أمنية

التهديدات الأمنية اللاتماثلية في المتوسط: الواقع وأليات المواجهة

د. توفيق بوستي

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة8 ماي 1945، قالمة، الجزائر.

سهام حدادة

 باحثة بمخبر الدراسات القانونية البيئية، جامعة 8 ماي 1945، قالمة، الجزائر.

ملخص:  

تُشكل منطقة المتوسط أحد المجالات الجيوسياسية التي تثير اهتمام القوى الإقليمية الدولية، وخاصة في فترة ما بعد الربيع العربي، وذلك ليس بالنظر للتفاعلات التي أفرزتها، ولكن لحسابات متعلقة بالاهتمام الدولي الجديد وارتباطات مصالح الأطراف والقوى الخارجية التي باتت لها تطلعات في المنطقة، وقد كان للتحولات التي أفرزتها العولمة وتعددية المخاطر أن تحولت المنطقة إلى بؤرة للتهديدات الأمنية نتيجة انعكاسات الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي، وتوافر الإمكانات الاقتصادية إضافة إلى تأثيرات النزاعات عبر الوطنية وهشاشة الأنظمة السياسية، وكذا الشبكة العنكبوتية للتحديات الأمنية.

لذلك تتناول هذه الورقة تأثير التهديدات الأمنية اللاتماثلية على الأمن في المتوسط، عبر رصد وتحليل طبيعة تلك التهديدات ورصدها (الهجرة غير الشرعية، الإرهاب الدولي، تنظيمات الجريمة المنظمة) وإبراز تأثيرها على أمن المتوسط، خاصة وأن البيئة المضطربة لهذا الأخير خّلفت حالة من عدم الاستقرار واللاأمن.

الكلمات المفتاحية: التهديدات الأمنية اللاتماثلية، تحدي الأمن، المتوسط، الواقع، أليات المواجهة.

تمهيد:

أثّر التحول في مفهوم الأمن في تحول طبيعة التهديدات الأمنية وخاصة في فترة ما بعد الحرب الباردة، حيث ظهرت تهديدات أمنية جديدة ذات طبيعة غير عسكرية ناتجة عن ظهور فواعل جديدة (تحت قومية، قومية، فوق قومية) أصبح تأثيرها يتجاوز بكثير تأثير الدولة القومية، كما أصبح من الصعب تحديدها والتحكم في انتشارها، وكان للعولمة وعملياتها المختلفة التأثير الفعلي في جعلها أكثر تعقيدا وتمددا وترابطا.     

وفي هذا الإطار، تعتبر منطقة المتوسط من أشد المناطق التي تعاني من انتشار كم هائل من التهديدات الأمنية، وسط تنامي نشاط تنظيمات الجريمة المنظمة في ظل إفرازات العولمة وتعددية المخاطر، فتحولت المنطقة إلى بؤرة للتهديدات الأمنية، نتيجة انعكاسات الأهمية الإستراتيجية للموقع الجغرافي، وتوافر الإمكانات الاقتصادية وخاصة لدول جنوب المتوسط، إضافة إلى تأثيرات النزاعات الإثنية وهشاشة الأنظمة السياسية، وكذا الشبكة العنكبوتية للتحديات الأمنية.

كما أن منطقة المتوسط تتميز بجملة من الخصائص جعلته يبدو وكأنه كتلة واحدة متجانسة، غير أن واقع الحال ينم عن ضفتين تجمعان ما بين ضفة شمالية متقدمة وجنوبية متخلفة، في ظل تنوع دوله ما بين دول مسلمة وأخرى مسيحية، ما زاد من تفاقم التهديد وأثار النعرات الدينية بين دوله، فأصبحت بالتالي بعض دوله وخاصة الجنوبية بمثابة تهديدا سافرا للأخرى، من حيث كونها مصدرا لتلك التهديدات كالهجرة غير الشرعية، الجريمة المنظمة، الإرهاب،…إلخ، من هذا المنطلق يعتبر التعاون بين ضفتي المتوسط ضرورة ملحة لمواجهة تلك التهديدات من خلال طرح مشاريع وطنية  ودولية.

وعليه يمكن أن نطرح الإشكالية الرئيسية التالية: كيف يؤثر انتشار التهديدات اللاتماثلية في المتوسط على تهديد أمن واستقرار المنطقة؟ وما هي الأليات المقدمة لمواجهتها؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية الرئيسية عدة أسئلة فرعية تتمثل فيما يلي:

ما أهمية منطقة المتوسط؟

ما هو واقع التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة المتوسط؟

ما هي الأسباب التي تقف وراء انتشار هذه التهديدات؟

ماهي أهم الآليات والإستراتيجيات المقدمة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة؟

وللإجابة عن الإشكالية الرئيسية والإشكاليات الفرعية قسمنا الدراسة إلى المحاور التالية:

1- أهمية منطقة البحر الأبيض المتوسط

2- تطور مفهوم الأمن حسب مدرسة كوبنهاغن

3- واقع التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة المتوسط

4- أليات مواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة المتوسط

أهمية الدراسة: تكمن أهمية الدراسة فيما يلي:

1-إن التغيرات الحاصلة بنيويا وهيكليا على مستوى النظام الدولي أثرت بشكل فعلي على تطور مفهوم الأمن مما انعكس على تطور طبيعة التهديدات الأمنية.

2- تعتبر منطقة المتوسط من المناطق الجيوسياسية وكل ما يحدث من تغيرات وتفاعلات في المنطقة يؤثر بشكل أو بأخر على المستوى الإقليمي والنظمي.

3- محاولة حصر ما يحدث في المنطقة المتوسطية ورصد أهم الحلول والسياسات والإستراتيجيات المقدمة في مواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية .

أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى تحقيق جملة من الأهداف التي يمكن إجمالها فيما يلي:

1-تتبع التغيرات الحاصلة على المستوي النظري لمفهوم الأمن وما تلاه من تغيرات في طبيعة التهديدات.

2-حصر التهديدات الأمنية في المتوسط وتأثيراتها على جميع الأصعدة والمستويات إقليميا ودوليا.

3-إبراز أبرز الإستراتيجيات والحلول المقترحة التي وضعت لاستتباب الأمن في المتوسط وتقييمها.

4-الحديث عن تراجع الاعتماد الأمني المتبادل بين الدول في ظل أزمة كوفيد19 وعودة المنظور الواقعي القائم على الاعتماد على الذات لتحقيق المصالح الوطنية للدول.

1- أهمية منطقة البحر الأبيض المتوسط:

-الأهمية التاريخية لمنطقة المتوسط :

ترتكز منطقة المتوسط على البحر الذي يتوسط القارات الثلاث إفريقيا، أوروبا وآسيا، فهي مهد الحضارات التي يوحدها التاريخ وتقسمها الجغرافيا كما تمثل للجزء الشمالي مركز العالم حيث كان المتوسط محل صراع وتنافس عبر التاريخ، فتعاقبت عليه حضارات كالرومان الذين استحوذوا عليه فترة زمنية سابقة وأطلقوا عليه بحر الروم ثم جاءت الفتوحات الإسلامية وأطلقت عليه البحر الثامن، وهكذا شهد المتوسط تنافسا وصراع حول نسبه للجهة الشمالية أو الجنوبية، كما أطلق عليه الشريف الإدريسي – وهو جغرافي مغاربي- تسمية بحر الزقاق الذي يسلكه الناس حيث يشاؤون، بالمقابل اعتبره البعض بحر لجميع الأمم التي تحيط به [1].

لقد تعددت أسماء المتوسط عبر التاريخ فالأتراك سموه أكنديز التي تعني البحر الأبيض المتوسط، أما العرب فسموه البحر الأبيض المتوسط، أما الاسم الذي يعرف به حاليا فهو مشتق من كلمتين ميدياس medias بمعنى المتوسط، ثيرا terra بمعنى الأرض أي البحر الذي يتوسط الأرض، كما أطلق عليه الأوروبيون في الفترة الفاصلة ما بين القرنين 18 م و19م اسمla mediterranean هذا التحول في التسمية جاء بعد استكشاف أوروبا لأهمية المنطقة عقب شق قناة السويس سنة 1869م.   

لقد ساهم الموقع المتميز لحوض المتوسط في تنشيط حركة التجارة العالمية، فانتعشت التجارة في جنوه والبندقية ومرت طرق التجارة الرئيسية من الشرق، فكانوا يستوردون السلع الكمالية من بلاد الشام كالتوابل، الصباغ، الحرير وبيعت في إيطاليا وجميع أنحاء أوروبا، وبالتالي اعتبرت هذه الطرق بمثابة قنوات للتبادل الثقافي والمعرفي، فأصبح المتوسط مركز إشعاع حضاري، فتتالت عليه عدة حضارات، كان لها تأثير كبير على التطور الإنساني، ولكن تبقى الحضارة الإسلامية والأوروبية أبرز حضارتين كان لهما التأثير الكبير والواضح على البيئة المتوسطية [2].

لقد كان المتوسط مسرحاً لمعظم الصراعات بين الحضارات كالحروب الصليبية والتنافس العثماني الإسباني، ثم تحول إلى جسر استعماري مع بدء الحركة الاستعمارية الأوروبية باتجاه الضفة الجنوبية، فاحتلت فرنسا الجزائر سنة 1830، ثم تونس، المغرب وسوريا، فساهمت كل هذه الحروب والصراعات في خلق جملة من التناقضات التي يعيشها المتوسط وأضفت على المنطقة الصبغة السياسية الآنية [3].

-الأهمية الجيوسياسية لمنطقة المتوسط :

يُعتبر البحر الأبيض المتوسط بحر متاخم للمحيط الأطلسي يقع بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا وغرب آسيا، حيث يشكل شبه مستطيل بين خطي عرض 30-046 درجة شمالا وخطي طول 5,50 غربا و36 شرقا، كما تبلغ مساحته 2966000 كلم، مع إضافة البحر الأسود التي تبلغ مساحته 50800 كلم ويشكل هذا الأخير امتداد له وأيضاً بحر مرمرة الرابط بينهما، والذي تبلغ مساحته 1400 كلم وبالتالي يصبح إجمالي المتوسط 3475400 كلم[4].   

كما أن تسمية المتوسط جاءت لكونه يقع وسط اليابس، فالأرض تحيط به من جميع الاتجاهات، حيث تحيط به أوروبا من الشمال والغرب، أما إفريقيا فتحيط به من الجنوب وآسيا تحيط به من الشرق، وبالمقابل لا يفصل هذه القارات إلا مضايق صغيرة كمضيق جبل طارق الذي يفصل أوروبا عن إفريقيا ويفصل المتوسط عن المحيط الأطلسي بمسافة تبلغ حوالي 14 كلم، كما يفصل آسيا عن أوروبا مضيق الدردنيل بمسافة تبلغ حوالي 12 كلم، كما يفصل هذا المضيق حوض المتوسط عن بحر مرمرة والبحر الأسود، والذي يعتبره البعض جزء منه، من جهة أخرى تفصل قناة السويس إفريقيا عن أسيا بعرض مئات الأمتار بالشكل الذي يجعل البحر المتوسط يتصل بالبحر الأحمر.

أما بخصوص الجزر فالمتوسط يحتوي جزرا كثيرة منها إيجة، صقلية، سردينيا، قبرص، كورسيكا، كريت، مالطا، جزر البليار،…إلخ ، أما البحار الداخلية فنجد البحر التيراني غرب إيطاليا، البحر الأدرياتيكي شرقي إيطاليا والأيوني في جنوبها، وبحر إيجة بين تركيا واليونان، والبحر البلياري جنوب فرنسا وشرق إسبانيا[5].

ينقسم المتوسط إلى حوضين غربي وشرقي بفعل الخناق الموجود بين جزيرة صقلية وتونس:

أ-الحوض المتوسط الغربي:

يشمل المسطح المائي الذي يربط بين مضيق جبل طارق والخناق الصقلي- التونسي، كما ينقسم هو أيضا إلى أحواض ثانوية تتمثل في:

-حوض البليار: يقع بين جزر البليار والساحل الإسباني

بحر النوران: يقع بين السواحل الجزائرية والإسبانية وهو ما سماه المؤرخ الفرنسي فرديناند بردويل بـ القنال LE CHANNE نسبة إلى القنال الإنجليزي[6]، وهذا راجع إلى ضيق المسافة بين سواحل إفريقيا وأوروبا بداية من الخط الرابط بين رأس كاكسين قرب الجزائر العاصمة ورأس ناو قرب مدينة فالنسيا الإسبانية انتهاء إلى مضيق جبل طارق. 

الحوض التيراني: يقع بين سواحل إيطاليا القارية وجزر صقلية وسردينيا وكورسيكا، بينما يعرف الحوض الأوسط في المتوسط الغربي بالحوض الجزائري

البر فنسي: يمتد في جزئه الشمالي الشرقي تحت تسمية الحوض اللي جوري بين سواحل فرنسا، إيطاليا وكورسيكا [7].

ب-حوض المتوسط الشرقي:

يعتبر هذا الحوض أكثر استقامة وامتداد الى الجنوب مقارنة بحوض المتوسط الغربي ويجمع عدة أحواض وبحار ثانوية تتمثل في:

البحر الأيوني: يقع بين سواحل كلاباريا وصقلية الإيطالية والسواحل الغربية لليونان شمالا وسواحل برقة لليبية جنوباً.

البحر الأدرياتيكي: يمتد كالذراع بـ إيطاليا والسواحل الغربية لشبه جزيرة البلقان.

بحر إيجة حوض المتوسط الشرقي: يعتبر هذا الحوض أكثر استقامة وامتداد إلى الجنوب مقارنة بحوض المتوسط الغربي، ويجمع عدة أحواض وبحار ثانوية تتمثل في:

حوض لليفاني: يقع بين سواحل جزر كريت ورودس اليونانية والسواحل التركية شمالاً، وسواحل دول الشرق وينحصر بين الأرخبيلات اليونانية وسواحل تركيا.

لقد أضفت نقاط الخناق التي يتميز بها البحر المتوسط أهمية جيوسياسية عليه، حيت تسمح هذه النقاط بمراقبة الممرات البحرية والجوية، ويعتبر كل من جبل طارق مضيق البوسفور والدردنيل شرقاً وقناة السويس جنوباً أهم نقاط الخناق في البحر المتوسط، كما لا نغفل عن ذكر نقاط خناق أخرى كمضيق صقلية بين جزيرة صقلية شمالاً وتونس جنوباً، مضيق مسينا الذي يقع بين شبه الجزيرة الإيطالية وصقلية ومضيق كوطره الذي يقع بين إيطاليا وألبانيا وتعتبر كل هذه النقاط فاصل طبيعي بين الحوض الغربي والشرقي. 

-الأهمية الاقتصادية للمتوسط :

يكتسب حوض المتوسط أهمية بالغة نظرا لمكانته الاقتصادية، وكذا موارده البشرية المقدرة بحوالي مليون نسمة، حيث يرتكز ثلثي النفط والغاز الموجود في منطقة المغرب العربي على غرار كل من الجزائر التي تحتوي على 583 ألف برميل وليبيا التي تحتوي على 15 ألف برميل ومنطقة الخليج العربي[8]، بالمقابل، يعتبر المتوسط معبرا للسفن وحاملات النفط وأنابيب النفطية والغازية المتجهة نحو أوروبا الغربية والولايات الأمريكية عبر قناة السويس ومضيق جبل طارق، وهنا يبرز المتوسط باعتباره شريان التجارة العالمية [9].

إلى جانب النفط والغاز نجد ثروات معدنية أخرى متنوعة كالحديد والمنغنيز والفوسفات، الذي يعتبر أوفر المعادن في الوطن العربي في جمهورية مصر العربية والأردن، كما تحتل الجزائر المرتبة الثانية عربيا في إنتاج الحديد، كما توجد أيضا معادن أخرى كالرصاص واليورانيوم، كما تحتوي المنطقة على ثروة حيوانية وبحرية وزراعية[10]، بالمقابل لا يزال حوض المتوسط يحتل الصدارة في النقاشات السياسية نظرا لما يحتويه من إمكانيات بشرية وحضارية ساهمت في نهضة أوروبا من سباتها أي ما أصطلح تسميته بعصر النهضة، حيث قال بول فاليرPaul Valery بأنه “مصفوفة واله لصنع الحضارات “حيث توافدت عليه عدة شعوب المصريون في النيل، السومريين في بلاد ما بين النهرين، الفينيقيون وغيرهم ساهمت كلها في بناء التراث الحضاري للمتوسط[11].

لقد تعاقبت على المتوسط ثلاث فترات حضارية بارزة يمكن حصرها فيما يلي:

المرحلة الأولى: ما قبل العهد الروماني التي عرفت بتتابع قيام الدولة التجارية والتي شغلت سواحل المتوسط مثل فينقينا، اليونان، قرطاجة[12].

المرحلة الثانية: بداية القرن الثالث ميلادي، مند بداية ظهور روما وتوسعها حيث احتلت المتوسط وجميع أراضيه المجاورة، حيث أصبح يطلق على المتوسط اسم بحرنا mar. Mistrmm، بحر الروم .

المرحلة الثالثة: تعتبر أطول الفترات وذلك لسيطرة السيادة الإسلامية، إلا أنها كانت تطمس من قبل المؤرخين الغربيين الذين حاولوا تجاهل الفترة التي بسط فيها الإسلام والمسلمون السيادة عليه وتصويرها بأنها من أهم مراحل الركود في تاريخ البحر المتوسط[13].

كما تعتبر أيضاً من ابرز الفترات حيث ساهم الأسطول العثماني في ازدهارها إلا أن بعداً توحد الغرب المسيحي، ظهرت الحروب الصليبية التي أعادت للمتوسط نشاطه وإزهاره، إلا أن الأسطول العثماني وسيطرته عل الحوض الشرقي والبلقان والشمال الإفريقي استطاع رد الهجمات الصليبية إلا أن هده الأخيرة ساهمت في التواصل بين العرب والغرب المسيحي حيث استطاعوا أن ينهلوا من الثقافة العربية التي كانت القاعدة والأساس في النهضة التي عرفتها أوروبا في القرن 16 وتواصل الشد والجدب بين الأسطول العثماني والأوربيون حتى وقعت معظم سواحل المتوسط تحت يد الاستعمار الفرنسي، الإيطالي والإنجليزي وتحولت دول الساحل الجنوبي إلى مستعمرات[14].

لقد ساهم هذا الواقع ومند عقود في وضع شمال المتوسط في مواجهة جنوبه كنتيجة للسيطرة الاستعمارية التي مارستها عليه بلدان الشمال مند القرن التاسع عشر[15]، فالمتمعن هنا يدرك أن أثار الاستعمار لم تختفي حني بعد حصول الشعوب على استقلالها، حيث تشكلت رؤى واضحة تبرز تباين، وخلفية كل ضفة عن الأخرى، ساهم واقع ما بعد الحرب الباردة ظهور فكرة أن العالم أصبح مسرحا لصدام الحضارات، ويتجلى هذا في منطقة المتوسط، وتعتبر هذه النظرة الثنائية شمال مقابل جنوب، الغرب في مواجهة الشرق قد غذيت بخطابات تزيد في تعقيد الأوضاع في المنطقة، حيث تنظرا دول الجنوب للضفة الشمالية على أنها سبب تخلفها لما مارسته عليها من استعمار حال دون تنمية اجتماعية، اقتصادية، سياسية ممّا أدى إلى مسار تخلفها [16].

لقد ساهمت أطروحة صدام الحضارات لصمويل هنتجتون وأطروحة فوكوياما نهاية التاريخ في تزايد حدة المواجهة بين الإسلام والمسيحية في المتوسط، أما نهاية الحرب الباردة فكانت هي أخرى بداية عهد جديد السيطرة الغرب على المتوسط لملئ الفراغ وبهذا ترجع دور أوروبا واستبعادها من المنطقة[17]، لقد استقبلت منطقة المتوسط القرن 21 في ظروف اقتصادية، اجتماعية وسياسية صعبة جعلتها تقع في مجال تنافس بين القوي، حيث أصبحت تابعة لمخططات وسياسات القوى الغربية أو بالأحرى مستعمريها وهي حقيقة تواجه تحديات صعبة لا يمكنها مواجهتها لوحدها فتراجع[18] التنمية الاقتصادية والذي يسبقها انفجار ديمغرافي وكذا ازدياد البطالة الفقر المديونية، إضافة إلى موجة الاضطرابات التي عرفتها المنطقة ابتداء من 2011.

كما جعل المنطقة تدخل في ركود وتخلف حاد مما شكل هوة بين عالم أحدهما متقدم والأخر متخلف أصبح بمثابة عدو يطرح مشاكل ولا يقدم مزايا وبالتالي أصبح هاجسا أمني موّلد للأخطار، كل هذه الأوضاع جعلت الدول المتخلفة تهمش بل وتغيب تماما في مساهمتها في الاقتصاد العالمي وبالتالي عن النقاشات السياسية، فرغم ما تحويه المنطقة من إمكانيات بشرية ومادية، إن فعلت يمكن لها أن تشكل ندا للقوى العالمية الكبرى، إلاّ أن الواقع جعلها تدخل ضمن المخططات الغربية بامتياز[19].

2- تطور مفهوم الأمن حسب مدرسة كوبنهاغن

ساد المنظور الواقعي للأمن منذ معاهدة واستفاليا ونشأة الدولة القومية عام 1648، أي ساد لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن، حيث اختزل مفهوم الأمن في المجال العسكري (الحرب والتهديدات العسكرية)، ولكن سرعان ما تغير هذا المفهوم من المنظور الصلب إلى المنظور الليّن نتيجة عاملين أساسيين هما[20]

أ-لم تعد الدولة القومية هي الفاعل الوحيد المؤثر في العلاقات الدولية، حيث ظهرت فواعل جديدة تحت قومية وفوق قومية يتجاوز تأثيرها بكثير تأثير الدولة القومية كالمنظمات الحكومية الإقليمية والدولية، والمنظمات الدولية غير الحكومية.

ب-التحول الذي طرأ على مصادر التهديد الموجه للدولة القومية، فلم يعد التهديد ذو الطابع العسكري الخارجي (الآتي من الخارج) هو التهديد الوحيد لأمن الدولة كما يفترضه المنظور الواقعي، بل أصبحت الدولة تواجه عدة مصادر من التهديدات ذات طبيعة مغايرة للطبيعة العسكرية، كما أن تأثيرها أشد وطأة كتجارة المخدرات عبر الحدود، والجريمة المنظمة، وانتشار الإرهاب الدولي، والهجرة غير الشرعية، وانتشار الأمراض والأوبئة كالإيدز، وانتشار الفقر، والتلوث البيئي… إلخ، في ظل عجز المنظور التقليدي للأمن عن التعامل مع تلك القضايا.   

وهو ما أدى إلى ظهور الدراسات النقدية التي حاولت استيعاب كل تلك التهديدات وتعويض النقص الحاصل في المنظور الواقعي، وفي هذا الإطار ظهرت مدرسة كوبنهاغن التي ارتبطت بشكل أساسي أصولها التنظيرية في العلاقات الدولية بكتاب المنظر باري بوزانBarry buzan   الذي يحمل عنوان:”People State And Fear: The National Security Problem In International Relations الصادر سنة 1983، حيث ترتكز طروحات مدرسة كوبنهاغن على التجليات الاجتماعية للأمن، بمعنى أن الأمن ليس مفهوما ثابتا كما أقرها يوهان غالتونغ في إطار هذه المدرسة، بل إنه بناء اجتماعي يتشكل عبر الممارسة وبشكل ديناميكي، وبهذا الشكل يمكن توسيع الأمن ليتجاوز المنظور التقليدي الذي يركز على الحروب بين الدول[21].

تعتبر مقاربة بوزان ذات أهمية بالغة بالنظر إلى تعاملها مع جميع جوانب الظاهرة الأمنية من جزئياتها إلى كلياتها، بالإضافة إلى إدراجها العوامل الاجتماعية للأمن مع كيفية بناء الأفراد أو المجتمعات للتهديدات، فقد أشار بوزان إلى أن الأمن لفظ متعدد المعاني، موضحا أنه مصطلح خلافي بالأساس ليس فقط بسبب اندراجه ضمن معظم مجالات الحياة الاجتماعية واليومية، ولكن بصفة خاصة لأنه من المرجح أن يكون هذا المصطلح في حد ذاته ذات دلالات ايديولوجية وأخلاقية ومعيارية[22]، لذلك فقد اعتبر بوزان الأمن بأنه: ” العمل على التحرر من التهديد (وفي سياق النظام الدولي فإنه يعني) قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي يرونها معادية، فالحد الأدنى للأمن هو البقاء، لكنه يتضمن أيضا إلى حد معقول سلسلة من الاهتمامات الجوهرية حول شروط حماية هذا الوجود”[23] .

من بين أهم الأفكار والطروحات التي قدمتها مدرسة كوبنهاغن في الدراسات الأمنية نجد:

1-مستويات التحليل الأمني :

ينظر” باري بوزان، Barry Buzan  للأمن من خلال: الفرد، الدولة والنظام الدولي، إلا أن أمن الفرد والنظام الدولي يبقى تابعا لأمن الدولة باعتبارها الوحدة المرجعية لفهم السلوكيات الأمنية، فالدولة تتكون وفقا لبوزان Buzan من ثلاث مكونات: فكرة الدولة الوطنية / القومية Nationalisme، القاعدة الفيزيائية للدولة (الشعب، الموارد، التكنولوجيا)، المظهر المؤسساتي للدولة (النظام السياسي والإداري) تبعا لذلك يعتقد أنه بتعريف الدولة بهذا الشكل يسهل تصور التهديدات لأي من هذه المكونات الثلاث[24] .

كما فرق بوزان Buzan بين الدول الضعيفة والدول القوية كشرط للأمن على مستوى الدولة، فإذا كانت قوة الدول وضعفها في تحليل والتزwaltz  تقاس فقط بمدى قدراتها المادية، فإن بوزان يراها تقاس تبعا لمستوى استقرارها المؤسساتي ومدى انسجامها السياسي – الاجتماعي الداخلي، فالترابط المعقد للسياقات الداخلية والخارجية جعل من العسير تحديد فيما إذا كان تهديد أمن حكومة ما نابع من الداخل أم من الخارج، مما زاد من تعقيد مشكلة التحليل الأمني[25].

2-قطاعات الأمن :

أ-القطاع السياسي:

يتجسد هذا المجال من خلال العلاقة بين الأمن كمتغير والعناصر المكونة للدولة ( السيادة، والوحدة الإقليمية )، وعلى وجه العموم فإن المجال السياسي للأمن الوطني هو حرية الدول من الضغوط السياسية الناتجة عن التفاعل السياسي على المستوى الداخلي، بحيث يتحقق الأمن من خلال ضمان أو فرض احترام الفاعلين السياسيين لمختلف الشروط المؤدية للاستقرار والوحدة الوطنية، أما على المستوى الخارجي فيكون من خلال قدرة الدول على التكيف مع الضغوط الهادفة إلى إجبارها على تغيير مواقفها، أو من خلال تبني مواقف قد تتعارض مع المبادئ التي تؤمن بها أو المصالح التي تهدف إلى تحقيقها [26].

ب-القطاع العسكري:

  يخص مستويين، هما قدرات التسلح الهجومي والدفاعي للدول، وكذا مدركات الدول تجاه بعضها البعض، من حيث النوايا السياسية والأمنية فيما يخص نظام واستقرار الدول، وكذا أنظمة الحكم والإيديولوجيات التي تستمد منها شرعيتها، فنهاية الحرب الباردة قد قلصت من القواعد العسكرية في دول المحيط، كما قللت من الحوافز للتزود بالسلاح، وفوتت على القوى الكبرى الكثير من المكاسب، إلا أن نهاية الحرب الباردة سمحت بنشوب مواجهات عسكرية داخل المحيط وبروز دور لوساطة القوى الكبرى التي تعتبر نفسها راعية للسلام والأمن الجماعي[27]

ج-القطاع الاقتصادي:  

يرى باري بوزان أن الأمن الاقتصادي للدولة يتمحور أساسا حول قدرة الدولة على بلوغ الموارد المختلفة والإمكانات المالية اللازمة، وضمان الأسواق لتوفير مستوى معيشي مقبول، واستقرار نظام الحكم وحماية الاقتصاد الوطني من مختلف التهديدات الناجمة عن اضطرابات النظام الاقتصادي داخليا، وتأثيرات العولمة وما ينجر عنها من اضطرابات اجتماعية، وضعف التماسك والتكافل الاجتماعي، العقوبات ضعف توفر الثروات المختلفة، النشاطات الإجرامية[28]

د-القطاع المجتمعي:

يعرف باري بوزان الأمن المجتمعي على أنه استمرار في ظل شروط مقبولة للتطور، أنماط تقليدية للغة والثقافة، وكذا للهوية والممارسات الوطنية والدينية لمجتمع من المجتمعات، ويعرفه ” أول ويفر OLE Weaver بأنه قدرة مجتمع على حماية هويته في مواجهة تهديدات كامنة أو حقيقية[29].

ه-القطاع البيئي: 

 بالنسبة للقطاع البيئي، فالأمن يقوم على وحدتين هما: التهديدات الطبيعية والتهديدات الاجتماعية، بحيث تجعل الحضارة الإنسانية في خطر، فالتهديدات الطبيعية تتمثل أساسا في الهزات الأرضية ونشاط البراكين، ذوبان الجليد، الفياضات، الجفاف، التصحر،….إلخ، وتتمثل التهديدات الاجتماعية في كل ما يضر البيئة وسلامتها، وينتج أساساً عن مختلف أنشطة الإنسان كالتلوث، المواد الكيميائية، استنزاف الثروات الطبيعية مما يحدث اضطرابا وخللا في النظام الطبيعي وبنية الكوكب[30]

ثانيا-مفهوم الأمننة: ظهر مفهوم الأمننة أول مرة في مدرسة كوبنهاجن، وهو يعني تحول أي موضوع إلى قضية أمنية، بحيث يقدمها الفاعلون على أنها تهديد لوجودهم ويتقبلها الجمهور، فنقطة البداية في مفهوم الأمننة هي نظرية الفعل الخطابي، فالجوهر الأساسي لنظرية الأمننة هو اعتبارها الأمن فعلا خطابيا، فبمجرد وسم شيء ما بأنه مسألة أمنية يجعله كذلك، فقد أشار واييفر إلى ذلك بقوله: “يمثل شيء ما مشكلة أمنية متى أعلنت النخب أنه كذلك”[31].

بمعنى يمكن القيام بأفعال بالكلمات، فالأمننة تدرس من خلال تحليل الخطاب لتقديم شيء ما بوصفه تهديداً وجودياً، بحيث يتقبلها الجمهور ويسمح باستخدام الإجراءات الاستثنائية لمحاربة التهديد، ففكرة الأمننة تشير إلى البناء الاستطرادي للتهديد، وأن افتراضها الرئيسي يكمن في اعتبارها الأمن كفعل الخطاب، فبمجرد التلفظ أن شيئا ما يشكل قضية أمنية فإنه يصبح كذلك، وبعبارة أخرى فإن تصريح فاعل ما أن موضوعا مرجعيا ما مهدد في وجوده، يمنحه الحق في اتخاذ تدابير استثنائية لضمان بقاء ذلك الموضوع المرجعي، الأمر الذي يؤدي إلى نقل القضية من حيز السياسة العادية إلى حيز القضايا الطارئة، أين يمكن التعامل معها بسرعة، خارج قواعد الديمقراطية العادية[32].

وبالتالي فإن الأمننة هي المسار الذي یقوم من خلاله فاعل ما بالإعلان على أن مشكلة خاصة أو دینامیكیة معینة تمثل تهدیدا وجودیا ” thread Existential ” لموضوع معین، ویتم قبوله من قبل جمهور المستمعين، بحیث یتوقف نجاح هذا المسار بالمكانة التي یتمتع بها المخاطب وقدرته على إقناع الجمهور المستمع، وجعل من أفعال الخطاب حركة أمنية ” Securitizing Move [33].

وبالمقابل يرى أنصار نظرية الأمننة بأن الأمننة الناجحة تتضمن شرطين أساسيين هما: الخطاب وقبوله الواسع لدى الجمهور، فتصبح قضية ما مسألة أمنية متى أمننت من طرف فاعل ما كالحكومة أو البرلمان أو أي سلطة سياسية أخرى وحتى قادة الرأي وكبار البيروقراطيين طالما أن لهم القدرة لممارسة هذا النوع من العمل عبر الخطاب وكان له القبول بوجود توليفة من الشروط المساعدة والسياقات الخاصة التي تتضمن شكل فعل الخطاب، موقع ومنزلة الفاعل المؤمن والظروف التاريخية المرتبطة بهذا التهديد[34]، فضلا عن شرط آخر وهو تحديد التهديدات الفعلية والعمل المستعجل، فتقديم مسألة على أنها تهديد فعلي، كما يعني بوزان:” إذا لم نعالج هذه المشكلة، فكل شيء آخر سيكون غير ذي معنى، لأننا لن نكون موجودين أو لن نكون أحرارا للتعامل معها بطريقتنا الخاصة، وتسمى هذه الخطوة نحو الأمننة الناجحة بالتحرك نحو الأمننة “[35].

وفي هذا الإطار تتكون مستويات الأمننة من ثلاثة مستويات هي[36]:

1-الفواعل : يمكن تقسيم هذا المستوى إلى شقين؛ الشق الأول يتمحور حول الفواعل، وهو يضمّ أولئك الذين يساهمون أو يقاومون، مباشرة أو عن طريق الوكالة، في تصميم القضايا الأمنية أو ظهورها) أمننة الفواعل، والجماهير، والفواعل الوظيفية (أمّا الشق الثاني فيتضمن المواضيع التي تشكّل العلاقة التي تؤطر الوضعية الأمنية، وهي وضعيات القوة) العلاقات البديلة (للفواعل، والهويات الشخصية والهويات الاجتماعية التي تكشف سلوك الفواعل، وكذلك الموضوع المرجعي والشخص المعني، أي من يهدد وماذا يهدد؟

2-الفعل : ويهتم هذا المستوى بالممارسات استطرادية أكانت أم غير استطرادية، والتي تدخل ضمن مسار الأمننة قيد الدراسة، والنتيجة الشاملة تشمل السياسات والطرق التي تخلق الأمن، ويتكون هذا المستوى بدوره من أربعة جوانب : نوع الفعل، الإستراتيجية، مكونات الأمننة، السياسات الناجمة عن الأمننة.

3-السياق : ذلك أنّ الخطاب الأمني لا ينبع من فراغ بل ينتج عن سياق الحوادث والتهديدات.

هذا، ويرى الموسعون في إطار مدرسة كوبنهاغن بأن إطار الأمننة يستند إلى ثلاثة معاني[37]:

أولاشكل الفعل، The Form of the Act: المبنى أمنيا مع التركيز على خطاب الفاعلين المهيمنين الذين غالبا ما يكونون قادة سياسيين.

ثانيا- سياق الفعل، Context of the Act   : محدد بدقة مع التركيز فقط على لحظة التدخل

ثالثا- طبيعة الفعل، Natur of the Act: من خلال معرفة مهددات الأمن

كما جادل واييفر بأنه لا يمكن اعتبار الأمن كحالة سابقة في وجودها عن الخطاب كما بين أنه ممارسة ذاتية المرجعية بمعنى أن شرط وجوده قد أسس بفعل الخطاب ذاته وليس بتهديد مفروض مهما كان نوعه، وتعرف أعمال الخطاب على أنها أفعال تؤدي عبر الخطاب، وهي تشير إلى وحدات صغيرة تحدث فعلا (أمر / وعد / طلب) عن طريق اللغة، إلاّ أن واييفر اهتم بمفهوم الأداء الذي طوره أوستين، الذي يشير إلى أن الألفاظ التعبيرية (أعلن / قال / وعد / دعا / حكم) هي من الأشكال التعبيرية المكونة للفعل، فضلا عن اعتبار أفعال الخطاب وفقا لمدرسة كوبنهاغن أدوات تستخدم من طرف الفواعل لتحقيق أهدافهم.

أما فيما يخص عناصر الأمننة فهي تتكون من ثلاثة عناصر أساسية تتمثل في أمننة الفعل، الفاعل والجمهور[38]

-أمننة الفعل،  Securitizing Act: هو فعل الخطاب باستعمال مصطلحات الأمن فيما يتعلق ببعض الأحداث والمسائل والتطورات، بحيث يجب التأكيد على هذه القضية بشكل استباقي باعتبارها تهديدا أو خطرا، وبهذا يتم تحويلها إلى حالة من انعدام الأمن، فالأمننة هي وسيلة فعالة لحشد الدعم السياسي والوسائل المؤسساتية لأن انعدام الأمن يعني الخوف، والخوف هو أداة قوية للعمل السياسي. 

-أمننة الفاعل Securitizing Actor: هو الذي يحاول أمننة قضية ما، وعليه يجب أن يكون الفاعل في موقع السلطة ويحظى بالشرعية السياسية كي يتمكن من إقناع الجمهور بالتهديد، وبعبارة أخرى، تحتاج الجهات والمؤسسات التي تقوم بالأمننة إلى نوع من المصداقية في نظر الجمهور الذي يُعتبر المستهلك للخطاب ولديه القدرة على تمكين ممثل الأمننة من العمل.

-الجمهور The Audience : وهو المستهلك للخطاب ولديه القدرة على تمكين ممثل الأمننة من العمل، ومن الأهمية بمكان، أن يشترك الجمهور في التهديد الأمني الذي يشكله من أجل إنتاج تأثيرات سياسية فعلية، ولتحقيق هذا النجاح، يجب أن يكون لدى القائم بالأمننة القدرة على التعرف على مشاعر الجمهور.

ومن بين الأفكار التي ميزت هذا الحقل من الدراسة والمستندة إلى نظرية الأمننة فكرة الأمننة الكلية macro-securitization التي أطلقها بوزان في دراسته لعام 2006 والتي تحمل عنوان: the war on terrorism as the new macro -securitization والتي تشير إلى معنى نظرية الأمننة نفسه ولكنها تمارس على نطاق أكثر اتساعاً مستندة إلى بناءات عالمية للتهديدات والوحدات المرجعية على غرار : التهديدات الجيواقتصادية، الإرهاب، الانتشار النووي، ويرجع بوزان هذه الظاهرة الى العولمة والاعتقاد بإيديولوجية عالمية، وتمثل الحرب الباردة وفقه المثال التاريخي الأكثر وضوحا لهذا النوع من الأمننة، كما يعتقد أن هذه الظاهرة قادرة على تنظيم حركيات الأمن السائدة بين مجتمع الدول لعدة عقود[39]

-مفهوم التهديدات اللاتماثلية:

أدت التحولات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة إلى ظهور بيئة جديدة مختلقة، حيث برزت ديناميكيات جديدة أفرزتها موجة العولمة وزادت في تعقيدها وانتشارها مما أنتج مجموعة من الاضطرابات السيوسيوثقافية والاختلالات الاقتصادية والبيئية[40]، وبالتدقيق في هذه التفاعلات نجد أنها أفرزت التغير في المعطى الأمني، حيث أصبح المفهوم التقليدي الأمن، لا يُعبر عن البيئة الجديدة وبالتالي أصبح التوسيع في مفهوم الأمن والتهديد ملحا وذلك بالبحث عن الفواعل الجديدة المهددة للأمن والتهديدات الأمنية الجديدة[41].

كما تعرف التهديدات اللاتماثلية بأنها تلك التهديدات الغامضة والغير واضحة المعالم، حيث لا يمكن تحديد من هو العدو بالإضافة إلى عدم تكافئ الأطراف من حيث القوة، تندرج كل من:[42] الهجرة غير الشرعية، الإرهاب عابر للحدود، الجريمة المنظمة، تحت مسمي التهديدات اللاتماثلية نظرا لعدم تناظر أطرافها.

3- واقع التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة المتوسط:

تنتشر في منطقة المتوسط العديد من التهديدات الأمنية اللاتماثلية والتي يمكن إجمالها فيما يلي:

أ-الهجرة غير الشرعية :

لقد حاولت بعض المنظمات الدولية وضع مجموعة من التعاريف للهجرة الغير شرعية من أجل توصيف الظاهرة، في هذا الإطار فقد عرفتها الأمم المتحدة بأنها تسلل الأفراد فرادي أو جماعة بطريقه غير قانونية من إقليم إلي آخر سواء عن طريق البر، البحر، الجو، أما الاتحاد الأوروبي فيري بأن الهجرة غير الشرعية تتمثل في:” تدابير الدخول غير المشروع من وإلى أي إقليم بأي دولة، من قبل الأفراد أو مجموعات من غير المنافذ المحددة لذلك، دون التقيد بالضوابط والشروط المشروعة التي تفرضها كل دولة في مجال تنقل الأفراد”، كما عرفها المكتب الدولي للعمل بأن المهجر غير الشرعي بأنه:” كل شخص يدخل أو يقيم أو يعمل خارج وطنه دون حيازة الترخيصات القانونية اللازمة، لذلك يعتبر مهاجرا غير شرعي أو سري أو بدون وثائق أو في وضعية غير قانونية”[43].

إن الهجرة عموماً هي انتقال البشر من مكان إلى أخر سواء بشكل فردي أو جماعي لأسباب سياسية اقتصادية، حيث يمكن تعريف الهجرة الشرعية ما بين تلك التي تنظمها القوانين وتلك التي تقوم على أساس غير قانوني[44]، فهي تسلل فئة الشباب، الحرقة، التي يقصد بها الهروب بأية وسيلة غير شرعية وغير قانونية للخروج من البلاد والتخلص من المشاكل التي يتخبطون فيها[45]، لذلك فالمتوسط يُعاني من هذه الظاهرة، حيث تنطلق أعداد كبيرة من المهاجرين من بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط باتجاه الضفة الشمالية لأوروبا وذلك بسبب ما يلي: سواء الأحوال المعيشية، الاضطرابات السياسية (كالثورات والانقلابات)، وغياب الأمن خاصة في سوريا، حيث هاجر ما يزيد عن 4 ملايين لاجئ، والبطالة.

بالمقابل، تتواصل قوافل المهاجرين إلى الضفة الشمالية من المتوسط بغية البحث عن الحياة أفضل، إذ يقدر عدد المهاجرين إلى الاتحاد الأوروبي بـ 1,5 مليون مهاجر[46]، حيث تعتبر أوروبا الوجهة الرئيسة لموجات وإعداد كبيرة من المهاجرين، وهذا راجع للقرب الجغرافي والروابط التاريخية والاستعمارية[47]، لذلك فقد ساهمت الاضطرابات التي عرفتها المنطقة ابتداء من 2011 إلى تزايد أعداد المهاجرين السريين، وهذا راجع إلى انتشار الحروب وخاصة في سوريا، ليبيا.

-خارطة الهجرة غير الشرعية :

قبل أحداث الربيع العربي كانت أفواج المهاجرين تنتقل عبر اليونان للوصول إلى أوروبا حيث يمرون عبر إسبانيا وإيطاليا، كما توجد منافد أخر مثل مالطا وقبرص حيث دخل ما يزيد عن 87 ألف  مهاجر خلال الفترة ما بين 2012-2010 وذلك عبر تركيا مما أدى إلى تشكيل سياج من الأسلاك يمتد على12 كلم، بسبب تزايد أعداد المهاجرين على الطريق البري، حيث صرحت وكالة الحدود الأوروبية الخارجية FROMTEX، بأن أعداد كبيرة تعتبر نهر إيفروس اليونان يوميا بين 300-400 شخص يوميا خاصة خلال فصل الصيف، أما من الجهة الغربية للمتوسط فقد بلغ عدد المهاجرين الذين انطلقوا من السواحل المصرية والليبية إلى إيطاليا، ومن السواحل التركية إلى اليونان وبلغاريا قدر بـ 15 ألف[48]، حيث ساهم ارتفاع هذا الكم الهائل من المهاجرين نحو أوروبا إلى إتباع إجراءات مشددة من قبل دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها دول البلقان هذا ما أجبر المهاجرين إلى اعتماد طريق ألبانيا كوجهة جديدة. 

لهذا قام الاتحاد الأوروبي بعقد عدة اجتماعات دورية من دول غرب المنطقة كألبانيا والبوسنة وكوسوفو والجبل الأسود، مقدونيا صربيا في وارسو لإيجاد آليات لوقف الهجرة غير الشرعية وتبعاتها وكنتيجة الإجراءات المتبعة، فقد أعلنت وكالة الحدود الأوروبية فرونتكس في 8 فيفري 2020 بأن أعداد المهاجرين قد انخفضت بنسبة 92% مقارنة بـ 2015 فأعداد المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط قد انخفضت إلى 58%، وقد أشارت الوكالة الحدودية الأوروبية أن منطقة البلقان تعتبر الحلقة الأضعف حيث بلغ عدد المهاجرين في 2019 أعلى مستوياته حيث نشرت فرانس 24 في تقريريين مختلفين الأول كان في 18 جويلية 2020 والثاني في أوت 2020 عن أعداد كبيرة من المهاجرين العالقين بطريق البلقان، حيث أعلن وزير البوسنة بأن نسبة اللاجئين يقدر بحوالي 60 % تقريبا[49].

كما أن أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين انطلقت من تونس، الجزائر، ليبيا، وسوريا بأعداد كبيرة من المهاجرين هروباً من الحروب والأوضاع المطوية، حيث يقدر عدد المهاجرين غير الشرعيين من ليبيا بحوالي مليون شخص وتضاعف العدد إلى ثلاث مرات حيث بلغ 76 ألف وفي سنة 2014 تجاوز عدد المهاجرين الذين عبروا المتوسط 207 ألف، وذلك حسب إحصائيات المفوضة السامية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أما بخصوص الغرقى فتجاوز 400 غريق كما تحولت كذلك دول المتوسط خاصة الضفة الجنوبية إلى منطقة عبور للمهاجرين الأفارقة وخاصة الصوماليين والإرتيريين وبلدان إفريقيا جنوب الصحراء هروبا من القمع وسوء الأحوال المعيشية[50].

ب-الجريمة المنظمة :

أدت العولمة إلى جعل العالم أكثر ارتباطا وتشابكا وقد انعكس هذا التطور والتقائه على جميع الأصعدة والمستويات بل وتعدى ذلك إلى الجانب الإجرامي، حيث استفادت الشبكات الإجرامية من التقنيات الجديدة وانفتاح الحدود وسرعة الانتشار لخدمة أغراضها غير الشرعية، فنجد الجريمة المنظمة التي تجاوزت كل ما هو قديم وتقليدي من الممارسات ووضعت إستراتيجيات وطرق جديدة ومنطق جديد لخدمة أغراضها وتحقيق مكاسب وأهداف جديدة[51].

كما ترتبط الجريمة المنظمة ارتباطا وثيقا بالهجرة غير الشرعية، فهي إحدى الإشكاليات والتهديدات المعقدة، وفي هذا الإطار فقد تداول المصطلح لأول مرة في ولاية شيكاغو، سنة 1919 وهي أحد الإشكاليات والتهديدات التي تعاني منها منطقة المتوسط لأنها مرتبطة بالهجرة غير الشرعية والإرهاب الدولي ومختلف التهديدات الأخرى، وبعد ذلك أصبح المفهوم متداول ويستعمل من وقت الأخر وفقا لظروف معينة ولأوضاع سائدة[52].

بالمقابل تعرف الجريمة المنظمة على أنها الأنشطة الصادرة عن التنظيمات أو الجماعات ذات التشكيل الخاص،  والتي تهدف إلى تحقيق الربح بالطرق غير الشرعية وتستخدم ذلك النشاط الصادر عنها فهو جمع الأموال، جرائم الإرهاب، سرقة التحف الفنية والآثار، تهريب السلاح القرصنة، تهريب المهاجرين، وتكمن خطورة الجريمة المنظمة في مرونتها المتمثلة في تحويل نشاطها من دولة إلى أخرى تكون قوانينها أكثر مرونة، وهذا الطابع جعلها تفلت من إجراءات مكافحة الجريمة المنظمة بسبب الحدود الإقليمية وغير المترابطة والمتناسقة بين الدول، وبالتالي وطابعها المرن جعلها خطره وقوية إلى حد اعتبارها من مهددات غير العسكرية ذات المستوى الإستراتيجي[53] .

كما تنتشر في المتوسط أنماطاً مختلفة للجريمة المنظمة، حيث نجد تجارة المخدرات كنشاط رئيسي في المنطقة، مما استدعى دق ناقوس الخطر  خاصة في الدول العربية، حيث أكدت الإحصائيات أن الجريمة المنظمة نشاط يؤثر بشكل سلبي يصل إلى حد تدمير المجتمعات كونها ذات طابع عابر للحدود القومية والقارية، وهي كذلك من الجرائم الأكثر ترتيبا واتساقا العابرة للحدود الوطنية، وفي هذا الإطار فقد قام الدكتور محمد فتح بتحليل الأبعاد المختلفة للظاهرة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، كما أكد على العوامل الشخصية والبيئية التي تؤثر وتتأثر يبعضها البعض والتي كانت السبب وراء انتشار الجريمة في المنطقة المتوسطة ومن بينها الهجرة، التطور الحضاري الأمية، وانخفاض مستوى التعليم والثورة الشبابية[54].

وبالنظر إلى خطورة الجريمة المنظمة فإن الواقع أثبت بأن كل دولة منفردة لا تستطيع التخلص والقضاء عليها وهذا راجع إلى ما ذكرناه سابقا بخصوص طبيعة الظاهرة وصعوبة المتابعات القضائية لهذا فوجب تفعيل مسألتي التعاون والتنسيق بين دول المتوسط من أجل حصر الظاهرة والحد منها.

ج-الإرهاب الدولي :

يُعتبر مصطلح الإرهاب من الموضوعات التي أخدت حيزاً كبيرا في نقاشات المفكرين والسياسيين ودوائر الفكر، وذلك من أجل البحث عن منشأة وإعطاء الحلول لهذه الظاهرة القديمة المتجددة، خاصة بعد تزايد سعة العنف وتعدد صوره وتفاقمها، خاصة وأن هذه الظاهرة لا تعتبر حكرا على المجتمعات العربية فحسب بل وحتى في المجتمعات الغربية أيضا على حد سواء، لذلك فقد تداول مصطلح الإرهاب في جميع الأوساط غير أن الاتفاق على مدلول جامع ومانع له يعتبر أمرا صعبا، وفي هذا الإطار برزت عدة تعاريف لعدة مفكرين من أهمها تعريف ريمون أرون حيث يرى بأنه فعل عنيف تتجاوز آثاره النفسية بكثير الخسائر المادية، أما هيئة الأمم المتحدة فرأت بأنه عمل من الأعمال الجنائية الهادفة إلى إحلال حالة من الذعر، وبالتالي فإن الذعر والخوف يعتبر أحد أهم نتائج الأعمال الإرهابية على الإطلاق[55].

كما نجد اللجنة الأوروبية تعتبره مخالفات مرتكبة عن قصد، تستهدف الدولة داخليا وكذا جميع الفواعل المؤثرة على مستوى النظام الدولي، وبالتالي فإن الإرهاب يستهدف الأفراد والجماعات ولا يميز بأعماله العنيفة والإجرامية لا الأفراد ولا الممتلكات الخاصة ولا العمومية.

وبناءً على ما سبق فإن الإرهاب الدولي نوعين:

إرهاب داخلي: يهدد الدولة داخليا عن طريق إحلال الذعر، الخوف واللانظام.

إرهاب دولي: وهو كل الأعمال العنيفة التي لها تبعات دولية واضحة يتجاوز بها الإرهابيون الحدود الوطنية.

لقد كانت لأحداث 11 سبتمبر2001 الأثر الكبير في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب الدولي بشكل جدي من خلال محاولة إعادة تعريفه وتبيان مدى خطورته وأثاره العنيفة على جميع الأصعدة والمستويات وبناءً على ذلك قامت اللجنة الأوروبية بمجموعة من الإجراءات حصرت به الظاهرة ومعناها وذلك باعتبارها عمل قصدي يقوم به فرد أو مجموعة من الأفراد لتحقيق أغراض معينه كأن تلحق الضرر بالدولة وأنظمتها على جميع الأصعدة والمستويات[56].

كما أن للإرهاب الدولي صورة وأنماط مختلفة في المتوسط لا يمكن حصرها، فقد شكلت تحديا في المنطقة خاصة بعد أحداث الربيع العربي، فالفراغ الأمني في المنطقة حولها ملاذ لمجموعة كبيرة من الحركات الإرهابية حيث ظهر تنظيم الدولة الإسلامية، (داعش) واستيلاؤه على مساحات شاسعة في سوريا، كما ساهمت الفوضى في ليبيا إلى انتشار الأسلحة وتهربيها بين الحدود، حيث غدت هذه الأخيرة نشاط الحركات الإرهابية، أما في تونس فأدى الفراغ الأمني بها إلى تعرض مخازن الجيش إلى النهب والسرقة.

وفي هذا الإطار يمكن حصر الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة كما يلي[57]:

– تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تعود أصولها إلى تنظيم القاعدة.

– جبهة النصرة وتدعى الآن جبهة فتح الشام.

– تنظيم القاعدة في بلاد المغرب .

– حركة التوحيد والجهاد .

كما تنشط هذه الجماعات الإرهابية في المنطقة وتحمل معها إشكاليات أخرى مثل الجريمة المنظمة، وتهريب البشر، تجارة الأسلحة والمخدرات حيث ساهمت الأحداث التي تعرضت لها أوروبا في العديد من عواصمها خاصة بعد تفجيرات باريس 1995، ومدريد بإسبانيا 2004 والهجمات على قطار الأنفاق في لندن 2005 في اعتبار الإرهاب هاجسا أثار مخاوف الدول الأوروبية في الضفة الشمالية للمتوسط، خاصة بعد التقارير التي أعدها مكتب الشرطة الأوروبية حول عدد الهجمات الإرهابية التي بلغت 249 هجمة والنابعة من الضفة الجنوبية التي تمثل تهديدا سافرا للأمن الأوروبي.

4- آليات مواجهة التهديدات الأمنية اللاتماثلية في منطقة المتوسط :

أدّى التحول في طبيعة التهديدات إلى تكثيف الجهود بين الدول من أجل محاربتها ومجابهتها كنتيجة لعدم قدرة الدولة الوطنية لوحدها فرادي على وضع آليات واطر لحصرها، فالعولمة زادت في تعقيدها وسرعة انتشارها، لهذا وجب التعاون بين الدول في منطقة المتوسط وتوحيد الجهود في إطار الاعتماد الأمني المتبادل الذي فرضته حدة التهديدات الجديدة، وهذا في إطار الشراكة والتعاون لتبنى إستراتيجيات المواجهة لتحقيق الأمن والاستقرار في المتوسط، حيث تعتبر الدول الأوروبية  من أهم اللاعبين في المتوسط من جهة وكذا أشد المتأثرين بالتهديدات والتحديات الأمنية من جهة أخرى فالتقارب الجيوبوليتيكي والعلاقات التاريخية الاستعمارية جعلها في نقطة تماس مع دول الضفة الجنوبية للمتوسط التي أصبحت مولدة للأخطار والتهديدات وكرد فعل عن هذا الواقع وفي إطار التعاون والشراكة طرح الاتحاد الأوروبي مجموعة من المشاريع والآليات باتجاه المنطقة، وهذا في ظل البحث عن شريك أمنى إقليمي وخلق صيغة من التفاهم بين الضفتين من جهة وإثبات قدرة الاتحاد الأوروبي على المنافسة الاقتصادية والأمنية والسياسية من جهة أخرى.

أ-أمننة التهديدات الأمنية اللاتماثلية كخطاب في المتوسط :

لقد استطاعت دول شمال المتوسط من رفع قضية التهديدات الأمنية اللاتماثلية من السياسات الدنيا العادية إلى اعتبارها بمثابة قضية تهدد أمن أوروبا، وفي هذا الإطار قامت الدول الأوروبية بأمننة الهجرة غير الشرعية نظرا لتأثيرها على أمن الدول الأوروبية وكذا على هويتها، وبالتالي تم ربط بين الهجرة والأمن ومن هنا يبرز قوة الخطاب ودوره في جعل مسائل عادية قضايا هامة تُهدد الأمن والسلم[58]، وبالتالي فإن الخطاب الأمني الأوروبي بخصوص منطقة المتوسط ما هو إلا انعكاس للتحوّل الحاصل في الاهتمامات الأمنية الجديدة لأوروبا وهذا ضمن المقاربة الجديدة للأمن (توسيع وتعميق مفهوم الأمن) الخاصة بباري بوزان وتحليله للأمن العالمي والذي يركز على أمن الغرب فقط باعتباره الأمن الوحيد المُهدد، وبالتالي فهو يستبعد أمن دول الجنوب وهنا يبرز التغير في مدركات التهديد بين الضفة الشمالية للمتوسط وجنوبه ونخلص إلى نتيجة مفادها أن التهديد أصبح بناء دهني وخطاب سياسي واجتماعي يهدف إلى خدمة أجندات معينة أو بالأحرى يخدم الحاجات الأمنية الأوروبية الجديدة خاصة مع انهيار المعسكر الشيوعي، وبالتالي استمرار عمل المؤسسات الأمنية وإعطاء تبريرات لسياسة الأمننة في المتوسط[59].

ب-الاتحاد من أجل المتوسط :

يُعتبر مشروع مكمل لمسار برشلونة لأجل إصلاح ما لم يستطيع مسار برشلونة إصلاحه ويبقى الهاجس الأمني هو الغالب والمحرك لأي مبادرة في المتوسط وذلك من خلال التأكيد على التعاون الاقتصادي كأحد المفاتيح القادرة على إحداث تنمية في الضفة الجنوبية للتقليل من البطالة والهجرة غير الشرعية وتبعاتها[60].

وجعل المتوسط بحيرة سلام واستقرار وذلك من خلال القضاء على المواجهة بين الحضارات وكذا شمال مقابل جنوب واعتباره مشروع سلام وحوار وتنمية والقضاء على مشكلات الهجرة والبيئة على حد قول رئيس الوزراء الإيطالي رومان برودي[61].

ج-مسار برشلونة التحول في الأهداف والاتجاه الجغرافي :

جاءت عملية برشلونة باعتبارها مشروع أوروبي يتجه إلى إعادة تنميط العلاقات الاقتصادية والتجارية لأوروبا مع جيرانها المتوسطين في ضوء المتطلبات السياسية والأمنية الجديدة[62]، خاصة بعد تصاعد حدة التهديدات في المتوسط، فجاء مسار برشلونة لأجل صياغة مقاربة شاملة للأمن في المتوسط لاحتواء التحولات والتهديدات من خلال الحوار والتعاون الإقليمي والدبلوماسية الوقائية كآلية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة[63]، كما اعتبر مسار برشلونة هوس أوروبي بالتهديدات والأخطار القادمة من جنوب المتوسط لأنه عرض كل الأبعاد الأمن في المشروع حتى في الجانب الثقافي والاجتماعي والإنساني أو بما يسمى مسائل الأمن الخفيفة، لهذا شاع لدى الأكاديميين والصحفيين بتسميته لأغراض الأمنية لدى الأوروبيين[64].

د-سياسة الجوار الأوروبي مشروع تصدير النموذج الأوروبي :

بما أن مسار برشلونة لم يحقق الأهداف المرجوة، أطلق اتحاد الأوروبي سياسة أوروبا الجوارية القائمة على ترقية علاقات حسن الجوار، فبعد أحداث 11 سبتمبر2001، انتشرت الهواجس الأمنية، وأصبحت لها الأولوية في الأجندات العالمية وبما أن الجوار الأوروبي يعاني جملة من الإشكاليات والتحديات والتي تؤثر بدورها بصورة مباشرة على أمن أوروبا كالهجرة غير الشرعية، الإرهاب والجريمة المنظمة فهذه الأخيرة فرضت نفسها لأجل تبنى مقاربة شاملة للأمن وفي هذا جاءت سياسة الجوار الأوروبية[65].

بالمقابل يمكن اعتبار السلم والأمن الإقليمي الأولوية في سياسة الجوار من خلال ترقيه الأمن الإقليمي وتبنى مقاربة الأمن الشامل للقضاء على الإشكاليات التي تهدد الأمن الإقليمي مثل انتشار الأسلحة النووية والكيميائية، البيولوجية لخلق فضاء إقليمي خالي من أسلحة الدمار الشامل[66]، ولقد جاءت كل التصورات تصب في خانة الأمن باعتباره مفتاح التعاون والشراكة وهذا اعتبارا للتهديدات القادمة من جنوب المتوسط بأن لها جذور اقتصادية واجتماعية وسياسية لأنه لا يمكن الحديث عن الأمن في ظل غياب التنمية الاقتصادية والسياسية

5-تداعيات جائحة كوفيد 19 على الأمن في المتوسط :

تُعد جائحة كوفيد 19 من بين التهديدات التي تمر على العالم بدون سابق إنذار مما أدى إلى تفكيك بني العولمة وتفنيد مزاعمها المتمثلة في الاعتماد المتبادل، التعاون الدولي مما دفع ببعض الدول وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي إتباع إستراتيجية الانعزال والتقوقع على الذات ومناداة المجتمع الدولي بضرورة تدخل الدولة الوطنية وبالتالي تراجع مزاعم التعاون والمؤسسات فوق قومية مما انعكس على الأمن في المتوسط، كما أن تداعيات الجائحة في المتوسط أدى إلى تفكيك الأمن وظهرت مخرجات تتمثل في نقص الاعتماد المتبادل بين الدول وذلك من خلال إغلاق الحدود البرية، البحرية، البرية نظرا لسرعة انتشار الفيروس وصعوبة التحكم فيه.

كما أن انقطاع الاتصال بين الدول وغياب الدبلوماسية والمؤتمرات والندوات الدولية وبداية ظهور تفكك الاتحاد الأوروبي حيث لم تظهر مظاهر التعاون بين دوله ومن هنا الرجوع إلى المنظور الواقعي، وعودة الدولة الوطنية كفاعل أساسي في العلاقات الدولية وهنا نرى بأن العولمة تقصي الدولة والأزمات تستحضرها، وهو ما أثبتته أزمة كورونا (كوفيد 19)، التي أفسحت المجال أمام عودة دور الدولة الوطنية من جديد، وكشفت عن اهتراء مبدأ التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي، فالجائحة التي انتشرت بشكل كبير في دول القارة الأوروبية، أظهرت ضعفا وعدم فعالية مؤسسات الاتحاد الأوروبي في حل هذه الأزمة الخطيرة، مرجحة المنافع القومية على مصالح الاتحاد (رفض دول الاتحاد تقديم المساعدة لإيطاليا في مقابل استجابة الصين لذلك)، مما أدى بعدد من المدن والبلدات الإيطالية لإنزال شعار الاتحاد الأوروبي، ورفع علم الصين بدلاً منه تقديراً لدعمها لإيطاليا ولغيرها من الدول المنكوبة في أوروبا[67].

خاتمة:

أدّت التحولات البنيوية والهيكلية على مستوي النظام الدولي إلى بروز بيئة أمنية جديدة مغايرة لم تستطع الأطر التقليدية للأمن استيعابها، لهذا جاء توسيع مفهوم الأمن وتعميقه ليشمل التغيرات التي طرأت على مستوي الفواعل والتهديد، خاصة بعد أن ظهرت تهديدات جديدة على الساحة الدولية، وفي هذا الإطار يُعتبر المتوسط من أهم المناطق الجيوسياسية في العالم نتيجة لموقعه وموارده واللا تجانس بين ضفتيه مما جعله يقع بين ديناميكيات الصراع والتعاون، خاصة أن المتوسط يحوي بيئة غير مستقرة نتيجة للتهديدات كالهجرة غير الشرعية، الإرهاب، والجريمة المنظمة وحاليا جانحة كوفيد 19 التي أدت إلى تهديد الأمن والسلم في المنطقة المتوسطية ككل.

لقد طرحت في المتوسط عدة مشاريع وضعها الاتحاد الأوروبي وهي سياسات وأليات تتراوح بين الشراكة والتعاون كمسار برشلونة 1995 ثم سياسة الجوار الأوروبية 2003 وأخيرا الاتحاد من أجل المتوسط 2008 وهذا من أجل القضاء على التهديدات الآتية من الضفة الجنوبية وخاصة وأن الاتحاد الأوروبي يرى بأن سبب هذه التهديدات راجع إلى أسباب اقتصادية واجتماعية تعاني منها دول الضفة الجنوبية إلاّ أن انتشار جانحة كوفيد 19كفيروس يصعب التحكم فيه وحضره جعل الأمن والاستقرار في منطقة المتوسط يرجع إلى إطاره التقليدي حيث الانغلاق والاعتماد على الذات في حل المشكلات help-self  من قبل الدول فتعاملت فرادي مع هذا التهديد، وبالتالي فإن الطرح الواقعي قد فنّد مزاعم العولمة المرتكز على التعاون والاعتماد المتبادل، وبالتالي تبقي الدولة وحدها القادرة على حل المشكلات خاصة وقت الأزمات.


 [1] للمزيد أنظر: إيف لاكوست، الجغرافيا السياسية للمتوسط، ترجمة: زهيدة جبور، (أبو ظبي، هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2010)،              ص 25. وكذلك: أحمد كاتب، خلفيات الشراكة الأوروبية – المتوسطية، رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم العلوم السياسية، 2001، ص ص 10-11.

 [2]نفس المصدر، ص ص 24- 25 .

[3] أمينة حلال، “التهديدات الأمنية في حوض المتوسط الغربي”، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية: تخصص علاقات دولية، جامعة الجزائر3، كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قسم العلاقات الدولية، 2013، ص106.

[4] نفس المرجع، ص ص 107 -.109.

[5]إيف لاكوست، الجغرافيا السياسية للمتوسط، مصدر سابق، ص 2 .

[6] علي الحاج، سياسات دول الإتحاد الأوروبي في المنطقة العربية بعد الحرب الباردة، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولي، 2005)، ص 130.

[7] إيف لاكوست، الجغرافيا السياسية للمتوسط، مصدر سابق، ص.24

[8] مصطفى بخوش، الحوض المتوسط بعد نهاية الحرب الباردة، (القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع، 2014)، ص 47.

[9] إيف لاكوست، مصدر سابق، ص 22.

[10] أحمد كاتب، مصدر سابق، ص 12.

[11] إبراهيم قلواز، الأبعاد الجيوسياسية للبحر الأبيض الجزائر المتوسط، على الرابط التالي: https://urlz.fr/m44U 

[12] فرناند بردويل، من رواد مؤسسي الحواريات التي أحدثت تغييرا جذريا في مفهوم تناول وكتابة التاريخ من مؤلفاته البحر المتوسط والعالم المتوسطي في عهد فليب الثاني

[13]رتيبة برد، “الحوار الأورو متوسطي من برشلونة إلى منتدى 5 +5″، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، تخصص: علاقات دولية، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم العلوم السياسية، 2009، ص 48 .

[14] أمينة حلال، مصدر سابق، ص 104.

[15] وهيبة تباني، “الأمن المتوسطي في إستراتيجية الحلف الأطلسي دراسة حالة الإرهاب”، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، جامعة مولود معمري تيزي وزو، 2014، ص ص 46-49.

[16] نعيمة خطير، الأمن كمفهوم مطاط في العلاقات الدولية،” إشكالية التعريف والتوظيف”، المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- جامعة محمد الصديق بن يحيى، جيجل، المجلد1، العدد2، (جانفي 2018)، ص 244.

[17]مدوني علي،” قصور متطلبات بناء الدولة في إفريقيا وانعكاساتها على الأمن والاستقرار فيها”، أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة بسكرة،2013-2014.

[18]جويدة حمزاوي، “من الأمن القومي إلى الأمن الإنساني”، مجلة الدراسات الاستراتيجية والعسكرية، برلين، ألمانيا، المركز الديمقراطي العربي، المجلد 2، العدد 6، (مارس 2020)، ص 11

[19] أدمام شهرزاد، “الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة”، مجلة الندوة للدراسات القانونية، قسنطينة، الجزائر، العدد 1، (2013)، ص1

[20] مرسي مشري، “أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والانعكاسات”، مجلة سياسات عربية، قطر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عدد 15، (جويلية 2015)، ص62.

[21] للمزيد أنظر: توفيق بوستي،” المنظورات الأمنية في العلاقات الدولية”، إسطنبول، تركيا: المعهد المصري للدراسات، 2019، ص 51.

[22] سليم قسوم، الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية، أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2018، ص 101.

[23] Barry buzan, new patterns of global security in the twenty – first century, international affairs (1991) pp 432-433 .            

[24] توفيق بوستي، “مدرسة كوبنهاغن والتحول في مفهوم الأمن: نحو إطار جديد للأمن”، المجلة الجزائرية للأمن والتنمية، جامعة باتنة1، الجزائر، مخبر الأمن في منطقة المتوسط: إشكالية وحدة وتعدد المضامين، عدد 13، جويلية 2018، ص181.

[25] Alex Macleod Anne – marie d’aoust et David grondin, les études des sécurités, in théories des relations internationales contestations et résistances ; éd ; Alex Macleod et dan O’meara (Québec ; Athéna éditions, 2007) p364.

[26] سمية أوشن،”دور المجتمع المدني في بناء الأمن الهوياتي في العالم العربي دراسة حالة الجزائر”، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، تخصص سياسات عامة وحكومات مقارنة، جامعة الحاج لخضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2009 -2010، ص .57 

[27] اليامين بن سعدون، “الحوارات الأمنية في المتوسط الغربي بعد نهاية الحرب الباردة: دراسة حالة مجموعة 5 + 5″، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات متوسطية ومغاربية في التعاون والأمن، جامعة الحاج لخضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2011-2012، ص 26 .

[28] نفس المصدر، ص 30.

[29] حسام حمزة، “الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري”، رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص علاقات دولية، جامعة الحاج لخضر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2010 -2011، ص 17 .

[30]اليامين بن سعدون، مصدر سابق، ص 34 .

[31] مرسي مشري، “أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والانعكاسات”، مصدر سابق، ص 63.

[32]سليم قسوم، “الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية”، مصدر سابق، ص 115 .

[33] Rita Floyd, ‘‘Toward a Consequentialist Evaluation of Security: Bringing Together the Copenhagen and the Welsh Schools of Security Studies’’, In. Review of International Studies, Vol.33, N°1, (2007), p.329.

[34] دريس عطية، “النقاشات النظرية في المدارس الأمنية الأوروبية تجاه مسألتي الهجرة واللجوء”، مجلة الدراسات الإستراتيجية والعسكرية، برلين، ألمانيا، المركز الديمقراطي العربي، المجلد 1، العدد 1، سبتمبر 2018، ص48.

[35] توفيق بوستي، المنظورات الأمنية في العلاقات الدولية، مصدر سابق، ص67 .

[36] Taureck,rita.(2006)’’Securitization theory and securitizations studies, journal of international relations and development,9,p3, available at : https://urlz.fr/m464.

[37] مرسي مشري، “أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والانعكاسات”، مصدر سابق، ص64.

[38] علي بلعربي، “أمننة الهجرة غير الشرعية في سياسات الإتحاد الأوروبي: دراسة تأثير الهجرة على الأمن الأوروبي”، مجلة العلوم القانونية والسياسية، الجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة الوادي، المجلد 10، العدد 2، (سبتمبر 2019)، ص 874-875.

[39]سليم قسوم، الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية: دراسة في تطور مفهوم الأمن في العلاقات الدولية، مصدر سابق، ص 118.

[40]جويدة حمزاوي، من الأمن القومي إلى الأمن الإنساني، مجلة الدراسات الإستراتيجية والعسكرية، برلين، ألمانيا، المركز العربي الديمقراطي، المجلد 2، العدد 6، (مارس 2020)، ص 11 .

[41] أدمام شهرزاد، الطبيعة اللاتماثلية للتهديدات الأمنية الجديدة، مجلة الندوة للدراسات القانونية، العدد 1، 2013، ص1.

[42] جارش عادل، مقاربة معرفية حول التهديدات الأمنية الجديدة، مجلة العلوم السياسية والقانون، برلين، ألمانيا، المركز العربي الديمقراطي، العدد1، (2017)، ص1.

[43] يونسى وليد، المعضلة الأمنية في المتوسط “قراءة في أبرز التهديدات الأمنية الجديدة وإستراتيجية المواجهة، مجلة دراسات وأبحاث المجلة العربية في العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 11، العدد2 2019، ص 350.

[44] رشيد ساعد، واقع الهجرة غير الشرعية في الجزائر من منطور الأمن الإنساني، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، تخصص دراسات مغاربية، 2012، ص 14

[45] محمد غربي وآخرون، الهجرة غير الشرعية في منطقة البحر المتوسط، (لبنان: دار الرافد الثقافة، ط 1، 2014)، ص 2

[46] عبد الواحد أكمير، الربيع العربي والهجرة غير القانونية في البحر المتوسط، مجلة المستقبل العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، المجلد 37، العدد433، (مارس 2015)، ص ص28-29

[47] تقرير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات على الرابط التالي:

https/:WWW.euoparaperct.com/ P 73257

[48] عبد الواحد أكمير، مصدر سابق، ص3

[49]إبراء أحمد إسماعيل، الجريمة المنظمة وتحديات الأمن الإنساني في المنطقة العربية، مجلة السياسة الدولية، العدد المجلد 46،2011، ص 13 .

[50] مايا خاطر، الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية وسبل مكافحتها، مجلة دمشق للعلوم الىادية والقانونية، دمشق، العدد3،511،201

[51] قريش سامية، التعاون الدولي لمكافحة الجريمة المنطقة عبر الوطنية، مذكرة ماجستير في القانون، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، قسم الحقوق، بدون سنة نشر، ص64.

[52] كامش الطيب، الشراكة الأورو متوسطية في مجال مكافحة الجريمة المنطقة، مجلة الدراسات القانونية المقارنة، العدد 1، المجلة 4، (2018)، ص131.

[53] Barry Buzan, oile weaver, regions and powers the structure of international security (Cambridge. Cambridge university press.2003) p43.

[54] Barry Buzan, people states and freer bright or wheat sheaf ,1983, p106.

[55] Barry Buzan, oile wearer, op-cit, p 48.

[56]جويدة حمزاوي: من الأمن القومي الأمن الإنساني، مصدر سابق، ص 16           .     https://bit.ly/3rdiTla

[57] علي لونيس، آليات مكافحة الإرهاب بين فعالية القانون الدولي وواقع الممارسات الدولية الانفرادية، أطروحة دكتوراه في القانون الدولي، جامعة تيزي وزو، قسم الحقوق، 2012، ص 17.

[58] أحمد محمد وهبان، ظاهرة الإرهاب بين صورها التقليدية وأنماطها المستخدمة، (السعودية، الجمعية السعودية للعلوم السياسية،2015)، ص 8.

[59]جيمس بلاك، ألكسندر راهول وآخرون، مياه مضطربة: لمحة موجزة عن التحديات الأمنية في منطقة المتوسط منظور تحليلي، مؤسسة راند، 2015، ص 200، متاح على الرابط:

[60] فوزية قاسي، أثر خطاب الأمننة على تطور الدراسات الأمنية بعد أحداث 11/9: إسهامات مدرسة كوبنهاجن، مجلة العلوم القانونية والسياسية، العدد 1، المجلد 10، أفريل 2019، ص 1509.

[61] أسامة بوزيد، الحوار الأطلسي المتوسطي دراسة حالة الهجرة غير الشرعية غرب المتوسط 2010،2015) مذكرة لنيل الماجستير، تخصص دراسات متوسطية ومغاربية في التعاون والأمن، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2016، ص 30.

[62] جويدة حمزاوي، نحو بنية أمنية شاملة وهوية استراتيجية في المتوسط، مذكرة لنيل شهادة الماجستير: تخصص دراسات مغاربية متوسطية في التعاون والأمن، جامعة الحاج لخضر باتنة، كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، 2010 -2011، ص 81.

[63] ليندة عكروم، تأثير التهديدات الأمنية الجديدة على العلاقات بين دول شمال وجنوب المتوسط، الأردن: دار إبن بطوطة للنشر والتوزيع، 2011، ص 141.

[64] عبد القادر رزيق المخادمي، الإتحاد من أجل المتوسط الأبعاد والأفاق، الجزائر: ديوان المطبوعات، الجامعية،2009، ص83

[65] حلال أمينة، التهديدات الأمنية في حوض المتوسط الغربي، مصدر سابق، ص117 .

[66] نفس المصدر، ص106.

[67] توفيق بوستي، صمود الدولة الوطنية في مواجهة تحديات عولماتية، مجلة الديمقراطية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، العدد 82، (أفريل 2021)، ص 93 .

admin 2

مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية: مؤسسة فكر وتخطيط استراتيجي تقوم على إعداد التقديرات وتقديم الاستشارات وإدارة المشروعات البحثية حول المتوسط وتفاعلاته الإقليمية والدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى