تداعيات الأزمة الأوكرانية على الوجود الروسي في أفريقيا
د. سمر خمليشي
الجامعة الأورومتوسطية، المغرب.
الملخص:
يبدو أن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على ميزان القوى الدولية قد أصبحت تلقي بظلالها على التواجد الروسي في أفريقيا. في هذه المنطقة يكون الصراع الجيوسياسي قوياً بين الدول الغربية وروسيا والصين. غير أن تداعيات الحرب على أوكرانيا قد غيرت الموازين وقد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على النفوذ الروسي بإفريقيا بناء على تطورات الصراع.
فيما يتعلق بالتأثير المباشر، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا يمكن أن تلقي بظلالها على علاقات روسيا مع الدول الإفريقية. فقد يؤدي التوتر الدولي المتصاعد إلى تعقيد العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين روسيا والدول الإفريقية، مما يؤثر على النفوذ الروسي في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، فإن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تؤدي إلى تقليص الموارد المتاحة لروسيا لتوسيع نفوذها في إفريقيا. فقد يتسبب تركيز الجهود والموارد -ومنها الموارد العسكرية -على الصراع في أوكرانيا في تخفيض الاهتمام بالأنشطة الدبلوماسية والتجارية في القارة الأفريقية، مما يؤثر على القدرة الروسية على تعزيز نفوذها في المنطقة.
وبشكل عام، فإن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على النفوذ الروسي في أفريقيا يمكن أن تتراوح بين المباشرة وغير المباشرة، وقد تعتمد على تطورات الصراع وتأثيرها العالمي. ومن المهم الإشارة إلى أن النفوذ الروسي في أفريقيا قد ارتفع بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، ولا يمكن تقييم تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على النفوذ الروسي في المنطقة بشكل عزلي عن هذه الاتجاهات العامة.
الكلمات المفتاحية : أوكرانيا، الحرب، روسيا، أفريقيا، التداعيات.
مقدمة:
بعد مرور عام على الحرب الروسية على أوكرانيا يبدو أن التداعيات على ميزان القوى الدولية قد أصبحت تلقي بظلالها على التواجد الروسي في أفريقيا. في هذه المنطقة يكون الصراع الجيوسياسي قويا بين الدول الغربية وروسيا والصين. غير أن تداعيات الحرب على أوكرانيا قد غيرت الموازين وقد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على النفوذ الروسي بأفريقيا بناء على تطورات الصراع.
فإذن السؤال المطروح هو ما مدى تأثير الحرب الروسية بأوكرانيا على التواجد الروسي بأفريقيا على المستوى الجيوسياسي، الاقتصادي والعسكري؟
لكي نجيب على هذا السؤال، تم تقسيم هذا المبحث إلى ثلاثة أقسام بناء على المنهج التحليلي للأحداث قبل الحرب وخلالها.
أولاً: التواجد الروسي بأفريقيا قبل الحرب: الفراغ الفرنسي والعودة الروسية
خلال فترة ما قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت أفريقيا منطقة جيوستراتيجية تتصارع مصالح الدول الغربية حولها، لذا تجدر بنا الإشارة إلى أن روسيا لم تكن تعتبر أفريقيا منطقة ذات أولوية استراتيجية نظرا لعدة اعتبارات نذكر منها: البعد الجغرافي بين روسيا ودول أفريقيا خصوصاً دول أفريقيا الغربية وكذا المنافسة الشرسة بين دول تربطها بالدول الأفريقية معايير مثل القرب الجغرافي ثم الماضي الاستعماري، نتحدث هنا عن فرنسا وعن إنجلترا.
ومع صعود الصين واكتساحها السوق العالمي، أصبحت المنافسة بأفريقيا لا تقتصر على الدول الأوربية فيما بينها بل أصبحت الصين منافسا قويا إلى جانب الأوروبيين. غير أنه على عكس روسيا فالصين كانت تعتبر أفريقيا منطقة ذات أهمية استراتيجية منذ استقلال الدول الأفريقية بالرغم من البعد الجغرافي.
لكن فرنسا كانت تستحوذ على السوق الأفريقية خاصة الدول المتحدثة بالفرنسية، نفس الشيء بالنسبة لإنجلترا التي استحوذت على السوق بالدول الناطقة بالإنجليزية. لكن ومع هذا استطاعت الصين أن تنافس بشكل قوي خاصة في بداية عام ألفين.
تجدر الإشارة إلى أن المبادلات التجارية بين الصين ودو أفريقيا قد وصلت لنحو 282 مليار دولار عام 2022. يأتي الصعود الصيني بالتوازي مع الرفض الأفريقي للنفوذ الفرنسي خاصة وأن فرنسا قد اتهمت لمرات عدة بأنها تقوم باستغلال خيرات أفريقيا وتستحوذ على الموارد الطبيعية بشكل مفرط وكأنها لازالت تستعمر هذه الدول عبر شركاتها.
وعلى المستوى العسكري، اتهمت فرنسا بالتدخل بشكل غير مباشر في الشؤون الأفريقية عبر إثارة النزاعات العسكرية ببعض الدول الأفريقية غير المستقرة سياسيا. هذه المتغيرات قد فتحت المجال للتنافس الحر بناء على الاستقلالية الأفريقية. ومن هنا فقد أصبح لدى روسيا طموحا أفريقيا يعتمد بالأساس على التعاون الاقتصادي وعلى مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأفريقية على المستوى السياسي، على عكس فرنسا.
ولتسريع الطموح الروسي، جاء الإعلان عن تنظيم أول قمة روسية أفريقية في مدينة سوتشي الروسية في الفترة من 23 إلى 24 أكتوبر سنة 2019. وكان الهدف من القمة تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين روسيا وأفريقيا. حضر القمة قادة من أكثر من 50 دولة أفريقية وممثلون رفيعو المستوى من مختلف المنظمات الإقليمية الأفريقية[1].
خلال القمة، تم توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين روسيا والدول الأفريقية التي تغطي مجموعة من المجالات مثل التجارة والطاقة والزراعة والبنية التحتية والأمن. وتضمنت الاتفاقيات صفقات حول الطاقة النووية والتعاون العسكري والإعفاء من الديون.
واعتبرت القمة علامة بارزة في العلاقة بين روسيا وأفريقيا، حيث سعت روسيا لتوسيع نفوذها في القارة الأفريقية وزيادة علاقاتها الاقتصادية مع الدول الأفريقية. ومن المقرر تنظيم النسخة الثانية من القمة الروسية الأفريقية في يوليوز 2023 بمدينة سانت بطرسبرغ الروسية حيث أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 28 فبراير 2023 وقد أشار الرئيس إلى أنه “بالنسبة لروسيا، كانت الدول الأفريقية دائمًا ولا تزال شركاء موثوقين ومهمين”. كما شدد على أن البلدان الأفريقية وروسيا توحدها الرغبة في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب ومنصف يقوم على المساواة الحقيقية وسيادة القانون الدولي بعيداً عن كل أشكال التمييز وإملاءات القوة والضغط والعقوبات[2].
تصريح بوتين والاعلان عن النسخة الثانية من القمة الأفريقية الروسية ما هو إلا دليل على رغبة روسيا في العودة بقوة بالرغم من العقوبات المترتبة عن الحرب على أوكرانيا، وبعكس أفول النجم الفرنسي بأفريقيا أصبح تعزيز العلاقات مع دول القارة ضرورة ملحة لروسيا لخلق تحالف جديد في منطقة استراتيجية على كل المستويات.
ثانياً: مجالات النفوذ الروسي بأفريقيا : صفقات السلاح كمفتاح للتأثير
تعتمد روسيا في علاقاتها مع الدول الأفريقية على مجالات عدة أهمها التعاون العسكري سواء عبر بيع الأسلحة لبعض الدول أو التدريب العسكري. ولتحقيق ذلك تلعب الدبلوماسية الروسية وكذا الاستثمارات دورا مهما بالرغم من المنافسة.
(1) مجال التعاون العسكري
من أهم المجالات التي تعتمد عليها روسيا بأفريقيا مجال التعاون العسكري الذي يشمل بالأساس بيع الاسلحة: فروسيا واحدة من أكبر موردي الأسلحة في أفريقيا حيث تقوم بتزويد العديد من الدول الأفريقية وتعتبر روسيا إلى حد بعيد أكبر مورد للأسلحة في القارة، حيث تستحوذ على 44٪ من واردات الأسلحة إلى أفريقيا، متقدّمة بفارق كبير عن الولايات المتحدة والصين[3]. لكن أكبر مشتري الأسلحة الروسية موجودون في الشمال، مثل الجزائر والمغرب.
وتمثل دول جنوب الصحراء 2٪ فقط من إجمالي الواردات في العالم. الدول الخمس التي تشتري أكبر عدد من الأسلحة في هذه المنطقة هي أنغولا وإثيوبيا ونيجيريا ومالي وبوتسوانا[4].
فيما يتعلق بالتدريب العسكري، تقدم روسيا أيضًا تدريبات عسكرية لبعض الدول الأفريقية. على سبيل المثال، قامت بتدريب القوات المسلحة الوطنية في جمهورية أفريقيا الوسطى والقوات المسلحة السودانية، وتجدر الإشارة إلى أن التعاون بين روسيا وأفريقيا في مجال التدريب العسكري قد شهد نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. وقد أقامت روسيا علاقات عسكرية مع العديد من الدول الأفريقية، حيث تقدم التدريب والمعدات والاستشارات في مجالات مختلفة من الدفاع.
فلدى روسيا تكنولوجيا عسكرية متقدمة وخبرتها في مجالات مثل الطيران والبحرية وأنظمة الصواريخ سمحت لبعض الدول المتعاونة الاستفادة من هذه الخبرة في التدريب العسكري، مما سمح لها بتحسين قدراتها الدفاعية وتعزيز أمنها القومي، وتتيح التمارين للعسكريين الروس والأفارقة العمل معًا وتبادل التقنيات والتكتيكات. كما أنها تساعد في تعزيز العلاقات العسكرية بين الجانبين.
لكن أثار التعاون في مجال التدريب العسكري بين روسيا وأفريقيا مخاوف لدى بعض الدول الغربية حيث يخشى البعض أن تسعى روسيا إلى توسيع نفوذها في أفريقيا باستخدام التعاون العسكري كرافعة. ومع ذلك، فقد أكدت روسيا أن تعاونها مع أفريقيا في مجال الدفاع يستند إلى علاقات شراكة متبادلة.
لكن ما زاد من مخاوف البعض حول نوايا التعاون الروسي في مجال التدريب العسكري بأفريقيا هي مرتزقة قوات فاغنر الروسية. ويعود اسم قوات فاغنر إلى مؤسسها، رجل الأعمال الروسي يفغيني بريجوزين، الذي يعتقد أن لديه علاقات وثيقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتمت الإشارة إلى قوات فاغنر لأول مرة في عام 2014 في أوكرانيا[5]، حيث قدموا الدعم للانفصاليين الموالين لروسيا في حرب دونباس. منذ ذلك الحين، كان لهم دور في النزاعات في سوريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.
ويعتبر الفريق سريًا للغاية ولا يعرف العدد الدقيق لمرتزقته، على الرغم من أن التقديرات تضع عدد المرتزقة بين 2،000 و5،000. كما تشتهر قوات فاغنر باستخدام تكتيكات الحرب الشوارع وأساليب القتال غير التقليدية[6].
اتهمت قوات فاغنر بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك جرائم حرب خطيرة، في البلدان التي تعمل فيها. ودعت الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية إلى إجراء تحقيق في أنشطة المجموعة ومحاسبة المسؤولين عن أفعالهم.
في الحقيقة تواجد روسيا عبر قوات فاغنر سيخلق ارتباكا في الدول التي كانت تعتمد بالأساس في حل نزاعاتها على فرنسا التي فقدت مصداقيتها بأفريقيا لتدخلاتها التي لم تكن نتائجها إيجابية على مستوى حفظ الأمن والاستقرار في تلك الدول. الارتباك سيكون حول ما اذا أثر التنافس الروسي الصيني الفرنسي على الأمن والاستقرار في البلدان الأفريقية التي تحتاج المساعدة لاستعادة الاستقرار.
(2) الدبلوماسية والاستثمارات
تستخدم روسيا دبلوماسيتها أيضًا لتعزيز نفوذها في أفريقيا ولديها علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول الأفريقية وتسعى لإقامة شراكات استراتيجية معها. العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وبلدان أفريقيا لها تاريخ يعود إلى عهد الاتحاد السوفياتي، عندما كان الاتحاد السوفياتي له علاقات وثيقة مع حركات التحرر الوطني في أفريقيا وكان يقدم مساعدة اقتصادية وعسكرية للعديد من بلدان أفريقيا آنذاك.
ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991، شهدت العلاقات بين روسيا وبلدان أفريقيا بعض التقلبات حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى بلا منافس في العالم وبالتالي انطفأ دور روسيا في القارة. ثم انقسم البعض من حليف لروسيا كشريك له تاريخ فكري مشترك مع بعض الدول كمصر والجزائر. فيما أصبحت دول أخرى حليفا للولايات المتحدة الأمريكية وللغرب عامة. خلال فترة من الفترات، فقدت روسيا نفوذها في المنطقة، لكنها في السنوات الأخيرة زادت جهودها لتعزيز العلاقات الدبلوماسية ولمحاولة استرجاع دول كانت اشتراكية. فسعت روسيا إلى تعزيز وجودها الاقتصادي في أفريقيا خاصة في قطاعات الطاقة والتعدين والزراعة ومجالات العلوم والتكنولوجيا والتعليم حيث تنشط الشركات الروسية في العديد من الدول الأفريقية بما في ذلك مصر والجزائر وأنغولا وزيمبابوي.
ويتمحور التركيز الروسي حول دول البحر الأبيض المتوسط حيث تمثَّل التأثير الروسي في الدعم المالي لهذه الدول عبر تصفية الديون مقابل صفقات مفيدة اقتصاديا لروسيا. ففي ليبيا أعلنت عن مشاركتها في بناء سكك حديد بين بنغازي وسرت، بالإضافة إلى ذلك عقدت صفقة مع صناع القرار بليبيا كي يتم تصفية الديون الليبية التي تقدر ب 4،6 مليار مقابل اقتناء الأسلحة الروسية التي تقدر بقيمة 3 مليار دولار[7]. تصفية الديون الروسية كانت أيضا ضمن صفقاتها مع الجزائر مقابل اقتناء الأسلحة وكذا الاستفادة من الغاز الجزائري. وتسعى روسيا حاليا إقامة قاعدة عسكرية تابعة لها في ليبيا قصد تركيز نفوذها في منطقة المتوسط[8].
ومع ذلك، غالباً ما تتعقد العلاقات بين روسيا وبلدان أفريقيا بسبب المصالح المتضاربة والمخاوف الجيوسياسية. فلدى روسيا علاقات متوترة مع بعض بلدان أفريقيا بسبب قربها من الولايات المتحدة أو قوى غربية أخرى، وغالباً ما تكون بلدان أفريقيا قلقة بشأن النوايا الحقيقية لروسيا في أفريقيا.
ثالثاً: التواجد الروسي بأفريقيا بعد الحرب : تضرر سوق السلاح
تركز روسيا في علاقاتها مع دول أفريقيا على صفقات السلاح حيث تستحوذ روسيا على 44٪ من واردات الأسلحة إلى أفريقيا وتعتبر مصر ثالث أهم مستورد للأسلحة الروسية بالعالم[9].
بخصوص تجارة الأسلحة بأفريقيا، لا يمكن أن نؤكد على وجود انخفاض في الطلبات على الأسلحة الروسية فهناك عقود تم التوقيع عليها قبل الحرب ولم تنتهي بعد مرحلة التسليم. غير أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا قد أثرت على تواجد هذه الأسلحة في السوق العالمية بشكل عام، لكن وفي ظل الحرب على أوكرانيا تجد روسيا نفسها أكثر احتياجا للأسلحة وبالتالي ستعطي أولوية للجيش الروسي. من هنا يمكن أن تتوجه بعض الدول الأفريقية لموردين أخرين مثل الصين والولايات المتحدة الامريكية.
كما يجب الإشارة إلى أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تؤثر أيضًا على وجهة نظر الدول الأفريقية تجاه مصدري الأسلحة الأجانب. وقد تكون الدول الأفريقية أكثر حذرًا في شراء الأسلحة من الموردين المشاركين في النزاعات المسلحة، حتى لو لم يشاركوا فيها مباشرة، كما أن بعض الدول أصبحت تتجه نحو استراتيجيات الاعتماد على انتاج السلاح الوطني بتعاون مع دول تساعد على ذلك كالصين والولايات المتحدة الامريكية.
وبخصوص التدريبات العسكرية مع روسيا يمكن أن تلجأ بعض الدول الأفريقية لدول أخرى ذات خبرة أكبر مثل الولايات المتحدة الامريكية، فتواصل التدريبات المشتركة السنوية في اطار الأسد الأفريقي[10] يعبر عن اهتمام الدول المشاركة بالولايات المتحدة كشريك استراتيجي في مجال التدريبات العسكرية. كما يمكن للبعض الاخر من الدول الأفريقية أن تستمر في الاعتماد على الخبرة الروسية، فالتداريب المشتركة لازالت مستمرة في اطار موسي II بين روسيا وجنوب أفريقيا والصين.
وبشكل عام فقد أثار التعاون العسكري بين روسيا ودول أفريقية قلقًا لدى بعض الدول الغربية وداخل الاتحاد الأفريقي الذين عبروا عن قلقهم بشأن تأثير روسيا على قضايا الأمن في أفريقيا ودعوا إلى زيادة الشفافية في الاتفاقات العسكرية.
فيما يخص العلاقات الدبلوماسية، يبدو أن الحرب في أوكرانيا قد أثرت نوعا ما على العلاقات الدبلوماسية بين روسيا وعدة دول في العالم، بما في ذلك الدول الأفريقية. جاء التأثير بناء على موقفهم من القضية الأوكرانية.
فقد اتبعت الدول الأفريقية موقف الحياد في الصراع الأوكراني فيما عبر البعض بشكل صريح عن التضامن مع أوكرانيا.
على سبيل المثال، في عام 2014، أصدر الاتحاد الأفريقي بيانًا يعرب عن قلقه بشأن الأزمة في أوكرانيا، مؤكدًا مبدأ احترام السيادة الوطنية وسلامة الأراضي، وداعيًا جميع الأطراف إلى ضبط النفس وحل الأزمة بطريقة سلمية.[11]
كما اتخذت العديد من الدول الأفريقية إجراءات لإدانة ضم القرم من قبل روسيا في عام 2014، وبعضها طرد دبلوماسيين روسً احتجاجًا. وعلى الرغم من الصراع في أوكرانيا، احتفظت بعض الدول الأفريقية بعلاقات إيجابية مع روسيا وعلى رأسها الجزائر التي امتنعت عن التصويت بالأمم المتحدة لسحب القوات الروسية من أوكرانيا، هذا الموقف يعبر عن تمسك الجزائر بالحليف الروسي، كما أن دولا عبرت عن رفضها لهذا القرار كمالي وايريتريا[12] مما يبين انحياز هذه الدول لروسيا وعن علاقاتها الوطيدة مع روسيا.
فيما يخص الاستثمارات، بعد الحرب في أوكرانيا، كانت الاستثمارات الروسية في أفريقيا متواضعة نسبيًا، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا ردًا على ضم القرم في عام 2014.
ومع ذلك، استمرت روسيا في البحث عن فرص الاستثمار في أفريقيا، خاصةً في قطاعات الطاقة والموارد الطبيعية. على سبيل المثال، في عام 2019، وقّعت شركة النفط الروسية “روسنفت” اتفاقات مع الجزائر وموزمبيق وغانا، بينما استثمرت شركة التعدين “ألروسا” في مشاريع تعدين في أنغولا وناميبيا وسيراليون.
تتجسد الرؤية الاستراتيجية لروسيا في المنطقة من خلال اتفاقيات التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية (المغرب ونيجيريا والكونغو)، ومع ذلك، تظل الاستثمارات الروسية في أفريقيا متواضعة نسبيًا مقارنة بتلك التي تقوم بها الصين أو الغرب في أفريقيا. وتستمر روسيا في البحث عن فرص الاستثمار في أفريقيا، ولكن العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب والمشاكل الاقتصادية الداخلية لروسيا قد تقيد قدرتها على الاستثمار بشكل كبير في المنطقة.
الخاتمة:
النفوذ الروسي بأفريقيا قد بدأ منذ الحقبة السوفياتية حيث أن بعض الدول الأفريقية لم تنسى الدعم المالي واللوجيستي والعسكري للاتحاد السوفياتي خلال فترات التحرر من الاستعمار الأوروبي. منذ تلك الفترة أصبحت الأيديولوجية المبنية على النظام الاشتراكي هي السائدة في المناطق التي تم دعمها. لكن هذا النفوذ قد تراجع عند تبني دول أخرى للإيديولوجية الغربية المبنية على الفكر الرأسمالي وعلى مبادئ الليبرالية والانفتاح على السوق العالمية. وزاد الانقسام بالضبط عند انهيار الاتحاد السوفياتي وكذا ظهور النظام الدولي العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى. خلال تلك الفترة بالذات، انقسمت الدول الأفريقية لحلفاء للغرب الليبرالي وأخرى للشرق الاشتراكي. الانقسام الأفريقي قد زاد من حدته خصوصا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، فالدول التي لها علاقات وطيدة مع روسيا والتي تقتني الأسلحة الروسية أصبحت متخبطة فلم تعبر عن التنديد بالحرب وفي نفس الوقت ظلت صامتة وامتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة عندما تعلق الأمر بروسيا(الجزائر كمثال). أما الدول التي ليس لديها ماضي مع الاتحاد السوفياتي والتي تتبنى الفكر الليبرالي فقد حاولت أن تلعب دور الحياد لكنها وبعد مرور عام وبما أنها حريصة على المصالح الاقتصادية مع الدول التي تنتمي للناتو، فقد عبرت عن رفضها للحرب عبر التصويت في الأمم المتحدة من أجل وقف الحرب.
من هنا نستنتج بأن الحرب الروسية على أوكرانيا قد تؤثر على النفوذ الروسي بالسوق الأفريقية للسلاح نظرا للعقوبات المفروضة على روسيا، حيث أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بالضغط على هذه الدول كي تمنع الصفقات مع روسيا. أما فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية والاستثمارات فالمنافسة الشرسة مع الدول الغربية وأيضا الصين قد تزيد من انطفاء التواجد الروسي بالقارة خصوصا مع انشغال الروس في الحرب.
[1] Sommet de Sotchi: la grande offensive russe en Afrique. Official website of the Ecowas parliament. https://urlz.fr/lXHJ . Rapport, 2019.
[2] النسخة الكاملة للخطاب عبر موقع الكرملينKremlin.ru.
[3] Institut d’Etudes de Sécurité. https://urlz.fr/lXIr
[4] Ibid.
[5] Band of Brothers: The Wagner Group and the Russian State. Center for Strategic and International Studies. 21-09-2020.
[6] R. Tésorière. Groupe Wagner : comment l’armée fantôme de Poutine déstabilise la présence française en Afrique », le Parisien.fr.18-02-2022.
[7] IREMOS. Les influences russes et chinoises sur le continent africain. 29-11-2022. https://urlz.fr/lXI7
[8] Ibid.
[9] Peter Fabricius. L’Afrique ne devrait pas sous-estimer l’influence déstabilisatrice de la Russie. Institut d’Etudes de Sécurité. 24-02-2023.
[10] الأسد الأفريقي هو أكبر تمرين سنوي مشترك للقيادة الأمريكية في إفريقيا يستضيفه المغرب وجيبوتي وغانا والسنغال وتونس كل سنة. ففي ماي القادم سيضم التدريب أكثر من 10000 مشارك من 20 دولة الى جانب دول الناتو مع التركيز على تعزيز الاستعداد للقوات الأمريكية والدول الشريكة.
[11] الموقع الرسمي للاتحاد الافريقي ، أنظر في : www.au.int
[12] الموقع الرسمي للأمم المتحدة أنظر في : www.un.org