أدوات التمویل القائمة، خاصة برنامج میدا. 

 تشمل سیاسة الجوار الأوروبي الجدیدة مناطق مختلفة، حیث تضم السیاسة الأوروبیة للجوار 16 شریكا، كما توضحها الخریطة: الجزائر، أرمینیا، أذربیجان، روسیا البیضاء، مصر، جورجیا، إسرائیل، الأردن، لبنان، لیبیا، المغرب، جمهوریة مولدوفا، فلسطین المحتلة، سوریا، تونس وأوكرانیا[18].

خريطة دول الاتحاد الأوروبي وشركائه في السياسة الأوروبية للجوار 

Source : http: //le-lutin-savant.com/g-europe-sommaire.html                                                                                 

يشمل جوار الاتحاد الأوروبي من ناحية دول جنوب البحر الأبيض المتوسط​​، التي كانت تربطها علاقات متطورة وأطر تعاون رسمية (على سبيل المثال مسار برشلونة)، وعلى الجانب الآخر سلسلة كاملة من دول الاتحاد السوفيتي السابق التي كان اهتمام الاتحاد الأوروبي بها دائماً محدوداً. من خلال ملاحظة نشأة سياسة الجوار الأوروبية يبدوا أنه تمّ تصميمها لبلدان أوروبا الشرقية (ولاسيما روسيا البيضاء ومولدوفا وروسيا وأوكرانيا)، حيث احتاج الإتحاد الأوربي إلى تطوير أداة بديلة للتوسيع ( الممكن بموجب المادة 49 من معاهدة الإتحاد الأوربي نظراً لكونها دولاً أوروبية) من أجل ضمان الاستقرار على حدود الاتحاد الأوروبي.

3- سياسة الجوار الأوروبية الجديدة لدول جنوب البحر الأبيض المتوسط:

في ضوء فشل سياسة الجوار الأوروبي على مدى العقد الماضي، قام مفوض السياسة الأوربية للجوار المكلّف بالمفاوضات والتوسيع يوهانس هان Johannes Hahn، والممثلة السامية/نائبة رئيس اللجنة فريديريكا موقريني Federica Mogherini، في 4 مارس 2015 بنشر وثيقة تشاور حول مستقبل سياسة الجوار الأوروبية، تهدف إلى فتح نقاش عام حول “إصلاح أساسي” لهذه السياسة. ظلت المشاورات مفتوحة لمدة أربعة أشهر وسمحت للمواطنين، الجمعيات، المنظمات غير الحكومية، المؤسسات الفكرية، والجامعات، والسلطات العامة بتقديم رأي منطقي حول كيفية إصلاح هذه السياسة. انتهت هذه العملية في نوفمبر 2015، حيث نشرت المفوضية الأوروبية سياسة الجوار الأوروبية الجديدة (NPEV) بعد عملية المراجعة المذكورة.

والعناصر الرئيسية للمقاربة الجديدة للاتحاد الأوروبي هي[19]:

– تعميق مبدأ التمايز: الحفاظ على معاملة خاصة من دولة جوار إلى أخرى، أي تعميق مستوى التكامل مع البلدان الراغبة في ذلك.

–  تعزيز مبدأ المشروطية والمنهج التحفيزي: “المزيد من أجل المزيد” وهذا يعني قيام دول الجوار بالمزيد من الإصلاحات من أجل الحصول على مزيد من التمويل.

تعزيز الإصلاحات من خلال آليات التشاور مع مختلف الفواعل، وإقامة مساحات للحوار مع المجتمع المدني والتشاور مع السلطات.

زيادة التنسيق مع الأطراف الممولة

إمكانية الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي، وهي أداة أساسية للاتحاد الأوروبي بموجب سياسة الجوار الأوروبية لتشجيع تنفيذ الإصلاحات التشريعية والتنظيمية (المواءمة مع معايير الاتحاد الأوروبي) من خلال اتفاقيات التجارة الحرة الشاملة والعميقة ALECA.

منح مكانة بارزة للاتصال وتعزيز التأثيرات الإيجابية للإجراءات التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي في البلدان المجاورة “لبناء خطاب إيجابي حول المساعدة والتعاون في إطار سياسة الجوار الأوروبية” من خلال الدبلوماسية العامة، دعم السلطات من أجل استيعاب وفهم الرأي العام بشكل أفضل وتكييف حملات الاتصال حول فوائد الإصلاحات، ودعم وسائل الإعلام.

بالتالي المكون الأساسي لـسياسة الجوار الأوربية الجديدة هو التوافق مع معايير الاتحاد الأوروبي دون أي احتمال لعضوية الدول المجاورة مقابل التكامل الاقتصادي المحتمل: من خلال آليات التمويل المشروط، يرغب الاتحاد الأوروبي في “تشجيع” الجيران بتبني مكتسبات الإتحاد الأوربي تدريجياً بفضل انسجام التشريعات والنظم القانونية مع نظيرتها الأوربية بحيث تتمكن هذه الدول الشريكة في النهاية، اعتماداً على مفاوضات لإبرام اتفاقيات التجارة الحرة الشاملة والعميقة ALECA والتقدم المحرز في التكامل مع معايير الاتحاد الأوروبي، من الوصول إلى السوق الأوروبي مع الإبقاء على قيود حرية تنقل الأشخاص.

وتعد اتفاقية التجارة الحرة الشاملة والعميقة (ALECA) جيلاً جديداً من اتفاقيات التجارة الحرة الواسعة جداً والخاصة ببلدان سياسة الجوار الأوروبية، والتي تستهدف الدول المجاورة في جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​وأوروبا الشرقية. تتميز هذه الاتفاقيات، المعروفة باتفاقية التجارة الحرة الشاملة والعميقة، ببعدين رئيسيين:

البعد الأول: “الكامل” يعني أن الاتفاقيات تشمل جميع مجالات وقطاعات النشاط: تحرير الخدمات، المنتجات الزراعية والصيدية، المنافسة، الاستثمار، الصفقات العمومية، الملكية الفكرية، التنمية المستدامة، الشفافية، والإجراءات الجمركية من أجل تيسير التجارة.

البعد الثاني: “المعمق”: يتعلق الأمر بتقريب تشريعات وقواعد ومعايير دول الجوار مع تلك الخاصة بالاتحاد الأوروبي. تتضمن هذه الاتفاقيات المبادئ والمفاهيم والإجراءات القانونية ومعايير الجماعة الأوربية التي يجب تطبيقها من قبل جيران الاتحاد لأوروبي، كما لو كانوا أعضاء في الاتحاد الأوروبي لكن دون احتمال الاندماج في الاتحاد الأوروبي[20].

وتعد درجة التقارب في التشريع شرط مسبق لوصول منتجات و/أو خدمات التي يمكن لدول الجوار تصديرها إلى السوق الداخلية الأوروبية. هذا الشرط موجود في سياسة ما قبل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لضمان التوافق مع معايير وتشريعات الاتحاد الأوروبي. كما نجد العديد من الآليات الخاصة بسياسة الانضمام في هذه الاتفاقات الجديدة مثل التقارير المرحلية وبعثات مراقبة التقريب التشريعي. قد لا يكون التقريب القانوني والتنظيمي كافياً للوصول إلى السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، وهذا سيعتمد على المفاوضات.

البعد “المعمق”، أي التقريب التشريعي والتنظيمي، هو عنصر أساسي في سياسة الجوار الأوروبية وشرط أساسي لإمكانية الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي وتسهيل التأشيرات. لذلك تلعب اتفاقيات التجارة الحرة الشاملة والعميقة (ALECA) دوراً رئيسياً في تحقيق هذا الشرط المسبق.

4- نقد المقاربة المعتمدة اتجاه دول جنوب البحر الأبيض المتوسط:

تعرضت سياسة الجوار الأوروبية لانتقادات من قبل العديد من المؤلفين والباحثين بسبب عدم ملائمة الإستراتيجية المتبعة وأدواتها مع الأهداف المنشودة.

أولاً : نقد التأثير المعياري للاتحاد الأوروبي:

إن العنصر الأساسي لسياسة الجوار الأوروبية الذي تم تعزيزه على مر السنين، ولاسيما مع اتفاقية التجارة الحرة الشاملة والعميقة (ALECA)، هو تعزيز القوة المعيارية للاتحاد الأوروبي: “يعتمد تصميم نموذج التكامل الذي تقترحه سياسة الجوار الأوروبية على القدرة على انتقال وانتشار معاييرها. “القوة الناعمة” أو قوة الجذب هي السمة الأساسية لأي فاعل دولي، فبقدر ما تعجب الدول الشريكة بقيمها تسعى لتقليدها وتطمح إلى مستوى ازدهارها وانفتاحها”[21].

ومع ذلك، فإن المعايير الخاصة بالمنطقة المشتركة للاتحاد الأوروبي وجميع المعايير الأوروبية ليست معيارا دوليا في مجال التجارة لأنها توسّع كثيرا من حيث تحرير الحواجز غير الجمركية مقارنة بقواعد المنظمة العالمية للتجارة. في الواقع، فشل الاتحاد الأوروبي في إقناع الدول أثناء المفاوضات المتعددة الأطراف في المنظمة العالمية للتجارة بتبني كل المعايير الأوروبية، لذلك يحاول الاتحاد الأوروبي إدماجها على المستوى الثنائي. كما أن التوافق مع المكتسبات المجتمعية الأوربية يتعارض مع أهداف التنمية لبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​أو حتى يعيق تنميتها.

ثانيا: التعارض بين معايير الاتحاد الأوروبي وأهداف التنمية

في الواقع، يمكن أن يؤدي التكامل السريع مع معايير الاتحاد الأوروبي إلى إعاقة تطوير القدرات الإنتاجية للشركات المتوسطية لأنها تؤدي إلى الإزالة المبكرة لآليات الضبط والتنظيم اللازمة لدعم تطوير القطاع الصناعي أو الزراعي، مثل الإعانات أو الحوافز التي تمنحها الدول المتوسطية للمؤسسات الوطنية والتي يرى الاتحاد الأوروبي أنها تخلق تشويهاً للتبادلات التجارية.

وبالمثل، إذا تم نقل سياسة المنافسة الأوروبية إلى دول الجوار فمن شأنها أن تعرض العمالة للخطر من خلال إضعاف الشركات المحلية غير المستعدة لتنافس مع الشركات الأوروبية. يمكننا أيضاً ملاحظة نفس المخاطر فيما يتعلق بمعايير الاتحاد الأوروبي بشأن الصفقات العمومية، والتي إذا تفتح للشركات الأجنبية يمكن أن تعرض التوظيف في الشركات المحلية للخطر.

تضع الدول الحواجز الجمركية وغير الجمركية من أجل حماية قطاع أو نشاط ناشئ، والحفاظ على الوظائف أو حتى أهداف الاقتصاد الكلي (الحفاظ على ميزان المدفوعات أو التجارة، وضمان الإيرادات الضريبية،…)، لذلك يجب على بلدان جنوب المتوسط أن تضمن أخذ ذلك في الحسبان في المفاوضات مع الإتحاد الأوروبي.

ثالثاً: عدم تكييف أدوات سياسة الجوار الأوروبية مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط:

تعتمد سياسة الجوار الأوروبية على آلية المشروطية في الواقع، مقابل إمكانية الوصول إلى السوق الأوربية الداخلية يطلب الاتحاد الأوروبي من الدول المجاورة إصلاح سياساتها الاقتصادية، قوانينها ولوائحها، قواعدها ومعاييرها وفقاً للقواعد والمعايير الأوروبية في العديد من القطاعات والمجالات (البعد “الكامل”). هذا ما يمثل تنازلات رئيسية يمكنها أن تخل الاقتصادات الوطنية دون تقديم “حوافز” ملموسة في المقابل، لأن الدول الأوربية ليست مستعدة لتقديم ضمانات أو احتمالية العضوية لدول الجنوب.

يمكن لبلدان الجوار الشرقية وهي أوكرانيا، جورجيا ومولدوفا العمل من أجل العضوية داخل الاتحاد الأوروبي لأنها تقع في المنطقة الجغرافية الأوروبية، ولكن بالنسبة لبلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط احتمال العضوية في الاتحاد الأوروبي غير وارد.

في دراسة بعنوان “نهاية الجوار الجنوبي”، تقوم كريستينا كوش Kristina Kausch[22]  بتقييم الحواجز أثناء مفاوضات الاتحاد الأوروبي في إطار السياسة الأوروبية للجوار مع دول شمال إفريقيا. تؤكد على أوجه القصور والعيوب في سياسة الجوار الأوروبية لبلدان شمال إفريقيا في ضوء الاحتمالات القليلة في مقابل الاندماج مع المعايير الأوربية وتحرير قطاعي الخدمات والزراعة: “إن الافتراض الأساسي لسياسة الجوار الأوروبية المتمثل في الهيمنة النسبية للاتحاد الأوروبي على جواره، كشرط مسبق لسياسات قائمة على المشروطية قد تجاوزه الزمن. في عام 2004، تم وضع تصور لسياسة الجوار الأوروبية على أساس الافتراض الأساسي لعدم تناسق دائم في النفوذ/ التأثير لصالح الاتحاد الأوروبي تجاه جيرانه المباشرين. كل الدول “المجاورة” كانت تعتبر “دائرة الأصدقاء” أو الأقمار الصناعية الأوروبية. ومع ذلك، في جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​، لم يكن هذا هو الحال أبداً”.[23]

هكذا تحلل كريستينا كوش Kristina Kausch القوة التفاوضية للاتحاد الأوروبي مع دول شمال إفريقيا على المستوى الاقتصادي، السياسي والأمني ​​في دراستها استناداً إلى درجات العوامل السياسية، الاقتصادية والأمنية المختلفة (ملخصة في الجدول الموجز أدناه)، في دول شمال إفريقيا الخمس المنخرطة في السياسة الأوروبية للجوار (تونس، المغرب، مصر، الجزائر وليبيا)، وصنفتهم إلى ثلاث فئات:

• الدول “التابعة” التي تعتمد بشدة على الاتحاد الأوروبي والتي يتمتع الاتحاد الأوروبي بأقصى قدر من القدرة التفاوضية معها: المغرب وتونس.

– الدول “المستقلة” التي لا يملك الاتحاد الأوروبي مجالا في المفاوضات معها: الجزائر وليبيا.

• ما يسمى بالدول “التي لا يمكن المساس بها” والتي لا يستطيع الاتحاد الأوروبي المناورة معها نظراً لوجود قوى منافسة أخرى مثل الولايات المتحدة: حالة مصر.

Source: K.Kausch, “The End of the (Southern) Neighborhood, European Institute of the Mediterranean”, papers IEmed n°18, joint series with Euromesco, 2011, p.41.   

من خلال الجدول نلاحظ أن المغرب وتونس هما البلدان الوحيدان الأكثر عرضة للتأثر بالاتحاد الأوروبي أثناء التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين كل من الإتحاد الأوربي والدولتين نظراً لاعتمادهما الاقتصادي، السياسي والأمني ​​على الاتحاد الأوروبي. للاتحاد الأوروبي كل وسائل التأثير فيما يتعلق بتونس: تعتمد على الإتحاد الأوربي في التجارة[24]، السياحة، التمويل، والاستثمار الأجنبي المباشر من الاتحاد الأوروبي. أما من الناحية السياسية، فهي تعرف الانحياز السياسي والثقافي للنخب الحاكمة لصالح الاتحاد الأوروبي وغياب الضغوط الداخلية القوية ضد هذا الانحياز.

تعتمد المملكة المغربية مثلها مثل تونس على الاتحاد الأوروبي، لكن وجود ضغوط داخلية قوية بسبب قضية الصحراء الغربية يسمح لها بأن يكون له نفوذ فيما يتعلق بالمفاوضات مع هذا الأخير.

نستنتج أن منطق سياسة الجوار الأوروبية ينطبق اليوم فقط على عدد قليل من الدول التابعة التي تشبه الأقمار الصناعية. فيما يتعلق بالدول الأخرى، يجب على الاتحاد الأوروبي مراجعة تطلعاته في إطار سياسة الجوار الأوروبية بالكامل، والتخفيض منها واستكمالها بخطط تعاونية أكثر مرونة تستجيب لمصالح وأولويات الشركاء.

الخاتمة

تهدف السياسة الأوروبية للجوار إلى تحديد إطار عمل للعلاقات التي يحافظ عليها الاتحاد الأوروبي مع الدول المجاورة التي ليس لديها حالياً أي احتمال في الحصول على العضوية. تعتمد سياسة الجوار الأوروبية بشكل أساسي على مفهوم الاندماج، أي إدماج معايير الاتحاد الأوروبي في سياسات دول الجوار (البعد “العميق”) من خلال الشروع في إصلاحات مؤسسية وتنظيمية وتحرير العديد من قطاعات النشاط (البعد “الكامل”) في مقابل احتمال المشاركة في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإن اتفاقية التجارة الحرة الشاملة والعميقة هي أداة رئيسية في السياسة الأوروبية للجوار، لكن هذه الإستراتيجية محدودة في منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط ​​بسبب عدم ملائمة هذه الأدوات لبلدان شمال إفريقيا التي لا يمكنها أن تطمح إلى العضوية كما أنها تواجه تحديات اقتصادية وسياسية هائلة.

لكن تظل سياسة الجوار الأوروبية أداة رئيسية في العلاقات التي يقيمها الاتحاد الأوروبي مع جيرانه، حيث أن تنوع الشركاء يسمح للاتحاد الأوربي بتوسيع شراكاته وإضفاء القوة والشرعية لبعده الدولي. ومع ذلك، فإن التعقيد المتزايد للسياق الدولي، وحركته المستمرة، والعوامل الداخلية والخارجية التي تتطور باستمرار، لا تجعل من السهل تنفيذ السياسة الأوربية للجوار.

وأخيرا، إن سياسة الجوار الأوربي ليست سياسة مبنية مع الجيران وخاصة بالنسبة لدول جنوب المتوسط (التي لا زالت لا تملك القدرة على المبادرة)، إنما هي إستراتيجية محكمة للجيران وباتّجاههم.


الهوامش:

[1]  https://urlz.fr/m3az

[2] Journal officiel de l’Union européenne, “Traité Sur Le Fonctionnement De L’union Européenne”, C 326/47, 26.10.2012. https://bit.ly/2QKFEeU

[3] S. Keukeleire, T. Delreux, “The Foreign Policy of the European Union, Basingstoke, Palgrave Macmillan, 2014, p. 28.

[4] S. Lehne, ” Time to reset the European Neighborhood Policy “, Carnegie Europe, 2014, p.4. https://bit.ly/3jCMe3o

[5] F. Tassinari, ” Security and integration in the EU neighborhood”. The case for regionalism , CEPS, p. 6, 2005

[6] M. Natorski, ” Explaining Spanish and Polish approaches to the European Neighborhood Policy” , in European Political Economy Review, n.7, p.81, 2007

[7] Jérôme BONIFACE, “La Politique Européenne De Voisinage, Entre Elargissement Et Politique Etrangère”, In Eipascope, Janvier 2007, p.26. http: //www.eipa.eu/files/repository/eipascope/20071003110254_jeromeSCOPE20071_internet-6.pdf

[8] Thierry Balzacq, “La Politique Européenne De Voisinage, Un Complexe De Sécurité a Géométrie Variable”, In Cultures & Conflicts, n° 66, 2007, p.34. http: //conflits.revues.org/2481

[9] Ibid. p.27. 

[10] Ibid., p.38.

[11] Jérôme BONIFACE, Op. Cit., p30.

[12] Abdelkhaleq BERRAMDANE, “Le Partenariat Euro-Méditerranéen A L’heure Du Cinquième Elargissement De l’Union Européenne”, Paris, KARTHALA Editions, 2005, p. 58.

[13] Elsa TULMETS,  “Les «Nouveaux» Etats Membres Et La Politique Européenne De Voisinage” , In Annuaire Français de Relations Internationales, Centre Thucydide,Volume X, 2009. http: //www.afri-ct.org/IMG/pdf/Article_Tulmets.pdf

[14] Jérôme BONIFACE, Op.cit. p31.

[15] European Neighborhood and Partnership Instrument, http://ec.europa.eu/europeaid/how/finance/enpi_en.htm

[16] بشارة خضر، أوروبا من أجل المتوسط.. من مؤتمر برشلونة إلى قمة باريس، ترجمة سلیمان الریاشي، (لبنان: مركز دراسات الوحدة العربیة، 2010). ص: 192. 

[17] Lilia BENMANSOUR, “La Politique Européenne De Voisinage: Une Garantie Pour L’ue, Un Besoin Pour Le Maghreb ?”, In Revue Sciences Humaines, Constantine, Université Mentouri, N°34, Décembre 2010, p.11.3  

[18] Elsa TULMETS, Op.cit.

[19] Commission Européenne, Communication conjointe au parlement européen, au conseil, au comité économique et social européen et au comité des régions, Réexamen de la politique européenne de voisinage, 2015.

[20]G. Van derloo, P.Van Esluwege and Petrov,R., The EU-Ukraine Association Agreement : Assessment of an Innovative legal Instrument, EUI Working Papers 09/2014.

[21] J.L Fuguet., B.Guilhon, N.Roux.Cefi, “Les Pays Méditerranéens face à la politique européenne de voisinage (PEV)”, Faculté des Sciences Economiques et de Gestion Université de la Méditerranée, 2007.

[22] Kausch K., “The End of the Southern Neighborhood, European Institute of the Mediterranean”, papers IEmed n°18, joint series with euromesco, 2011.

[23] Idem.

[24] C.Ben Rouine, “Historique Des Relations Commerciales Tunisie-UE : L’heure Du Désenchantement ?”, Observatoire Tunisien de l’Economie, 2017.

[25]

 

admin 2

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى